فقه البيوع :1- أركان عقد البيع وشروط صحته

تاريخ الإضافة 14 أغسطس, 2023 الزيارات : 14136

فقه البيوع :1- أركان عقد البيع وشروط صحته

تمهيد

وجوب العلم بأحكام البيع والشراء:

يجب على كل من تصدى للكسب أن يكون عالما بما يصححه ويفسده لتقع معاملته صحيحة، وتصرفاته بعيدة عن الفساد.
وكان عمر، رضي الله عنه، يطوف بالسوق ويقول: (لا يبع في سوقنا إلا من يفقه، وإلا أكل الربا، شاء أم أبى)

وقد أهمل كثير من المسلمين الآن تعلم فقه المعاملات وأغفلوا هذه الناحية وأصبحوا لا يبالون بأكل الحرام أو الحلال طالما زاد الربح وتضاعف الكسب.
وهذا خطأ كبير يجب أن يسعى في علاجه كل من يزاول التجارة، ليتميز له المباح من المحظور، ويطيب له كسبه ويبعد عن الشبهات بقدر الإمكان.

أولا/ تعريف البيع

البيع معناه لغة: مبادلة شيء بشيء، مأخوذ من الباع لأن كل واحدٍ من المتبايعين يمد باعه للأخذ والإعطاء (الباع الذراعين مع الصدر والمقصود يعطي ويناول باليمين والشمال)

ويقال في اللغة : باع الشيء إذا أخرجه من ملكه أو أدخله فيه، فهو من ألفاظ الأضداد في اللغة ومثله في ذلك لفظ الشراء إذ يستعمل في إدخال الشيء في الملك وإخراجه منه وقد جاء من استعماله في الإخراج قوله تعالى حكاية عن إخوة يوسف : (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ ) [ يوسف:20]
ولكن غلب استعمال لفظ البيع في الإخراج من الملك واستعمال لفظ الشراء في الإدخال في الملك، وقد جرى اصطلاح الفقهاء على ما هو الغالب فيهما

ويراد بالبيع شرعا: مبادلة مال بمال على سبيل التراضي أو نقل ملك بعوض على الوجه المأذون فيه.

فالبيع يندرج تحت عقود (المعاوضات )لأن فيه مبادلة.

أنواع العقود في الإسلام:

يُقَسِّم أهل العلم أنواع العقود إلى أربعة أقسام:

القسم الأول: عقود المعاوضات: وهي التي يكون فيها المبادلة، كالبيع، والإجارة، ونحوها، يبذل الشخص شيئًا، ويأخذ بدلًا منه شيئًا آخر.

القسم الثاني: عقود التبرعات: التي يكون فيها بذل من جانب واحد دون الجانب الآخر، مثل: الهبة، الصدقة، الهدية.. ونحو ذلك.

القسم الثالث: عقود التوثيقات: التي يراد منها توثيق عقد آخر، لا تراد لذاتها هذه العقدة، وإنما تراد لتوثيق عقد آخر مثل عقد الضمان، والرهن، والكفالة.

القسم الأخير: عقود المشاركات: أن يجتمع اثنان – شريكان – لأجل المتاجرة بالمال بقصد الاشتراك في الربح.

ثانيا/ دليل مشروعيته

البيع مشروع بالكتاب والسنة وإجماع الأمة.
أما الكتاب فيقول الله تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا) [البقرة: 275]
وأما السنة: فلقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ( أفضل الكسب عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور) يعني لا غش فيه.
وقد أجمعت الأمة على جواز البيع والتعامل به من عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى يومنا هذا.

ثالثا / حكمة مشروعيته

شرع الله البيع توسعة منه على عباده، فإن لكل فرد من أفراد النوع الإنساني ضرورات من الغذاء والكساء وغيرها مما لا غنى للإنسان عنه ما دام حيا، وهو لا يستطيع وحده أن يوفرها لنفسه لأنه مضطر إلى جلبها من غيره.
وليس ثمة طريقة أكمل من المبادلة، فيعطي ما عنده مما يمكنه الاستغناء عنه بدل ما يأخذه من غيره مما هو في حاجة إليه.

رابعا/ الأثر المترتب عليه

إذا تم عقد البيع واستوفى أركانه وشروطه ترتب عليه نقل ملكية البائع للسلعة إلى المشتري، ونقل ملكية المشتري للثمن إلى البائع، وحل لكل منهما التصرف فيما انتقل ملكه إليه بكل نوع من أنواع التصرف المشروع.

خامسا / أركان عقد البيع

أركان عقد البيع: ثلاثة:

العاقدان والمعقود عليه والصيغة. 

الركن الأول / العاقدان (البائع والمشتري):

ويشترط في العاقد:

1- أن يكون جائز التصرف رشيدا بأن يكون بالغا ،عاقلا ،غير محجور عليه بسفه ، وهاكم التفصيل:

بالغا : وأجاز بعض الفقهاء بيع الصبي إذا بلغ سن التمييز ، فلا يصح عقد الصبي الغير مميز (الذي لا يميز الأمور من بعضها ولا يفرق بين الأشياء الغالية والرخيصة)أما المميز فعقده صحيح، ويتوقف على إذن الولي، فإن أجازه كان معتدا به شرعا.

والشافعية لا يرون جواز بيع الصبي ولو أذن له وليه ، قال النووي : مذهبنا أنه لا يصح سواء أذن له الولي أم لا , وبه قال أبو ثور ، وقال الثوري وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق : يصح بيعه وشراؤه بإذن وليه؛ قالوا : لأن العقل يتزايد تزايداً خفياً ولا يمكن معرفة الحد الذي يصلح به التصرف ، فجعل الشارع له ضابطاً وهو البلوغ , فلا يثبت له أحكام العقلاء قبل وجود البلوغ ، ويرد عليهم بأن الله قد قال {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} (6) سورة النساء، أي اختبروهم لتعلموا رشدهم ، وإنما يتحقق اختبارهم بتفويض التصرف إليهم من البيع والشراء ليعلم هل يُغبن أو لا  وقولهم : إن العقل لا يمكن الاطلاع عليه فإن ذلك يعلم ذلك بجريان تصرفاته على وفق المصلحة .

عاقلا: فلا يصح عقد المجنون ولا السكران، فإذا كان المجنون يفيق أحيانا ويجن أحيانا كان ما عقده عند الإفاقة صحيحا وما عقده حال الجنون غير صحيح.

رشيدًا: فلا يصح بيع السفيه (ضعيف العقل) والسفيه هو الذي يتصرف في ماله بطريقة تدل على أنه غير راشد فيحجر عليه، والحاصل أنه يجب أن يكون التعامل بين طرفين راشدين ، فإن قيل فكيف بالتعامل مع الآلة ، وكيف يتحقق شرط الرشد فيها ، والجواب أن التعامل هنا في الأساس مع الشركة التي وضعت الآلة ، وليست الآلة سوى وسيلة للقبض فقط .

2- أن يكون مختارا : لقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) [النساء 29]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما البيع عن تراض )  فلا يصح بيع المكره بغير حق ولا يترتب على بيعه أثر، أما المكره بحق فينفذ أثرالبيع وذلك كما لو أَكره الدائن المدين على بيع ماله لقضاء الدين الواجب، أو أكره الحاكم الممتنع من الزكاة على الأداء، ونحو ذلك

والإكراه بحق يسميه الفقهاء إجبارًا، ويفرقون بينه وبين مطلق الإكراه بأن الإجبار لا يكون إلا ممن له ولاية شرعية في أمر يجب أداؤه على المجبر شرعًا.

الركن الثاني من أركان البيع المعقود عليه

ويشترط في ستة شروط:

  1. طهارة العين.
  2. الانتفاع به.
  3. ملكية العاقد له.
  4. القدرة على تسليمه.
  5. العلم به.
  6.  كون المبيع مقبوضا.

وتفصيل هذه الشروط فيما يأتي:

 الشرط الأول: أن يكون طاهر العين:

لحديث جابر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام )

 والعلة في تحريم بيع الثلاثة الأولى، هي النجاسة عند جمهور العلماء، فيتعدى ذلك إلى كل نجس.

 وأما الخنزير فمع كونه نجسا إلا أن به ميكروبات ضارة لا تموت بالغلي وهو يحمل الدودة الشريطية التي تمتص الغذاء النافع من جسم الإنسان.
وأما تحريم بيع الميتة فلأنها غالبا ما يكون موتها نتيجة أمراض فيكون تعاطيها مضرا بالصحة، فضلا عن كونها مما تعافه النفوس.
وما يموت فجأة من الحيوانات فإن الفساد يتسارع إليه لاحتباس الدم فيه، والدم أصلح بيئة لنمو الميكروبات التي قد لا تموت بالغلي.
ولذلك حرم الدم المسفوح أكله وبيعه لنفس الأسباب.
واستثنى الأحناف والظاهرية كل ما فيه منفعة تحل شرعا فجوزوا بيعه، فقالوا: يجوز بيع الأرواث والأزبال النجسة التي تدعو الضرورة إلى استعمالها في البساتين، وينتفع بها وقودا وسمادا.
وكذلك يجوز بيع كل نجس ينتفع به في غير الأكل والشرب كالزيت النجس يستصبح به ويطلى به ، فقد روى البيهقي بسند صحيح أن ابن عمر سئل عن زيت وقعت فيه فأرة فقال: «استصبحوا به وادهنوا به وأدمكم».

حكم بيع عظم الميتة:

يدخل العظم حديثا في العديد من الصناعات كصناعة السكر والجيلاتين والعلف والغراء والتحف وغيرها من الصناعات .
هذا وقد اختلف الفقهاء بشأن حكم بيع عظم الميتة ونحوه مثل القرن، والحافر، والظفر، والظلف، ومنشأ هذا الخلاف أنهم اختلفوا قبل ذلك بشأن مدى طهارة هذه الأشياء أو عدم ذلك، وبمراجعة نصوص ما ذكره الفقهاء بشأن حكم بيع عظم الميتة يتضح لنا الآتي:
أ- منع بيع عظم الميتة ومنع الانتفاع به، وإلى هذا ذهب المالكية في القول المشهور عندهم وهو مذهب الشافعية والحنابلة أيضاً.
ب-  جواز بيع عظم الميتة والانتفاع به شرعاً، وهذا قول المالكية غير المشهور، وهو رواية عن الإمام أحمد بن حنبل، وهو مذهب الحنفية على خلاف بينهم في عظم الخنْزير والفيل ونابه.
والذي يترجح لدي القول بجواز بيع عظم الميتة والانتفاع به ما عدا عظم الخنْزير؛ لان الأصل في هذه كلها الطهارة ، ولا دليل على النجاسة .

ولأنه لا روح فيه ومالا روح فيه لا ينجس بالموت، وقال الزهري : في عظام الموتى نحو الفيل وغيره : أدركت ناسا من سلف العلماء يمتشطون بها ويدهنون فيها ، لا يرون به بأسا ، رواه البخاري معلقا

وعلى هذا فلا مانع من اعتبار عظم الميتة محلاً للتصرفات المالية ومنها البيع والإتجار فيه شأنه في هذا شأن باقي الطاهرات المباحة، خاصة لو كان في هذه العظام نفع للعباد، وذلك لأن المقرر شرعاً أن كل ما فيه مصلحة ونفع للعباد لا يمنعه الشرع، بل يسهل طرق التعامل فيه طالما أنه غير محظور شرعاً، مع مراعاة الاستثناء الخاص بالنسبة لعظم الخنْزير؛ وذلك لنجاسة عينه المقرر بالكتاب والسنة.

حكم بيع جلود الميتة:

 ما حكم تطهير جلود الميتة بالدباغ:

للفقهاء أربعة أقوال:

1- الشافعي وأحمد : يطهر كل شيء إلا الكلب والخنزير.
2-
مالك :لم يجعل الدبغ من المطهرات وحملوا الطهارة الواردة في الحديث على الطهارة اللغوية يعني النظافة، وفي المذهب رواية أخرى أنه مطهر .
3-
أبو حنيفة : يطهر كل شيء إلا الخنزير أما الكلب فإنه يطهر بالدبغ لأنه ليس نجس العين .
4-
قول أبي يوسف وداود الظاهري والشوكاني :يطهر كل شئ حتى جلد الكلب والخنزير ، وهو الراجح ؛ لأن الأحاديث الواردة في هذا الباب لا فرق فيها بين الكلب والخنزير وما عداهما كما قال الشوكاني في نيل الأوطار .

وعلى هذا ما ظهر الآن من بعض الصناعات الجلدية خاصة من جلود الحيوانات (كالحقائب والأحذية والملابس) لا حرج من بيعها وشرائها واستعمالها.

 الأدلة:
أ- ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (مرعلى شاة ميتة فقال: هلا انتفعتم بإهابها، فقالوا: إنها ميتة، فقال: إنما حرم أكلها.)
ب- ما رواه ابن عباس أيضاً حيث قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا دبغ الإهاب فقد طهر) وفي رواية أخرى: (أيما إهاب دبغ فقد طهر)

الشرط الثاني: أن يكون منتفعا به:

فلا يجوز بيع الحشرات ولا الأشياء التي لا فائدة فيها كالحيات والعقارب والخنافس ونحوها لأنه إضاعة للمال وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، ولأنه نوع من العبث، فإن كان فيها منفعة كدودة القز التي تنتج الحرير جاز بيعها إلا إذا كان ينتفع بها ، ويجوز بيع الهرة والنحل وبيع الفهد والأسد وما يصلح للصيد أو ينتفع بجلده، ويجوز بيع الفيل للحمل ويجوز بيع الببغاء والطاووس والطيور المليحة الصورة، وإن كانت لا تؤكل، فإن الترفه بأصواتها والنظر إليها غرض مقصود مباح.

هل يجوز بيع الكلاب؟

أولا ما حكم اقتناء الكلب؟

لا يجوز اقتناء الكلب إلا في ثلاثة مواضع للصيد أو للماشية أو للزرع لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من اتخذ كلباً إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع انتقص من أجره كل يوم قيراط) متفق عليه.

  وعن سفيان بن أبي زهير رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من اقتنى كلباً، لا يغني عنه زرعاً ولا ضرعاً، نقص من عمله كل يوم قيراط) متفق عليه.

وقاس بعض العلماء المعاصرين ما إذا كان هناك نفع ظاهر، مثل من يحتاج لحراسة الكلاب في منطقة يشتهر فيها اللصوص، وأيضا ما يعرف الآن بالكلاب البوليسية التي يُستفاد منها مثلا في الكشف عن المخدرات ونحو ذلك، والكلب الذي يقود الأعمى ويساعده، أما اقتناء الكلب لغير هذه الأمور فلا يجوز .

وأما بيع وشراء الكلب فقد اختلف فيه أهل العلم إلى ثلاثة أقوال:

القول الأول / لا يجوز بيعه ولا شراؤه مطلقاً وهو مذهب الشافعية والحنابلة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن ثمن الكلب) متفق عليه ، ولمسلم ( شر كسب: مهر البغي وثمن الكلب ) وله أيضاً ( ثمن الكلب خبيث ) وفي الصحيحين (لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلبٌ ولا صورة ) 

القول الثاني / الجواز مطلقاً وهو مذهب الحنفية 

القول الثالث / جواز بيع وشراء الكلب المأذون باتخاذه وهو كلب الصيد والماشية والزرع وهو قول بعض المالكية واحتجوا بما رواه النسائي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب والسنور إلا كلب صيد ) ولكن قد قال النسائي هذا منكر وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن ثمن الكلب إلا كلب صيد ) قال الترمذي : هذا حديث لا يصح من هذا الوجه وأبو المهزم اسمه يزيد بن سفيان وتكلم فيه شعبة بن الحجاج وضعفه، وقد روي عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو هذا ولا يصح إسناده أيضاً  انتهى كلامه .

وقال في المغني: قال أحمد هذا من الحسن بن أبي جعفر وهو ضعيف ، وقال الدار قطني : الصحيح أنه موقوف على جابر وذكر كلام الترمذي قلت: وقد روى مسلم حديث جابر دون قوله إلا كلب صيد فدل على كون هذه الزيادة ضعيفة 

والقول الراجح قول المالكية أن الكلب المعلم يجوز بيعه ويكون الثمن من أجل التعلم لا من أجل كونه كلباً.

 

الشرط الثالث: أن يكون المتصرف فيه مملوكا للمتعاقد:

أو مأذونا فيه من جهة المالك، فإن وقع البيع أو الشراء قبل إذنه فإن هذا يعتبر من تصرفات الفضولي.

حكم بيع الفضولي:

والفضولي هو الذي يعقد لغيره دون إذنه، كأن يبيع الزوج ما تملكه الزوجة دون إذنها، أو يشتري لها ملكا دون إذنها له بالشراء.
ومثل أن يبيع إنسان ملكا لغيره وهو غائب، أو يشتري – دون إذن منه – كما يحدث عادة.

وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:

القول الأول / أنه لا يجوز وهو مذهب الشافعية في الجديد والحنابلة في رواية وأبي ثور وابن المنذر، لأنه قد باع ما لا يملك وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام رضي الله عنه عندما أخبره أنه يبيع الشيء وليس عنده ثم يمضي فيشتريه ويسلمه ( لا تبع ما ليس عندك )  أي ما لا تملك ، ولأنه باعه ما لا يقدر على تسليمه لاحتمال عدم رضا المالك .

والقول الثاني / أنه يجوز إذا أجاز المالك وهو مذهب مالك والشافعي في القديم ورواية عن أحمد.

وهذا القول هو الراجح ويدل له ما جاء في صحيح البخاري عن عروة بن الجعد البارقي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ديناراً ليشتري له به شاةً فذهب واشترى بهذا الدينار شاتين و باع إحدى الشاتين بدينار وأتى النبي صلى الله عليه وسلم بشاةٍ و دينار فقال النبي صلى الله عليه و سلم (بارك الله لك في صفقة يمينك) فكان عروة لو اشترى تراباً لربح فيه ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم.

ووجه الدلالة من القصة أن عروة اشترى بالدينار شاتين فأصبحت الشاتان ملك النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك تصرف وباع إحدى الشاتين بدينار وأقرّه النبي صلى الله عليه وسلم فدلَّ ذلك على صحة تصرف الفضولي لكن بإجازة المالك.

ولا يجوز للفضولي أخذ الزيادة لأن المال كله لصاحبه إلا أن يقول له مثلاً بع هذه السلعة بعشرة فما زاد فهو لك أو يخبره فيقول أنت قلت لي أن أبيعها بكذا وأنا بعتها لك بزيادة فإن رضي بإعطائه الزيادة وإلا لا يجوز له أن يأخذ الزيادة ومطلوب في أبواب التعامل بين الناس الصدق والبيان والوضوح وهذا من أعظم أسباب حلول البركة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (البيعان بالخيار مالم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهم) متفق عليه

الشرط الرابع: أن يكون المعقود عليه مقدورا على تسليمه شرعا وحسا:

فما لا يقدر على تسليمه حسا لا يصح بيعه كالسمك في الماء، وقد روى أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال (لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر)

ويدخل في هذا بيع الطير المنفلت الذي لا يعتاد رجوعه إلى محله، فإن اعتاد الطائر رجوعه إلى محله،  لم يصح أيضا عند أكثر العلماء إلا النحل، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع الإنسان ما ليس عنده.
ويدخل في هذا الباب عسب الفحل، وهو ماؤه، والفحل الذكر من كل حيوان: فرسا، أو جملا أو تيسا، وقد نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم كما رواه البخاري وغيره، لأنه غير متقوم ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه.
وقد ذهب الجمهور إلى تحريمه بيعا وإجارة، ولا بأس بالكرامة، وهي ما يعطى على عسب الفحل من غير اشتراط شيء عليه.
وقيل: يجوز إجارة الفحل للضراب مدة معلومة وبه قال: الحسن وابن سيرين، وهو مروي عن مالك، ووجه للشافعية والحنابلة.
وكذلك بيع اللبن في الضرع – أي قبل انفصاله – لما فيه من الغرر والجهالة.
قال الشوكاني: إلا أن يبيع منه كيلا، نحو أن يقول: بعت منك صاعا من حليب بقرتي ؛ فإن الحديث يدل على جوازه لارتفاع الغرر والجهالة.
وكذا لا يجوز بيع الصوف على ظهر الحيوان، فإنه يتعذر تسليمه لاختلاط غير المبيع بالمبيع.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباع تمر حتى يطعم، أو صوف على ظهر أو لبن في ضرع، أو سمن في اللبن. رواه الدار قطني: والمعجوز عن تسليمه شرعا كالمرهون والموقوف، فلا ينعقد بيعهما.

الشرط الخامس: أن يكون كل من المبيع والثمن معلوما:

فإذا كانا مجهولين أو كان أحدهما مجهولا فإن البيع لا يصح لما فيه من غرر، والعلم بالمبيع يكتفى فيه بالمشاهدة، أما ما كان في الذمة فلا بد من معرفة قدره وصفته بالنسبة للمتعاقدين.

فمثال الرؤية / أبيعك هذه السيارة التي تراها أمامك بكذا فيجوز.

ومثال الوصف المضبوط/ أبيعك سيارة نوعها كذا وموديلها كذا ولونها كذا، بذكر الأوصاف التي يختلف بها الثمن فإذا تم العقد ورأى المشتري السلعة على تلك المواصفات فالبيع في حقه لازم أما إذا اختلف أحد الأوصاف التي يختلف بها الثمن ظاهرًا فله الخيار في إتمام البيع أو فسخه.

والثمن يجب أن يكون معلوم الصفة والقدر والأجل.

حكم بيع ما في رؤيته مشقة أو ضرر:

وكذا يجوز بيع المغيبات إذا وصفت أو علمت أوصافها بالعادة والعرف.
وذلك كالأطعمة المحفوظة والأدوية المعبأة في القوارير وأنابيب الأكسجين وصفائح البنزين والغاز ونحو ذلك مما لا يفتح إلا عند الاستعمال لما يترتب على فتحه من ضرر أو مشقة.
ويدخل في هذا الباب ما غيبت ثماره في باطن الأرض مثل الجزر واللفت والبطاطس والقلقاس والبصل، وما كان من هذا القبيل.
فإن هذه لا يمكن بيعها بإخراج المبيع دفعة واحدة لما في ذلك من المشقة على أربابها، ولا يمكن بيعها شيئا فشيئا لما في ذلك من الحرج والعسر، وربما أدى ذلك إلى فساد الأموال .

الشرط السادس: أن يكون المبيع مقبوضا:

أما التصرف بالبيع قبل القبض فإنه لا يجوز، إذ يحتمل أن يكون هلك عند البائع الأول فيكون بيع غرر، وبيع الغرر غير صحيح سواء أكان عقارا أم منقولا وسواء أكان مقدرا أم جزافا، لما رواه أحمد والبيهقي وابن حبان بإسناد حسن أن حكيم بن حزام قال: يا رسول الله إني أشتري بيوعا فما يحل لي منها وما يحرم؟ قال: «إذا اشتريت شيئا فلا تبعه حتى تقبضه».
وروى البخاري ومسلم: أن الناس كانوا يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتروا طعاما جزافا أن يبيعوه في مكانه حتى يؤدوه إلى رحالهم.

معنى القبض:

والقبض في العقار يكون بالتخلية بينه وبين من انتقل ملكه إليه على وجه يتمكن معه من الانتفاع به فيما يقصد منه، كزرع الأرض وسكنى المنزل والاستظلال بالشجر أو جني ثماره ونحو ذلك.
والقبض فيما يمكن نقله كالطعام والثياب والحيوان ونحو ذلك يكون على النحو الاتي:
أولا: باستيفاء القدر كيلا أو وزنا إن كان مقدرا.
ثانيا: بنقله من مكانه إن كان جزافا.
ثالثا: يرجع إلى العرف فيما عدا ذلك.
ودليل وجوب النقل من مكانه ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «كنا نشتري الطعام من الركبان جزافا، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه». وليس هذا خاصا بالطعام، بل يشمل الطعام وغيره كالقطن والكتان وأمثالهما إذا بيعت جزافا، لأنه لا فرق بينهما.
أما ما عدا هذا مما لم يرد فيه نص فيرجع فيه إلى عرف الناس وما جرى عليه التعامل بينهم، وبهذا نكون قد أخذنا بالنص ورجعنا إلى العرف فيما لا نص فيه.

حكمته:

وحكمة النهي عن بيع السلع قبل قبضها زيادة على ما تقدم: أن البائع إذا باعها ولم يقبضها المشتري فإنها تبقى في ضمانه، فإذا هلكت كانت خسارتها عليه دون المشتري.
فإذا باعها المشتري في هذه الحال وربح فيها كان رابحا لشيء لم يتحمل فيه تبعة الخسارة، وفي هذا يروي أصحاب السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ربح ما لم يضمن ، وأن المشتري الذي باع ما اشتراه قبل قبضه يماثل من دفع مبلغا من المال إلى آخر ليأخذ في نظيره مبلغا أكثر منه، إلا أن هذا أراد أن يحتال على تحقيق قصده بإدخال السلعة بين العقدين، فيكون ذلك أشبه بالربا.

الركن الثالث من أركان البيع : الصيغة:

البيع ينعقد بالإيجاب والقبول، ويستثنى من ذلك الشيء الحقير، فلا يلزم فيه إيجاب وقبول، وإنما يكتفى فيه بالمعاطاة، ويرجع في ذلك إلى العرف وما جرت به عادات الناس غالبا.

صيغ البيع:

البيع ينعقد بصيغتين:

1-الصيغة القولية: عن طريق الإيجاب والقبول يقول البائع بعتك ويقول المشتري قبلت أو ما في معناهما من عبارات ولو عن طريق الاتصال بالهاتف أو الانترنت أو عبر الرسائل العادية أو الإلكترونية أو الفاكس أو نحو ذلك.

2-الصيغة الفعلية: وهي المعاطاة أعطيك مثلاً هذا الكتاب و تعطيني الدراهم أو أعطيك الدراهم وتعطيني التذاكر مثلاً ،وأيضا أنت تشتري عن طريق بطاقة الفيزا في الإنترنت ، فهل حصل هنا تراض ؟ أيضا ماكينات القهوة والحلوى والعصائر، ونحوها المنتشرة بالبلاد الغربية التي تضع فيها نقوداً وتخرج لك ما تطلبه منها.

 والمشهور عند الشافعية أن البيع لا يصح إلا بالقول و لا يصح بالفعل قياساً على النكاح، ولكن هذا مرجوح فكل ما دل على البيع من قول أو فعل يصح به البيع، لأن الشارع أطلق لفظ البيع وكل ما كان مطلقاً في الشرع فمرده إلى العرف فما تعارف الناس على كونه بيعاً وليس فيه محذور من جهة الشرع فهو بيع.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: تصح العقود بكلِّ ما دلّ على مقصودها من قولٍ أو فعل.

ولا يقاس البيع على النكاح للفارق بينهما.

شروط الصيغة:

ويشترط في الإيجاب والقبول، وهما صيغة العقد:
أولا: أن يتصل كل منهما بالآخر في المجلس دون أن يحدث بينهما فاصل .

ثانيا: أن يتوافق الإيجاب والقبول فيما يجب التراضي عليه من مبيع وثمن، فلو اختلفا لم ينعقد البيع.

فلو قال البائع: بعتك هذا الثوب بخمسة جنيهات، فقال المشتري: قبلته بأربعة، فإن البيع لا ينعقد بينهما لاختلاف الإيجاب عن القبول.

ثالثا: وأن يكون بلفظ الماضي مثل أن يقول البائع: بعت، ويقول المشتري: قبلت. أو بلفظ المضارع إن أريد به الحال، مثل: أبيع وأشتري، مع إرادة الحال.
فإذا أراد به المستقبل أو دخل عليه ما يجعله للمستقبل كالسين وسوف ونحوهما كان ذلك وعدا بالعقد.

والوعد بالعقد لا يعتبر عقدا شرعيا نافذا ملزما .

حكم الإشهاد على البيع:

ويستحب الإشهاد على البيع لقوله تعالى (وأشهدوا إذا تبايعتم) لأنه أقطع للنزاع وأبعد عن التجاحد وخاصةً في الأشياء العظيمة وأما القليلة فلا يستحب وهو قول الشافعية والحنفية.

 


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 278 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم