الفراسة

تاريخ الإضافة 18 سبتمبر, 2022 الزيارات : 2977

الفراسة

تعريف الفراسة

الفراسة فى اللغة هى النظر والتثبت والتأمل في الشيء والبصر به، يقال: تفرست فيه الخير، أي: تعرفته بالظن الصائب، وتفرس في الشيء: أي: توسمه، فالفراسةُ ناشئة عن جودة القريحة وحدَّة النظر وصفاء الفكر.

والفراسة: هي الظن الصائب الناشئ عن تثبيت النظر في الظاهر لإدراك الباطن، والفراسةُ: هي الاستدلال بالأمور الظاهرة على الأمور الخفية، وهي أيضاً ما يقع في القلب بغير نظرٍ وحجة.

الدليل على الفراسة :

قال تعالى ” وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ” محمد 3.

فالآية خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفيها يمن الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بهذا العطاء عطاء التفرس وعطاء الاستدلال بالظاهر على الباطن ، فهى هبة من الله أن يستدل النبى على خبث طوية المنافقين وما يكنوه من حقد دفين وعداء ظاهر وباطن لدين الله وأتباعه ، وذلك كله من خلال لحن القول وهو أمر ظاهر .

ودعاالقرآن إلى التفرس والتوسم والاستدلال بالظاهر على الباطن فقال تعالى “إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ” الحجر 75

والتوسم هو الفعل من الوسم وهى العلامة التى يستدل بها على مطلوب غيرها

قال الحسن :المتوسمون هم الذين يتوسمون الأمور فيعلمون أن الذى أهلك قوم لوط قادرعلى أن يهلك الكفار فهذا من الدلائل الظاهرة .

وحديث النبى صلى الله عليه وسلم “اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله حسنه الإمام الهيثمي في مجمع الزوائد والسيوطي وأحمد شاكر في مقدمة عمدة التفاسير وضعفه الشوكاني والألباني

وأيضا قوله صلى الله عليه وسلم “إن لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم ” حسنه الألبانى

وقوله صلى الله عليه وسلم عن عمر (إنه كان قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون ، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب) رواه البخاري

الفرق بين الفراسة والظن :

هناك فرق بين الفراسة وبين الظن ، لذا قيدت الفراسة بأنها ظن صائب .

أما الظن فيصيب ويخطئ ، كما أن الظن يكون مع الطاعة ومع المعصية بل يكون مع حياة القلب أو مرضه أو حتى موته ومنه ما هو حرام لذا قال تعالى ناصحا عباده المؤمنين بتحاشى هذا النوع من الظن لأنه مذموم فقال “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ” الحجرات 12

الفرق بين الفراسة والحاسة السادسة :

الفراسة كما سبق تعتبر قراءة للشخص الذي أمامك وما تخفيه قسمات وجهه وفلتات لسانه ، أما الحاسة السادسة فهي إحساس فطري لا إرادي يمكن صاحبه من توقع الأمور قبل أن تقع ، وهي توجد عند الكثير وخاصة النساء ، ولكن بمستويات متفاوتة.

ومثال ذلك:أم تجلس في بيتها وفجأة ينتابها شعور بأن ابنها قد أصابه مكروه ، وبعد أن تفحص الموضوع تتأكد أن إحساسها صحيح ، مع أنها قد تكون بينها وبينه أميال .

والفراسة نوعان :

أحدهما: نوع يعلم بالدلائل والتجارب والخَلق والأخلاق فتعرف به أحوال الناس ، وهذه لا فرق فيها بين المؤمن والكافر .

وعليه فالفراسة من هذا النوع شيء كسبي يكون بالتعلم ، وهذا النوع من الفراسة كان موجودا عند العرب منذ القدم، وبرعوا فيه وكان لهم صولات وجولات، فكانوا يقومون بالتعرف على آثار الأقدام على الأرض والتعرف على الخيول العربية الأصيلة، والتعرف على الأنساب والاهتداء بالنجوم في الصحراء.. إلخ

وخبراء الطب النفسي حديثا يستطيعون تحليل الشخص من خلال وجهه وحركات يده وتعبيرات عينه ، فهم يستدلون بالخلق على الخٌلق لما بينهما من الارتباط الذى اقتضته حكمة الله.

الشافعي وكتب الفراسة :

ويؤثر عن الشافعي أنه سافر اليمن خصيصاً لطلب كتب الفراسة وشرائها وحدث له عند رجوعه قصة طريفة قال: مررتُ في طريق بفناء دار رجلٍ أزرق العينين، ناتئ الجبهة، فقلت: هل من منزل أبيت عندك؟ قال: نعم.

قال الشافعي: وهذا النعتُ أخبث ما يكون في الفراسة، تفرست في أن هذا الرجل لئيم، لكنه رضي أن يؤويني فأنزلني وأكرمني، فقلت: أغسل كتب الفراسة إذا رأيت هذا -يقصد أن كتب الفراسة فاشلة- فلما أصبحتُ قلت له: إذا قدمت مكة فاسأل عن الشافعي ؟ -يعني: من باب المكافأة بالمثل إذا جئت إلى مكة اسأل عن الشافعي حتى إذا جاء يرد له كرم الضيافة- فقال: أمولىً لأبيكَ كنتُ -أنا عبد عند أبيك؟- قلت: لا. قال: أين ما تكلفتُ لك البارحة؟ فوزنتُ له ما تكلف، وقلتُ: بقي شيءٌ آخر؟ قال: كراء الدار، ضيقتَ على نفسي قال الشافعي : فوزنتُ له!!!

القيافة يؤخذ بها في معرفة الأنساب:

والقيافة: هي العلامات التي يعرف بها القائف نسب الشخص من أبيه عندما يتفرس في خلقتهما، وقد حدثت قصةٌ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهي قصة مجزز المدلجي رضي الله تعالى عنه، فإنه دخل على النبي عليه الصلاة والسلام و أسامة بن زيد وأبوه زيد بن حارثة نائمين عند النبي عليه الصلاة والسلام قد تغطيا، وأقدام أسامة وأبيه زيد ظاهرة من تحت الغطاء ، وكان أسامة بن زيد أسودا ، وكان زيد بن حارثة أبيضا، فطعن المنافقون في نسب أسامة بن زيد ، يعلمون أن النبي عليه الصلاة والسلام يحب أسامة بن زيد وأباه ، فمن باب إيذاء النبي عليه الصلاة والسلام كانوا يطعنون في نسب أسامة من أبيه زيد ، فدخل مجزز على النبي عليه الصلاة والسلام و أسامة وأبوه نائمين، فنظر إلى الأقدام فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، قال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، فسُر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك؛ فكانت شهادة مجززالمدلجي كاتمةً ومخرسةً لألسنة المنافقين.

 

ولما لاعن النبي صلى الله عليه وسلم بين عويمر العجلاني وامرأته -وكانت حاملاً- قال عليه الصلاة والسلام: (إن جاءت به أحمر قصيراً كأنه وحرةٌ فلا أراها إلا قد صدقت وكذب عليها -لما رماها بالزنى- وإن جاءت به أسود أعين ذا أليتين فلا أراه إلا قد صدق) فجاءت به على المكروه من ذلك، يعني: أنها قد فعلت الفاحشة وأن زوجها صادقٌ فيما رماها به من الزنى.

وجاء في الروايات في البخاري كان ذلك الرجل مصفراً قليل اللحم سبط الشعر، وكان الذي ادعى عليه أنه وجده عند أهله، خدلج الساقين آدم كثير اللحم جعداً قططاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم بين) فجاءت شبيهاً بالرجل الذي ذكر زوجها أنه وجده عندها، جاءت على النحو المكروه.

والوحرة: دويبةٌ حمراء تلصق بالأرض، والأعين: واسع العينين، والآدم شديد الأدمة وهي: سمرةٌ بحمرة، والخدلج: كثير لحم الساقين، والقطط: شديد جعودة الشعر.

 

فراسة ثلاثة من العرب :

ويروى أنه خرج ثلاثة من العرب في حاجة لهم ، وفي الطريق وجدوا رجلا يبحث عن شي ما فقال لهم الرجل هل رأيتم جملا فقال الأول هل هو أعور فقال الرجل نعم فقال الثاني هل هو أقطب الذيل (ذيله قصير جدا) فقال الرجل نعم فقال الثالث هل هو أعرج ففال الرجل نعم ، وظن الرجل أنهم رأوه لأنهم وصفوا الجمل وصفا دقيقا ففرح وقال هل رأيتموه فقالوا لا لم نره فتفاجأ الرجل كيف لم يروه وقد وصفوه له ، فقال لهم الرجل أنتم سرقتموه وإلا كيف عرفتم أوصافه فقالوا لا والله لم نسرقه فقال الرجل سأشتكيكم للقاضي.

فذهبوا جميعا للقاضي ، فسأل القاضي الأول كيف عرفت أن الجمل أعور ؟ فقال لأن الجمل الأعور غالبا يأكل من جانب العين التي يرى بها فرأيت أنه كان يأكل من ناحية ويترك ناحية فعلمت أنه أعور .

ثم سأل القاضي الثاني كيف عرفت أن الجمل كان أقطب الذيل ؟ فقال : أن من عادة الجمل السليم أن يحرك ذيله يمينا وشمالا أثناء أخراجه لفضلاته وينتج من ذلك أن البعر يكون مفرقا في الأرض إلا أني رأيت البعر مجتمعا  فعلمت أن الجمل كان أقطب الذيل .

ثم سأل القاضي الأخير كيف عرفت أن الجمل أعرج ؟ فقال رأيت ذلك من آثار خف الجمل على الأرض فرأيت أثرا خفيفا وأثرا ثقيلا فعلمت أنه أعرج.

فاقتنع القاضي بما قالوه ، وقال لصاحب الجمل اذهب فابحث عن جملك .

والنوع الثانى : ما يوقعه الله فى قلوب أوليائه فيعلمون به أحوال بعض الناس بنوع من الكرامات وإصابة الظن والحدث ولا تكون إلا للمؤمن وفي الحديث “اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله “.

والفراسة من هذا النوع شيء وهبي من الله ينعم به على من يشاء من عباده كما قال الشاعر :

قلوب العارفين لها عيون      ***      ترى ما لا يراه الناظرونا

وما ذلك إلا لأنهم صفوا فى معاملاتهم مع الله وراقبوا الله فى سمعهم وبصرهم وجميع حواسهم والجزاء من جنس العمل.

وهذا النوع هو الذي سنتكلم عنه كثمرة من ثمرات البصيرة ، ويسمى عند البعض بالإلهام ويسميه الصوفية بالكشف .

أسباب تحصيل الفراسة :

الفراسة ثمرة من ثمرات البصيرة والفراسة الصادقة نور يقذفه الله في القلب فيرى الحق واضحا في ظلمات الفتن ، ويعرف أهل الباطل والمنافقين على حقيقتهم بسيماهم ، وهذه الفراسة ناتجة عن قبول نور الوحي ؛ فمن قبل نور الوحي سطع ذلك في قلبه ،فتصير له فراسة لا تخطيء .

أما العاصي الذي لم يقبل نور الوحي فقلبه قد علاه الران (الحجاب الكثيف) الذي يحول دون رؤية نور الله عز وجل وهو الوارد في قوله تعالى قال الله تعالى ﴿ كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ﴾المطففين الآية 14

وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال “ان العبد اذا أخطأ خطيئة ، نكتت فى قلبه نكتة سوداء ،فإن هو نزع واستغفر وتاب، صقل قلبه ، وإن عاد زيد فيها ، حتى تعلو على قلبه ،  وهو الران الذى ذكره الله تعالى  “

ومعنى الحديث :أن العبد إذا اتبع هواه وارتكب المعاصى دخل قلبه بكل معصية يتعاطاها ظلمة ، واذا صار كذلك افتتن وزال عنه نور الاسلام ،وإن تاب قبل منه ، وإن عاد زيد له فى الظلمة ولم يدخل النور بعد ذلك.

وكذلك الاستقامة وغض النظر عن المحارم، فإن المرء إذا أطلق نظره تنفس الصعداء في مرآة قلبه فطمست نورها: وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ  [النور:40].

وقال بعض السلف : من غض بصره عن المحارم، وكف نفسه عن الشهوات، وعمر باطنه بالمراقبة، وتعود أكل الحلال لم تخطئ فراسته.

فإذا أراد المسلم أن يكون له فراسة، ونظر صائب في الأمور، ويكتشف المحق من المبطل ويعثر على الحق، ويتبين إذا اختلطت الأشياء وتشابهت، فإن عليه أن يقوم بهذه الأشياء وهي: غض البصر عن المحرمات، وكف النفس عن الشهوات، وتعود أكل الحلال، وأن يكون مراقباً لله عز وجل، فكلما زادت تقوى المؤمن ألهمه الله تعالى التبصر بالأمور وسرعة الفهم، فكانت فراسته أثبت ممن كان أقل تقوى منه.

 

أمثلة عن الفراسة

فراسة أبى بكر الصديق رضى الله عنه:

عن الحسن قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في الناس، فقال : (إن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ماعنده فاختار ذلك العبد ماعند الله عز وجل ) قال : فبكى أبو بكر فعجبنا من بكائه أن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خير فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير، وكان أبو بكر أعلمنا به.

ومن فراسته يوم أن اجتمع مع الصحابة من المهاجرين والأنصار بسقيفة بني ساعدة ، حيث قال فى خطبته مخاطباً الأنصار:”إن الله سمانا (الصادقين) إشارة إلى قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}  الحشر آية 8، وسماكم (المفلحين) إشارة إلى قوله تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}الحشر آية 9،  وقد أمركم أن تكونوا حيثما كنا ، فقال : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين}وهذا من فقهه لكتاب الله رضي الله عنه .

ومن فراسته : قوله لعائشة رضي الله عنها لما حضرته الوفاة يوصيها ” وإنما هما أخواك وأختاكِ، قالت: فقلت: فإنما هي أم عبد الله -تعني: أسماء ؛ يعني: أخواي عرفتهما، وأختاي مالي إلا أخت واحدة أسماء فمن الأخت الأخرى؟- فقال: إنه ألقي في نفسي أن في بطن بنت خارجة جاريةً( و بنت خارجة : هي زوجة أبي بكر الصديق ) وهكذا حصل وصار لـعائشة أختٌ أخرى.

فراسة عمر بن الخطاب رضى الله عنه :

قال مالك عن يحيى بن سعيد: إن عمر بن الخطاب قال لرجل: (مااسمك؟ قال: جمرة. قال: ابن من؟ .قال : ابن شهاب . قال : ممن؟ . قال : من الحرقة. قال : أين مسكنك؟ قال: بحرة النار: قال: أيها؟ قال: بذات لظى. فقال عمر: أدرك أهلك، فقد احترقوا) فكان كما قال.

هذا وقد وافقه الوحى فى أكثر من موضع ؛ حتى ألف الإمام السيوطى فى هذا مؤلفا أسماه “قطف الثمر فى موافقات عمر ” فمن هذه الموافقات: أنه قال “يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فنزلت{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبراهيم مُصَلّىً}

وقال “يا رسول الله لو أمرت نساءك أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب”

واجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه في الغيرة فقال لهن عمر “عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن” فنزلت كذلك

فراسة عثمان بن عفان رضى الله عنه :

قال أنس ابن مالك رضي الله عنه : دخلت على عثمان بن عفان رضي الله عنه وكنت رأيت امرأة في الطريق تأملت محاسنها فقال عثمان رضي الله عنه :

( يدخل علي أحدكم وأثر الزنا ظاهر في عينيه فقلت : أوحي بعد رسول الله فقال : ولكن تبصرة وبرهان وفراسة صادقة) احتج ابن القيم وغيره بهذه القصة في كتابه مدارج السالكين ( 2 / 486 ) ولم أجد لها سندا

فراسة على بن أبى طالب :

عن أبي البحتري جاء رجل إلى علي بن أبي طالب ، فأطراه (مدحه)وكان يبغضه ، فقال له: إني ليس كما تقول وأنا فوق مافي نفسك.

 

الفراسة في القضاء

فراسة النبي سليمان عليه السلام

قال تعالى : (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما )الأنبياء 79،78

هذه القضية التي تضمنتها الآية مظهر من مظاهر العدل ، ودلالة على فراسة نبي الله سليمان في القضاء ، وخلاصتها أن داود جلس للقضاء بين الناس ، وكان ابنه سليمان حينئذ يافعا فكان يجلس خارج باب بيت القضاء . فاختصم إلى داود رجلان أحدهما عامل في حرث لجماعة في زرع ، والآخر راعي غنم لجماعة ، فدخلت الغنم الحرث ليلا فأفسدت ما فيه ومعنى نفشت فيه دخلته ليلا ، قالوا : والنفش الانفلات للرعي ليلا

فقضى داود أن تعطى الغنم لأصحاب الحرث إذ كان ثمن تلك الغنم يساوي ثمن ما تلف من ذلك الحرث ، فلما حكم بذلك وخرج الخصمان فقص أمرهما على سليمان ، فقال : لو كنت أنا قاضيا لحكمت بغير هذا . فبلغ ذلك داود فأحضره وقال له : بماذا كنت تقضي ؟ قال : إني رأيت ما هو أرفق بالجميع . قال : وما هو ؟ قال : أن يأخذ أصحاب الغنم الحرث يقوم عليه عاملهم ويصلحه عاما كاملا حتى يعود كما كان ويرده إلى أصحابه ، وأن يأخذ أصحاب الحرث الغنم تسلم لراعيهم فينتفعوا من ألبانها وأصوافها ونسلها في تلك المدة فإذا كمل الحرث وعاد إلى حاله الأول صرف إلى كل فريق ما كان له . فقال داود  : وفقت يا بني ، وقضى بينهما بذلك .

وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (بينما امرأتان معهما ابنان لهما جاء الذئب فأخذ أحد الابنين فتحاكما إلى داود فقضى به للكبرى فخرجتا فدعاهما سليمان فقال هاتوا السكين أشقه بينهما فقالت الصغرى يرحمك الله هو ابنها لا تشقه فقضى به للصغرى) رواه أحمد

وهذا من فراسته عليه السلام ، عرف أن الرحمة ما جاءت إلا من الأم الحقيقية، فأي شيء أحسن من اعتبار هذه القرينة الظاهرة؟! فاستدل برحمة الصغرى ورضا الكبرى على ذلك وأن الصغرى رفضت ذبح صغيرها بسبب ما قام بقلبها من الرحمة والشفقة التي وضعها الله في قلب الأم، وقويت هذه القرينة عنده حتى قدمها على إقرارها، وحكم به لها مع قولها هو ابنها.

فراسة كعب بن سور

ومن هذا القبيل ما حصل من كعب بن سور رضي الله تعالى عنه:

جاءت امرأةٌ عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه فشكرت عنده زوجها، وقالت: هو من خير أهل الدنيا، يقوم الليل حتى الصباح، ويصوم النهار حتى يمسي، ثم أدركها الحياء فلم تستطع أن تكمل، فقال: جزاك الله خيراً فقد أحسنت الثناء!!!
فلما ولت قال كعب : يا أمير المؤمنين! لقد أبلغت في الشكوى إليك، فقال: وما اشتكت؟ قال: زوجها، إن هذا الكلام هو شكوى لزوجها؛ أثنت عليه ثم سكتت، فقال: هذه شكوى، قال: عليّ بهما، فقال لـكعب بن سور: اقضِ بينهما، قال: أقضي وأنت شاهد؟ قال: إنك قد فطنت إلى ما لم أفطن له، قال: إن الله تعالى يقول: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3] صم ثلاثة أيام وأفطر عندها يومك، وقم ثلاث ليالٍ وبت عندها ليلة، فقال عمر : [هذا أعجب إلي من الأول فبعثه قاضياً لأهل البصرة .

فهذا الرجل فهم من ثناء المرأة على زوجها ثم سكوتها أنها تشتكي زوجها فهو لا يعطي زوجته حقها لانشغاله بالعبادة ، وكذلك استنبط من قوله تعالى: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ  [النساء:3] أنه إذا أراد أن يقوم الليالي فإنه يأتي زوجته ليلة، وإذا أراد أن يصوم الأيام فإنه يفطر يوماً من كل أربعة، من أجل حق زوجته.

فراسة إياس بن معاوية:

وممن اشتهر بالفراسة في التاريخ الإسلامي إياس القاضي رحمه الله، وله قصص عجيبة في الفراسة ، ومن هذه القصص أن إياساً القاضي جاءه رجلٌ استودع أمانةً من مالٍ عند آخر ثم رجع فطلبه فجحده، فأتى صاحب الحق إياساً فأخبره فقال له إياس : انصرف واكتم أمرك ولا تعلمه أنك أتيتني ثم عد إليّ بعد يومين، فدعا إياس المودع المؤتمن الذي جحد، فقال: قد حضر مالٌ كثيرٌ وأريدُ أن أسلمه إليك أفحصينٌ منزلك؟ قال: نعم. قال: فأعد له موضعاً وحمالين، وعاد الرجل إلى إياس ، فقال: انطلق إلى صاحبك فاطلب المال، فإن أعطاك فذاك، وإن جحدك فقل له: إني سأخبر القاضي. فأتى الرجل صاحبه، فقال: مالي وإلا أتيتُ القاضي وشكوت إليه وأخبرته بأمري فدفع إليه ماله؛ لأنه الآن لا يريد أن تتشوه سمعته عند القاضي، والقاضي وعده أن يضع عنده مالاً كثيراً وأن يجعله مقرباً منه، فدفع إليه ماله، فرجع الرجل إلى إياس فقال: أعطاني المال، وجاء الرجل الموعود إلى إياس في الموعد فزجره وانتهره وقال: لا تقربني يا خائن.

وكذلك من القصص التي حدثت له:

أن شخصاً تحاكم إليه هو ورجلٌ آخر يدعي مالاً قد جحده الآخر، فقال إياس للمودع: أين أودعته؟ قال: عند شجرة في بستان -سلمته المال عند شجرة في بستان- فقال: هل تستطيع أن تذهب إليها فتأتي بورقٍ منها؟ قال: نعم. قال: فانطلقَ وجلسَ الآخر الجاحد عند إياس ، فجعل إياس يحكم بين الناس ويلاحظه ثم استدعاه فجأةً وقال له: أوصل صاحبك بعد إلى المكان؟ فقال: لا بعد أصلحك الله، فقال: قم -يا عدو الله- فأدِّ إليه حقه، وإلا جعلتك نكالاً، فقام فدفع إليه وديعته.

وكذلك من القصص :

أودع رجلٌ بعض شهوده كيساً مختوماً وذكر أن فيه ألف دينار -وضع كيساً فيه ألف دينار عند شخص بحضور شهود- فلما طالت غيبة الرجل المودع فتق الكيس من أسفله، وأخذ الدنانير وجعل مكانها دراهم -الدنانير ذهب والدراهم فضة قيمتها أقل- وأعاد الخياطة كما كانت، وجاء صاحبها بعد سنوات فطلب وديعته، فدفع إليه الكيس بختمه لم يتغير مختوم من فوق ما تغير الختم ولا انكسر فلما فتحه وشاهد الحالة رجع إليه قال: إني أودعتك دنانير والذي دفعتَ إلي دراهم، فقال: هو كيسك بخاتمك، فاستعدى عليه القاضي فأمر بإحضار المودع، فلما صار بين يديه قال له القاضي: منذُ كم أودعك هذا الكيس؟ قال: منذُ خمس عشرة سنة، فأخذ القاضي تلك الدراهم وقرأ سكتها، مسكوكة في عام كم؟ فإذا فيها ما قد ضرب من سنتين أو ثلاث، فأمره بدفع الدنانير إليه وأسقطه ونادى عليه، أي: شهر فيه وسفهه وعاقبه وحكم عليه بأن يرد الدنانير.

الشيخ صالح بن عثمان وشدة فراسته

ومن هذا القبيل ما حدث في زماننا هذا الشيخ صالح بن عثمان القاضي، قاضي عنيزة ، شيخ الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله، كان قاضياً صاحب ورع وتقوىوخبرة وفراسة، جاءه مرةً رجل يعرفه أنه من أهل الصلاح يعمل جزاراً، وآخر بدوي ، يقول المدعي هذا: جاءني هذا البدوي وباع علي غنمه، فأعطيته الدراهم حول المغرب، ثم جاءني ثاني يوم في النهار يقول: أعطني ثمن الغنم، فقلت: أعطيتك إياها بالأمس، فقال: ما أعطيتني شيئاً، فذهب إلى الشيخ، وكان القاضي يحمس قهوته. -ماء يفور على النار ويغليه لأجل القهوة- فقال: يا أيها البدوي! في جيبك دراهم، قال: نعم. قال: أعطني إياها، فسكب الشيخ القاضي الماء في الإناء ثم طرح الدراهم التي مع البدوي في الإناء فطفا الدهن على سطحها، فقال: يا كذاب! هذه دراهم جزار، إذاً: هو أعطاك ثمنها .

ومن الفراسة :الأجوبة الحصيفة البليغة :

فهذا جرير بن عبد الله البجلي يجلس مع عمر في بيت ومعهما بعض الناس، فوجد عمر ريحًا فقال: عزمت على صاحب هذه الريح لما قام فتوضأ. فقال جرير: يا أمير المؤمنين أو يتوضأ القوم جميعًا فقال عمر: يرحمك الله نعم السيد كنت في الجاهلية ونعم السيد أنت في الإسلام.

ويذكرأن العباس عم النبى صلى الله عليه وسلم سئل :أنت أكبر أم رسول الله ؟  فقال : هو أكبر منى وأنا ولدت قبله .

ونظيره أن بعض الخلفاء سأل ولده – وفى يده مسواك – وقال له ما جمع هذا ؟ فأجاب الولد :محاسنك يا أمير المؤمنين (لأن جمعها مساويك)، فأعجب الخليفة بإبداع جوابه واختياره الطيب من القول.

و خرج عمر رضي الله عنه يعس المدينة بالليل فرأى ناراً موقدةً في خباء فوقف وقال: يا أهل الضوء -يريد أن يناديهم وهم في الخيمة وقد أوقدوا ناراً- وكره أن يقول: يا أهل النار؛ مع أنهم أوقدوا ناراً، لأنه اسمٌ قبيح، فقال: يا أهل الضوء.

وفي السنة كثيرٌ من ذكر المعاريض التي لا تبطل حقاً ولا تحق باطلاً، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم للذي سأله بقوله: ممن أنتم؟ وهو في الغزو ولا يريد أن يخبره من أي مكان ، قال: (نحن من ماء) وفعلاً إن الإنسان خلق من ماء مهين، والله عز وجل خلق كل شيءٍ: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيّ  [الأنبياء:30].

وكذلك لما سئل أبو بكر الصديق عن النبي عليه الصلاة والسلام: (قيل له: من هذا بين يديك؟ قال: هادٍ يدلني على الطريق) ما يريد أن يخبر أن هذا النبي عليه الصلاة والسلام، وفعلاً النبي عليه الصلاة والسلام هادٍ يدل على طريق الإسلام والحق.

و عبد الرحمن بن أبي ليلى -الفقيه- وقد أقيم على دكانه بعد صلاة الجمعة على مكان مرتفع، فقام على الدكان وقال: إن الأمير أمرني أن ألعن علي بن أبي طالب ، فالعنوه لعنه الله.

هذا عبد الرحمن بن أبي ليلى قد أتي به مكرهاً من قبل واحد ممن كان يكره علي بن أبي طالب ، وقيل له: نريدك أن تصعد أمام الناس وتلعن علي بن أبي طالب ، فقام على المكان المرتفع، فقال: إن الأمير أمرني أن ألعن علي بن أبي طالب فالعنوه لعنه الله، قصده في (العنوه) على الأمير .

ومنها فراسة حذيفة بن اليمان وقد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم عيناً إلى المشركين في معركة الخندق، فتسلل وجلس بينهم ، فقال أبو سفيان وكان قائد المشركين فجأة لينظر كلٌ منكم جليسه، أخشى أن يكون محمداً قد أرسل إلينا عيناً، ليتجسسوا علينا ؛ فـبادرحذيفة جاره المشرك قبل أن يسأله من أنت؟ قال: فلان بن فلان، فاطمأن ذلك الشخص ولم يسأله.

 

العلاقة بين الفراسة وتأويل الرؤى:

وما العلاقة بين الفراسة وتأويل الرؤى؟ هناك علاقة كبيرة بين هذا وذاك، فإن كثيراً ممن يؤول الرؤى تأويلاً صحيحاً لديه نوعٌ من الفراسة، يعرف بها تأويل الرؤى وتفسير المنامات، ولا يمكن الاعتماد على أقوال الناس إلا ما ورد في القرآن العظيم والكتاب والسنة، وأما جعل ضوابط له فإنه لا يمكن في تفسير المنامات والأحلام؛ لأنه يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، ومنا من يلقى في قلب مفسر للرؤيا عندما تقص عليه بإلهام يلهمه الله عز وجل فيتكلم بذلك، فلا يجوز الكلام فيما لا يعرفه الإنسان في تأويل الكلام وعده العلماء من الفتيا بغير علم.

وقد اشتهر من الأمة ابن سيرين وكان له فراسة في تفسير الأحلام لا تخطيء ويروى في ذلك الكثير ومنه :

جاءه رجلٌ فقال: إن رجلا رأى نفسه يدق بيضًا من رؤوسها، فيأخذ بياضها، ويترك صفارها، فقال ابن سيرين: قل للرجل يأتيني لأعبرها له، قال: أبلغه عنك ذلك، قال: لا. ثم كرر عوده إليه مرارًا، وهو يقول كذلك، حتى قال في آخر الأمر:أنا الذي رأيته، فاستحلفه بالله، واستوثق منه.. ثم أمر أحد أصحابه أن يأتيه بأحد من الشرطة ليحمله إليه، ويعرفه بأنه نباش الموتى، وسارق أكفانهم..فقال الرجل: أشهدك أني تبت إلى الله، ولا أعود لذلك!

وأتت امرأة ابن سيرين فقالت: رأيت كأني قتلت زوجي مع قوم. فقال لها: إنك حملت زوجك على إثم، فاتقي الله عز وجل، قالت: صدقت!

وأتاه رجل فقال: رأيت كأني أؤذن، فقال: تحج.

وأتاه آخر فقال: رأيت كأني أؤذن، فقال: أنت سارق !

قيل له: كيف فرقت بينهما، فقال: رأيت للأول سيما حسنة فأولتها {وأذن في الناس بالحج} ورأيت للثاني سيما غير صالحة فأولت {ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون}!

وأتاه رجل فقال: خطبت امرأة فرأيتها في المنام سوداء قصيرة، فقال: أما سوادها فمالها، وأما قصرها فقصر عمرها! فلم تلبث إلا قليلًا حتى ماتت، وورثها الرجل!

وقال رجل: رأيت في المنام كأني أغسل ثوبي، وهو لا ينقى، فقال له:أنت رجل مصارمٌ لأخيك.

ورأى رجلا كأن أسنانه كلها وقعت فعبرها له بعضهم بأن أهله جميعا سيموتون ، فاغتم لذلك حتى جاء ابن سيرين فقصها عليه فقال له يبارك الله في عمرك حتى تكون آخر أهل بيتك موتا .

 

 

 

 

 

 


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 28 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع