شرح الأربعين النووية 20- إذا لم تستح فاصنع ما شئت

تاريخ الإضافة 18 يناير, 2024 الزيارات : 17517

شرح الأربعين النووية

20- إذا لم تستح فاصنع ما شئت

 

عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت” . رواه البخاري.

ترجمة الراوي:

عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري، من بني الحارث بن الخزرج، وهو مشهور بكنيته، ويعرف بأبي مسعود البدري؛ لأنه رضي الله عنه كان يسكن بدرا، وقال موسى بن عقبة عن ابن شهاب: إنه لم يشهد بدرا، وهو قول إسحاق، وكان أحدث من شهد العقبة سنا، وشهد أحدا وما بعدها من المشاهد.

مات أبو مسعود سنة أربعين، وقيل: إحدى أو اثنتين وأربعين.

شرح الحديث:

 قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى) دليل على أن الجملة الواردة هي من مأثور كلام الأنبياء السابقين من غير تحديد نبي معين ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أيده بالوحي المصدق فنؤمن بثبوته .

 قوله: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) قولان لأهل العلم في تفسيرها:
الأول: أنه ليس على سبيل الأمر وإنما هو على سبيل الذم والنهي عنه ولهم وجهان في تفسير هذا القول:

أحدهما: أنه أمر بمعنى التهديد والوعيد وله نظائر في القرآن قال تعالى: (اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير). والمعنى إذا لم يكن عندك حياء فاعمل ما شئت والله مجازيك على فعلتك.

ثانيهما: أنه أمر بمعنى الخبر والمعنى: من لم يكن عنده حياء فعل كل ما يستنكر ومن كان عنده حياء منعه عن كل قبيح كما جاء في الحديث: (من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار). أي فقد تبوأ مقعده. وهذا اختيار الإمام أحمد.

وكلا الوجهان جائزان في اللغة إلا أن الثاني هو الأقرب والأكثر استعمالا.

والقول الثاني: أن الحديث أمر على ظاهره يفعل المؤمن ما يشاء من قول وتصرف إذا كان لا يستحي من فعله عادة لا من الله ولا من خلقه فيفعله ولا يضره كلام الناس إذا كان من أفعال الطاعات وجميل الأخلاق.

والقول الأول أصح في تفسر الحديث لأن المقصود التنفير والتحذير من ترك الحياء وبيان أثر ذلك في أخلاق المؤمن.

ما هو الحياء؟

الحياء : هو تغير وانكسار يصيب الانسان عندما يخاف أن يعاب أو يذم بشيء.

 بعكس الارتباك أو الخجل وهو ناتج عن موقف حصل، وينتج عن ضعف الشخصية أوعدم الثقة بالنفس. 

أما الحياء فهو خوف مما سيحدث، وهو ينتج عن قوة في الشخصية، والحياء حفاظ على المكانة والعزة ومكارم الاخلاق، فيمنعني من الدناءة والكذب وأكل الحرام ومن اللفظ البذيء إذن الحياء محمود.

أما الخجل فهو غير محمود.

الحياء نوعان من حيث المصدر:
الأول: حياء طبيعي يخلقه الله ويوجده في جبلة العبد بحيث ينشأ من الصغر متصفا بالحياء فيجتنب القبيح ويفعل الحسن بلا تكلف وهو قليل في الناس وصاحبه يحميه الله من الصبوة والمعاصي منذ نعومة أظفاره كحال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهذا من أجمل الأخلاق ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحياء لا يأتي إلا بخير).

الثاني: حياء مكتسب وهو الذي يتخلق المرء به ويكتسبه بالتعلم والتربية والمجاهدة والمصابرة والتفكر ولم يكن الحياء من خلقه وهذا حال كثير من الناس لم يعرفوا بالحياء في نشأتهم ثم تعرفوا عليه وربوا أنفسهم ودربوها على الحياء ثم تخلقوا به وهذا من خصال الإيمان وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا فقال: (استحي من الله كما تستحي من رجل من صالح عشيرتك).

 فضل الحياء:

الحياء من شعب الإيمان له فضل عظيم وهو عمل قلبي يبعث العبد على فعل الجميل وترك القبيح من منكر ودنيء فكل ما أفضى إلى ترك السوء وفعل الحسن فهو من الحياء المحمود شرعا، أما ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وترك السؤال عن مسائل العلم و السكوت عن بيان الحق فهذا ضعف وخور وليس من الحياء وإن ادّعاه الناس.

ولذلك قالت أمنا عائشة رضي الله عنها: (نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين). فكل ما أدى إلى ترك الحقوق والتساهل فيها فهو عجز ومهانة والضابط في تمييز الحسن والقبيح دلالة الشرع وليست أهواء الناس وأعرافهم الفاسدة. ومن تمام الحياء أن يدع المرء ما يستهجنه قومه مما سكت عنه الشرع لأنه من المروءة.

ومن علامة الاستحياء أن يتجنب المرء المواطن التي يستحيا منها.

 والحياء من العبد ممدوح في كل حال وفي كل أمر وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها يعرف فرحه وغضبه واستبشاره وكراهيته في وجهه الشريف فلا يذم الحياء من العبد ولو هضم حقه وانتقصه الناس ولذلك ورد في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على رجل وهو يعاتب أخاه في الحياء يقول إنك لتستحيي كأنه يقول قد أضر بك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعه فإن الحياء من الإيمان).

وفي الصحيحين أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحياء لا يأتي إلا بخير).

فينبغي على المؤمن أن يلازم الحياء في سائر أحواله الخاصة والعامة وفي جميع معاملاته ولا يلتفت لأوهام الناس وآرائهم الفاسدة فإنها لا تغني عن الحق شيئا.

الحياء يدعو لكل خير وعاقبته حسنة في الدنيا والآخرة :

 الحياء رافد من روافد التقوى ؛ لأنه يلزم صاحبه فعل كل ما هو جميل ، ويصونه عن مقارفة كل قبيح ، ومبعث هذا الحياء هو استشعار العبد لمراقبة الله له ، ومطالعة الناس إليه ، فيحمله ذلك على استقباح أن يصدر منه أي عمل يعلم منه أنه مكروه لخالقه ومولاه ، ويبعثه على تحمّل مشقة التكاليف ؛ ومن أجل ذلك جاء اقتران الحياء بالإيمان في غيرما موضع من النصوص الشرعية ، في إشارة واضحة إلى عظم هذا الخلق وأهميته .

وكلما ازداد العبد حياء ازداد إيمانا وبرا حتى يبلغ منزلة الكمال ولذلك ورد في صحيح مسلم قول النبي صلى الله عليه وسلم في حق عثمان: (ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة).

وإذا ترك العبد الحياء كله ذهب إيمانه وارتكب المحرمات وترك الفضائل لخلو قلبه من مهابة الله ومهابة الناس وإذا نقص حياؤه نقص إيمانه وبره بقدر ما نقص من حيائه والناس في هذا الباب مقل ومكثر.

وأولى الناس بالحياء هم أهل العلم وأهل الفضل ويقبح بالناسك أن يكون صفيق الوجه لا حياء له.

خطورة ترك الحياء:

لما ترك كثير من الناس الحياء وفضائل الأخلاق صاروا لا يبالون من ارتكاب قبائح الأمور والمجاهرة بها في المجتمع وانتشر في كثير من المجتمعات المسلمة إظهرا الفواحش والمنكرات وقل الناصح والمغير من قبل الولاة وهذا سببه ضعف الإيمان والافتتان بحب الدنيا وطول الأمل ولهذا قال عمر رضي الله عنه: (من قل حياؤه قل ورعه ومن قل ورعه مات قلبه). وقد كان المسلمون يغلب عليهم الحياء ويستترون بالمعاصي تحت رحمة الله وعفوه وكان الحياء يظهر في مجالسهم وطرقاتهم وأسواقهم ولذلك ينبغي على الأولياء أن يربوا أهلهم وأولادهم على الحياء وينبغي على العالم والمعلم مراعاة ذلك في تلاميذه.

التاسعة: جلباب الحياء أعظم ما تستتر به المرأة المسلمة وله أثر عظيم في صلاح أقوالها وأفعالها وتصرفاتها قال ربيط بني إسرائيل: (زين المرأة الحياء وزين الحكيم الصم). وإذا تسلحت به خفضت صوتها ولزمت بيتها إلا لحاجة واعتزلت نوادي الرجال ولم تزاحمهم حياء من الله وغلب عليها الستر والصيانة وربما تركت شيئا من مصالحها خوفا من خدش الحياء كحال نساء السلف المتعففات العابدات وإذا تركت المرأة الحياء فسد طبعها وقل سترها وبرزت للرجال وظهرت مساوئها وتشبهت بالرجل كحال كثير من نساء الزمان اللاتي يكثرن من مخالطة الرجال ويظهرن زينتهن للأجانب ولا يتحرجن عن كل ما يخدش الحياء وقوة المرأة وعزها وجمالها في التحلي بالحياء وضعف المرأة وذلها وقبحها في ترك الحياء لا كما يظنه السفهاء وأهل الفتنة.

وقال الشاعر:

إذا لم تخش عاقبة الليالي **** ولم تستحي فاصنع ما تشاء

فلا والله ما في العيش خير *** ولا الدنيا إذا ذهب الحياء

يعيش المرء ما استحيا بخير *** ويبقى العود ما بقي اللحاء

هل ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الحياء؟

البعض يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة الحياء من الناس ؛ وهذا قصور في الفهم ، وخطأ في التصوّر ؛ لأن الحياء لا يأتي إلا بخير ، والنبي صلى الله عليه وسلم على شدة حيائه ، كان إذا كره شيئا عُرف ذلك في وجهه، ولم يمنعه الحياء من بيان الحق ، وكثيرا ما كان يغضب غضبا شديدا إذا انتُهكت محارم الله، ولم يخرجه ذلك عن وصف الحياء .

هل الصواب (لم تستحي ) (بالياء) أم (لم تستح ) بالحاء فقط مع حذف حرف العلة (الياء)؟

الفعل “استحيا”، مضارعه “يستحيي” بياءين، وعند جزم المضارع نحذف الياء الأخيرة فنقول: “إذا لم تستحي فاصنع ما شئت”، واستعمل الفعل في قوله تعالى: “إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها”، واستعمل ماضيه في الحديث الشريف في قوله صلى الله عليه وسلم: “فقال: ارجع إلى ربك، فقلت: قد استحييت من ربي”، ولم يقل “استحيت”، ويجوز تخفيفا أن نقول “استحى” و”يستحي”، فيكون المجزوم “لم يستح”. على أنه فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمه: حذف حرف العلة.

وبكلا الفعلين جاء الحديث مرويا.

الفوائد من الحديث:

1 – إذا ترك المرء الحياء، فلا تنتظروا منه خيرا.

2 – الحياء كله خير.

3 – الحياء أصل الأخلاق الكريمة.

4 – الحياء صفة من صفات الأنبياء والصحابة والتابعين.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 354 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم