شرح أسماء الله الحسنى: 37،36- الشاكر والشكور

تاريخ الإضافة 7 نوفمبر, 2023 الزيارات : 12225

شرح أسماء الله الحسنى: 37،36- الشاكر والشكور

أولا /  المعنى اللغوي :
الشكر اسم فاعل من الفعل شكر ، والشكر أصله ظهور أثر الغذاء في أبدان الحيوان ظهوراً بيناً ؛ فالعرب كانت تقول: شكرت الدابة؛ ودابة شكور إذا ظهر عليها أثر العلف.
ويقال : فرس شكور إذا كفاه العلف القليل ليسمن، ومنه (الشكارة )الكيس الذي يوضع فيه العلف لأنها تحمل الكثير.
إذن فمعنى الشكر الرضا باليسير ، والشكر الثناء على الإنسان بمعروف فعله ، والشكر أيضا : عرفان الإحسان ونشره .
و”الشكور “، صيغة مبالغة لاسم الفاعل،” شاكر “

ثانيا / وروده في القرآن الكريم :
وورد اسم الله تعالى الشاكر في موضعين:

الأول في قوله تعالى: ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ) البقرة 158 

و(مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ) النساء147

وورد اسم الله تعالى الشكور في أربع مواضع:
1- قوله تعالى: ” لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ” فاطر 30
2-وقوله تعالى: ” إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ  “فاطر34
3- وقوله تعالى: ”  وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ” الشورى 23
4- ورد اسمه تعالى الشكور مقترناً باسمه الحليم في قوله تعالى: ” إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ” التغابن17

ثالثا /  المعنى في حق الله تعالى :
الشكور :هو الذي يعطي الثواب الجزيل على العمل القليل، فيقبل اليسير من الطاعات ويعطي الكثير من الدرجات ، ويعفو عن الكثير من الزلات ولا يضيع أجر من أحسن عملا بل يضاعفه أضعافا مضاعفة بغير عد ولا حساب .

اقتران اسم الله الشكور بالغفور
سبحانه هو صاحب الفضل في كل حال ، فإن عصيته يغفر وإن أطعته يشكر ، ولا يخلو أي عمل صالح من تقصير فيغفر التقصير ويقبل القليل ويشكر عليه ويجازي عليه الكثير

اقتران اسم الله الشاكر بالعليم
ومع أنه شاكر فهو عليم بمن يستحق الثواب الكامل, بحسب نيته وإيمانه وتقواه ممن ليس كذلك، عليم بأعمال العباد, فلا يضيعها بل يجدونها أوفر ما كانت على حسب نياتهم التي اطلع عليها العليم الحكيم.

اقتران اسم الله الشكور بالحَلِيم
الأصل أن العبد بتقصيره مستحق للعقوبة لأنه أسر نفسه في أسر الشهوات والملذات والمخالفات والمنكرات ، فيستحق وهو يقوم بهذه الأمور أن يُعجل له العقاب، لكن الله يحلم عليه ولا يعاجله بالعقوبة, ثم هو بعد ذلك يأتي بصدقة ربما لا تتوازى أبداً مع جرمه فيحلم عليه ويتقبلها على ما فيه من عيب ونقصان بل ويشكرها له.
فهو سبحانه تعالى يحلم ويغفر ويشكر

الفرق بين الحمد والشكر
الشكر مثل الحمد إلا أن الشكر أخص
فأنت تحمد الإنسان على صفاته الجميلة وعلى معروفه ولا تشكره إلا على معروفه دون صفاته.
فمثلا الرجل الخلوق المهذب، أنت تحمد له أدبه بالثناء عليه وإنما تشكر له فعل الأدب نفسه إن وقع.

فالحمد يكون على الصفات وعلى المعروف, أما الشكر فيكون على المعروف دون الصفات
وهذا معنى قول أئمة اللغة: الشكر لا يكون إلا عن يد ، أما الحمد فيكون عن يد أو عن غير يد.” سواء أعطاك أو لم يعطك .

قال القرطبي: “وتكلم الناس في الحمد والشكر هل هو بمعنى واحد أم بمعنيين فذهب الطبري والمبرد إلى أنهما في معنى واحد وهذا غير مرضي.!
والصحيح أن الحمد ثناء على الممدوح بصفاته من غير سابق إحسان، والشكر ثناء على المشكور بما أولى من الإحسان”
 ويقول الشيخ المنجد : والشكر يتعلق بالقلب واللسان والجوارح، تشكر الله بقلبك ولسانك وجوارحك.
أما الحمد فإنه يتعلق بالقلب واللسان، فلا يقال: حمد الله بيده مثلاً، أو برجليه، أو بأي شيء من الجسد، إلا اللسان مع القلب فالحمد بهما، والشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح.
فللقلب معرفة الله المنعم وحبه، وللسان الثناء عليه وحمده سبحانه وتعالى، والجوارح استعمال هذه النعم فيما يرضي الرب عز وجل، فالشكر أعم من هذه، لكن الشكر يكون على النعم، والحمد يكون على النعم وعلى غيرها، فمثلاً: الله سبحانه وتعالى يحمد على أسمائه وصفاته وأفعاله ونعمه، لكنه يشكر على نعمه، فلا يقال: إنه يشكر على أسمائه وصفاته وإنما يحمد على أسمائه وصفاته، ومن هذه الجهة فالحمد أعم، فهذا هو الفرق بين الحمد والشكر.

رابعا / تأملات في رحاب الاسم الجليل :
الشكور سبحانه وتعالى الذي يشكرك على اليسير مما تقدمه فيعطيك عليه أضعاف مضاعفة من الجزاء والثواب في الدنيا والآخرة، وكأن الشكور مكون من جزئين، الأول: ما قدمته قليل، والثاني أضعاف مضاعفة من الشكر.
كل ما قدمت من عمل صالح ولو كان قليلا يشكرك الله عليه ويضاعف لك الشكر أضعافا مضاعفة، (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً…) (الشورى23)

  شكر الله لعباده
الله عز وجل هو الشكور ، فكيف يشكر عباده سبحانه وتعالى؟!
1-توفيقهم للخير

يشكرهم بأن يوفقهم للخير، وأعلى مراتب توفيق الله لعَبْدِهِ أن يحبب إليه الإيمان والطاعة، ويُكَرِّهَ إليه الكفر والمعصية، وهي المرتبة التي نالها أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم -، وامتن الله بها عليهم في قوله تعالى:
{وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات: 7].

قال ابنُ القيّم – رحمه الله -: “أجمع العارفون بالله أنَّ التوفيق هو أن لا يَكِلَكَ الله إلى نفسك، وأن الخذلان هو أن يُخْلِيَ بينك وبين نفسك” “مدارج السالكين” (1/445).

2-ثناؤه عليهم في الملأ الأعلى
ويشكر عبده بأن يثني عليه في الملأ الأعلى، ويذكره عند الملائكة، ويجعل ذكره بين العباد في الأرض حسناً ، ففي الحديث القدسي ” إذا أحَبَّ اللهُ عبدًا نادَى جِبريلُ : إنِّي قدْ أحبَبْتُ فلانًا فأحِبَّهُ ، فيُنادِي في السماءِ ، ثمَّ تَنزِلُ لهُ المحبةُ في الأرضِ ، فذلكَ قولُهُ تعالَى : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ، وإذا أبغضَ اللهُ عبدًا نادَى جِبريلَ إنِّي أبْغضْتُ فُلانًا ، فيُنادِي في السماءِ ، ثُمَّ تنزِلُ لهُ البغضاءُ في الأرضِ”
وقال رجل لابن تميمة : كيف أصبحت؟ قال: أصبحت بين نعمتين لا أدري أيتهما أفضل: ذنوب سترها الله علي فلا يستطيع أن يعيرني بها أحد، ومودة قذفها الله في قلوب العباد لا يبلغها عملي -أنا دون ذلك-.

وقال محمد بن المنكدر لأبي حازم : يا أبا حازم ! ما أكثر من يلقاني فيدعو لي بالخير، ما أعرفهم، وما صنعت إليهم خيراً قط، قال أبو حازم : لا تظن أن ذلك من قبلك ولكن انظر إلى الذي من قِبله جاءت النعمة هذه -أن وضع لك المحبة في قلوب الناس- فاشكره، ثم قرأ عليه قول الله عز وجل: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ” [مريم:96].

3- من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه :
فإذا ترك العبد شيئاً لله أعطاه الله أفضل منه، وإذا بذل العبد شيئاً لله رده الله عليه أضعافاً مضاعفة :
–    لما ترك الصحابة ديارهم وخرجوا من الديار في مرضاة الله عوضهم الله ملك الدنيا، وفتح عليهم ملك فارس والروم.
–    ولما تحمل يوسف الصديق ضيق السجن شكر الله له ذلك ومكن له في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء.
–    ولما بذل الشهداء دماءهم وأموالهم في سبيل الله حتى مزق الأعداء أجسادهم شكر الله ذلك لهم، وجعل أرواحهم في حواصل طير خضر تسرح في الجنة، وترد أنهارها، وتأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش.

لما تجاوز عن المعسرين تجاوز الله عنه : عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: كان رجلٌ يداين الناس، فكان يقول لفتاه: إذا جئت مُعْسِراً، فتجاوز عنه لعل الله أن يتجاوز عنا، قال: فلقى الله فتجاوز عنه.متفق عليه

وفي لفظ آخر:عن أبي مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: تلقت الملائكة رُوح رجل كان قبلكم، فقالوا له: هل عملت خيراً قط؟
قال لا: قالوا: تذكر، قال: لا، إلا أني كنت أداين الناس، فكنتُ آمر فتياني أن ينظروا الموسر، ويتجاوزوا عن المعسر.
قال الله سبحانه وتعالى: تجاوزوا عنه.متفق عليه

4-مضاعفة الأجر أضعافا كثيرة :
قال تعالى: (وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) [الشورى: 23]،

والأمثلة كثيرة منها :
–  (اتقوا النار ولو بشق تمرة ) .. فينجيك من جهنم بنصف تمرة
– (لا يحقرن أحدكم من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق) ربما يغفر لك بهذه الابتسامة ويدخلك بها الجنة.
– (بينما رجلٌ يمشي بطريقٍ اشتدَّ عليهِ العطَشُ فوجدَ بئرًا فنزلَ فيها فشرِبَ ثمَّ خرجَ فإذا كلبٌ يلهَثُ يأكلُ الثَّرَى منَ العطَشِ فقالَ الرَّجُلُ لقد بلغَ هذا الكلبَ منَ العطشِ مثلُ الَّذي كانَ بلغَ بِي فنزلَ البئرَ فملا خفَّهُ ثم أمسَكهُ بفيهِ فسقى الكلبَ فشكرَ اللَّهُ لهُ فغفرَ لهُ قالوا يا رسولَ اللَّهِ وإنَّ لنا في البهائمِ أجرًا فقالَ في كلِّ ذاتِ كبِدٍ رطبةٍ أجرٌ).
– (مَنْ تصدَّقَ بعدْلِ تمرَةٍ مِنْ كسبٍ طيِّبٍ ، ولَا يقبَلُ اللهُ إلَّا الطيِّبَ ، فإِنَّ اللهَ يتقبَّلُها بيمينِهِ ، ثُمَّ يُرَبيها لصاحبِها ، كما يُرَبِّى أحدُكم فَلُوَّهُ حتى تكونَ مثلَ الجبَلِ ) الفلو هو المهر (الحصان الصغير)
– من حافظ على السنن الرواتب (ما من عبدٍ مسلمٍ يصلِّي للهِ تعالى في كلِّ يومٍ ثِنْتي عشرةَ ركعةً تطوُّعًا غيرَ فريضةٍ إلا بنى اللهُ تعالى له بيتًا في الجنَّةِ ، أو : إلا بُنِيَ له بيتٌ في الجنَّةِ :أربعًا قبلَ الظهرِ ، و ركعتَين بعدَها ، و ركعتَين بعد المغربِ ، و ركعتَين بعد العشاءِ ، و ركعتَين قبلَ صلاةِ الغَداةِ )
–  الصلاة على الميت ( من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط ، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان ..قالوا يا رسول الله : وما القيراطان ؟؟فقال: مثل الجبلين العظيمين ) من الحسنات.
– (نزع رجلٌ لم يعمل خيراً قط غصن شوك عن الطريق -إما أنه كان في شجرة مقطعة فألقاه، وإما أنه كان موضوعاً فأماطه- فشكر الله له بها فأدخله الجنة). حديث حسن.

قصة أبو نصر الصياد والفطيرتين
قصة رائعة ذات معان رائقة وردت عن أحد الزاهدين ” أحمد بن مسكين ” وكان من التابعين ، قال :  في البلدة رجل يُدعى أبا نصر الصياد ، يعيش مع زوجته وابنه في فقر شديد
– مشى في الطريق ذات يوم مهموما مغموما ً، يسأل الله تعالى الفرج والرزق الحلال فزوجته وابنه يتضوران جوعاً .
مر على شيخه أحمد بن مسكين’ يقول له أنا متعب يا سيدي ..
وقرأ التابعي في وجه تلميذه ما يعانيه ، فقال له اتبعني إلى البحر
فانطلقا إليه، وقال له الشيخ – راغباً في لجوء مريده إلى الله تعالى : ” صلّ ركعتين على نية التيسير” واسأل الله تعالى الرزق الحلال الطيب …فصلى ، ثم قال له : “بسم الله ” ، – فكل شيء بأمر الله .. فقالها . .. ثم رمى الشبكة ، فخرجت بسمكة عظيمة . … قال له “بعها واشتر بثمنها طعاماً لأهلك “.
فانطلق إلى السوق يبيعها ، واشترى فطيرتين إحداهما باللحم والأخرى بالحلوى وقرر أن يعود إلى الشيخ فيقدم إحداهما له اعترافاً بصنيعه . ..
رد الشيخ الفطيرة قائلاً : هي لك ولعيالك ، ثم أردف : ” لو أطعمنا أنفسنا هذا ما خرجت السمكة “

وفي الطريق إلى بيته قابل امرأة تبكي من الجوع ومعها طفلها، فنظرا إلى الفطيرتين في يده
وقال في نفسه هذه المرأة وابنها مثل زوجتي وابني يتضوران جوعاً فماذا افعل ؟
ونظر إلى عيني المرأة فلم يحتمل رؤية الدموع فيهما، فقدمهما لها قائلاً:
الفطيرتان لكما ..
ظهر الفرح والسرور على محياها ، وسعد ابنها سعادة رقصت لها أسارير وجهه..
وعاد أبو نصر يفكر بولده وزوجته .

ما إن سار حتى سمع رجلاً ينادي من يدل على أبي نصر الصياد؟
فدله الناس على الرجل.. فقال له إن أباك كان قد أقرضني مالاً منذ عشرين سنة ثم مات ، خذ يا بني هذه الثلاثين ألف درهم فهو مال أبيك .

يقول أبو نصر الصياد :
وتحولت غنياً بإذن الله تعالى وكثر مالي ، و ملكت البيوت وفاضت تجارتي ، وصرت أتصدق بالألف درهم في المرة الواحدة في شكر الله تعالى ..
ومرت الأيام ، وأنا أكثر من الصدقات حتى أعجبتني نفسي!!

وفي ليلة من الليالي رأيت في المنام أن الميزان قد وضع ونادى مناد : أبا نصر الصياد هلم لوزن حسناتك وسيئاتك ، فوضعت حسناتي ووضعت سيئاتي، فرجحت السيئات ..
فقلت أين الأموال التي تصدقت بها ؟ فوضعت الأموال، فإذا تحت كل ألف درهم شهوة نفس أو إعجاب بصنيع كأنه لفافة من القطن لا تساوي شيئاً، ورجحت السيئات
وبكيَت .. بكيت حتى كادت نفسي تذهب وأحشائي تتقطع .
–    وقلت ما النجاة ؟
وسمعت المنادي يقول : هل بقى له من شيء ؟
فأسمع الملك يقول: نعم بقيت له رقاقتان …
وتوضع الرقاقتان (الفطيرتان) في كفة الحسنات ، فتهبط كفة الحسنات حتى تساوت مع كفة السيئات.
فبقيت خائفاً .. وأسمع المنادي مرة أخرى يقول: هل بقى له من شيء؟ فأسمع الملك يقول: بقى له شيء
قلت: ما هو؟
قيل له: دموع المرأة حين أعطيتها الرقاقتين .
فوزنت الدموع، فإذا بها كالحجر الصقيل وزناً ، فثقلت كفة الحسنات، ففرحت فرحاً شديداً.
وأسمع المنادي كرة أخرى يقول: هل بقى له من شيء؟
فقيل: نعم ابتسامة الطفل الصغير حين أعطيَت أمُه الرقاقتان …
وترجح كفة الحسنات…و ترجح …وترجح..
وأسمع المنادي يقول: لقد نجا … لقد نجا
فاستيقظت من النوم فزعا أقول ما قاله لي أحمد بن مسكين حين رد إليّ إحدى الفطيرتين : لو أطعمنا أنفسنا هذا ما خرجت السمكة .
شكر العبد لله :
شكر العبد لربه معناه: الاعتراف بإنعام الله سبحانه عليك على وجه الخضوع له والذل والمحبة.
فمن لم يعرف النعمة بل كان جاهلاً بها لم يشكرها.
ومن عرف النعمة ولم يعرف المنعم فكيف يشكره؟!!
ومن عرف النعمة والمنعم لكن جحدها كما يجحد المنكر لنعمة المنعم عليه فقد كفرها.
ومن عرف النعمة وعرف المنعم وخضع للمنعم، وأحبه ورضي بما أنعم عليه ، واستعمل النعمة في محابه وطاعته فهذا هو الشاكر حقاً .

والشكر من العبد لربه يدور على ثلاثة أشياء:
أولاً: اعتراف العبد بنعمة الله عليه.
ثانياً: الثناء عليه سبحانه وتعالى بهذه النعم.
ثالثاً: الاستعانة بهذه النعم على مرضاة الله.

فمدار شكر العبد لربه على هذه الثلاثة: الاعتراف، والثناء، والعمل بها في طاعته سبحانه وتعالى ، وألا يستعمل هذه النعم فيما يسخط الله.
مكانة الشكر في العبادات :
إذا تأملنا القرآن وجدنا أن الله سبحانه وتعالى يقابل بين الشكر والكفر في أكثر من موضع ، قال الله تعالى عن الإنسان: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً [الإنسان:3]
وقال نبي الله سليمان: هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ [النمل:40]
وقد تعهد الله ووعد بالزيادة لمن شكر، فقال الله عز وجل: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7]
والله عز وجل علق كثيراً من الجزاء على مشيئته، فقال مثلاً: فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ [التوبة:28]،
وقال: فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ [الأنعام:41]،
وفي الرزق قال: يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ [البقرة:212]،
وفي المغفرة قال: يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ [آل عمران:129]،
وقال في التوبة: ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ [التوبة:27].
أما جزاء الشكر فقد أطلقه إطلاقاً ولم يعلقه بمشيئته، فقال سبحانه وتعالى: وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ [آل عمران:145]، وقال: وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران:144]

 لذلك لما عرف عدو الله إبليس قيمة وعظم الشكر تعهد أن يعمل ليحرف البشرية فيجعلهم غير شاكرين، فقال الله عن إبليس: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف:17]
ولذلك وصف الله سبحانه عباده الصالحين الشاكرين بأنهم الأقلون، وقال الله عز وجل: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ:13]،
ولذلك لما سمع عمر رجلاً يقول: اللهم اجعلني من الأقلين، فقال: ما هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين! قال الله عز وجل: وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ [هود:40]، وقال الله عز وجل: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ:13]، وقال الله عز وجل: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ [ص:24]. فقال عمر : صدقت
ونبينا صلى الله عليه وسلم سيد الشاكرين وإمامهم صلى الله عليه وسلم، كان يعبد ربه ليكون شكوراً لربه، ولذلك جاء في صحيح البخاري عن المغيرة قال: (قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه، فقيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال: أفلا أكون عبداً شكوراً) أي شكوراً لهذه النعمة، وهي أنه غفر لي ما تقدم من ذنبي.

كيفية الوصول إلى منزلة العبد الشكور
نصل إلى منزلة العبد الشكور بأمور:

1-  العبادة: كل العبادات التي دلنا عليها صلى الله عليه وسلم.
2-  الدعاء : فقد نادى عليه الصلاة والسلام معاذاً: (يا معاذ ! والله إني لأحبك، أوصيك يا معاذ ! لا تدع في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك)

3- أن يحدث العبد بنعم الله عليه، قال الله عز وجل: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى:11]. لأن الله يحب أن يرى أثر النعمة عليك، كما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل من الصحابة: (إذا أنعم الله على عبدٍ نعمة فإنه يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، كلوا واشربوا وتصدقوا في غير مخيلة ولا سرف، فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده).

وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو قشف الهيئة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (هل لك من مال؟ قال: نعم، قال: من أي المال؟ قال: من كل المال؛ قد آتاني الله من الإبل والخيل، والرقيق والغنم، قال: فإذا آتاك الله مالاً فليُر عليك).

وفي الحديث الصحيح قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا آتاك الله مالاً فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته).
وذم الله الكنود من العباد فقال: إِنَّ الْإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ [العاديات:1-6]. والكنود: الذي لا يشكر نعم الله، وقال الحسن رحمه الله عن الكنود: الذي يعد المصائب وينسى النعم.
إذا جلست معه قال لك: صار لي مصيبة كذا وكذا وكذا، ولا يحدث ولا يذكر شيئاً من نعم الله، كاتم لنعم الله، لا يحدث إلا بالمصائب والمعايب، ولا يقول: إن الله أعطاني كذا وأعطاني كذا، ومَنَّ علي بكذا، وآتاني كذا….
ولما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم على الجن سورة الرحمن وقرأها على الصحابة، فسكت الصحابة، فقال عليه الصلاة والسلام: (قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن رداً منكم، كنت كلما أتيت على قوله تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:13] قالوا: لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فَلَكَ الحمد).

ورأى بكر بن عبد الله المزني حمالاً عليه حمله وهو يقول: الحمد لله .. أستغفر الله، الحمد لله .. أستغفر الله، الحمد لله .. أستغفر الله، وهكذا، قال: فانتظرته حتى وضع ما على ظهره، وقلت له: أما تحسن غير هذا؟ -غير الحمد لله .. أستغفر الله- قال: بلى. أحسن خيراً كثيراً أقرأ كتاب الله، غير أن العبد بين نعمة وذم، فأحمد الله على نعمه وأستغفره لذنوبي، فقال بكر : الحمال أفقه مني.
وقال أحدهم: أنا لا آكل الخبيص؛ والخبيص: نوع من أنواع الحلوى، فقيل له: لماذا؟ قال: إني لا أقوم بشكره، فقال الحسن : “هذا أحمق، وهل يقوم بشكر الماء البارد؟!
لكن سيقول البعض: نحن إذا تحدثنا بالنعم أصابنا الحسد والعين، فماذا نفعل؟
نقول: أولاً: إذا كان الذي أمامك معروف بالحسد فهذا لا يعني أنك تقول النعم التي جاءتك، وتستجلب حسده وإصابته لك بالعين؛ هذا إذا كان حسوداً، أما في الأحوال العادية الطبيعية فأنت تذكر نعم الله عليك.
ثانياً: إن الحسود والعائن إذا رآك تحمد الله على النعم العامة، تقول: الحمد لله على ما أنعم به عليَّ من جميع النعم؛ فإن هذا الشيء العام لا يستجلب العين والحسد.
ثالثاً: هناك أدعية تقي من العين والحسد؛ كقراءة المعوذات بعد الصلوات، وقبل النوم، وفي الصباح والمساء.
ولا يشترط أن تأتي بين الناس فتقول: عندي كذا مال، وعندي كذا شركة، وعندي كذا وكذا وفي المجلس من الحساد، لكن بين إخوانك وأصحابك فأنت تذكر نعم الله عليك .

كان بعض السلف يقول: أنا الصغير الذي ربيتَه فلك الحمد، وأنا الضعيف الذي قويتَه فلك الحمد، وأنا الفقير الذي أغنيته فلك الحمد، وأنا الصعلوك الذي مولته فلك الحمد، وأنا العزب الذي زوجته فلك الحمد، وأنا الجائع الذي أشبعته فلك الحمد، وأنا العاري الذي كسوته فلك الحمد، وأنا المسافر الذي صاحبته فلك الحمد، وأنا الغائب الذي رددته فلك الحمد، وأنا الراجل الذي حملته -جعلت له دابة تحمله- فلك الحمد، وأنا المريض الذي شفيته فلك الحمد، وأنا الداعي الذي أجبته فلك الحمد، ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً.

 وبعض الناس إذا سألته كيف حالك؟ قال: بِشَرٍّ، ومصائب، وأمراض، وصار لي كذا، وصار لي كذا، ويعدد لك المصائب، ولا يذكر ولا شيء من نعم الله عليه؛ هذه النفسيات المشؤومة المتشائمة!! هذه كيف تكون من الشاكرين؟! لا يمكن أن تكون من الشاكرين ولا أن تعد منهم.
جاء رجل إلى يونس بن عبيد يشكو ضيق حاله، فقال له يونس: أَيَسُرُّكَ ببصرك هذا مائة ألف درهم؟ -هل يسرك أنك تفقد بصرك وتعطى مائة ألف درهم؟- قال: لا. قال: فبيديك مائة ألف؟ قال: لا. قال: فبرجليك مائة ألف؟ قال: لا. ثم ذكر له نعماً كثيرة، ثم قال له في النهاية: أرى عندك مئين الألوف وأنت تشكو الحاجة.

4-نسبة النعمة إلى المنعم
لأن كثيراً من الناس إذا سئل عن هذا، قال: هذا باجتهادي، فإذا سئل عن ماله؟ قال: هذا بذكائي، وإذا سئل عن براعته؟ قال:  هذا بتجربتي، هذا بخبرتي، ولا ينسب النعمة إلى الله، فإذا أردنا أن نكون من عباده الشاكرين يجب أن ننسب النعمة إلى الله، ونرد الأمر كله إليه.

هذا من فضل ربي :
ان عبيد الدنيا وطلابها الذين غرتهم الدنيا حين ينالون القوة والاقتدار ، ينسون كل شيء ، وينسون الله عزوجل ، وكل ما يقع في ايديهم يحسبونه من عند انفسهم وبقدرتهم ، لا من غيرهم ولا من الله كما كان قارون يقول : « انما اوتيته على علم عندي » …

في حين ان عباد الله من المؤمنين والمتقين والانبياء والصالحين لم يقولوا هذا الكلام بل يقولوا هو من عند الله ، كل هذه النعم والبركات من فضل الله تعالى كما كان النبي سليمان عليه‌السلام يرى جميع النعم التي يتمتع بها هي من نعم الله عليه.
وعندما شاهد عرش ملكة سبأ عنده قال 🙁 هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر ام اكفر ومن شكر فانما يشكر لنفسه ومن كفر فان ربي غني كريم )  النمل : ٤٠.
فإذاً من الأشياء التي توصلنا لأن نكون عباداً شاكرين أن ننسب النعمة إلى المنعم، فإذا جاء ذكرها قلنا: هذه من الله، قال الله عز وجل: “وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ” [النحل:53].

  5- سجود العبد لله شكراً عند تجدد النعمة

ذهب جمهور العلماء إلى استحباب سجدة الشكر لمن تجددت له نعمة تسره أو صرفت عنه نقمة .

عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسره أو بشر به خر ساجدا شكرا لله تعالى ، رواه أبو داود

وروى البيهقي بإسناد على شرط البخاري أن عليا رضي الله عنه لما كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام همذان خر ساجدا ثم رفع رأسه فقال : ( السلام على همذان ، السلام على همذان ) .

وعن عبد الرحمن ابن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج فاتبعته حتى دخل نخلا فسجد فأطال السجود حتى خفت أن يكون الله قد توفاه ، فجئت أنظر فرفع رأسه فقال : ( ما لك يا عبد الرحمن ؟ ) فذكرت ذلك له فقال : ( إن جبريل عليه السلام قال لي : ألا أبشرك ؟ إن الله عزوجل يقول لك : من صلى عليك صليت عليه ، ومن سلم عليك سلمت عليه ، فسجدت لله عز وجل شكرا ) . رواه أحمد

وروى البخاري أن كعب ابن مالك سجد لما جاءته البشرى بتوبة الله عليه .

 

6- دعاء العبد بالمأثور عند رؤية مبتلى
كذلك من الأمور التي تدل على أن العبد عبد شكور: أنه إذا رأى مبتلى أن يحمد الله على العافية من هذا البلاء، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا رأى أحدكم مبتلىً فليقل: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني عليك وعلى كثير ممن خلق تفضيلاً)

وهذا الكلام يقوله سراً لا يجهر به حتى لا يؤذي الشخص إلا إذا كان بلاء الشخص فسقاً في دينه، فقال النووي رحمه الله: يجهر به؛ لعله يرتدع، أما إذا كان إنساناً مشلولاً أو أعمى أو كسيحاً به عاهة فليعمل بالحديث.

7- شكر النعمة بالزيادة في التطوع :

إذا نجاك الله من مكروه، أو دفع عنك شراً، فزد في التطوع من صوم أو صدقة ، وشاهِدنا على هذا حديث ابن عباس في البخاري : (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجدهم يصومون يوماً -وهو يوم عاشوراء- فسألهم: فقالوا: هذا يوم عظيم نجى فيه الله موسى وأغرق آل فرعون فصام موسى شكراً لله، فقال: أنا أولى بموسى منهم فصامه وأمر بصيامه).
فإذا حدث لك أن نجاك الله من سوء ودفع عنك مكروهاً، فمن شكر النعمة أن تعبده بصيامٍ، أو صلاة أو صدقة مقابل هذا الإنجاء الذي حصل.

 8- شكر الناس على إحسانهم
  وشكر الناس على إحسانهم إليك من شكر الله، ومن وسائل شكر الله أن تشكر الناس المحسنين إليك، قال صلى الله عليه وسلم: (من لا يشكر الناس لا يشكر الله)، وفي لفظ آخر صحيح أيضاً: (أشكر الناس لله أشكرهم للناس).
ما معنى: (لا يشكر الله من لا يشكر الناس)؟يعني: أن الله عز وجل لا يقبل شكراً لعبدٍ على إحسانه إليه إذا كان العبد لا يشكر الناس بل يكفر إحسانهم إليه؛ لأن كلا الأمرين متصل بالآخر.
وقال بعض العلماء في شرح الحديث: (لا يشكر الله من لا يشكر الناس): أن مَنْ عادته وطبعه كفران إحسان الناس إليه، فإن من عادته وطبعه كفران نعمة الله عليه؛ وهذا مبني على رفع اسم الجلالة أو نصبه (لا يشكر اللهَ من لا يشكر الناس)، أو (لا يشكر اللهَ من لا يشكر الناس)؟ كلاهما صحيح.
فأشكر الناس لله أشكرهم للناس، ولذلك جاء في الحديث: “من صنع إليه معروفٌ فقال لفاعله: جزاك الله خيراً فقد أبلغ في الثناء”

خامسا / ثمار الإيمان بالاسم الجليل
1- الشكور هو الذي يقبل القليل من العمل ويعطي الكثير من الثواب مقابل هذا العمل البسيط …لذلك لا تستصغر أي عمل تقدمه من اعمال البر فقد قال عليه الصلاة والسلام :” اتقوا النار ولو بشق تمرة ” فلا تحقرن من المعروف شيئا فربك شكور فلا تدري بأى عمل ترجح كفة الميزان .

2- شكر الله على نعمه وأعظم الشكر ألا تجعل نعمه في معصيته ، قال صل الله عليه وسلم :” الطَّاعِمُ الشَّاكرُ لَهُ مثلُ أجرِ الصَّائمِ الصَّابرِ “صححه الألباني

3- من فعل لك خيرا فكافأه فمن لم يشكر الناس لم يشكر الله والمكافأة تكون بالدعاء والهدية والصنيع الجميل.

4-ادع الله الشاكر الشكور: من قال حين يصبح( اللهم ما أصبح بي من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر فقد أدى شكر يومه ومن قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته )أبو داود
وعلم معاذا أن يقول دبر كل صلاة : اللهم أعني على ذكرك و شكرك ، و حسن عبادتك)
ومن دعائه صلى الله عليه وسلم “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ”

والمعنى اللَّهم إني ألتجئ إليك من ذهاب جميع نعمك ،لأن زوال النعم لا يكون إلا عند عدم شكرها
(وتحول عافيتك): أي أعوذ بك من تبدّل العافية  إلى الأمراض والبلاء،
(وفجأة نقمتك): أي أعوذ بك من العقوبة المفاجئة وأنا في غفلة، دون توقع وتحسب، وخُصَّ فجاءت النقمة بالاستعاذة؛ لأنها أشد و أصعب من أن تأتي تدريجياً، بحيث لا تكون فرصة للتوبة.
(وجميع سخطك): أي ألتجئ وأعتصم إليك أن تعيذني من جميع الأسباب الموجبة لسخطك جلّ شأنك؛ فإنّ من سخطت عليه فقد خاب وخسر.
5-  كفر النعم وجحودها سبب لزوالها كما قال تعالى: (وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).
وقال تعالى مبينا حال تلك القرية العظيمة التي كانت ترفل بالنعم والأمن ثم كفرت بنعم الله: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُون).
وكم زالت النعم والأمن وحل الهلاك والخوف والجوع ووقع التشرذم والتفرق وسقطت الدول في كثير من بلدان المسلمين عبر التاريخ لما كفروا بالنعم وأظهروا الفواحش وبدلوا شرع الله وأمنوا مكر الله.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 352 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم