فقه البيوع :2-الشروط في البيع

تاريخ الإضافة 15 أغسطس, 2023 الزيارات : 10693

فقه البيوع :2-الشروط في البيع

الشروط في البيع قسمان :

1- شروط صحيحة .
2- شروط فاسدة .

أولا الشروط الصحيحة :

هي التي لا تخالف مقتضى العقد فهذه يلزم العمل بموجبها حين الموافقة عليها لحديث ( المسلمون على شروطهم ) رواه أبو داود وصححه الألباني .

وهي ثلاثة أنواع :

1-شرطٌ من مقتضى العقد كأن يشترط البائع استلام المبلغ نقداً حالاً أو يشترط المشتري استلام البضاعة حالاً أو يشترط وجود صك للأرض مثلاً أو يشترط إفراغها حالاً ، فكل هذا من مقتضيات العقد ، لكن لزيادة استيثاق البائع أو المشتري يشترط مثل هذه الشروط لاحتمال وجود عرفٍ في البلد يمنع من استلام البضاعة مباشرة كأن تبقى السيارة في المعرض يومين أو ثلاثة أو لا يفرغ الأرض أو البيت المباع إلا بعد مضي شهر مثلاً .

2- شرطٌ لمصلحة العقد كاشتراط التوثيق بالرهن أو الضامن ، وهذا لمصلحة البائع وكاشتراط تأجيل الثمن أو بعضه إلى مدةٍ معلومة،  أو اشتراط صفةٍ معينةٍ في المبيع ككونه من النوع الفلاني أو من صناعة الدولة الفلانية،  وهذا لمصلحة المشتري وله الفسخ مع تخلف الصفة المشترطة أو الإمساك مع التعويض عن فقد الصفة فيقوَّم المبيع مع تقدير وجود الصفة ويقوم مع فقدها ويدفع له الفرق .

3-شرط لمصلحة المتعاقدين كاشتراط أحد المتعاقدين بذل منفعةٍ مباحة في المبيع كأن يشترط البائع سكنى الدار المبيعة مدةً معينة أو أن تحمله السيارة المبيعة إلى موضعٍ معين فعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ( باع جملاً واشترط ظهره إلى المدينة ) متفق عليه .

أو يشترط المشتري توصيل البضاعة إلى موضعٍ معلوم كأن يشتري طعاماً ويشترط على المطعم توصيله إلى البيت أو يشتري ثوباً ويشترط على البائع خياطته ونحو ذلك.

تنبيه : ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن ( شرطان في بيع ) فقال الحنابلة في المشهور : لا يصح اشتراط شرطين ولو كانا صحيحين كأن يشترط المشتري للحطب تكسيره وحمله ، وفي رواية عن أحمد اختارها شيخ الإسلام بن تيمية وتلميذه بن القيم أن ذلك جائز لأنه لا يخالف مقتضى العقد وليس في كتاب الله ما يبطله وأما الحديث فيحمل على حديث النهي عن بيعتين في بيعة ، قال الشيخ العثيمين : الصحيح جواز الجمع بين شرطين بل بين ثلاثة شروط وأربعة شروط حسب ما يتفقان عليه ، والحديث لا يدل على هذا بوجهٍ من الوجوه وإنما المراد بقول النبي صلى الله عليه وسلم ( ولا شرطان في بيع ) الشرطان اللذان يلزم منهما محذور شرعي كالجهل والظلم والربا وما أشبه ذلك  ( الشرح الممتع 8/235 )

ثانيا / الشروط الفاسدة وهي التي تخالف مقتضى العقد وهي على أنواع :

1-شرطٌ فاسد ويفسد العقد ، كاشتراط عقدٍ آخر كأن يقول بعتك هذه السلعة بشرط أن تقرضني أو بشرط أن تؤجرني أو تبيعني دارك أو نحو ذلك فهذا شرطٌ فاسد ويفسد العقد لنهي النبي عن بيعتين في بيعة ، أي عقدين .

والنهي يقتضي الفساد  وهذا هو المذهب عند الحنابلة ، وقيل إن معنى الحديث بيع العينة فقط لأن نص الحديث ( من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا ) أخرجه أبو داود والحاكم وحسنه الألباني في صحيح الجامع، فيبيعه سيارة بسبعين ألف إلى أجل ثم يشتريها منه بخمسين ألف حاضرة فهذا بيع العينة ولا يجوز إلا أن يكون بنفس السعر أو أقل لأن معنى ( أوكسهما ) أي أقلهما ، وعلى القول بأنه بيع العينة فقط فيجوز أن تعقد مع البيع عقداً آخر كالإجارة والنكاح ونحو ذلك من العقود ما لم يرد نصٌ في تحريم الجمع بينهما ، فتقول أبيعك داري بثمن كذا على أن تؤجرني دارك مدة كذا وكذا أو أن تنكحني ابنتك ونحو ذلك ، وهذا قول بعض المالكية ، ورجحه العثيمين ما لم يكن العقد الآخر قرضاً ينتفع به أو حيلة على الربا ( الشرح الممتع 8/ 239 )

2-شرطٌ فاسد لكن لا يفسد العقد كأن يشترط البائع على المشتري أن لا يبيع السلعة أو يشترط المشتري أنه إذا لم يربح ردها ونحو ذلك لحديث ( كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط ) متفق عليه ودليل عدم فساد العقد قصة بريرة في هذا الحديث فإن النبي صلى الله عليه وسلم أبطل الشرط ولم يبطل العقد ، والقصة في الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : جاءت بريرة فقالت إني كاتبت على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني فقالت عائشة إن أحب أهلك أن أعدها لهم عدة واحدة وأعتقك فعلت ويكون ولاؤك لي فذهبت إلى أهلها فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذيها وأعتقيها ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ( أما بعد ، فما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط فقضاء الله أحق وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق ) متفق عليه،  فبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الولاء للمعتق وهو هنا المشتري فليس للبائع أن يشترط الولاء ، لأن الولاء يتبع العتق وليس البيع.

الفرق بين شروط البيع والشروط في البيع  :

1- أن شروط البيع من وضع الشارع وأما الشروط في البيع فمن وضع المتعاقدين .

2- أن شروط البيع كلها صحيحة وأما الشروط في البيع فمنها الصحيح ومنها الباطل .

3- أن شروط البيع لا تسقط بحال وأما الشروط في البيع فيحق للمشترط إسقاطها إن شاء .

4-أن شروط البيع يتوقف عليها صحة البيع ، وأما الشروط في البيع فيتوقف عليها لزوم البيع فالبيع صحيح لكن ليس بلازم فللمشترط إذا لم يوف له بشرطه الخيار في إمضاء البيع أو فسخه .

وننبه هنا إلى أمر مهم جدا : وهو أن كثيرا من العلماء يعتبرون الشروط في الأصل باطلة ، وهذا يسبب إشكاليات كثيرة في هذا العصر ، فالمعاملات الحالية مليئة بالشروط ، وتتم صفقات بين دول بشروط وبنود كثيرة ودقيقة للغاية ، فإذا جعلنا الأصل في الشروط أنها محرمة فهذا سيكون سببا في حرج شديد .

وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أنه لا يصح القول بأن الأصل في الشروط التحريم ، وقال : إن الصحيح أن الأصل في الشروط في البيع الإباحة ما لم يرد نص بالتحريم .

ومثال على ذلك : لو باعك بائع السلعة وشرط أن لا تبيعها لغيرك ، إلا بعد أن تعرضها عليه ، أو اشتريت سلعة بشرط إن نفقت وإلا رددتها على البائع ، فالأصل إباحة هذه الشروط وتلزم بالعقد ، وكذلك إذا شرط المشتري على البائع أكثر من شرط ولكنها مباحة في الأصل ، كل ذلك جائز وصحيح ولازم ، لانه لم يرد نص في تحريمها .

وقد أورد العلماء القائلون بأن الأصل في الشروط التحريم عدة أدلة :

1– منها حديث ( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط)

 2– حديث (نهى عن بيع وشرط ) .

3 – حديث ( نهى عن بيع وسلف وعن شرطين في بيع).

ورد عليهم شيخ الإسلام ابن تيميه بما يلي : قال رحمه الله ( القول الثاني أن الأصل في العقود والشروط : الجواز والصحة ولا يحرم منها ويبطل إلا مادل الشرع على تحريمه وبطلانه ، نصا أو قياسا ، عند من يقول به ، وأصول أحمد المنصوصة عنه : أكثرها يجري على هذا القول ومالك قريب منه ،ولكن أحمد أكثر تصحيحا للشروط ، فليس في الفقهاء الأربعة أكثر تصحيحا للشروط منه …. هذا القول هو الصحيح : بدلالة الكتاب والسنة ، والإجماع ، والاعتبار مع الاستصحاب ، وعدم الدليل المنافي .

أما الكتاب فقد قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) والعقود هي العهود ، وقال تعالى : ( وإذا قلتم فاعدلوا ولوكان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ) وقال تعالى ( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا ) فقد أمر الله بالوفاء بالعقود ، وهذا عام ، وكذلك أمر بالوفاء بعهد الله وبالعهد ، وقد دخل في ذلك ما عقده المرء على نفسه ، بدليل قوله تعالى ( ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل ) فدل على أن عهد الله يدخل فيه ما عقده المرء على نفسه ، وإن لم يكن الله قد أمر بنفس ذلك المعهود عليه قبل العهد ، كالنذر والبيع ، إنما أمر بالوفاء به ، وهذا قرنه الصدق في قوله ( وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ) …وإذا كان جنس الوفاء ورعاية العهد مأمورا به إن علم أن الأصل صحة العقود والشروط ، إذ لامعنى للتصحيح إلا ما ترتب عليه أثره ، وحصل به مقصوده ، ومقصود العقد : هو الوفاء به ، فإذا كان الشارع قد أمر بمقصود العهد ، دل على أن الأصل فيها الصحة والإباحة )

وأجاب على الاحتجاج بحديث ( ليس في كتاب الله ) بقوله : ( وأما قوله صلى الله عليه وسلم ( من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل ، وإن كان مائة شرط ، كتاب الله أحق ، وشرط الله أوثق ) فالشرط يراد به المصدر تارة ، والمفعول أخرى ، وكذلك الوعد والخلف ، ومنه قولهم درهم ضرب الأمير ، والمراد به هنا ـ والله أعلم ـ المشروط ، لانفس المتكلم ، ولهذا قال : ( وإن كان مائة شرط ) أي : وإن كان مائة مشروط ، وليس المراد تعديد التكلم بالشرط ، وإنما المراد تعديد المشروط ، والدليل على ذلك قوله : ( كتاب الله أحق ، وشرط الله أوثق ، أي : كتاب الله أحق من هذا الشرط ، وشرط الله أوثق منه ، وهذا إنما يكون إذا خالف ذلك الشرط كتاب الله وشرطه ، بأن يكون المشروط مما حرمه الله تعالى ، وأما إذا كان المشروط مما لم يحرمه الله تعالى ، فلم يخالف كتاب الله وشرطه …… فمضمون الحديث : ان المشروط إذا لم يكن من الأفعال المباحة ، أو يقال : ليس في كتاب الله : أي ليس في كتاب الله نفيه ، كما قال ( سيكون أقوام يحدثونكم بما لم تعرفوا أنتم ولا آباؤكم ) أي : بما تعرفون خلافه ، وإلا فما لا يعرف كثير ) مجموع الفتاوى 29/ 132ـ161

ومعنى كلامه أن مقصود حديث ( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ) أي كل مشروط حرمته الشريعة ، فهو باطل ، وليس مقصوده أن كل شرط زائد على العقد محرم إلا ما كان منصوصا عليه .

أما الحديث الثاني : وهو حديث ( نهى عن بيع وشرط ) فهو حديث لا أصل له فلا يحتج به .

أما الحديث الثالث : وهو حديث ( نهى عن شرطين في بيع ) قال ابن القيم : إن الصحيح أن الشرطين في البيع هما البيعتان في البيعة ، وهو بيع العينة ، وهو أن يحتاج الشخص للنقد ، فيأتي شخصا آخر ، ويقول له : أبيعك سيارتي بثلاثة آلاف نقدا وأشتريها منك بخمسة مقسطة .

 والخلاصة : أن حديث المؤمنون على شروطهم ، عام يدل على إباحة الشروط ما لم يرد نص على تحريم شرط بعينه ، وأن كل شرط غير محرم فهو ملزم والله اعلم ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وأصول أحمد ونصوصه تقتضي جواز شرط كل تصرف فيه مقصود صحيح ، وإن كان فيه منع من غيره) مجموع الفتاوى 29/169

 


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 24 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع