فقه الزكاة :4- زكاة الثروة الزراعية

تاريخ الإضافة 12 يونيو, 2023 الزيارات : 6418

من الأموال التي تجب فيها الزكاة

ثالثاً : زكاة الثروة الزراعية

من أجلّ نِعَم الله على الإنسان: أن مهّد له هذه الأرض، وجعلها صالحة للإنبات والإثمار، وأجرى سننه الكونية بذلك، فجعلها المصدر الأول لرزق الإنسان ومعيشته، وقوام بدنه حتى إن بعض الاقتصاديين في الغرب نادوا بفرض ضريبة واحدة على الأرض الزراعية دون غيرها، باعتبارها المصدر الرئيسي لمعيشة البَشر.

وهذا لمن تأمل بعين بصيرته محض فضل الله تعالى، فهو الذي سخّرها وجعلها ذلولاً وبارك فيها وقدَّر فيها أقواتها، وجعل فيها معايش لهذا النوع المكرَّم: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ، قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ) (الأعراف:10) ولو عرفنا شيئًا قليلاً مما تحتاج إليه البذرة من النبات كي تحيا وتنمو وتثمر، من أسباب وشروط ومن سنن وقوانين لعرفنا العجب العجاب من فضل الله علينا وعلى الناس.

ليست كلّ تربة تصلح للإنبات، فلا بدّ من تربة خاصة تحتوي على العناصر اللازمة لتغذية البذرة، فمَن ذا الذي خلق التربة الأرضية مشتملة على العناصر المطلوبة للنبات؟ ولا بدَّ من ماء يسقي البذرة وإلا ماتت فمَن ذا الذي أجرى سنته بإنزال الماء من السحاب أو تفجيره ينابيع في الأرض، وجعله فيها بقدر، حتى لا يغرق الخلق ويهلك الحرث والنسل؟

ولا بد من غاز يستنشقه النبات، فمن ذا الذي أودع هذا الغاز في الهواء؟ أو من الذي علَّم النبات أن يستنشق ثاني أكسيد الكربون الذي يلفظه الإنسان والحيوان؛ ليقوم بين المملكة الحيوانية والمملكة النباتية هذا التبادل الرائع الفريد؟!

ولا بد للنبات من ضوء وحرارة معينة، لو زادت كثيرًا لاحترق، ولو نقصت كثيرًا لذوى وهلك، وما وُجدت حياة نباتية ولا غيرها، فمن الذي خلق الشمس وسخرها، وأودع فيها هذه الخصوصية وجعلها على هذه المسافة المعينة من الأرض، بحيث لا تهلك الكائنات الحية عليها من البرودة المفرطة إذا بعدت، أو الحرارة المفرطة إذا قربت؟

ثم من الذي جعل في البذرة الساكنة الجافة قابلية الحياة والنمو والتكاثر؛ بحيث تصبح النواة نخلة باسقة طلعها نضيد، وتنبت حبة القمح سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة؟

إنه الله تعالى هو الذي صنع هذا كله وقدَّره فأحسن التقدير، ودبّره فأتقن التدبير، ولا غرو أن امتن بذلك على عباده في آيات كثيرة من كتابه، ورد الفضل فيه إلى أهله، مثل قوله تعالى: (أفرأيتم ما تحرثون؟ ءأنتم تزرعونه أم نحن الزَّارعون؟! لو نشاء لجعلناه حطامًا فظللتم تفكَّهون إنَّا لمغرمون بل نحن محرومون) (الواقعة:63-67).

وقوله تعالى: (والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون، وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين، وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم، وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماءً فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين) (الحجر:19-22).

أجل ..إن ما تخرجه الأرض من زرع وثمر إنما هو من فضل الله ومن عمل يده سبحانه لا من عمل أيدينا القاصرة، هو الزارع المنبت حقيقة لا نحن الزارعون فلا عجب أن يطالبنا سبحانه بالشكر على هذه النعمة السابغة التي جاءتنا عفوًا صفواَ، وأكلنا منها هنيئًا مريئًا (ليأكلوا من ثمرهِ وما عملته أيديهم، أفلا يشكرون)؟

أجل ..(أفلا يشكرون؟) وأول مظاهر هذا الشكر: هو أداء الزكاة مما خرج منها وفاءً ببعض حقه سبحانه، ومواساة للمحتاجين من خلقه.

وهذه الزكاة تمتاز عن زكاة الأموال الأخرى من مواش ونقود وعروض تجارة، بأنها لا يُشترط فيها حولان الحول، بل تجب بمجرد الحصول عليها، إذ هي نماء الأرض وغلتها، فحيث وُجِدت تحقق النماء الذي هو عِلة وجوب الزكاة، فهي -بتعبير العصر- ضريبة على الإنتاج والريع الناتج من استغلال الأرض.

الدليل على وجوبها :

قوله تعالى( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنـا لكم من الأرض ) البقرة 267، والأمر بالإنفاق يفيد الوجوب

وقال تعالى ( وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفاً أكله والزيتون والرمان متشابهاً وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ) الأنعام 141

والمفسرون على أن حقه الزكاة المفروضة العشر أو نصف العشر.

عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريًا: العُشر، وفيما سقى بالنضح : نصف العشر” رواه الجماعة إلا مسلم.

والمراد بالعثريِّ: ما يشرب بعروقه من الأرض من غير سقي.

(ب) وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم : “وفيما سقت الأنهار والغيم العشور، وفيما سُقي بالساقية نصف العشور” رواه أحمد ومسلم

ما هي المحاصيل الزراعية التي تجب فيها الزكاة ؟

اختلـف الفقهاء فى ذلك فمنهم من رآها فى كل ما يقتات ويدخر وبعضهم قصرها على أصناف معينة .

أولاً: قول الحنفية:

ذهب الإمام أبو حنيفة إلى القول بزكاة جميع ما ينتج من زروع وثمار وخضروات وما قصد استنباته من حطب وحشيش اعتمادا على عموم النصوص الواردة في الموضوع كقولة تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض) ، وقولة صلى الله عليه وسلم: (فيما سقته السماء العشر).

وذهب الصاحبان إلى القول بزكاة ما ينتج من الأرض وله ثمرة باقية فلا زكاة عندهما في الخضراوات اعتماداً على حديث: “ليس في الخضراوات صدقة ”وهذا الحديث روي بطرق شتى لكن في معظمها ارسال وانقطاع ورواة متروكون 

ثانياً: قول المالكية:

الذي عليه المالكية هو أن الزكاة تؤخذ من كل ما يدخر ويقتات كالقمح والشعير والفول والعدس والتمر والزبيب والزيتون وبهذا القيد تخرج الفاكهة لأنها لا تدخر والجوز واللوز والبندق لأنها ليست أقواتاً . 

وقد استدل المالكية لقولهم إضافة إلى احتجاجهم بعمل أهل المدينة بما جاء في حديث معاذ : “فأما القثاء والقضيب والخضراوات فعفو عفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم” 

ثالثاً: قول الشافعية:

يرى الشافعية أن الزكاة تجب في ناتج الأرض إذا كان مما يدخر ويقتات اختياراً كالحنطة والشعير والأرز والعدس ونحوها لأن الاقتيات من الضروريات التي لا يعيش الإنسان بدونها. فأما ما يقتات للضرورة وقت الجدب والقحط فلا زكاة فيه، وكذا الحال فيما يقتات تنعماً أو تأدماً كالتين والسفرجل والرمان والزيتون والجوز واللوز والتفاح فلا زكاة فيه.

ولا زكاة عندهم في الثمار بأنواعها عدا الرطب والعنب .

وقد قسم الإمام الماوردي المزروع إلى أربعة أنواع:

أ-نوع يؤكل قوتاً كالبر والشعير والزكاة فيه واجبة.

ب-نوع يؤكل تفكهاً كالجوز واللوز والسفرجل وهذا لا زكاة فيه.

ج-نوع يؤكل إبزاراً و أدماً كالكزبرة و الكراويا وهذا لا زكاة فيه.

د-نوع يؤكل تداوياً كالرشاد والحلبة وهذا لا زكاة فيه.

هذا وقد اعتمد الشافعية لما ذهبوا إليه ما يلي:

1-حديث معاذ “فأما القثاء والقضيب والخضراوات فعفو عفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم” .

2-حديث ليس في الخضراوات صدقة.

رابعاً: قول الحنابلة:

يرى الحنابلة أن زكاة الزروع لا تجب إلا فيما يكال وييبس ويدخر استنباطاً من قوله صلى الله عليه وسلم: “ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة”، حيث دل الحديث على أن مالا يوسق من الزروع والثمار ليس مراداً ولأن غير المدخر لا تكمل فيه النعمة.

ويقيد الحنابلة هذا فإن الزكاة تكون شاملة للحنطة والشعير والذرة والحمص والفول والثمر الذي يكال ويدخر كالتمر والزبيب واللوز والفستق والبندق وكذلك البذور كبذور الكتان والقثاء والسمسم وسائر الحبوب.

وأما العنب والزيتون فلا زكاة فيهما لأن العادة لم تجر بإدخارهما وكذلك الجوز لأنه مما يعد ولا يكال وكذلك لا زكاة في التفاح والرمان والسفرجل والمشمش لأنها ليست مكيلة وأما الخضراوات فلا زكاة فيها عندهم لحديث : “ليس في الخضراوات صدقة”، ولما ورد عن سفيان بن عبد الله الثقفي عامل عمر كتب إليه يستأذنه في أخذ العشر في الفرسك (الخوخ) والرمان فكتب إليه عمر أن ليس عليها عشر وقال هي من العضاة كلها. 

وقد نقل قول عن الإمام أحمد أنه لا زكاة إلا في أربعة الحنطة والشعير والتمر والزبيب، وهذا يوافق ما نقل عن ابن عمر والحسن والشعبي وابن أبي ليلى لما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “والعشر في التمر والزبيب والحنطة والشعير”. ولحديث معاذ وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم له أن لا يأخذ الصدقة إلا من أربعة الحنطة والشعير والتمر والزبيب. رواه البيهقي في السنن الكبرى، وروى جملة أحاديث ثم قال: هذه الأحاديث كلها مراسيل، إلا أنها من طرق مختلفة، فيؤكد بعضها بعضًا.

ووجه الدلالة أن هذه الأحاديث نص في هذه الأصناف وما عداها فلا نص ولا إجماع . 

وخلاصة القول في هذه المسألة: أن الفقهاء كانوا ما بين موسع ومضيق فيما تجب فيه الزكاة من الزروع والثمار والخضراوات من الموسعين أبو حنيفة وداود الظاهري والنخعي ومجاهد وعمر بن عبد العزيز يليهم الصاحبان من الحنفية ثم الحنابلة في المعتمد من أقوالهم ثم يأتي بقية أصحاب المذاهب حيث كان للقيود التي وضعوها واعتمدوا عليها في زكاة الزروع والثمار والخضراوات أثر في تضييق مساحة الأنواع التي تجب في الزكاة.

والذي يمعن النظر لا يسعه إلا القول بترجيح قول أبي حنيفة في أن الزكاة واجبة في جميع ما تنتجه الأرض من زروع وثمار وخضار لما يلي:

1-قوة الاستدلال بالعموم المستفاد من الآيات والأحاديث؛ كعموم قوله تعالى ( ومما أخرجنا لكم من الأرض ) البقرة 267

وقوله تعالى ( وآتوا حقه يوم حصاده ) الأنعام 141 وقد ذكر الله ذلك بعد أن ذكر أنواع المأكولات من الجنات معروشات وغير معروشات والنخيل والزرع والزيتون والرمان .

حديث ( وفيما سقت السماء العشر وفيما سقى بالنضح نصف العشر) من غير فصل بين ما يبقى وما لا يبقى وما يؤكل وما لا يؤكل وما يقتات ومالا يقتات . وهذا قول عمر بن عبد العزيز ومجاهد وحماد وداود والنخعى قالوا: فى كل ما أخرجت الأرض الزكاة ، وهو الذي تعضده الأدلة وهو الموافق لحكمة التشريع فى الزكاة .

2-ضعف الأحاديث الدالة على أنه ليست في الخضراوات صدقة. 

3-إن أحاديث الحصر كثير منها لم يخل من كلام وعلى التسليم بصحتها فإنها تحمل على أن الحصر فيها ليس حقيقياً وإنما هو إضافي أو أنها مؤولة بأنه لم يكن من الأصناف آنذاك إلا هذه الأربعة. 

4-إن زراعة الأشجار المثمرة والخضراوات أصبحت تشكل تجارة مقصودة لذاتها وأن بعض المزارع يقام على مساحات واسعة من الأرض وتدر على أصحابها عشرات إن لم نقل مئات الألوف من الدراهم والدنانير وبالنسبة للدول فإن تصدير الخضار والفواكه يشكل دخلاً قومياً يحسب حسابه فليس من المعقول تجاهل حق الفقراء والمساكين وغيرهم من الأصناف المستحقين للزكاة في هذا النوع من الأموال.

واعتقادي أن المؤسسات والشركات الزراعية القائمة اليوم لو كانت موجودة على هذا النمط من قبل لما تردد الفقهاء جميعاً في القول بزكاة جميع ما ينتج من أرض – والله أعلم.

حكــــــاية :

قال الشيخ القرضاوي : واذكــر أنى منذ عشر سنوات كنت فى زيارة لبلاد الشـرق الأقصى ومنها ماليزيا واندونيسيا ، وكان من الأسئلة الهامـــة المتكررة التي وجهت إلى هناك وخصوصاً فى ماليزيا وفى جامعة الملايــو من مديرها وأساتذتها وطلابها هو :

هل صحيح أن من سياسـة الإسلام الاقتصادية أن يعفى من الزكاة كبار الزراع الذين يملكون مئات الهكتارات أو آلافها من مزارع المطـاط أو الشاي أو جوز الهند أو المانجـو أو غيرها من الفواكه فى حين يوجب الزكـاة على صغار الزراع الذين يزرعون مساحات صغيرة من القمح أو الأرز،وربما لم يكونوا ملاكاً للأرض المزروعة بل مستأجرين لها ؟

هذا السؤال بهذه الصيغة وهذه الصورة ، ليس من باب الخيال أو الاختلاق ولكنه يعبر عن واقع قائم بالفعل هناك .

واقع استغله الشيوعيون وأشباههم ، ليشوهوا به وجه الزكاة وحقيقتها لدى المثقفين من أبناء المسلمين .

هذا الواقع هو ما تجرى عليه بالفعل المجالس الإسلامية فى الولايات الماليزية المختلفة ، حيث تؤخذ الزكاة من الأقوات والحبوب كالقمح والأرز والشعير ـ وهذه أكثر من يزرعها صغار الفلاحين وكثيراً ما يكونون مستأجرين للأرض لا مالكين لها ـ ولكنها لا تأخذ الزكاة من الفواكه والخضروات والشاي وغيرها ، مما يملك أكثره ويستغله كبار الملاك ، وهو ما أثار هذا التساؤل.

والسبب فى هذا هو التزامهم هناك بمذهب الإمام الشافعي وهو أضيق المذاهب الأربعة فى إيجاب الزكاة مما أخرجت الأرض ، فهو لا يوجبها إلا فيما يقتاته الناس فى حالة الاختيار ، وما عدا ذلك فلا زكاة فيه .

وهذه القصة ذكرها الشيخ القرضاوي في محاضرة بعنوان عوامل نجاح مؤسسة الزكاة فى التطبيق المعاصر .

النصاب فى زكاة الزروع والثمار

جمهور العلماء على أن الزكاة لا تجب فى الزروع والثمـار حتى تبلغ قيمة  خمسة أوسق للحديث المتفق عليه عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة )

الوسق = 60 صاع × 5 = 300 صاع والصاع = 4 أمداد وهو ما يساوى أربعة أردب وويبة (2) أو 646.96 كجم أو = 647 تقريباً

الويبة كيلتان والإردب فيه 6 ويبات

وطبعاً لا يشترط الحول لما ذكرنا من قبل لأن تمام النماء يوم الحصاد هذا فيما يكال من الحاصلات الزراعية أما ما لا يقدر بالكيل كالقطن فالراجح اعتبار القيمة وذلك بان تبلغ قيمة الخارج من القطن قيمة 647 كجم من أوسط ما يكال من الحبوب وهذا طبعاً يختلف باختلاف الأزمنة والأماكن .

مقدار ما يُخرج :

كل ما سقى بماء السماء أو الأنهار والعيون ففيه العشر وما سقى بالآلة وكان فيه مئونة ( تكاليف مالية ) ففيه نصف العشر فإن سقى نصف العام بكلفة والنصف الآخر بغير كلفة نقدية ففيه ثلاثة أرباع العشر .

الزكاة فى الأرض المؤجرة:

تكون على المستأجر لأن العشر حق الزرع لا حق الأرض، وهذا مذهب الجمهور والمزارع يدفع قدر الدين والنفقة من الخارج ويزكى الباقي ، والمقصود به ما كان من نفقة على الزرع أو ثمن البذر والسماد، أو أجرة العمال أو نحو ذلك .

الخرص فى النخيل والأعناب:

سن رسول الله فى النخيل والأعناب تقدير النصاب ومقدار الواجب فيها بالخرص دون الكيل أو الوزن .

ومعنــى الخرص فى اللغــة : الـحزر والتخمين ، فهو إذا تقدير ظني يقوم به رجل عارف مجرب أمين وذلك إذا بدا صلاح الثمار فيحصى الخارص ما على النخيل والأعناب من الرطب والعشب ثم يقـدره تمراً وزبيباً ليعرف مقدار الزكاة فيه ، فإذا جفت الثمار أخذ الزكاة التي سبق تقديرها منها .

فائدة الخرص :

أن العادة جرت بأكل الثمار رطباً فكان من الضروري إحصاء الزكاة قبل أن تؤكل وتقطع ، ومن أجل أن يتصرف أربابها بما شاءوا أو يضمنوا قدر الزكاة .

وعلى الخارص :أن يترك فى الخرص الثلث أو الربع توسعة على أرباب الأموال لأنهم يحتاجون إلى الأكل منه هم وأضيافهم وجيرانهم بالإضافة إلى أكل الطير وما تسقطه الريح ، روى الإمام احمد عن سهـل بن أبى حثمة ( وإذا أخرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع )

الأكل من الزرع :

يجوز كذلك لصاحب الزرع الأكل من زرعه ولا يحسب عليه ما أكل منه قبل الحصاد لأن العادة جارية به .

متى تجب الزكاة ؟

تجب إذا اشتد الحب وصــار فريكاً وفى الثمار إذا بدا صلاحها ويعرف ذلك مثلاً باحمرار البلح وجريان الحلاوة فى العنب .

زكاة العسل:

 الجمهور المالكية والشافعي في الجديد وابن حزم إلى أنه لا زكاة في العسل وبهذا قال ابن أبى ليلى وابن المنذر ونسبه ابن تيمية إلى الإمام أحمد. واستدلوا بـ :

1- قال ابن المنذر : ليس فى وجوب الصدقة خبر يثبت ولا إجماع فلا زكاة فيه.

2- أنه مائـع ( سائل ) خرج من حيوان فأشبه اللبن واللبن لا زكاة فيه بالإجمـاع ومن قال بوجوب الزكاة فيه استدلوا بالقياس على الزروع والثمار وبعض الأحاديث والآثار التي يقوى بعضها بعضا .

وذهب الحنفية والحنابلة والشافعي في القديم إلى القول بوجوب زكاة العسل وهذا القول مروي عن الأوزاعي والزهري وربيعة ومكحول وابن وهب وغيرهم ، وكل ما استدلوا به من أحاديث لم يصح منها شئ.

إخراج القيمة في زكاة الزروع والثمار:

المراد بإخراج القيمة هو قيام من وجبت عليه الزكاة بإخراجها من غير الجنس الذي وجبت فيه.

وفي إخراج القيمة في الزكاة بشكل عام وفي زكاة الزروع والثمار بشكل خاص جرى خلاف بين الفقهاء مرده إلى نظرتهم إلى الزكاة هل هي عبادة وقربة لله، أم أنها حق واجب للمساكين؟ فمن رجح أن الزكاة عبارة وقربة لم يقل بجواز إخراج القيمة لأنه إتيان بالعبادة على غير الجهة المأمور بها ، ومن رجح أن الزكاة حق واجب للمساكين جوز إخراج القيمة ولم يفرق في الإخراج ما بين القيمة والعين.

وإلى القول بجواز إخراج القيمة ذهب الحنفية والشافعية في وجه والإمام أحمد في رواية حيث قال أبو داود: “سئل أحمد عن رجل باع ثمرة نخله قال عشرة على الذي باعه، قيل فيخرج ثمراً أو ثمنه قال إن شاء أخرج ثمراً وإن شاء أخرج من الثمن”، وهذا القول هو الذي اختاره وذهب إليه الإمام البخاري.

بينما ذهب المالكية والشافعية والحنابلة في المشهور عندهم وابن حزم الظاهري والإمام الشوكاني إلى القول بعدم إخراج القيمة في الزكاة إلا لعذر وفي هذا يقول الشوكاني: فالحق إن الزكاة واجبة في العين لا يعدل عنها إلي القيمة إلا لعذر، ويقول في موضع آخر وتجب في العين ثم الجنس ثم القيمة حال الصرف.

أدلة القائلين بجواز إخراج القيمة:

استدل القائلون بجواز إخراج القيمة بأدلة من المنقول والمعقول على النحو التالي:

1- قال طاووس قال معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن (ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقه مكان الذرة والشعير أهون عليك وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم بالمدينة.

يقول ابن حجر وافق البخاري الحنفية في هذه المسألة ثم يقول بعد أن بين أن هذا الحديث مما ذكره البخاري تعليقا: وان إيراده له في معرض الاحتجاج يقتضي قوته عنده ،ومعاذ رضي الله عنه اعلم الناس بالحلال والحرام كما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انه كان يأتي النبي يصلى الله عليه وسلم بالصدقات ولا ينكر ذلك عليه .

2- ومما يؤيد جواز إخراج القيمة بشكل عام ما روى عن ثمامة أن أنسا رضي الله عنه حدث أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له التي أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم (ومن بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده وعنده بنت لبون فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين فان لم يكن عنده بنت مخاض على وجهها وعنده ابن لبون فانه يقبل منه وليست معه شئ.

3-  إن الواجب في الزكاة هو العشر أو نصف  العشر من حيث انه مال لا من حيث إنه أجزاء .

4- إن الله سبحانه أمر بصرف الزكاة إلى عبادة المحتاجين كفاية لهم وكفايتهم متعلقة بمطلق المال فصار وجوب الصرف إليهم معقول المعنى.. والأصل أن كل مال يجوز التصدق به يجوز أداء الزكاة منه .

أدلة القائلين بعدم جواز إخراج القيمة:

استدل القائلون بعدم جواز إخراج القيمة بأدلة من المنقول والمعقول أيضا على النحو التالي:

1- ما روى عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن فقال: خذ الحب من الحب والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقر من البقر.

ووجه الدلالة أن الحديث نص واضح في أن اخذ الزكاة إنما يكون من عين المال الذي وجبت فيه الزكاة. مع وجود هذا النص لا يجوز الاشتغال بالتعليل لأنه يبطل حكم النص، وإعمال الكلام أولى من إهماله.

2- إن الزكاة قربة لله تعالى وكل ما كان كذلك فسبيله أن يتبع فيه أمر الله فالوكيل لا يحق له شراء ما هو غير موكل به ولو كان افضل منه .

يقول صاحب المغني : (ولأن الزكاة وجبت لدفع حاجة الفقير وشكرا لنعمة الله والحاجات متنوعة فينبغي أن يتنوع الواجب ليصل إلى الفقير من كل نوع ما تندفع به حاجته ويحصل شكر النعمة بالمواساة من جنس ما انعم الله عليه به ولان مخرج القيمة قد عدل عن النصوص فلم يجزئه كما لو اخرج الرديء مكان الجيد.

وبعد: فان الذي أميل إليه واختاره هو القول بجواز إخراج القيمة في الزكاة عموما وفي زكاة الزروع والثمار على وجه الخصوص و أما حديث خذ الحب من الحب فانه لا ينافي جواز دفع القيمة لإنه يحمل على أن المراد منه هو التيسير على أصحاب المال.

ثم: إن المقصود من الزكاة إغناء الفقراء وسد خلة المحتاج و إقامة المصالح العامة للملة و الأمة التي بها تعلو كلمة الله، وهذا يحصل بأداء القيمة كما يحصل بأداء الشاة، وربما يكون تحقيق ذلك بأداء القيمة أظهر وأيسر، ومهما تنوعت الحاجات فالقيمة قادرة على دفعها .

هذا وان في القول بجواز إخراج القيمة في زكاة الزروع والثمار تيسيرا على أصحاب الزروع والثمار ورفقا بالفقراء والمساكين.

ولو ألزمنا أصحاب الزروع والثمار بإخراج الزكاة من أعيان ما ينتجون لوقعوا في حرج شديد فلربما لا يجدون المحتاج وفي الوقت نفسه لا توجد عندهم القدرة على تخزين الواجب في مستودعات خاصة الأمر الذي يؤدى إلي تلفه، ومن ناحية أخري فان المحتاجين قد يضيقون ذرعا بكثرة ما يأخذون من الحبوب والثمار فهم لا يستطيعون استهلاكه ومن ثم فان حاجتهم إلي أمور أخري تضطرهم إلى نقل تلك الحبوب والثمار من مكان إلى مكان ومن ثم بيعه بثمن بخس هذا إذا لم يتلف معهم في الطريق.

يقول الشيخ القرضاوي بعد أن رجح القول بإخراج القيمة من الزكاة على وجه العموم: والواقع أن رأى الحنفية أليق بعصرنا وأهون على الناس.. وقد روى هذا الرأي عن عمـر بن عبد العزيز والحسن البصري واليه ذهب سفيان الثوري.

 


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 355 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم