فقه الصلاة : 50- ماحكم رفع اليدين يوم الجمعة عند دعاء الإمام؟

تاريخ الإضافة 10 أكتوبر, 2023 الزيارات : 5537

حكم رفع اليدين يوم الجمعة عند دعاء الإمام

إذا دعا الخطيب في الجمعة، فالمسنون أن لا يرفع الخطيب يديه أثناء الدعاء؛ لكن السؤال عن المستمعين للخطبة، هل يسن لهم رفع أيديهم أثناء دعاء الخطيب؟ وهل إذا رفعوها يأثمون أو يوصفون بالبدعة ؟


الجواب :
من المقرر من سنة النبي – صلى الله عليه وسلم – استحباب رفعَ اليدين حالَ الدُّعاء مطلقاً؛ إظهارا ًللذُّلِّ والانكسار، والفقر إلى الله – سبحانه –  وهو من آداب الدعاء المتفق عليها، كما يُشِير إليه حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: (إنَّ الله طَيِّبٌ لا يَقبل إلا طَيِّباً)، وفيه: (ثم ذَكَرَ الرَّجُلَ يطيل السَّفَر، أشعثَ أغْبَرَ، يمدُّ يديْهِ إلى السماء: يا رب، يا رب)؛ رواه مسلم.

 وصحَّ عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه كان يرفع يديه كُلَّمَا دَعَا؛ ففي “الصحيحين” وغيرهما عن أبي موسى الأشعري قال: (فدعا النبي – صلى الله عليه وسلم – بماء فتوضأ ثم رفع يديه ثم قال: اللهم اغفر لعبيد أبي عامر، حتى رأيت بياض إبطيه) الحديث.

 وفي صحيح البخاري عن ابن عمر – رضي الله عنهما – في قصة خالد لما أمره أصحابه بقتل ما بأيديهم من أسرى – وفيه: فلَمَّا أُخبر النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – بذلك رفع يديه فقال: (اللهُمَّ إني أبرأ إليك مما صنع خالد “مرتين).

 وقد بَوَّبَ البُخَارِي في “صحيحه” أيضاً لهذه المسألة فقال: “باب رفع الأيدي في الدعاء”، وأشار ضمن هذه الترجمة لهذين الحديثين وغيرهما.

• وقال الإمام النَّوَوِي في “شرح مسلم”: “قد ثبت رفع يديه في الدعاء في مواطن، وهي أكثر من أن تُحْصَى. قال: وقد جَمَعْتُ منها نحواً من ثلاثين حديثاً من “الصحيحين”.

 

ولا يخرج عن هذا الأصل إلا ما ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه دعا ولم يرفعْ يديه فيها؛ كالدعاء بين السجدتين، وفي آخِرِ التَّشَهُّد، ودعاء الاستفتاح وفي خطبة الجمعة للإمام – في غير الاستسقاء – فإنَّ السُّنَّةَ فيها الإشارةُ بالإصْبَع فالأدِلَّةُ فيها خاصة.

وقد أفتى بعض الفقهاء بأن رفع اليدين عند التأمين على دعاء الإمام يوم الجمعة بدعة.

واحتج أولاً: بعدم نقله عن الصحابة، مع كثرة الجُمَع التي صلاها النبي، صلى الله عليه وسلم.
ويُجَابُ: بِأَنَّ عدم العلم بالشيء لا يقتضي العِلْمَ بالعَدَم، وبأن الأصل المُقَرَّر هو أن رفع اليدين من آداب الدعاء عموماً ولا يخرج عن هذا العموم إلا بدليل، وبأن حصر مواضع رفع اليدين في الدعاء بما صح فقط عن النبي – صلى الله عليه وسلم – خطأ محض.

واحتجَّ ثانياً: بحديث أنس في “الصحيحين”: (لم يكن النبي – صلى الله عليه وسلم – يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء).
وقد أجاب الحافظ ابنُ حجر في “الفتح” عن هذا الاستدلال بقوله: “إن المنفي صفة خاصة لا أصل الرفع، وقد أشرت إلى ذلك في أبواب الاستسقاء, وحاصله أن الرفع في الاستسقاء يُخَالِفُ غيره، إما بالمبالغة إلى أن تصير اليدان في حذو الوجه – مثلاً – وفي الدعاء إلى حذو المنكبين, ولا يُعَكِّر على ذلك أنه ثبت في كل منهما: (حتى يُرَى بياض إبطيه)، بل يجمع بأن تكون رؤية البياض في الاستسقاء أبلغ منها في غيره, وإما أن الكفين في الاستسقاء يليان الأرض وفي الدعاء يليان السماء. قال المنذري: وبتقدير تَعَذُّر الجمع؛ فجانب الإثبات أرجح”.

واحتج ثالثاً: بما أخرجه مسلم من حديث عمارة بن رُوَيبة: “أنه رأى بشر بن مروان يرفع يديه, فأنكر ذلك وقال: قَبَّحَ اللهُ هاتين اليدين لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يَزِيدُ على أن يقول بيده هكذا. وأشار بإصبعه المُسَبِّحَة.
ويجاب: بأن هذا الحديث أخصُّ من محلِّ النزاع؛ فإنه مُخْتَص بالإمام ولا يشمل المأمومين، ولو سَلَّمْنَا أنه يشملهم، فيكون دالاً على استحباب رفع الإصبع في الدعاء يوم الجمعة، وهم لا يقولون به أيضاً، ثم ليس استدلالهم بهذا الحديث بأولى من الاستدلال بحديث أبي هريرة في رفع النبي – صلى الله عليه وسلم – كلتا يديه في دعائه على المنبر للاستسقاء، فإن قيل هذا الرفع خاص بدعاء الاستسقاء؟! قلنا: وكذلك حديث عمارة بن رُوَيبة خاص بالإمام دون المأمومين.

وبهذا البيان يتبين أن قياس المأموم على الإمام في عدم رفع اليدين حال التأمين فاسد الاعتبار، وأن رفع اليدين في الدعاء عموماً مشروع وثابت؛ فمن دعا ورفع يديه حال الدعاء، لا يُنْكَرُ عليه، إلا في الحالات السابقة، التي صحَّ أن النبي- صلى الله عليه وسلم – ترك رفع اليدين فيها.

والخلاصة :

أن الأصل هو سنية رفع اليدين في الدعاء إلا ما خصه الدليل ,والدليل المذكور في شأن الإمام لا المأموم ، فالمأموم لم يرد فيه نص، ولذا ذهب بعض أهل العلم إلى أن حكمه باق على الأصل وهو استحباب رفع اليدين له، وذهب آخرون إلى إلحاقه بالإمام، ولو سَلَّمْنَا أنه يشملهم، فيكون دالاً على استحباب رفع الإصبع في الدعاء يوم الجمعة كما فعل النبي ، وهم لا يقولون به

والراجح عندي أن الأمر على عمومه ؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله حيي كريم يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين. رواه أحمد.
ومسلكُ العلماءِ المحققين المستنبطينَ للأحكامِ أنهُ إذا قويَ الخلافُ يُرجَّحُ بالأصلِ، (والأصلُ في الدعاءِ رفعُ الأيدي مطلقًا لتعظيم الله تعالى بإظهار الافتقارِ إليهِ بطلبِ النفعِ أو دفعِ الضُّر).
وأقلُّ ما يُقالُ في هذا الأمرِ – أي رفع الأيدي حالَ التأمينِ على دعاءِ خطيبِ الجُمُعةِ سواءً في آخرِها أو ضمنِها – أنَّهُ منَ الأمورِ المسكوتِ عليها (رحمةً غيرَ نسيانٍ)..
وبناءً عليهِ: لا ينبغي (التبديعُ) ـ مطلقًا ـ للمأمومينَ أو الإنكارُ عليهم إذا رفعوا أيديَهم .


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 277 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم