فقه الصلاة : 48- فقه خطبة الجمعة

تاريخ الإضافة 10 أكتوبر, 2023 الزيارات : 8437

فقه الصلاة : 48- فقه خطبة الجمعة

حكمها :

ذهب جمهور أهل العلم إلى وجوب خطبة الجمعة، واستدلوا على الوجوب بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم بالأحاديث الصحيحة ثبوتا مستمرا أنه كان يخطب في كل جمعة ، واستدلوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) وقول الله عز وجل ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) وهذا أمر بالسعي إلى الذكر فيكون واجبا لأنه لا يجب السعي لغير الواجب وفسروا الذكر بالخطبة لاشتمالها عليه .

 أركان الخطبة

الركن الأول: أن تفتتح بالتحميد:

وأقله الحمد لله، ومن تتبع خطب الرسول الله صلى الله عليه وسلم، لوجد أوائل أكثرها، هو: الحمد لله نحمده ونستعينه، ونؤمن به ، ونتوكل عليه ، ونستغفره ، ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له …. الخ.

 وقد اختلفت المذاهب في هذا الركن: فالشافعية والحنابلة يرون أن الخطبة لا تصح بدون التحميد، وأنه واجب فيها، ويرى الحنابلة أنه ليس من الضرورى ذكر لفظ الحمد لله، بل إن الثناء والشكر يقوم مقام الحمد، من أدائه للمعنى المقصود.

إلا أن الشافعية يرون وجوب النطق بلفظ الحمد أو ما يشتق من مادته.

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم) رواه أبو داود وأحمد بمعناه .

الجذام : الداء المعروف ، شبه الكلام الذي لا يبتدأ فيه بحمد الله تعالى بإنسان مجذوم تنفيرا عنه وارشادا إلى استفتاح الكلام بالحمد .

 وفي رواية: ( الخطبة التي ليس فيها شهادة كاليد الجذماء ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال ( تشهد ) بدل ( شهادة ) 

ليس فيها شهادة : أي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد قال : ( الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا . من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا بين يدي الساعة . من يطع الله تعالى ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله تعالى شيئا ) .

وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب دائما ويجلس بين الخطبتين . ويقرأ آيات ويذكر الناس . رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي .

وعنه أيضا رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يطيل الموعظة يوم الجمعة إنما هي كلمات يسيرات . رواه أبو داود .

وعن أم هشام بنت حارثة بن النعمان رضي الله عنهما قالت : ما أخذت ( ق والقرآن المجيد ) إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس . رواه مسلم

وعن يعلى بن أمية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر : ( ونادوا يا مالك ) متفق عليه .

وعن ابن ماجه عن أبي أن الرسول قرأ يوم الجمعة ( تبارك ) وهو قائم يذكر بأيام الله .

الركن الثانى: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم :

والصلاة عند الشافعية والحنابلة ركن واجب، أما الأحناف والمالكية، فيذهبون إلى أن الصلاة على الرسول في الخطبة سنة وليست ركنا ولا شرطنا.

الركن الثالث: الوصية بتقوى الله تعالى:

 عند الشافعية والحنابلة، لأنه المقصود، ولا يتعين لفظها، وأقلها: اتقوا الله، وأطيعوا الله ونحوه.

أما الأحناف والمالكية: فيرون أن بعض الذكر والقرآن يكفي لذلك، لأن في القرآن الكريم عظة ونصحا وتوجيها.

الركن الرابع: قراءة شىء من القرآن الكريم ولو آية:

فإذا قال خطيب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد: أوصيكم بتقوى الله وطاعته، وأحذركم عن معصيته ومخالفته، قال تعالى: ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) ثم يجلس ويقول بعد الثناء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم : أما بعد ، فاتقوا الله فيما أمر ، وانتهوا عما نهى عنه وزجر ، يغفر الله لنا ولكم ، لكان مستوفيا أركان الخطبة باتفاق العلماء.

سنن الخطبة

ذكر الفقهاء سننا كثير للخطبة نوجزها فيما يلي:

1- أن تكون الخطبة على منبر، اتباعاً للسنة كما روى الشيخان، ويسن أن يكون المنبر على يمين المحراب (أى مصلى الإمام) إذ هكذا وضع منبره صلى الله صلى عليه وسلم، فإن لم يتيسر المنبر فعلى موضع مرتفع، لأنه أبلغ في الإعلام، فإن تعذر استند إلى نحو خشبة كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم قبل إيجاد المنبر، وكان النبي قد خطب إلى جذع، فلما اتخذ المنبر تحول إليه، فَحَنَّ الجذع، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فالتزمه أو مسحه بيده حتى سكن.

وكان منبره صلى الله عليه وسلم ثلاث درجات غير درجة المستراح، ويستحب أن يقف على الدرجة التي تليها، كما كان يفعل النبي عليه السلام.

2- استقبال القوم بوجهه، لما روى ابن ماجه عن عدى بن ثابت عن أبيه عن جده قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام على المنبر استقبل الناس بوجوههم.

3- أن يسلم على الناس إذا صعد المنبر، اتباعاً للسنة، لما روى ابن ماجه عن جابر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر سلم “.

4- الجلوس على المنبر بعد السلام.

5- أن يرفع الخطيب صوته ليسمع الحاضرين.

6- أن يخطب قائما ما دام يقدر على القيام.

7- أن يجلس الخطيب بين الخطبتين للفصل بينهما؛ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قائما ثم يجلس ثم يقوم كما يفعلون اليوم . رواه الجماعة

وعن جابر ابن سمرة رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم فيخطب قائما ، فمن قال انه يخطب جالسا فقد كذب ، فقد والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة (المراد بها الصلوات الخمس ) رواه أحمد ومسلم وأبو داود .

وروى ابن أبي شيبة عن طاووس قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما وأبو بكر وعمر وعثمان ، وأول من جلس على المنبر معاوية . وروى أيضا عن الشعبي أن معاوية إنما خطب قاعدا لما كثر شحم بطنه ولحمه .

وبعض الأئمة أخذ وجوب القيام أثناء الخطبة ووجوب الجلوس بين الخطبتين استنادا إلى فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته ، ولكن الفعل بمجرده لا يفيد الوجوب .

8- تقصير الخطبتين، وكون الثانية أقصر من الأولى.

9- أن تشمل الخطبة على الدعاء للمسلمين عامة، والحاضرين منهم خاصة تذكيرا بالأخوة الإسلامية.

استحباب رفع الصوت بالخطبة وتقصيرها والاهتمام بها :

فعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقه (علامة ) فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة ) رواه أحمد ومسلم .

وإنما كان قصر الخطبة وطول الصلاة دليلا على فقه الرجل لان الفقيه يعرف جوامع الكلم فيكتفي بالقليل من اللفظ على الكثير من المعنى .

وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل الصلاة ويقصر الخطبة . رواه النسائي بإسناد صحيح

وعن جابر رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم . رواه مسلم وابن ماجه .

صبحكم ومساكم : أي أتاكم العدو وقت الصباح أو وقت المساء .

قال النووي : يستحب كون الخطبة فصيحة بليغة مرتبة مبينة من غير تمطيط ولا تقعير ، ولا تكون ألفاظا مبتذلة ملفقة فإنها لا تقع في النفوس موقعا كاملا ، ولا تكون وحشية لأنه لا يحصل مقصودها ، بل يختار ألفاظا جزلة مفهمة .

وقال ابن القيم : ( وكذلك كانت خطبه صلى الله عليه وسلم إنما هي تقرير الأصول الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه ، وذكر الجنة والنار وما أعد الله لأوليائه وأهل طاعته وما أعد لأعدائه وأهل معصيته فيملأ القلوب من خطبته إيمانا وتوحيدا ومعرفة بالله وأيامه ، لا كخطب غيره التي إنما تفيد أمورا مشتركة بين الخلائق ، وهي النوح على الحياة والتخويف بالموت فإن هذا أمر لا يحصل في القلب إيمانا بالله ولا توحيدا له ولا معرفة خاصة ولا تذكيرا بأيامه ولا بعثا للنفوس على محبته والشوق إلى لقائه ، فيخرج السامعون ولم يستفيدوا فائدة غير أنهم يموتون وتقسم أموالهم ويبلي التراب أجسامهم ، فيا ليت شعري أي إيمان حصل بهذا وأي توحيد وعلم نافع يحصل به ؟ !

ومن تأمل خطب النبي صلى الله عليه وسلم وخطب أصحابه وجدها كفيلة ببيان الهدى والتوحيد وذكر صفات الرب جل جلاله وأصول الإيمان الكلية والدعوة إلى الله وذكر آلائه تعالى التي تحببه إلى خلقه ، وأيامه التي تخوفهم من بأسه والأمر بذكره ، وشكره الذي يحببهم إليه فيذكرون من عظمة الله وصفاته وأسمائه ما يحببه إلى خلقه ، ويأمرون من طاعته وشكره وذكره ما يحببهم إليه فينصرف السامعون قد أحبوه وأحبهم .

ثم طال العهد وخفي نور النبوة وصارت الشرائع والأوامر رسوما تقوم من غير مراعاة حقائقها ومقاصدها ، فأعطوها صورها وزينوها بما ، زينوها به فجعلوا الرسوم والأوضاع سننا لا ينبغي الإخلال بها وأخلوا بالمقاصد التي لا ينبغي الإخلال بها فرصعوا الخطب بالتسجيع والفقر وعلم البديع ، فنقص ، بل عدم حظ القلوب منها وفات المقصود بها .

ما الحكم إذا غاب خطيب الجمعة ؟

على الحضور أن يقدموا أحدهم ليخطب بهم ثم يصلي بهم الجمعة ركعتين ، وليس لهم أن يتركوا الخطبة ويصلوا الظهر أربع ركعات .

والخطبة تصح بأدنى كلام فيه ذكر الله تعالى وتذكير الحاضرين ووعظهم ، فلو حمد الله تعالى ، وقرأ آية أو آيتين وأوصى الناس بتقوى الله عز وجل والاستعداد للآخرة ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقد حقق الخطبة ، وأجزأ عن جميع الحاضرين .

حكم الخطبة بغير العربية:

اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أنها لا تصح بغير العربية لغير الحاجة، وتصح للحاجة.

وهذا قول عند الشافعية، ومذهب الحنابلة، وقول الصاحبين من الحنفية، وهو ما أفتت به اللجنة الدائمة للإفتاء.

وقالوا إن الخطبة لا تكون إلاَّ بالعربية لمن يفهمها ويعرفها ويحصل الفائدة المرجوة منها ولكن إذا كان المستمعون لها لا يفهمونها ولا يعرفونها ولا يحصلون الفائدة المرجوة منها إذا كانت بالعربية فإنه يجوز أن تكون بلسانهم الذي يعرفونه لا بالعربية، وذلك لأن المقصود من الخطبة الوعظ والإرشاد والتوجيه وهذا يأتي لمن لم يفهم الخطبة لكونها ألقيت بغير لسانه ولغته.

والخطبة بالعربية ليست مقصودة لذاتها حتى يمكن أن يقال بعدم صحتها بغيرها حتى ولو لم يفهمها الناس المستمعون بل هي مقصودة لما فيها من تعليم وتوجيه وإرشاد للمستمعين لها وهذا لا يحصل لمن لم يفهمها ويعرفها لكونها ألقيت بغير لغته التي يفهمها.

القول الثاني: أنه تشترط الخطبة بالعربية ولا تصح بغيرها:

وهذا مذهب المالكية، والشافعية، والرواية الصحيحة عند الحنابلة؛ عن مالك بن الحويرث قال: أتينا إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين يوماً وليلة، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رحيماً رفيقاً، فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا أوقد اشتقنا سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه، قال: ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم، وعلموهم ومروهم، وذكر أشياء أحفظها أو لا أحفظها، وصلوا كما رأيتموني أصلي، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم “.

وجه الدلالة: أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أمر في هذا الحديث بأن يصلي المسلم كما رأي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يصلي ويقتدي به في أحواله كلها وخاصة الصلاة، وخطبة الجمعة جزء من الصلاة التي ينبغي أن يقتدي المسلم فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبما أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يخطب الجمعة بالعربية فإنه ينبغي ألا تخطب الجمعة إلاَّ بالعربية ولا تصح بغيرها، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.

المناقشة : أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إنما كان يخطب بالعربية لأنه عربي ويخطب بقوم عرب فلا حاجة للخطبة بغيرها، وهذا ما نقول به عند عدم الحاجة للخطبة بغيرها، وأما حينما يكون هناك حاجة للخطبة بغيرها كأن يكون الذين تلقى عليهم الخطبة غير عرب ولا يفهمون العربية فإنه يصح أن يخطب بهم بلغتهم من أجل تحصيل المقصود من الخطبة وهو الوعظ والإرشاد والنصح، مما لا يتحصل لوقلنا بوجوب الخطبة بالعربية لهم.

الدليل الثاني: أننا نقول بوجوب الخطبة باللغة العربية لاتباع السلف والخلف حيث لم يعهد منهم الخطبة بغير العربية.

المناقشة : أن السلف والخلف الذين ذكرتم إنما كانوا يخطبون باللغة العربية لأنهم كانوا يخطبون بأناس يعرفون العربية، وهذا مما لا شك فيه أنه ينبغي الخطبة في مثل هذه الحالة باللغة العربية لعدم الحاجة للخطبة بغيرها.

القول الثالث: أنه يستحب الخطبة بالعربية ويصح بغيرها.

وهذا قول أبي حنيفة وهو المعتمد عند الحنفية، وقول عند الشافعية، ورواية عند الحنابلة.

وقالوا إن المقصود من الخطبة الوعظ وهو حاصل بكل اللغات فتصح الخطبة بأي لغة كانت يفهمها السامعون .

الترجيح:

القول الراجح فيها هو القول الأول وهو أن الأصل في الخطبة أن تكون بالعربية ، وتصح بغيرها عند الحاجة لذلك بشرط قراءة الآيات باللغة العربية ثم ترجمة معانيها بلغة الخطبة.

ولأن المقصود من الخطبة الوعظ والإرشاد وهذا إذا كان بلغة لا يفهمها من ألقيت عليه فإنه يفوت المقصود منها وتكون عديمة الجدوى بخلاف ما إذا كانت بلغة يفهمها من ألقيت عليه فإنه يفهمها ويستفيد منها ويتعظ بها، ثم إن كثيراً من المسلمين في العصر الحاضر لا يعرفون العربية وفي إلزامهم بتعلم العربية مشقة كبيرة عليهم قد لا يقدرون عليها وقد تكون سبباً في صدهم وأعراضهم عن الإسلام كما أنه لا يلزم من الإسلام أن يكون الإنسان متقناً للغة العربية، فلا يعقل بعد هذا أن يمنع إلقاء الخطبة بغير العربية وتفويت فوائدها المرجوة منها بسبب أمر ليس في مقدور المسلم العجمي تعلمه وتحصيله.

هل يجوز أن يخطب خطبتي الجمعة خطيبان كل منهما يخطب بلغة؟

إذا كان الحاضرون في المسجد لا يعرفون اللغة العربية ، فلا حرج أن يخطب الخطيب بلغتهم حتى تحصل الفائدة من الخطبة .

أما قيام خطيبين بإلقاء خطبة الجمعة ، فقد اختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله جواز ذلك ، فقال رحمه الله : “هل يشترط أن يتولاهما واحد – يعني : خطبتي الجمعة – أو يجوز أن يخطب الخطبة الأولى واحد والثانية آخر ؟

الجواب : يجوز ، أي : لا يشترط أن يتولاهما واحد ، فلو خطب رجل ، وخطب الثانية رجل آخر صح ” انتهى . “الشرح الممتع” (5/ 27) .

هل هناك دعاء معين وارد ، أو ذكر معين يقوله المصلي بين خطبتي الجمعة ؟

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : “ليس هناك ذكر مخصوص أو دعاء مخصوص ، لكن يدعو الإنسان بما أحب ، وذلك لأن هذا الوقت وقت إجابة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر : ( أن في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلى يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه ) .

وفي صحيح مسلم من حديث أبي موسى : ( أنها ما بين خروج الإمام – يعني دخوله المسجد – إلى أن تقضى الصلاة ) .

فهذا الوقت وقت إجابة ، فينبغي للإنسان أن يستغل الفرصة بالدعاء بين الخطبتين بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة .

وكذلك يقال بالنسبة للإمام : إنه يدعو بين الخطبتين ، لكن دعاءً سريا بما يريده من أمر الدنيا والآخرة .

وكذلك أيضا في صلاة الجمعة في السجود بعد أن يذكر الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بما شاء .

وكذلك أيضا في التشهد يدعو قبل السلام بما شاء بعد أن يدعو بما ورد الأمر بالدعاء به” انتهى.

وقال أيضا رحمه الله : “أما الدعاء في هذا الوقت فإنه خيرٌ ومستحب ؛ لأن هذا الوقت وقتٌ تُرجَى فيه الإجابة ، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر أن في الجمعة ساعةً لا يوافقها عبدٌ مسلم وهو قائمٌ يصلى يدعو الله تعالى إلا استجاب له .

وساعة الصلاة هي أقرب الساعات لأن تكون هي ساعة الإجابة ، لِما رواه مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( هي ما بين أن يخرج الإمام إلى أن تُقضَى الصلاة ) .

فعلى هذا ؛ فينبغي أن ينتهز الفرصة فيدعو بين الخطبتين ، وأما رفع اليدين بذلك فلا أعلم به بأساً ؛ لأن الأصل في الدعاء أن مِن آدابه رفع اليدين ، فإذا رفع الإنسان يده فلا حرج ، وإذا دعا بدون رفع يد فلا حرج ، وهذا في الدعاء الذي بين الخطبتين” انتهى. “فتاوى نور على الدرب” (فتاوى الصلاة/صلاة الجمعة) .

فالراجح – والله أعلم – أنه ليس هناك سنة لازمة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع ، وأنَّ مَن أراد أن يشغل تلك السكتة اللطيفة بدعاء أو ذكر أو قرءان فله ذلك ، على ألا يشوش به على الحاضرين .

قطع الإمام الخطبة للأمر يحدث :

وعن أبي بريدة رضي الله عنه قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال ( صدق الله ورسوله ، إنما أموالكم وأولادكم فتنة ، نظرت هذين الصبيين يمشيان ويعثران ، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما ) رواه الخمسة .

وعن أبي رفاعة العدوي رضي الله عنه قال : ( انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقلت : يا رسول الله : رجل غريب يسأل عن دينه لا يدري ما دينه ؟ فأقبل علي وترك خطبته حتى انتهى إلي فأتى بكرسي من خشب قوائمه حديد فقعد عليه ، وجعل يعلمني مما علمه الله تعالى ، ثم أتى الخطبة فأتم آخرها ) . رواه مسلم والنسائي .

قال ابن القيم : وكان صلى الله عليه وسلم يقطع خطبته للحاجة تعرض والسؤال لاحد من أصحابه فيجيبه ، وربما نزل للحاجة ثم يعود فيتمها كما نزل لأخذ الحسن والحسين ، وأخذهما ثم رقي بهما المنبر فأتم خطبته ، وكان يدعو الرجل في خطبته تعال اجلس يا فلان ، صل يا فلان ، وكان يأمرهم بمقتضى الحال في خطبته .

هل من السنة حمل العصا في خطبة الجمعة ؟

اختلف الفقهاء في حكم اتكاء الخطيب على العصا ونحوها من قوس أو سيف أثناء خطبة الجمعة على قولين :

القول الأول : الندب والاستحباب ، وهو مذهب جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة .

واستدل أصحاب هذا القول بأن الاتكاء على العصا ثابت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة ، منها حديث الحكم بن حزن أن النبي صلى الله عليه وسلم قام يوم الجمعة (متوكئا على عصا أو قوس فحمد الله وأثنى عليه…) إلى آخر الحديث . حسنه الألباني في ” صحيح أبي داود ” وضعفه بعض أهل العلم ، فقال ابن كثير في ” إرشاد الفقيه ” (1/196) : ليس إسناده بالقوي ..

القول الثاني : الكراهة ، وهو معتمد مذهب الحنفية وإن خالف بعض فقهائهم .

وفي كلام العلامة ابن القيم ما يدل على أن الاتكاء على العصا ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة على المنبر .

قال رحمه الله :” ولم يكن يأخذ بيده سيفاً ولا غيرَه ، وإنما كان يعتَمِد على قوس أو عصاً قبل أن يتَّخذ المنبر ، وكان في الحرب يَعتمد على قوس ، وفي الجمعة يعتمِد على عصا ، ولم يُحفظ عنه أنه اعتمد على سيف ، وما يظنه بعض الجهال أنه كان يعتمد على السيف دائماً ، وأن ذلك إشارة إلى أن الدين قام بالسيف : فَمِن فَرطِ جهله ، فإنه لا يُحفظ عنه بعد اتخاذ المنبر أنه كان يرقاه بسيف ، ولا قوس ، ولا غيره ، ولا قبل اتخاذه أنه أخذ بيده سيفاً البتة ، وإنما كان يعتمِد على عصا أو قوس ” انتهى. ” زاد المعاد ” (1/429)

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” قوله : ( ويعتمد على سيف أو قوس أو عصا ) أي : يسن أن يعتمد حال الخطبة على سيف ، أو قوس ، أو عصا ، واستدلوا بحديث يروى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في صحته نظر ، وعلى تقدير صحته ، قال ابن القيم : إنه لم يحفظ عن النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد اتخاذه المنبر أنه اعتمد على شيء .

ووجه ذلك : أن الاعتماد إنما يكون عند الحاجة ، فإن احتاج الخطيب إلى اعتماد ، مثل أن يكون ضعيفاً يحتاج إلى أن يعتمد على عصا فهذا سنة ؛ لأن ذلك يعينه على القيام الذي هو سنة ، وما أعان على سنة فهو سنة ، أما إذا لم يكن هناك حاجة ، فلا حاجة إلى حمل العصا ” انتهى. ” الشرح الممتع ” (5/62-63)

وقد أيد الشيخ الألباني رحمه الله كلام ابن القيم ، ونفى أن يكون ثبت في الأحاديث ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب على المنبر اتكأ على القوس أو العصا ، وذلك في ” السلسلة الضعيفة ” (حديث رقم/964)

حرمة الكلام أثناء الخطبة :

ذهب الجمهور إلى وجوب الإنصات وحرمة الكلام أثناء الخطبة ولو كان أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر سواء كان يسمع الخطبة أم لا ، فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والإمام يخطب أنصت فقد لغوت ) رواه الجماعة إلا ابن ماجه .

فقد لغوت : اللغو : السقط وما لا يعتد به من كلام وغيره .

حتى قول الرجل لصاحبه : (أنصت ) وهو أمر بالمعروف ونهي عن المنكر : عدَّه الشارع لغواً يحرم ساعة الجمعة .

وعن أبي الدرداء قال : جلس النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وخطب الناس وتلا آية وإلى جنبي أُبيّ بن كعب فقلت له : يا أُبيّ متى أنزلت هذه الآية ؟ فأبى أن يكلمني ثم سألته فأبى أن يكلمني حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي أبيٌّ : مالك من جمعتك إلا ما لغوت ، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم جئته فأخبرته فقال ” صدق أُبيّ إذا سمعت إمامك يتكلم فأنصت حتى يفرغ ” . رواه ابن ماجه ، وأحمد وصححه الألباني

فالسؤال عن الآية يوم الجمعة يحبط من أجر الجمعة فكيف من يتحدث عن تجارته وزراعته وأمور دنياه ، ومن غفلة بعض الناس أنه يجعل الخطبة ساعة للنوم فلا يطيب له أن ينام إلا في ساعة الجمعة .

حكم رد السلام وتشميت العاطس والإمام يخطب :

قال الترمذي في ” سننه ” – عقب حديث أبي هريرة ” إذا قلت لصاحبك … ” – :

اختلفوا في رد السلام وتشميت العاطس ، فرخص بعض أهل العلم في رد السلام وتشميت العاطس والإمام يخطب ، وهو قول أحمد وإسحاق ، وكره بعض أهل العلم من التابعين وغيرهم ذلك ، وهو قول الشافعي اهـ .

وقال الشافعي : لو عطس رجل يوم الجمعة فشمته رجل رجوت أن يسعه لان التشميت سنة ، ولو سلم رجل على رجل كرهت ذلك ورأيت أن يرد عليه ، لان السلام سنة ورده فرض .

الصلاة على النبي أثناء خطبة الجمعة :

قال الإمام أحمد : لا بأس أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فيما بينه وبين نفسه . ( المغني 2/165 وما بعدها )

الأسباب التي تبيح الكلام أو الحركة والخطيب يخطب على المنبر :

إذا عرضت للمصلي حاجة لا يستطيع دفعها كالنعاس أو قضاء الحاجة أو وجع يحتاج فيه إلى حركة وعدم سكون والدليل على ذلك حديث : ” إذا نعس أحدكم في المسجد يوم الجمعة فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره “. رواه أبو داود وصححه الألباني

وزاد البيهقي وهي ( والإمام يخطب ) وصححها الألباني أيضاً

ويجوز له أن يصنع ما يباح في الصلاة كإرشاد الأعمى خشية السقوط أو ما لا بد له من ضرورات الحياة التي قد تؤدي إلى الهلاك أو فوات مصلحة عظيمة كطلب المصلين من الإمام أن يستسقي لهم .

عن أنس بن مالك قال : أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة من باب كان نحو دار القضاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً ، ثم قال :- يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله أن يغيثنا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه … رواه البخاري ومسلم

ويجوز للمأموم أن يصحّح للخطيب آية أخطأ فيها ويفتح عليه إذا احتاج وهو على المنبر .

وإذا رأى شخص آخر يتكلّم فلا يجوز له أن يُسْكته بالقول كما تقدّم ولكن يُمكن أن يشير إليه بالصّمت إشارة كأن يضع أصبعه على شفتيه . والله تعالى أعلم .

أما الكلام في غير وقت الخطبة فإنه جائز : فعن ثعلبة بن أبي مالك قال : كانوا يتحدثون يوم الجمعة وعمر جالس على المنبر فإذا سكت المؤذن قام عمر فلم يتكلم أحد حتى يقضي الخطبتين كلتيهما ، فإذا قامت الصلاة ونزل عمر تكلموا . رواه الشافعي في مسنده

وروى أحمد بإسناد صحيح أن عثمان ابن عفان كان وهو على المنبر والمؤذن يقيم يستخبر الناس عن أخبارهم وأسعارهم .

ماذا يفعل إذا كان لا يفهم اللغة التي تلقى بها خطبة الجمعة ؟

رخص بعض أهل العلم للذي لا يفهم لغة الخطبة أن يتشاغل بالذكر أو القراءة شريطة أن لا يشوّش على غيره ممّن يستمع الخطبة .

هل يجوز كتابة الخطبة أو بعضها يوم الجمعة والخطيب يخطب ؟

الواجب على من حضر الجمعة أن ينصت للخطبة ولا ينشغل عنها بشيء .

وكتابة شيء أثناء الخطبة يشغل عن استماع الخطبة والإنصات إليها ، مع ما فيه من إشغال الناس والتفاتهم إلى هذا الكاتب .

والآن … قد تيسرت أجهزة التسجيل ، فصار من السهل تسجيل الخطبة ، فلا حاجة إذاً إلى الانشغال بكتابة شيء منها .

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :رأيت بعض الإخوة يلخص خطبة الجمعة وأنتم تخطبون ، فهل فعله هذا صحيح ؟

فأجاب : ” هذا الفعل ليس صحيحاً ؛ لأنه إذا لخص جملة ضاعت عليه الجملة الأخرى ، أو لخصها على وجه خطأ ، فلا يرخص للإنسان أن يلخص خطبة الجمعة ، لكن هنا شيء أهم من هذا ، وهو المسجل والحمد لله ، يأتي بالمسجل وهناك مسجلات صغيرة جداً ويسجل ، وإذا ذهب إلى البيت يلخص ما شاء ، فلا تكتب لا قليلاً ولا كثيراً ” انتهى .”اللقاء الشهري” (4 /291)

صلاة تحية المسجد أثناء الخطبة :

 اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن ذلك سنة، وهو قول الشافعية والحنابلة والظاهرية.

القول الثاني: أنه محرم، وهو مشهور مذهب مالك. 

 القول الثالث: أنه مكروه، وهو مذهب الأحناف. 

والراجح أنه إذا دخل المصلي المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب فإنه يصلي تحية المسجد ركعتين خفيفتين ولا يزيد عليهما؛ ليفرغ لسماع الخطبة. وذلك لما ورد في الصحيحين عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب فقال: “إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام فليصل ركعتين” وفي رواية: “فليركع ركعتين وليتجوّز فيهما”.

ولحديث جابر بن عبد الله قال جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة فقال أصليت يا فلان ؟ قال : لا ، قال : قم فاركع ركعتين . رواه البخاري ومسلم

قال النووي رحمه الله بعد أن ذكرَ عدَّة أحاديث في الباب: “هذه الأحاديث كلها صريحة في الدلالة لمذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وفقهاء المحدثين: أنه إذا دخل الجامع يوم الجمعة والإمام يخطب: استُحِبَّ له أن يصلي ركعتين تحية المسجد، ويُكرَه الجلوس قبل أن يصليهما، وأنه يُستحَبُّ أن يتجوَّز فيهما ليسمع بعدهما الخطبة ” انتهى “شرح النووي على صحيح مسلم ” (6/ 164).

واستدل المالكية بجملة من الأدلة رأوا أنها مقدمة على حديث جابر.

قال النفراوي رحمه الله: “ودليلنا ما في أبي داود والنسائي: أن رجلا تخطى رقاب الناس والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له: (اجلس فقد آذيت) فأمره بالجلوس دون الركوع، والأمر بالشيء نهي عن ضده، وخبر: (إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب فقد لغوت) نهي عن النهي عن المنكر مع وجوبه، فالمندوب أولى.

وأما خبر سليك الغطفاني وأمره صلى الله عليه وسلم له بالركوع لما دخل المسجد وهو يخطب ، فيحتمل نسخه بنهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة حينئذ كما في الخبر السابق .

وعلى تقدير معارضته ، وعدم نسخه : فحديثنا أولى ، كما قال ابن العربي ، لاتصاله بعمل أهل المدينة ، ولجريه على القياس ؛ من وجوب الاشتغال بالاستماع الواجب ، وترك التحية المندوبة” انتهى من الفواكه الدواني (2/ 637).

ولا يخفى أن الأصل عدم النسخ، وأنه يمكن الجمع بين هذه الأحاديث بأن تحية المسجد مشروعة مستحبة، والممنوع هو المشي وتخطي الرقاب، وأن هذه التحية مستثناة من الأمر بالإنصات للخطيب، أو أن المصلي يعتبر منصتا.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ” قال ابن العربي: عارض قصة سليك ما هو أقوى منها كقوله تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) ، وقوله صلى الله عليه و سلم: (إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت) متفق عليه. قال: فإذا امتنع الأمر بالمعروف ، وهو أمر اللاغي بالإنصات ، مع قصر زمنه ، فمنع التشاغل بالتحية ، مع طول زمنها : أولى. وعارضوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب ، للذي دخل يتخطى رقاب الناس: (اجلس فقد آذيت) أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة وغيره من حديث عبد الله بْنِ بُسْرٍ. قالوا: فأمره بالجلوس ولم يأمره بالتحية. وروى الطبراني من حديث ابن عمر رفعه: (إذا دخل أحدكم والإمام على المنبر فلا صلاة ولا كلام حتى يفرغ الإمام).

والجواب عن ذلك كله: أن المعارضة التي تؤول إلى إسقاط أحد الدليلين ، إنما يعمل بها عند تعذر الجمع، والجمع هنا ممكن.

أما الآية فليست الخطبة كلها قرآنا. وأما ما فيها من القرآن فالجواب عنه كالجواب عن الحديث ، وهو تخصيص عمومه بالداخل.

وأيضا فمصلي التحية يجوز أن يطلق عليه أنه منصت، فقد تقدم في افتتاح الصلاة من حديث أبي هريرة أنه قال : (يا رسول الله ، سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول فيه؟ ) فأطلق على القول سرا السكوت.

وأما حديث ابْنِ بُسْرٍ : فهو أيضا واقعة عين لا عموم فيها، فيحتمل أن يكون ترك أمره بالتحية قبل مشروعيتها ؛ وقد عارض بعضهم في قصة سليك بمثل ذلك .

ويحتمل أن يجمع بينهما ، بأن يكون قوله له: (اجلس) ، أي بشرطه ، وقد عرف قوله للداخل: (فلا تجلس حتى تصلى ركعتين) ، فمعنى قوله: (اجلس) أي لا تتخط .

أو ترك أمره بالتحية لبيان الجواز؛ فإنها ليست واجبة، أو لكون دخوله وقع في أواخر الخطبة بحيث ضاق الوقت عن التحية، وقد اتفقوا على استثناء هذه الصورة.

ويحتمل أن يكون صلى التحية في مؤخر المسجد ، ثم تقدم ليقرب من سماع الخطبة ، فوقع منه التخطي، فأنكر عليه.

والجواب عن حديث ابن عمر بأنه ضعيف، فيه أيوب بن نَهيك، وهو منكر الحديث، قاله أبو زرعة وأبو حاتم. والأحاديث الصحيحة لا تعارض بمثله .

وأما قصة سليك فقد ذكر الترمذي أنها أصح شيء روي في هذا الباب وأقوى ” انتهى من “فتح الباري” (2/ 409 ).

تخطي الرقاب :

عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال : جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اجلس فقد آذيت وآنيت ) أي أبطأت وتأخرت ، رواه أبو داود

ويستثنى من ذلك الإمام أو من كان بين يديه فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي ومن يريد الرجوع إلى موضعه الذي قام منه لضرورة بشرط أن يتجنب أذى الناس .

فعن عقبة بن الحارث رضي الله عنه قال : صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة العصر ثم قام مسرعا فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه ففزع الناس من سرعته ، فخرج عليهم فرأى أنهم قد عجبوا من سرعته فقال : ( ذكرت شيئا من تبر (الذهب الخام ) كان عندنا فكرهت أن يحبسني فأمرت بقسمته ) رواه البخاري والنسائي .

لا يرفع الإمام يديه عند الدعاء في الخطبة :

إذا دعا الخطيب يوم الجمعة وهو على المنبر ، فالسنة أن لا يرفع يديه في الدعاء ، بل يكفي الإمام بالإشارة بالسبابة ، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد أنكر بعض الصحابة على من رفع يديه عند الدعاء في الخطبة ، لأن ذلك لم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم .

وقد ورد عن عمارة بن رؤيبة أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعاً يديه. فقال: قبح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا؛ وأشار بإصبعه المسبحة، وفي رواية: يوم جمعة.رواه مسلم

قال النووي: (هذا فيه أن السنة أن لا يرفع اليدين في الخطبة، وهو قول مالك وأصحابنا وغيرهم، وحكى القاضي عن بعض السلف وبعض المالكية إباحته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه في خطبة الجمعة حين استسقى. وأجاب الأولون بأن هذا الرفع كان لعارض)

فإن استسقى الإمام في خطبة الجمعة ، سنّ له رفع اليدين ، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك يرفع المأمومون أيديهم ويؤمنون على دعائه ؛ لما روى البخاري ومسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : أَصَابَتْ النَّاسَ سَنَةٌ (أي : جدب وقحط) عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَبَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ ، قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلَكَ الْمَالُ ، وَجَاعَ الْعِيَالُ ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) .

حكم رفع المصلين اليدين في الدعاء يوم الجمعة :

الأصل أن يرفع الداعي يديه عند الدعاء ؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ ) صححه الألباني في صحيح الترمذي .

قال في تحفة الأحوذي : وَفِي الْحَدِيثِ دَلالَةٌ عَلَى اِسْتِحْبَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ وَالْأَحَادِيثُ فِيهِ كَثِيرَةٌ اهـ .

وأما من قال بأن المصلين لا يرفعون أيديهم عند الدعاء فقد قالوا : إذا لم يشرع رفع اليدين للخطيب فالمأمومون مثله لأنهم يقتدون به ، لكن هذا يحتاج إلى دليل خاص لأن السنة لمن يدعو أن يرفع يديه عند الدعاء في كل الأحوال فمن أراد أن يخصص حال الخطبة بمنع رفع اليدين فليأت بالدليل .

حكم جمع التبرعات أثناء خطبة الجمعة:

الواجب على من حضر الجمعة أن يُقبل بقلبه وجوارحه على خطبتها ، ولا يجوز له الانشغال عنها ، ولو برد السلام ، أو الإنكار على من تكلم أثناءها .

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ، وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا ) رواه مسلم

قال النووي رحمه الله : ” قوله صلى الله عليه وسلم : ( ومن مس الحصا فقد لغا ) فيه النهي عن مس الحصا وغيره من أنواع العبث في حالة الخطبة ، وفيه إشارة إلى إقبال القلب والجوارح على الخطبة ، والمراد باللغو هنا الباطل المذموم المردود ” انتهى . ” شرح مسلم ” ( 6 / 147 ) .

وجمع التبرعات من الحاضرين لخطبة الجمعة فيه تشويش شديد على الخطبة ، وفيه تسبب بالحركة من قبَل جامع التبرعات والمتبرعين ، وفيه تسبب بالكلام وتخطي الرقاب من قبَل جامع التبرعات ، وكل ذلك منهي عنه ، ومخالف لمقصود الجمعة وخطبتها ، وليس هذا بضرورة إذ يمكن تأجيل التبرع إلى ما بعد انتهاء الصلاة ، ومن فعله حرم أجر الجمعة وكانت له ظهراً ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمَسَّ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ إِنْ كَانَ لَهَا وَلَبِسَ مِنْ صَالِحِ ثِيَابِهِ ثُمَّ لَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ وَلَمْ يَلْغُ عِنْدَ الْمَوْعِظَةِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهُمَا ، وَمَنْ لَغَا وَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ كَانَتْ لَهُ ظُهْرًا ) رواه أبو داود ، وحسَّنه الألباني

أي : مثل صلاة الظهر في الثواب ، ويحرم بسبب لغوه ، وتخطيه رقاب الناس من الثواب الجزيل الذي يحصل لمصلى الجمعة .

إدراك ركعة من الجمعة أو دونها :

يرى أكثر أهل العلم أن من أدرك ركعة من الجمعة مع الإمام فهو مدرك لها وعليه أن يضيف إليها أخرى ، فعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من أدرك ركعة من صلاة الجمعة فليضف إليها أخرى وقد تمت صلاته ) . رواه النسائي وابن ماجه والدار قطني . قال الحافظ في بلوغ المرام : إسناده صحيح لكن قوى أبو حاتم إرساله .

وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها كلها ) رواه الجماعة .

وأما من أدرك أقل من ركعة فإنه لا يكون مدركا للجمعة ويصلي ظهرا أربعا (ينوي الجمعة ويتمها ظهرا ) في قول أكثر العلماء .

قال ابن مسعود : من أدرك من الجمعة ركعة فليضف إليها أخرى ، ومن فاتته الركعتان فليصل أربعا . رواه الطبراني بسند حسن .

وقال ابن عمر : إذا أدركت من الجمعة ركعة فأضف إليها أخرى ، وإن أدركتهم جلوسا فصل أربعا . رواه البيهقي .

وهذا مذهب الشافعية والمالكية والحنابلة ومحمد بن الحسن .

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : من أدرك التشهد مع الإمام فقد أدرك الجمعة فيصلي ركعتين بعد سلام الإمام وتمت جمعته .

الصلاة في الزحام :

روى أحمد والبيهقي عن سيار قال : سمعت عمر وهو يخطب يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بني هذا المسجد ونحن معه ، المهاجرون والأنصار ، فإذا اشتد الزحام فليسجد الرجل منكم على ظهر أخيه .

هل للجمعة سنة قبلية ؟

الأحاديث ـ وكذلك الآثار عن الصحابة ـ الواردة في صلاة أربع ركعات أو غيرها قبل الجمعة ، لا تدل على أن هذه الركعات سنة راتبة قبل الجمعة ، كما هو الحال في صلاة الظهر مثلاً ، بل تدل على مشروعية الصلاة قبل الجمعة ، وهذه الصلاة تعد من النفل المطلق، وليست من السنة الراتبة .

وقد جاء هذا في أحاديث كثيرة ، منها :

عن سَلْمَانَ الْفَارِسِي رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم : ( لاَ يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ ، فَلاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ، ثُمَّ يُصَلِّى مَا كُتِبَ لَهُ ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ ، إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى ) رواه البخاري.

وعن ثعلبة بن أبي مالك أنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر . أخرجه مالك في “الموطأ”

وعن نافع قَال : كان ابن عمر يصلي قبل الجمعة اثنتي عشرة ركعة . عزاه ابن رجب في “فتح الباري” لمصنف عبد الرزاق .

ولا يصح أن تكون هذه الأدلة دالة على وجود سنة راتبة لصلاة الجمعة ، تُصلى قبلها ، لأن هذه الصلاة [السنة الراتبة] لم يكن لها وقت تصلى فيه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان صلى الله عليه وسلم يخرج من بيته إلى الجمعة ، ثم يصعد المنبر ، ويؤذن المؤذن ، ثم يقوم الرسول صلى الله عليه وسلم ويخطب خطبته ، ثم ينزل فتقام الصلاة ، ويصلي .

فيقال لمن أثبت هذه السنة الراتبة : متى كانت تصلى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؟

فإن قال : كانت تصلى بعد الأذان ، فهذا لا أصل له في السنة .

وإن قال : كانت تصلى قبل الأذان ، فهذه ليست سنة راتبة ، وإنما هي نفل مطلق .

ومنهم من أثبت السنة لها هنا بالقياس على الظهر ، وهو أيضا قياس فاسد ، فإن السنة ما كان ثابتا عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو سنة خلفائه الراشدين ، وليس في مسألتنا شيء من ذلك ، ولا يجوز إثبات السنن في مثل هذا بالقياس … ونظير هذا أن يشرع لصلاة العيد سنة قبلها أو بعدها بالقياس .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( أما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكن يصلي قبل الجمعة بعد الأذان شيئا ولا نقل هذا عنه أحد ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يؤذن على عهده إلا إذا قعد على المنبر ، ويؤذن بلال ثم يخطب النبي صلى الله عليه وسلم الخطبتين ، ثم يقيم بلال فيصلي بالناس فما كان يمكن أن يصلي بعد الأذان لا هو ولا أحد من المسلمين الذين يصلون معه صلى الله عليه وسلم ، ولا نقل عنه أحد أنه صلى في بيته قبل الخروج يوم الجمعة ، ولا وقت بقوله صلاة مقدرة قبل الجمعة ، بل ألفاظه صلى الله عليه وسلم فيها الترغيب في الصلاة إذا قدم الرجل المسجد يوم الجمعة من غير توقيت كقوله : ( من بكر وابتكر ومشى ولم يركب وصلى ما كتب له ) وهذا هو المأثور عن الصحابة كانوا إذا أتوا المسجد يوم الجمعة يصلون من حين يدخلون ما تيسر ، فمنهم من يصلي عشر ركعات ومنهم من يصلي اثنتي عشرة ركعة ومنهم من يصلي ثمان ركعات ومنهم من يصلي أقل من ذلك ، ولهذا كان جماهير الأئمة متفقين على أنه ليس قبل الجمعة سنة مؤقتة بوقت ، مقدرة بعدد لان ذلك إنما يثبت بقول النبي صلى الله عليه وسلم أو فعله ، وهو لم يسن في ذلك شيئا ، لا بقوله ولا فعله .

السنة البعدية لصلاة الجمعة :

ورد في عدد الركعات التي تُصلى بعد الجمعة عدة أحاديث :

الحديث الأول : أنها ركعتان .

فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (كَانَ لاَ يُصَلِّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ ، فَيُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ) . رواه البخاري ، ومسلم

الحديث الثاني : أنها أربع ركعات .

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا ) . رواه مسلم

وقد اختلف العلماء في ذلك على عدة أقوال بناء على اختلاف هذه الأحاديث .

القول الأول : أنه يصلي ركعتين : جاء ذلك من فعل ابن عمر رضي الله عنهما .

والقول الثاني : وإليه ذهب أكثر الفقهاء استحباب صلاة أربع ركعات بعد الجمعة . يروى ذلك عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأصحابه ، وهو اختيار الحنفية ، واختيار الإمام الشافعي .

والقول الثالث : التفصيل : فمن صلى سنة الجمعة البعدية في المسجد صلاها أربعا ، ومن صلاها في البيت صلى ركعتين فقط :

قال ابن القيم رحمه الله :” قال شيخنا أبو العباس ابن تيمية : إن صلى في المسجد صلى أربعا ، وإن صلى في بيته صلى ركعتين .

قلت (ابن القيم) : وعلى هذا تدل الأحاديث ، وقد ذكر أبو داود عن ابن عمر أنه كان إذا صلى في المسجد صلى أربعا ، وإذا صلى في بيته صلى ركعتين ” انتهى.

“زاد المعاد” (1/417) .

وهذا التقييد ليس عليه دليل، فالحاصل فيها أن المصلي إن شاء صلى أربعاً في المسجد أو اثنتين، وإن شئت صلى في البيت أربعاً أو ركعتين، فلا دليل على هذا التقييد الذي تفرد به ابن تيمية رحمه الله .

القول الرابع : استحباب ست ركعات :

وهو مروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعن جماعة من السلف ، وهو اختيار أبي يوسف والطحاوي من الحنفية ، وهو رواية عن الإمام أحمد ذكرها ابن قدامة في “المغني” ،

اجتماع الجمعة والعيد في يوم واحد :

إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد فقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة اختلافاً كبيراًعلى النحو التالي :

1- مذهب الحنفية و المشهور عن المالكية : يجب إقامة صلاة الجمعة ولا تسقط عمن شهدالعيد  .

وهؤلاء العلماء يرون أن عموم الأدلة التي أوجبت الجمعة لم يقم دليل على تخصيصها وما ورد من أحاديث وآثار في المسألة لا يصح تخصيصها للعموم عندهم لما فيها من مقال.

2- مذهب الشافعية ورواية عن الإمام مالك :  أن الجمعة تسقط عن أهل القرى والبوادي الذي يصلون العيد مع أهل البلد، وأما أهل البلد فمطالبون بصلاة الجمعة ويدل لهذا القول ما ورد عن عثمان رضي الله عنه أنه قال في خطبته: أيها الناس قد اجتمع عيدان في يومكم فمن أراد من أهل العالية أن يصلي معنا الجمعة فليصل ومن أراد أن ينصرف فلينصرف. رواه مالك في الموطأ.
3- مذهب الحنابلة وابن تيمية والشوكاني والصنعاني وغيرهم : أن الجمعة تسقط عمن حضر العيد سواء أكان من البلد أو من القرى إلا الإمام فينبغي أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها ، ويدل على هذا القول ما ورد في الحديث عن إياس بن أبي رملة
الشامي قال:شهدت معاوية بن أبي سفيان وهو يسأل زيد بن أرقم قال: أشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم؟ قال: نعم.قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخص في الجمعة فقال: من شاء أن يصلي فليصلِ. رواه أبو داود والنسائي ، وفي سنده اختلاف فصححه جماعة من أهل الحديث وضعُّفه آخرون.
وعن عطاء بن أبي باح قال: صلى بنا ابن الزبير في يوم عيد في يوم جمعة أول النها ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحداناً وكان ابن عباس بالطائف فلما قدم ذكرنا ذلك له. فقال: أصاب السنة . رواه أبو داود والنسائي.

وعن أبي هريرة ضي الله عنه عن سول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:” قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون”. رواه أبوداود وصحح الإمام أحمد والدار قطني إرساله وقال الخطابي: في إسناد حديث أبي هريرة مقال ويشبه أن يكون معناه لو صح أن يكون المراد بقوله: (فمن شاء أجزأه من الجمعة) أي عن حضور الجمعة ولا
يسقط عنه الظهر . 

إذن : يستحب للإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها ، ومن لم يشهد العيد لقوله صلى الله عليه وسلم : ( وإنا مجمعون ) .

وتجب صلاة الظهر على من تخلف عن الجمعة لحضوره العيد عند الحنابلة .

 


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 278 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم