تجسيد أشخاص الأنبياء والصحابة في الدراما

تاريخ الإضافة 19 يوليو, 2021 الزيارات : 3547
تجسيد أشخاص الأنبياء والصحابة في الدراما
قراءة في الفتاوى المعاصرة

مسعود صبري
التمثيل إحدى الأدوات الفنية التي لم يعرفها السلف الصالح، ولهذا فهو يعد من المستجدات العصرية التي يجب أن نعمل فيها آلة الاجتهاد بأدواته، خاصة أنه ليس فيه نص، وليس هناك ما يقاس عليه، وليس فيه إجماع من علماء الأمة في عصرنا بشكله العام، وهناك اجتهادات كثيرة في حكم تمثيل الأنبياء والصحابة، وهذا يدل على مكانة هذا العمل في حياتنا، وأهميته، وأنه وسيلة لا يمكن لنا أن نغفلها لما له من تأثير في حياة الناس.
والمتتبع لأقوال الفقهاء المعاصرين لا يجد خلافا في حرمة تمثيل أدوار الأنبياء 

بأشخاصهم، أو ما يطلق عليه الإجماع السكوتي، ومُنطلق التحريم هو أن درء المفاسد مُقَدَّم على جلب المصالح، فإذا كانت الثقافة تحتاج إلى خروج على الآداب فإن الضرر من ذلك يفوق المصلحة، وأن عِصْمَةَ الله لأنبيائه ورُسُله من أن يتمثل بهم شيطان مانعة من أن يمثل شخصياتهم إنسان، وأن تمثيلهم ليس مطابقا للواقع، فيغلب فيه جانب الضرر، وأن تمثيلهم قد يؤدي إلى إيذائهم وإسقاط مكانتهم وغير ذلك من الأدلة التي استند عليها.

ولكن هذا لا يعني ألا تكون حياة الأنبياء مادة لأحد أشكال الدراما من الفيلم أو المسلسل أو المسرحية أو غير ذلك؛ فهذا أمر يدخل في باب الإباحة أو المستحب على الأقل، ويمكن اتخاذ التقنيات الفنية المعهودة في إدارة القصة مع عدم ظهور بطلها، وهو أمر موجود في عالم الفن بعيدا عن طبيعة المادة الممثلة فيما يتعلق بحياة الأنبياء.

أما عن تمثيل الصحابة، فللعلماء المعاصرين فيه ثلاثة آراء:

الأول: المنع المطلق، فلا يجوز -عند هذا الفريق- تمثيل أشخاص الصحابة بالكلية، وهو ما يراه عدد من علماء الأزهر، منهم الدكتور أحمد عمر هاشم، والدكتور عبد الصبور مرزوق، والدكتور عبد العظيم المطعني، والدكتور عبد الفتاح عاشور، والدكتور محمد سيد أحمد المسير، وهو ما مال إليه الدكتور أحمد الريسوني من علماء المغرب، وهو أيضا رأي اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية، ومثلها: الشيخ ابن باز والشيخ عبد الرازق عفيفي، والشيخ عبد الله بن غديان والشيخ عبد الله بن قعود، بل صدرت فتوى من هيئة كبار العلماء بالسعودية بذلك، واستندت لجنة البحوث والإفتاء إليها في فتواها.

الثاني: الإباحة المطلقة، وهو مذهب علماء الشيعة، نقله عنهم الشيخ فيصل مولوي في إحدى فتاواه.

الثالث: حرمة تمثيل البعض وإباحة تمثيل الآخرين. وفيمن يحرم تمثيله رأيان:

الأول: الخلفاء الراشدون وآل البيت.

الثاني: العشرة المبشرون، ومنهم بالطبع الخلفاء الراشدون وآل البيت.

ويمثل هذا الفريق الشيخ القرضاوي، والشيخ فيصل مولوي، والمفهوم من كلام الشيخ ابن عثيمين، ودار الإفتاء المصرية، ومجمع البحوث الإسلامية ولجنة الفتوى بوزارة الأوقاف الكويتية وغيرهم.

أدلة القائلين بالتحريم:
ويستند من يقول بالتحريم مطلقا إلى ما يلي:
1- أن كل من بُشِّر بالجنة لا يجوز تمثيل أشخاصهم، لا فرق في ذلك بين درجاتهم؛ فبشارته بالجنة تمنع تمثيله. وهو رأي كثير من علماء الأزهر ممن قال بالتحريم.

2- ما قد ينتج عن تمثيل أشخاصهم من الامتهان والاستخفاف بهم، والنَّيل منهم؛ إذ يقوم بدورهم -غالبا- أناس بعيدون كثيرا عن التدين والالتزام بأوامر الله؛ وهو ما قد يولد السخرية من الصحابة والدين وتعاليمه، مع ما في ذلك من ظهور سب الصحابة بتمثيل دور المشركين معهم. وهو ما قالته لجنة الإفتاء والبحوث وهيئة كبار العلماء بالسعودية.

3- أن المفاسد المترتبة عليه أكثر من المصالح، وما كانت مفسدته أرجح فهو ممنوع، فإن قال البعض: إن في تمثيل حياتهم إظهارا للأخلاق والسلوكيات الحميدة، فهذا مجرد افتراض ينفيه واقع التمثيل. وهو ما قالته لجنة الإفتاء والبحوث وهيئة كبار العلماء بالسعودية، وعدد من علماء الأزهر.

4- أن تمثيل الصحابة إنزال لمكانتهم العالية التي وهبهم الله تعالى إياها في قرآنه، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم. وهو رأي هيئة كبار العلماء بالسعودية، والمفهوم من كلام عدد من علماء الأزهر.

5- أن غرض التكسب والتربح سيطغى على تقديم الصورة الصحيحة؛ وهو ما يدفع القائمين بالإنتاج والتمثيل في التلاعب في سيرتهم، والتجار بما يناسب الربح والاتجار بعيدا عن الدقة العلمية. وهو مستند هيئة كبار العلماء بالسعودية.

6- ما حدث من قيام البعض من تمثيل الصحابة وسبهم وقذفهم والاجتراء عليهم، بل استخدام الحبكة الفنية ومهارات الإخراج في التلفيق والتشويق بهدف الإقناع والتصديق. وهو ما قاله الدكتور عبد العظيم المطعني.

7- أنه لم يتبق لنا في عالم الأسوة والقدوة إلا الصحابة، فمن الأولى أن نبتعد عنهم، وإن كان هناك إفلاس في موضوعات جيدة في الفن، فلتكن بعيدة عن هؤلاء الصحابة.. وهو ما ذهب إليه الدكتور أحمد عمر هاشم.

8- أن القدرة على تمثيل الصحابة بأشخاصهم عمل صعب فنيا؛ إذ إن الله تعالى وهب الصحابة قدرات خاصة كي يكونوا أهلا لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يمكن تصوره في العمل الفني.. ولا يجوز التعرض بالتمثيل لهم، استنادا لقوله صلى الله عليه وسلم الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا من بعدي.. فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم أخرجه الترمذي. وهو رأي الدكتور عبد الفتاح عاشور.

9- أن هؤلاء الكتاب والفنانين ينقصهم أدنى فنيات وأدوات كتابة التاريخ، فضلا عن كتابة السيرة التي لا يمكن معالجة حياة هؤلاء بعيدا عنها؛ فهم جزء لا يتجزأ من السيرة النبوية الشريفة التي لا يصح كتابتها أو الخوض فيها بعيدا عن التزود بأدوات علم الحديث من جرح وتعديل، وهو مستند الدكتور عبد الفتاح عاشور أيضا.

10- أن فن السينما متأثر بالفكر الكهنوتي والكنسي الذي بزغ المسرح والسينما في أحضانه من تقديس للأشخاص ولعب أدوار الآلهة في المعابد، بل وعبادة لها من دون الله.. والفن في الإسلام متحرر من هذه المادية المغرقة، بعيد عن التوثين والتجسيد وعبادة الفرد للفرد.

11- وإذا كنا في زماننا هذا نفزع من تهمة تسمى الازدراء برمز الحكم.. فكيف بالازدراء برموز الإسلام؟!. وهو رأي بعض علماء الأزهر.

12- القول بتحريم تمثيل الصحابة مستند على قاعدة درء المفاسد، واتقاء الشبهات؛ فالقول بتجسيد حياتهم تمثيلا قول محفوف بالأخطار العظام، وإذا سلمت شخصية فلن تسلم أخرى، وإذا وجدنا من يفهم ويعلم سيرتهم اليوم، فلن نجده غدا، بل وستظل تصورات الفنانين لأشخاصهم نهبا لكل شارد ووارد؛ فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه. وهو ما استند إليه الدكتور المسير.

أدلة من يحرم تمثيل بعض الصحابة دون غيرهم:
ويستند من يفرق بين العشرة المبشرين، أو الخلفاء الراشدين وآل البيت إلى:

1- أن كبار الصحابة لهم مكانة أكبر من غيرهم تمنع من أن يقوم بدورهم أحد، ولكن يشترط فيمن يقوم بتمثيل غيرهم أن يكون حسن السيرة والاستقامة. وهو ما اشترطه الشيخ القرضاوي.

2- إن كان الأولى عدم تمثيل أشخاص الصحابة، فإنه إن كان التمثيل لن يقلل من شأنهم فلا يمكن الحكم عليه بالحرمة، وليس في قيام شخص بدور آخر فيه نوع من الكذب؛ لأنه معلوم أنه ليس هو الشخص، وهذا هو المفهوم من كلام الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-.

أما الشيعة فمن الواضح أنه ليس عندهم دليل للتحريم، كما أن منزلة الصحابة عندهم ليست كما يرى أهل السنة، فلم يجدوا حرجا في تمثيل أشخاصهم، بل إنهم لم يمنعوا تمثيل الأنبياء، بشرط أن يظلل وجه الممثل ضوء بحيث لا يظهر شكله فقط، أما صوته وحركاته فلا بأس بها عندهم.
للمزيد يمكن مراجعة الرابط التالي :

http://www.islamonline.net/servlet/S…=1173694813046

نص الفتاوى عن هيئة كبار العلماء بالسعودية والأزهر الشريف

حكم تمثيل الأنبياء والصحابة

أولاً : من أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية : المجلد الثالث:إصدار : سنة 1421 هـ>2001 م>حكم تمثيل الصحابة رضي الله عنهم

مفاسد تمثيل الأنبياء

ومفاسد تمثيل الأنبياء كثيرة نكتفي منها بهذه الأمثلة:

1 – تشكيك المؤمنين في عقائدهم، وتبديد ما وقر في نفوسهم من تمجيد هذه المثل العليا، إذ أنهم قبل رؤية هذه المشاهد يؤمنون حقا بعظمة الأنبياء ورسالتهم، ويتمثلونهم حقا في أكمل مراتب الإنسانية وأرفع ذراها – إذا هم بعد العرض قد هانت في نفوسهم تلك الشخصيات الكريمة، وهبطت من أعلى درجاتها إلى منازل العامة والأخلاط، وقد تقمصهم الممثلون في صور وأشكال مصطنعة مما يتقلص معه ظل الدين والأخلاق.

2 – إثارة الجدل والمناقشة والنقد والتعليق حول هذه الشخصيات الكريمة وممثليها من أهل الفن والمسرح تارة، ومن النظارة تارة أخرى، وها نحن أولا نرى صفحات للفن والمسرح ومجادلات في التعليق والنقد، وأنبياء الله ورسله مثل كلام الله عز وجل، فوق النقد والتعليق.

3 – التهاب المشاعر، وتحزب الطوائف، ونشوب الخصام والقتال بين أهل الأديان كما وقع بين المسلم واليهودي في العصر النبوي، وما أحوجنا إلى الأمن والاستقرار وإطفاء الفتن وتسكينها لا إثارتها وإشعالها.

4 – الكذب على الله ورسله؛ لأن التمثيل أو التخييل ليسا إلا ترجمة للأحوال والأقوال والحركات والسكنات، ومهما يكن فيهما من دقة وإتقان فلا مناص من زيادة أو نقصان، وذلك يجر طوعا أو كرها إلى الكذب والضلال، والكذب على الأنبياء كذب على الله تعالى، وهو كفر وبهتان مبين، والعياذ بالله.

هذه أمثلة من مفاسد تمثيل الأنبياء.. فماذا تفيد الإنسانية من هذا التمثيل إلا الضلال والنكال، وإذا كان الله جلت قدرته قد أعجز الشياطين عن أن يتشبهوا بالأنبياء توقيرا وإعظاما لهم عليهم الصلاة والسلام، كما يدل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي ، سنن الترمذي الرؤيا (2276) ، سنن ابن ماجه تعبير الرؤيا (3900) ، مسند أحمد بن حنبل (1/400) ، سنن الدارمي الرؤيا (2139). وسبق أن قلنا: إن الأنبياء إخوة يمس كل واحد منهم ما يمس أخاه، نقول: إذا كان الله سبحانه قد حال بين الشياطين وبين التمثيل بالأنبياء مع أنه أعطاهم القدرة على التشكل كما يهوون، فكيف يستبيح الإنسان لنفسه أن يكون أخبث من الشيطان بتمثيل الأنبياء؟ ! ثم ماذا يكون الشأن إذا اجترأ إنسان على التمثل بالنبي محمد أو غيره واهتاج الناس وأثار شعورهم استياء من الجرأة على قداسة النبوة وخاصة في نفوس النظارة المتدينين ؟ !

إن حقا محتوما علينا أن نجل الأنبياء، وأن نجل آل الأنبياء وأصحاب الأنبياء عن التمثيل والتشخيص، واحتراما وإجلالا للأنبياء أنفسهم؛ لأن حرمتهم مستمدة من حرمة الأنبياء، كما أن حرمة الأنبياء مستمدة من حرمة الله عز وجل، وهذا بعض حقهم على الإنسانية جزاء ما صنعوا لها من جميل، وأدوا إليها من إحسان.

وجملة القول: أن أنبياء الله تعالى ورسله معصومون بعصمة الله لهم من النقائص الخلقية والخلقية، وأن تمثيلهم تنقيص لهم، أو ذريعة إلى التنقيص لا محالة، وكلاهما مفسدة أو مؤد إلى المفسدة التي من شعبها إثارة العصبيات والفتن التي لا يعلم مداها إلا الله تعالى.
وإن في الأدب والتاريخ وتصوير الفضائل ومكارم الأخلاق لميدانا فسيحا للفن والتمثيل، فليتجه إليها الفن ما شاء له الاتجاه، وليبتكر ما شاء له الابتكار، وليدع أنبياء الله ورسله محفوفين – كما حفهم الله تعالى – بالجلال والوقار، وليعمل على أن يكون مفتاحا للخير مغلاقا للشر، فطوبى لمن كان كذلك، والويل ثم الويل لمن يثير غضب الله وسخطه وانتقامه وغيرته لأنبيائه.

في قصص الأنبياء كفاية
{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [سورة يوسف:الآية 111] وأن العبرة لا تزال ماثلة في مواطنها، واضحة في معالمها، ينتفع بها في القرآن الكريم، وصادق الأخبار، ولو شئنا لأطلنا، ولكن في هذا بلاغا.

النتيجة
من أجل ما قدمنا تقرر في إثبات واطمئنان أنه لا ينبغي ولا يحل بحال أن يشخص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في المسرح، ولا على شاشة السينما.
والله نسأل أن يجمع قلوبنا على محبته، وتوقير أنبيائه ورسله، وأن يهدينا الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا. والسلام عليكم ورحمة الله

ثانياً : كما صدرت فتوى من لجنة الفتوى بالأزهر نشر في (مجلة الأزهر) في عددها الصادر بتاريخ محرم سنة 1379هـ عن حكم تمثيل الشخصيات الإسلامية، جاء فيها :
وبما أن السابقين من الصحابة رضي الله عنهم لهم مقام كريم، وشأن خاص بين جماعة المسلمين، وبما أن تمثيلهم على المسارح أو الشاشة قد ينحرف بهم إلى ما يمس بشخصياتهم أو عن تاريخهم الحق؛ لما يتعرضون له أحيانا من أكاذيب القصاصين، أو أهواء المتعصبين لبعض ضد البعض الآخر من جراء الفتن والخلافات التي قامت حولهم في أزمانهم، وانقسام الناس في تبعيتهم إلى طوائف وأشياع، بسبب الدسائس بينهم – فإن اللجنة إزاء هذه الاعتبارات تفتي بما يأتي:

أولا: عدم جواز من يمثل كبار الصحابة؛ كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن والحسين ومعاوية وأبنائهم رضي الله عنهم جميعا؛ لقداستهم، ولما لهم من المواقف التي نشأت حولها الخلافات وانقسام الناس إلى طوائف مؤيدين ومعارضين . . أما من لم ينقسم الناس في شأنهم؛ كبلال وأنس وأمثالهما – فيجوز ظهور من يمثل شخصياتهم بشرط أن يكون الممثل غير متلبس بما يمس شخصية من يمثله.

ثانيا: عدم جواز ظهور من يمثل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وبناته؛ لأن حرمتهم من حرمته عليه الصلاة والسلام، وقد قال الله تعالى في شأن نسائه:
{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [سورة الأحزاب:الآية 32] وبناته بذلك أولى.

ثالثا: من لم تثبت صحبته من الرجال المسلمين، وكذلك التابعين وأتباعهم – لا مانع من ظهور من يمثل شخصياتهم متى روعي في التمثيل ما من شأنه ألا يخل بكرامة المسلم.

وأما النساء المسلمات فيجب الاحتياط في تمثيلهن أكثر مما يحتاط في تمثيل الرجال المسلمين الذين لم نثبت صحبتهم، وعلى المرأة التي تقوم بالتمثيل ألا يوجد مع تمثيلها اختلاط بأجنبي عنها من الرجال، ولا يصحبه كشف ما يحرم كشفه من جسمها، ولا يكون معه تكسر في صوتها، ولا حركات مثيرة للغرائز، ولو مع ستر الجسم، إذا كان الأمر كذلك فلا حرمة في التمثيل، خصوصا إذا كان التمثيل لغرض علمي يعود على الأفراد والأمة بالفائدة.

وأما إن صحبه اختلاط بالرجال الأجانب، أو كشف ما لا يحل كشفه من جسمها، أو وجد معه تكسر في صوتها أو حركات مثيرة للغرائز بجسمها ولو مع ستره، أو كان لباسها يحدد مفاتن جسمها – فإن التمثيل حينئذ يكون محرما على من تقوم بهذا التمثيل.

قرار لجنة الفتوى بالأزهر :
كما صدرت فتوى مستفيضة من اللجنة المختصة بالفتوى في (مجلة الأزهر) في عددها الصادر في رجب عام 1374هـ في حكم تمثيل الأنبياء قد يكون في مبررات القول بمنع تمثيلهم ما يصلح مبررا للقول بمنع تمثيل الصحابة، وهذا نص المقصود منه:

التمثيل في المسرح :
تشخيص الأفراد الذين تتألف منهم القصة أو الرواية التي يراد عرضها على النظارة – تشخيصا يحكيها طبق أصلها الواقع أو المتخيل، أو هو بعبارة موجزة: ترجمة حية للقصة وأصحابها.
وقد تلتقط صورة للممثلين في المسرح على شريط خاص يسمونه (الفيلم) ليعرض على النظارة في شاشة السينما.

هل يمكن تمثيل الأنبياء؟
لندع القصص المكذوبة على أنبياء الله جانبا، ولنفترض أن التمثيل لا يتناول إلا القصص الحق الذي قدمنا شذرات منه عاجلة، ثم نتساءل:

1 – كيف يمثل آدم أبو البشر وزوجه وهما يأكلان من الشجرة؟ وما هي هذه الشجرة؟ أهي شجرة الحنطة؟ أم هي شجرة التين؟ أم هي النخلة؟ . . .

وعلى أي حال نمثلهما وقد طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة؟ وهل نمثل الله تعالى وقد ناداهما: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} [سورة الأعراف:الآية 22 ]؟ ! أو نترك تمثيله تعالى وهو ركن في الرواية ركين ؟ ! سبحانك سبحانك، نعوذ بك من سخطك ونقمتك ومن هذا الكفر المبين ؟ ؟ ! !

2 – وكيف يمثل موسى وهو يناجي ربه ؟ وكيف يمثل وقد وكز المصري فقتله؟ بل كيف يمثل وقد أحاط به فرعون والسحرة، ورماه فرعون بأنه مهين، ولا يكاد يبين؟ وكيف تمثل العقدة التي طلب من الله أن يحلها من لسانه ؟ وما مبلغ كفر النظارة والممثلين إذا أفلتت – ولا بد أن تفلت – منهم فلتة مضحكة أو هازئة حينما يتمثلون الرسولين وقد أخذ أحدهما برأس الآخر وجره إليه ؟ وما مبلغ التبديل والتغيير لخلق الله الفطري ليطابق هذا الخلق الصناعي وقد عملت فيه أدوات الأصباغ والعلاج عملها؟

3 – وكيف يمثل يوسف الصديق وقد همت به امرأة العزيز وهم بها لولا أن رأى برهان ربه؟ وما تفسير الهم في لغة الفن؟

4 – وكيف يمثل أنبياء الله وأقوامهم يرمونهم بالسحر تارة، وبالكهانة والجنون تارة أخرى؟ بل كيف يمثلون حينما كانوا يرعون الغنم ” وما من نبي إلا رعاها ” ؟ بل كيف يمثلون وقد آذاهم المشركون ولم يستح بعضهم أن يرمي القذر والنجس على خاتم النبيين وهو في الصلاة والكفار يتضاحكون؟ سيقول السفهاء من النظارة – وما أكثرهم – مقالة المستهزئين الكافرين من قبل: سورة الفرقان الآية 41 أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا ؟ وسيغضب فريق لأنبياء الله ورسله فيقاتلون السفهاء، وينتقمون منهم، وتقوم المعارك الدينية لا محالة سورة الشعراء الآية 227 وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ .

تمثيل الأنبياء تنقيص لهم
لسنا بحاجة بعد هذا إلى بيان أن من قصص الأنبياء ما لا يستطاع تشخيصه، وأن ما يستطاع تشخيصه من قصصهم فهو تنقيص لهم، وزراية بهم، وحط من مقامهم، وانتهاك لحرماتهم وحرمات الله الذي اختارهم لرسالته واصطفاهم لدعوته . . . لا ريب في ذلك كله ولا جدال. .

وهذا كله في القصص الحق الذي قصه الله علينا ورسوله، وأما القصص الباطل – وما أكثره – فهو زور على زور، وكفر على كفر، وهو البلاء والطامة . . وما نظن أن أحدا يستطيع أن يجادل في هذه الحقائق الناصعة . . . وأكبر علمنا أن أول من يخضع لها ويؤمن بها هم أهل الفن أنفسهم، فإنهم أرهف حسا، وأشد إدراكا لمقتضيات التمثيل وملابساته.

على أنا لو افترضنا محالا، أو سلمنا جدلا بأن تمثيل الأنبياء لا نقيصة فيه ولا مهانة، فلن نستطيع بحال أن نتجاهل أنه ذريعة إلى اقتحام حمى الأنبياء وابتذالهم، وتعريضهم للسخرية والمهانة، فالنتيجة التي لا مناص منها ولا مفر: أن تشخيص الأنبياء تنقيص لهم، أو ذريعة إلى هذا التنقيص لا محالة .

سد الذرائع
وسد الذرائع ركن من أركان الدين والسياسة، فقد أجمع العلماء أخذا من كتاب الله وبيان رسوله، على أن من أعمال الناس وأقوالهم ما حرمه الله تعالى؛ لأنه يشتمل على المفسدة من غير وساطة؛ كالغصب والقذف والقتل بغير حق، وأن من الأعمال والأقوال ما حرمه الله سبحانه؛ لأنه ذريعة إلى المفسدة، ووسيلة إليها، وإن لم يكن هو في نفسه مشتملا على المفسدة، ومن ذلك مناولة السكين لمن يسفك بها دما معصوما، فالمناولة في نفسها عارية عن المفسدة، ولكنها وسيلة إليها، ومن ذلك سب معبودات المشركين وهم يسمعون، فهو في نفسه جائز، ولكنه منع لجره إلى مفسدة، وهي إطلاق ألسنة المشركين بسب الله تعالى؛ ولهذا نهانا الله سبحانه عن هذا السب فقال: سورة الأنعام الآية 108 وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ..

ومن هذا القبيل تفضيل بعض الأنبياء على بعض، هو نفسه جائز، فقد فضل الله بعضهم على بعض ورفع بعضهم درجات، ولكنه يمنع حينما يجر إلى الفتنة والعصبية، وقد تخاصم مسلم ويهودي في العهد النبوي، ولطم المسلم وجه اليهودي؛ لأنه أقسم بالذي اصطفى موسى على العالمين، وأقسم المسلم بالذي اصطفى محمدا على العالمين، فلما بلغت الخصومة خاتم النبيين صلى الله وسلم عليهم أجمعين – غضب حتى عرف الغضب في وجهه، وقال: لا تخيروني على موسى ، ثم أثنى عليه بما هو أهله، ونهاهم أن يفضلوا بين أنبياء الله تعالى؛ سدا لذريعة الفتن، وحرصا على وقارهم صلوات الله وسلامه عليهم، وإذا كانت الدول تشدد في سد الذرائع وترى ذلك ركنا من أركان السياسة والأمن والنظام والمعاملات الدنيوية، فإنه في العقائد أخلق، وفي مقام النبوة أوجب وأحق .

على الهامش :  من العجب انه بفتاوى الشيعة , لا يجوز تجسيد الأئمة الاثنا عشر , لذا ترى وجوههم
في المسلسلات الايرانية قد تم تغطيتها بالضوء . اما أنبياء الله…فلا إشكالية !


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 353 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم