تفسير سورة الحجرات (7) النهي عن سوء الظن والتجسس

تاريخ الإضافة 8 يناير, 2023 الزيارات : 8445

تفسير سورة الحجرات (7) النهي عن سوء الظن والتجسس

نعيش اليوم مع المفسد الرابع من مفسدات الأخوة وهو الوارد في قول الله تعالى:

 ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ﴾ والمراد بالظن: هو التخمين بوقوع شيء ثم يبني على ذلك الظن أشياء ليس لها حقيقة، فيسبب ذلك عداوة وبغضاء. 

الظن الحسن والظن السيء

1-الظن الحسن:

هو تقديم حسن الظن بالمسلم ، وهو مندوب إليه.

وفي حادثة الأفك حينما رمى المنافقون عائشة رضي الله عنها بالبهتان قال تعالى: ( ولولَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هذا إِفْكٌ مُّبِينٌ) وهذا أبو أيوب الأنصاري حينما قالت له امرأته: أما تسمع ما يقول الناس في عائشة؟ قال: بلى، وذلك الكذب، أكنت فاعلة ذلك يا أمّ أيوب؟ قالت: لا والله ما كنت لأفعله، قال: فعائشة والله خير منك، فكان فيما نزل من الآيات ( لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ )… الآية: أي كما قال أبو أيوب وصاحبته.

2- والظن السيء: 

سوء الظن بالمسلمين الذين ظاهرهم العدالة، وهذا هو المراد من النهي في الآية : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ﴾

وكذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت في الصحيحين، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث”.

وقد سماه حديثًا؛ لأنَّه حديث النفس، وإنما كان الظنُّ أكذب الحديث؛ لأنَّ الكذب مخالفة الواقع من غير استناد إلى أمارة، وقبحه ظاهر لا يحتاج إلى إظهاره ، وأما الظن فيزعم صاحبه أنه استند إلى شيء، فيخفى على السامع كونه كاذبًا بحسب الغالب، فكان أكذب الحديث.

قصة حاطب بن أبي بلتعة :

وفي قصة حاطب لما كتب إلى أهل مكة يفشي إليهم خبر النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة ثم اعتذر، أراد عمر أن يقتله وقال: إن الرجل قد نافق، وكان ذلك مبنيا على الظن ، ولكن قبل النبي صلى الله عليه وسلم منه عذره وحسن نيته ، ومنع عمر من البناء على ذلك الظن؛ لأنه ظن خاطئ .

 عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِى رَافِعٍ ، وَهُوَ كَاتِبُ عَلِيٍّ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَلِيًّا ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَهُوَ يَقُولُ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَا ، وَالزُّبَيْرَ ، وَالْمِقْدَادَ ، فَقَالَ : ائْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً (امرأة)، مَعَهَا كِتَابٌ ، فَخُذُوهُ مِنْهَا ، فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا ، فَإِذَا نَحْنُ بِالْمَرْأَةِ ، فَقُلْنَا : أَخْرِجِي الْكِتَابَ ، فَقَالَتْ : مَا مَعِي كِتَابٌ ، فَقُلْنَا : لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ ، أَوْ لَتُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا .(خيط تُشَدّ به أَطراف الضفائر عند المرأة)

 فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَإِذَا فِيهِ : مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبي بَلْتَعَةَ ، إِلَى نَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : يَا حَاطِبُ ، مَا هَذَا ؟

قَالَ : لاَ تَعْجَلْ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنِّي كُنْتُ امْرَءًا مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ ( كَانَ حَلِيفًا لَهُمْ )، وَكَانَ مِمَّنْ كَانَ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ، لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ ، أَنْ أَتَّخِذَ فِيهِمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي ، وَلَمْ أَفْعَلْهُ كُفْرًا ، وَلاَ ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي ، وَلاَ رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ .

 فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : صَدَقَ .

 فَقَالَ عُمَرُ : دَعْنِي يَا رَسُولَ اللهِ ، أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ .

 فَقَالَ : إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا ، وَمَا يُدْرِيكَ ، لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ ، فَقَالَ : اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ”.

لاَ تَلْعَنُوهُ :

وقصة الصحابي الذي عوقب أكثر من مرة لشربه الخمر فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا ، فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ : اللَّهُمَّ الْعَنْهُ ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : لاَ تَلْعَنُوهُ ، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ. أخرجه البُخَاري 

من كلام السلف:

ولذلك كان السلف يؤكدون على وجوب تجنب الظنون السيئة وحمل الناس على المحامل الحسنة، وطرد ما يلج للخاطر من أوهام وظنون، ومن أقوالهم :

  • قال أبو قلابة: إذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه فالتمس له العذر جهدك، فإن لم تجد له عذرا فقل في نفسك: لعل لأخي عذرا لا أعلمه
  • قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيرا، وأنت تجد لها في الخير محملا
  • وقال ابن عباس: (إنَّ الله قد حَرّم على المؤمن من المؤمن دمه وماله وعرضه، وأن يظنَّ به ظنَّ السّوء). 
  • وعَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ، قَالَ: شَتَمَ رَجُلٌ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:إِنَّكَ لَتَشْتُمُنِي، وَفِيَّ ثَلاثُ خِصَالٍ:

الأولى : إِنِّي لآتِي عَلَى الآيَةِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَوَدِدْتُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَعْلَمُونَ مِنْهَا مَا أَعْلَمُ مِنْهَا.

الثانية: وَإِنِّي لأَسْمَعُ بِالْحَاكِمِ مِنْ حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ يَعْدِلُ فِي حُكْمِهِ فَأَفْرَحُ بِهِ، وَلِعَلِّي لا أُقاضِي إِلَيْهِ أَبَدًا،

الثالثة: وَإِنِّي لأَسْمَعُ بِالْغَيْثِ قَدْ أَصَابَ الْبَلَدَ مِنْ بِلادِ الْمُسْلِمِينَ فَأَفْرَحُ، وَمَا لِي بِهِ مِنِ سَائِمَةٍ (أنعام ترعى).

إذن فسوء الظنّ هو الخوض في الخيال المُسيء والخطأ في حالة مُواجهة فعلٍ يُمكن أن يكون له تفسيرين، صحيح وخاطئ .

نذكر لذلك بعض الأمثلة:

  • قد يتوهم البعض ، أو يزين له الشيطان أن فلانا يبغضه ؛ فيبني على هذا عداوة وشحناء في الصدر ، وعدم صفاء في الصدر تجاه أخيه المسلم .
  • والبعض يسيء الظن بزوجته بدافع الغيرة ويتشكك في زوجته ويفسر كل سلوك على أنه خيانة أو سوء أخلاق منها ، وقد يقع هذا من الزوجة أيضا تجاه زوجها وفي الحديث (إنَّ من الغيرة ما يحبُّ الله، ومنها ما يكره الله، فالغيرة التي يحبها الله الغيرة في الريبة، والغيرة التي يكرهها الله الغيرة في غير ريبة) .
  • وقد يتناقل الناس عن فلان أنه متهم في دينه ، أو أن هؤلاء القائمين على الجمعية أو الهيئة الفلانية يأكلون المال بغير حق ، فيضرون إخوانهم ويشوهون صورة المجتمع المسلم .

والحاصل أن الظن والتخمين أوقع كثيرين في العداوة والبغضاء ، ففشت بينهم الأحقاد، وساءت المعاملات فيما بينهم، وظهر الحسد والبغضاء ، كل ذلك مبناه على أخبار وهمية ظنوها صادقة وليس لها حقيقة .

ما الفرق بين الظن والشك؟

الشك وجود معرفة على وجهين متناقضين في كفتي ميزان متعادل، ويمثل علماء المنطق لذلك: إذا رأيت شخصاً من بعيد فلا تستطيع أن تجزم أكان رجلاً أو امرأة، فلم تستطع الجزم بذلك والكفتان متعادلتان .

في هذه الحالة يكون إدراكك للشخص شك لأنك لم ترجح أحد الجانبين.

ولكن إذا اقترب الشخص منك قليلاً ثم تبين لك أنه رجل، حينئذ هذا الجانب الذي رجح ونزلت كفته عشرة في المائة يعتبر ظناً، والكفة المرجوحة التي نقص الإدراك فيها عشرة في المائة يعتبر وهماً .

فالظن أحد الجانبين الذي رجح بعد أن كان شكاً متعادلاً.

فإذا انتهى الوهم، وكان العلم لجانب واحد، بأن دنا منك ورأيته بملابسه وتأكدت (99%) أنه رجل، حين ذلك يكون علماً.

والعلم مراتب: علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين.

فعلم اليقين الذي لا يقبل وهماً يطرأ عليه،فمثلا : المسلمون في كندا أو روسيا يتوجهون في صلاتهم إلى الكعبة، فهم يعتقدون  ويعلمون بوجود الكعبة، فإذا قدر لهذا الإنسان أن جاء إلى مكة ووصل إلى المسجد الحرام ووقف عند الباب،

فعلمه بها وهو يراها بعينه هو عين اليقين .

فإذا طاف حولها زاد علماً، فإذا فتحت الكعبة ودخل وصلى في جوف الكعبة، فعلمه بالكعبة وهو في جوفها أقوى من علمه وهو واقف في الباب، فهذا هو حق اليقين.

ما السر في قوله تعالى:” إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ” ؟

بين الله أن بعض الظن إثم لأن الظن ينقسم إلى:ـ

1-  الظن السيئ الذي لم تقم عليه قرينة ولا دليل وهو المنهي عنه في الآية الكريمة .

2-  الظن السيئ الذي قامت عليه القرينة وهذا جائز، كرؤية المرأة التي لا زوج لها حامل ، أو آثار الغنى المفاجيء على فقيرأو متوسط الحال فيسأل من أين لك هذا ؟ 

ومن الجدير بالذّكر أنّ هذا الزّمن مليء بالإشاعات والانقياد وراء عدم التثبّت، وإن آثار ظنّ السّوء المتفشّية في المُجتمعات لهي مُؤشّر سلبيّ على أمن المجتمع، فلو حرص كلّ مُسلمٍ على ما يُفكّر وما يقول؛ لتجنّب مساوئ الأمور، وبات مجتمعه مُجتمعاً مُتحابّاً مُتعاوناً صافياً.

والإنسان تمر به مواقف لا يرى فيها إلا وجها واحدا، يرى إنسانا في أمر ما فلا يراه إلا مسيئا عاصيا، فربما تكلم فيه ونشر خبره، ثم إذا اتضح الأمر وبانت الحقائق ظهر له أنه كان مخطئا، وهذا هو الذي لا يريده الله تعالى منا، لذا الواجب التحرز التام .

كيف نتجنب سوء الظن ؟

1-  لا تحكم إلا بعد أن تتيقن، أي يصل بك اليقين إلى درجة أنك تقدر على الحلف على ما ظننت.. هذا الإجراء خطوة في كف الناس عن سوء الظن.

2- التأمل في حقيقة البشر، من حيث الذهول والضعف والنسيان .. فإذا تأمل المرء في حقيقة البشر، وجد نفسه مرغما على التماس العذر لهم، وعدم مؤاخذتهم بما يصدر منهم من أمور يمكن حملها على الوجه الحسن، ولو باحتمال ضعيف.

3- الأخوة، فإن أخوة الإيمان تحمل لزوما على تقديم حسن الظن بالمؤمن، فالمؤمن في أصل الأمر لا يريد شرا، والتعامل معه وحمل ما يصدر منه على هذا الأصل يوجب حسن الظن والبعد عن سوء الظن .

4- البعد عن الشبهات : فكما أنه يجب على المسلم إحسان الظن بإخوانه، كذلك يجب عليه البعد عن الشبهات، فيجب على المسلم ألا يوقع نفسه في شبهة قصدا وعمدا، بدعوى أنه لا يبالي بالناس، فمن لا يستحي من الناس لا يستحي من الله ..

فيجب أن يتحرز من الوقوع في الشبهات، فإن وقوعه فيها يفتح للشيطان طريقا عليه وعلى إخوانه، عليه بتشويه سمعته صورته، وعلى إخوانه ببث وساوسه فيهم، وإيقاعهم في الإثم بسوء الظن .. فإن وقع في شبهة ما لسبب ما، فعليه أن يبادر إلى التوضيح وتجلية حقيقة الأمر لكل من رأى تلبسه بالشبهة كي يدفع عن عرضه، ويرحم إخوانه من إساءة الظن وتألم المشفق.. وفي الحديث أن صفية رضي الله عنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وهو معتكف، ثم قام يقلبها إلى بيتها فمر بهما رجلان فأسرعا، فقال عليه الصلاة والسلام: (على رسلكما، إنما هي صفية بنت حيي).. فقالا: سبحان الله، يا رسول الله، وكبر عليهما.. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الشيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا) .. فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين كيف أن على المسلم أن يدفع عن نفسه الشبهة..

فالإنسان قد يقع في الشبهة من طريقين:

الأول: أن يكون الأمر ليس فيه شبهة أصلا، لكن الناس قد ينظرون إليه على أنه شبهة، كما في قصة صفية رضي الله عنها، فمن المستحسن البيان والتوضيح إذا شعر بريبة الحاضرين.

الثاني: أن يكون شبهة في نفس الأمر، كمن رؤي يكلم امرأة أجنبية، ربما كانت تسأل عن الطريق أو غير ذلك، أو إذا رآه أحدهم يأكل أو يشرب في نهار رمضان فيبين أنه مفطر لمرضه مثلا … فمثل هذا لازم عليه أن يبين ـ لمن شك فيه ـ حقيقة القضية، ولا يتركه بشكه .

فالابتعاد عن الشبهة يحقق فائدتين:

الأولى: سلامة العرض من الذم.

الثانية: عدم تحميل الناس مشقة البحث عن الأعذار لهذا الواقع في الشبهة، وقد علم أن أكثرهم يتضجرون من ذلك، ولذلك تراهم يسيئون الظن ابتداء، لأن إساءة الظن ليس فيها تكلف ولا مشقة، كما في إحسان الظن والتماس المعاذير.

ولذا كان الملتمس للمعاذير مؤمنا، أي مثابا على ذلك، لأنه يحزنه ولا يرضيه الطعن في أخيه، فيجهد نفسه وعقله ولسانه بالدفاع عنه، بينما الطالب للزلات منافق، لا ثواب له، لأنه لا يدفع عن عرض المؤمن، بل يتشفى ويشمت ويفرح بزلات المؤمنين، وتلك ليست من صفات المؤمنين

ثانيا / النهي عن التجسس (ولا تجسسوا)

لماذا قدم الظن على التجسس ؟

في هذه الآية الكريمة ترتيب عجيب أشار إليه القرطبي ـ رحمه الله ـ فقال:لأن الإنسان إذا ظن السوء سينتقل إلى مرحلة أخرى وهي التجسس ليتأكد ثم بعد التجسس سوف يغتاب ذلك الرجل بذكر معايبه.

فبعضها يجر بعضا ، فانظر إلى هذا التسلسل العجيب لأن الله هو الخالق لهذا الإنسان وهو العالم كيف تتسلسل في النفس وفيه تنبيه من جانب آخر أنه يجب على الإنسان أن يغلق أبواب الشر على نفسه لأنه إذا فتح باب الظن أنفتح باب التجسس ثم إذا امتلأ القلب بهذه الأمور المنكرة أصبح يفرِّغها في المجالس التي يجلس فيها فيقع في الغيبة .

يقول الله تعالى: ﴿ وَلَا تَجَسَّسُوا ﴾ :

 التجسس طلب المعايب من الغير، أي أن الإنسان ينظر ويتصنت ويتسمع لعله يسمع شرًّا من أخيه، أو لعله ينظر سوءاً من أخيه، والذي ينبغي على المسلم أن يعرض عن معايب الناس، وأن لا يحرص على الإطلاع عليها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يخبرني أحد عن أحد شيئاً»، يعني شيئاً مما يوجب ظن السوء به «فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر»

فلا ينبغي للإنسان أن يتجسس، بل يأخذ الناس على ظاهرهم، ما لم يكن هناك قرينة تدل على خلاف ذلك الظاهر.

وهناك قراءة أخرى (ولا تحسسوا) وهي غير متواترة …. قيل: معناهما واحد، وقال الحافظ ابن كثير: والتجسس غالباً يطلق على الشر، ومنه الجاسوس، وأما التحسس فيكون غالباً في الخير، وقد يستعمل كل منهما في الشر.

والأرجح أن لكل واحدة منهما معنى، والفرق هو أن التجسس أن يحاول الإنسان الإطلاع على العيب بنفسه، والتحسس أن يلتمسه بجميع حواسه كما في قول يعقوب لبنيه (يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه )يوسف87

وعلى هذا فتكون القراءتان مبينتين لمعنيين كلاهما مما نهى الله عنه، لما في هذا من إشغال النفس بمعايب الآخرين.

ولهذا من ابتلي بالتجسس أو بالتحسس تجده في الحقيقة قلقاً دائماً في حياته، وينشغل بعيوب الناس عن عيوبه، ولا يهتم بنفسه، والعاقل هو الذي ينظر إلى معايب نفسه ليصلحها، لا أن ينظر في معايب الغير ليشيعها – والعياذ بالله – ولهذا قال الله – عز وجل -: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم }النور19

ولقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تتبع أمور الناس وعوراتهم ،حرصا منه صلى الله عليه وسلم على شغل المسلم نفسه بالخير ، وعدم الوقوع فيما لا يغني من الله شيئا ، فقال : يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ ! لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ ، فَإِنَّهُ مَنْ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعُ اللَّهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ يَتَّبِع اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ . رواه أبو داود وصححه الألباني

فالمسلم مطالب بأن يستر على أخيه المسلم لا أن يفضحهُ وأن يُشهِّر بهِ ويذكر معايبه في المجالس وينشرها بين الناس وربما يفرحُ بما يكتشفه من الأخطاء والعيوب والزلات و الهفوات التي يقع فيها المسلم، فهذا أخوك سِترك له هو سترٌ لك أنت .
وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم يقول: “إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم، أو كدت أن تفسدهم”أخرجه أبو داود

 لذا فإنه لا ينبغي للمسلم أن يلتفت كثيرا إلى أفعال الناس ، يراقب هذا ، ويتابع ذاك ، ويفتش عن أمر تلك ، بل الواجب عليه أن يُقبل على نفسه فيصلحَ شأنها ، ويُقوِّمَ خطأها ، ويرتقي بها إلى مراتب الآداب والأخلاق العالية ، فإذا شغل نفسه بذلك ، لم يجد وقتا ولا فكرا يشغله في الناس وظن السوء بهم .


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 356 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم