مــــراقبـــــــــة الـلــــــــــــــه

تاريخ الإضافة 21 يوليو, 2022 الزيارات : 12536

أولاً: مفهوم مراقبة الله

المراقبة لغة: مصدر مأخوذ من راقب يراقب مراقبة، وتدل على الانتصاب لمراعاة الشيء. والرقيب: الحافظ. وراقب الله في أمره: أي خافه.

وقال المحاسبي: “المراقبة دوام علم القلب بعلم الله عز وجل في السكون والحركة علماً لازماً مقترناً بصفاء اليقين.

قال ابن القيم: “المراقبة دوام علم العبد، وتيقّنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه”.

وقال القاسمي: “المراقبة هي ملاحظة الرقيب، وانصراف الهم إليه”..

قال بعضهم : المراقبة خلوص السر و العلانية لله عز وجل ، أي علا نيتك كلها لله و سرك كله لله .

قال ابن المبارك لرجل: “راقب الله تعالى”؛ فسأله عن تفسيرها، فقال: “كن أبداً كأنك ترى الله عز وجل.

قال أبو حفص لأبي عثمان: “إذا جلست للناس فكن واعظاً لنفسك وقلبك، ولا يغرنك اجتماعهم عليك، فإنهم يراقبون ظاهرك، والله يراقب باطنك” .

ثانياً: الفرق بين المراقبة والإحسان:

ـ  أن المراقبة تشمل المراقبة في الطاعات وفي المعاصي وفي المباحات، والإحسان يشمل المراقبة في الطاعات والعبادات فقط  .

قال صلى الله عليه وسلم في تعريف الإحسان: ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)).

قال ابن قدامة: “أراد بذلك ـ أي الإحسان ـ استحضار عظمة الله، ومراقبته في حال العبادة”.

وقال النووي في شرحه للحديث: “فمقصود الكلام الحث على الإخلاص في العبادة، ومراقبة العبد ربه ـ تبارك وتعالى ـ في إتمام الخشوع والخضوع”.

وقال حافظ الحكمي: “فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الإحسان على مرتبتين متفاوتتين: أعلاهما: عبادة الله كأنك تراه، وهذا مقام المشاهدة، والثاني: مقام المراقبة”.

إن الإحسان أعم من المراقبة من جهة أخرى؛ فإن الإحسان يطلق على الإحسان إلى الخلق بالإنفاق ووجوه البر؛ قال تعالى: {وَأَحْسِنُواْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ} [البقرة:195]، وقال عز وجل: {وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَـٰنَ بِوٰلِدَيْهِ إِحْسَـٰناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَـٰلُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَىٰ وٰلِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَـٰلِحاً تَرْضَـٰهُ وَأَصْلِحْ لِى فِى ذُرّيَّتِى إِنّى تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنّى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ} [الأحقاف:15].

قال ابن رجب: “وهذا الأمر بالإحسان تارة يكون للوجوب، كالإحسان إلى الوالدين والأرحام بمقدار ما يحصل به البر والصلة، والإحسان إلى الضيف بقدر ما يحصل به قراه”.

أحوال المسلم في الخلوة:

المسلم في الخلوة إما أن تكون حاله :

1/هي كما هي في العلانية والظهور.

2/أو تكون في الخلوة أفضل.

وهذا مقامان عاليان ليس محل الكلام عنهما هنا

3/أو يكون المسلم في الخلوة أقلٌ حالاً منه في العلانية.وهذا هو الغالب على كثير من الناس ،فيتكاسل عن الطاعات في الخلوة ويترك أعمالاً فُضلى كان يعملها في العلانية وإن لم يرتكب هذا في خلوته المحرمة.

4/ومن الناس من يعمل في الخلوة ما لا يليق به كمسلم صالح وإن لم يكن هذا العمل محرما.كأن يفعل مكروها أو يكثر من مباح يضيع عليه وقته دون فائدة..بينما نجده في العلانية يبتعد عن هذا الشيء.

5/ هناك من يرتكب المحرمات وينتهك حرمات الله في الخلوة..وهذا تقريبا هو الذي  ينصب عليه الكلام عند من يتكلم في هذا الموضوع .

ثالثاً: كيف تراقب الله؟

أ- أن تنظر إلى همّك وإرادتك قبل فعل الطاعات، فإن كان همّك وإرادتك لله أمضيتها، وإن كان لغيره فلا.

قال الحسن البصري: “رحم الله عبداً وقف عند همه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخر”.

وقال القاسمي: “ثم للمراقب في أعماله نظران: نظر قبل العمل، ونظر في العمل، أما قبل العمل فلينظر همه وحركته أهي لله خاصة أو لهوى النفس ومتابعة الشيطان؟ فيتوقف فيه ويتثبّت حتى ينكشف له ذلك بنور الحق، فإن كان لله تعالى أمضاه، وإن كان لغير الله استحيا من الله، وانكف عنه، ثم لام نفسه على رغبته فيه، وهمه به، وميله إليه، وعرّفها سوء فِعْلها، وأنها عدوّة نفسها”

ب- أن تنظر إلى إرادتك عند الشروع في فعل الطاعات فتخلص نيتك لله سبحانه وتعالى.

قال ابن قدامة: “ومراقبة العبد في الطاعة وهو أن يكون مخلصاً فيها.

وقال القاسمي: “وأما النظر الثاني للمراقبة عند الشروع في العمل، فذلك بتفقد كيفية العمل ليقضي حق الله فيه، ويحسن النية في إتمامه، ويتعاطاه على أكمل ما يمكنه”.

ج- أن تراقب الله قبل الهم بالمعصية، فتكفّ عنها.

قال القصري وهو يعدّد أنواع الإحسان: “فأما قسم المعاصي على اختلاف أنواعها؛ فإن العبد مأمور بأن يعلم أن الله يراه، فإذا هم بمعصية وعلم أن الله يراه، ويبصرُه على أي حالة كان، وأن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور كفَّ عن المعصية ورجع عنها”. قال مسروق بن الأجدع: “من راقب الله في خطرات قلبه؛ عصمه الله في حركات جوارحه.

قال عبد الله بن دينار: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مكة فعرّسنا في بعض الطريق، فانحدر عليه راعٍ من الجبل، فقال له: يا راعي، بعني شاة من هذه الغنم، فقال: إني مملوك، فقال: قل لسيّدك: أكلها الذئب، قال: فأين الله ؟ قال: فبكى عمر، ثم غدا إلى المملوك فاشتراه من مولاه، وأعتقه، وقال: أعتقتك في الدنيا هذه الكلمة، وأرجو أن تُعتقك في الآخرة.

في إحدى الليالي، خرج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- ومعه خادمه أسلم، ومشيًا في طرقات المدينة للاطمئنان على أحوال الناس.

وبعد مدة شعرا بالتعب من كثرة المشي، فوقفا يستريحان بجوار أحد البيوت، فسمعا صوت امرأة عجوز داخل هذا البيت تأمر ابنتها أن تخلط اللبن بالماء، قبل أن تبيعه للناس، فرفضت الابنة أن تغش اللبن بالماء، وقالت لأمها: إن أمير المؤمنين نهى أن يخلط اللبن بالماء، وأرسل مناديًا ليخبر الناس بذلك.

فألحت الأم في طلبها، وقالت لابنتها: أين عمر الآن؟! إنه لا يرانا. فقالت الابنة المؤمنة الأمينة: وهل نطيع أمير المؤمنين أمام الناس ونعصيه في السر.

فسعد أمير المؤمنين بما سمعه من هذه الفتاة، وأعجب بإيمانها وأمانتها.

وفي الصباح سأل عنها فعلم أنها أم عمارة بنت سفيان بن عبد الله الثقفي، وعرف أنها غير متزوجة، فزوجها لابنه عاصم، وبارك الله لهما فكان من ذريتهما الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز.

إذا ما خلوتَ الدهر يوماً فلا تقـل    خلوتُ ولكن قل عليَّ رقيـبُ
ولا تحســبنَّ الله يغفـل ساعـةً    ولا أنَّ ما تخفيـه عنه يغيبُ

وقال ابن السّماك:

                            يا مدمن الذنب أما تستحي        واللهُ في الخلـوة ثانيكـا

                              غـرك من ربـك إمهالـه       وستره طول مساويكا

وقال أبو محمد الأندلسي:

                             وإذا ما خلوت بريبة في ظلمة      والنفس داعيـةٌ إلى العصيان

                             فاستحي من نظر الإله وقل لها     إن الذي خلق الظلام يراني

د- أن تراقب الله بعد الوقوع في المعاصي بالتوبة:

وقال القصري: “فإن غلبه فعل المعاصي انقضَّ وزلّ عن مقام الإحسان، ووقع في شكلٍ يبطل العبادة سارع إلى الاستغفار، والرجوع إلى مقام الإحسان”.

قال ابن القيم: “ومراقبته في المعصية تكون بالتوبة والندم والإقلاع”.

هـ- أن تراقب الله في المباحات فتشكره على نعمه، ولا تسترسل بالكلية فيها:

وقال القصري: “وأما القسم الثالث من المباحات والكسبيات؛ فإن ذلك محل الغفلة، والسهو عن هذا المقام الإحساني، فإذا تذكّر العبد أن الله يراه في تصرّفه، وأنه أمره باتباعه والإقبال عليه، وقلّة الإعراض عنه استحيا أن يراه مكباً على الخسيس الفاني، مستغرقاً في الاشتغال به عن ذكره؛ فيقبضه ذلك عن الاستكثار الملهي، والاشتغال والاسترسال بالكلية في أمور الدنيا”

قال ابن القيم: “ومراقبته في المباح تكون بمراعاة الأدب، والشكر على النعم، فإنه لا يخلو العبد من نعمة لا بد له من الشكر عليها .

رابعاً: الطرق المعينة على المراقبة:

أ- التعرف على أسماء الله الحسنى وصفاته العلا والتعبد بمقتضاها:

قال ابن القيم: “والمراقبة التعبد باسمه الرقيب، الحفيظ، العليم، السميع، البصير، فمن عقل هذه الأسماء وتعبد بمقتضاها حصلت له المراقبة.

ب- قطع أشغال الدنيا عن القلب وتعاهده بالرعاية والعناية:

سئل المحاسبي: فما يوصله إلى هذه الحالة ـ أي المراقبة ـ؟

قال: “قطع علائق الأشغال، ولزوم العلم، والتعاهد بالعناية والرعاية.

ج- تعظيم الله سبحانه وتعالى:

قال محمد بن نصر المروزي: “إذا ثبت تعظيم الله في قلب العبد أورثه الحياء من الله، والهيبة له، فغلب على قلبه ذكر اطلاع الله العظيم، ونظره بعظمته إلى ما في قلبه وجوارحه… فاستحى الله أن يطلع على قلبه وهو معتقد لشيء مما يكره، أو على جارحة من جوارحه، تتحرك بما يكره، فطهّر قلبه من كل معصية، ومنع جوارحه من جميع معاصيه.

د-أن تعلم أن عليك أربعة شهود:

الشاهد الأول: فهو هذه الأرض التي نمشي عليها ونأكل عليها وننام عليها ونطيع الله عليها ومنا من يعصي الله عليها
هذه الأرض لها يوم ستتحدث فيه وتتكلم فيه بما عملت عليها سوف يأتي اليوم الذي تفضحك فيه وتكشف أسرارك

يقول الله تعالى ( إذا زلزلت الأرض زلزالها * وأخرجت الأرض أثقالها * وقال الإنسان مالها * يومئذ تحدث أخبارها )
وقوله ( يومئذ تحدث أخبارها) فسرها النبي عليه الصلاة والسلام بقوله ” أتدرون ما أخبارها ” قالوا : الله ورسوله أعلم ، فقال ” فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها ، تقول : عملت كذا وكذا يوم كذا كذا ، فهذه أخبارها ” رواه الترمذي (3353) وقال حديث حسن.

الشاهد الثاني :- فهم الملائكة الذين يكتبون علينا أعمالنا ويسجلون علينا سيئاتنا وحسناتنا قال تعالى (“وإن عليكم لحافظين* كراماً كاتبين* يعلمون ما تفعلون”) .

الشاهد الثالث : فهي الجوارح التي هي من نعم الله علينا: اليدان والقدمان واللسان والعينان والأذنان بل وسائر الجلود…
ستأتي يوم القيامة لتشهد علينا…
إنه مشهد لا مثيل له ، يقف العبد أمام ربه ، ويبدأ الحساب ، ثم تبدأ الجوارح لتكشف الأسرار ولتخبر بالفضائح والجرائم التي فعلتها في أيامك السابقة(” اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون”


وأما الشاهد الرابع
فهو الواحد الأحد رب الشهود ، إنه الواحد المعبود، ( أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد )

الذي يراك أينما كنت ويعلم بحالك. ( إن الله لا يخفي عليه شيء في الأرض ولا في السماء) فسبحان العليم بعباده (” وهو معكم أينما كنتم”).
فسبحان الذي لا تخفى عليه خافيه (” والله يعلم مافي قلوبكم”) فسبحان من يعلم مافي الصدور.
والله إن من أكبر أسباب ضعفنا وتقصيرنا هو ” الغفلة عن مراقبة الله تعالى”
والإ فلو أن العبد الذي يخلو بذنوبه ، ويبتعد عن الناس لكي لا يروه، لو يعلم ذلك العبد بعلم الله به ورؤيته له لما فعل تلك الفعلة السيئة
ولكنه غفل عن الله ، فتمادى في الشهوات
(” ألم يعلم بأن الله يرى”)

قال الحارث المحاسبي: “والمراقبة في ثلاثة أشياء
مراقبة الله في طاعته بالعمل، ومراقبة الله في معصيته بالترك، ومراقبة الله في الهمّ والخواطر.
لقول النبيصلى الله عليه وسلم-: “اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك” ومراقبة العبد لله -عز وجل- أشد تعبًا على البدن من مكابدة قيام الليل وصيام النهار وإنفاق المال في سبيل الله.
وقد ذُكِر عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه كان يقول: إنّ لله في أرضه آنية، وإنّ من آنيته فيها القلوب، فلا يقبل منها إلا ما صفا وصلب ورق.
وقال الإمام ابن القيم: فهي أوانٍ مملوءة من الخير، وأوانٍ مملوءة من الشر. وكما قال بعض السلف: “قلوب الأبرار تغلي بالبر، وقلوب الفجار تغلي بالفجور“.
ومعنى ذلك أن صفاء القلب لله -عز وجل- باتباع أمره ونهيه، ومشاهدة الصدق والإشفاق وصفاءه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقبول ما أتى به قولاً وعملاً ونية، وصفاءه للمؤمنين بكف الأذى وإيصال النفع.
وأما قوله: “وصلبفمعناه: قوي في إقامة الحدود لله -تعالى- والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقوله: “ورقَّ” فالرِّقةَّ على وجهين: رقَّةٌ بالبكاء، ورقَّةٌ بالرأفة.
وقد كان يزيد بن مرثد أحد التابعين البررة كثير البكاء، فقال له تلميذه عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: “ما لي أرى عينك لا ترفأ؟ فقال: وما مسألتك عنه؟ قال: فقلت له: عسى الله أن ينفعني به قال: يا ابن أخي، إن الله -عز وجل- توعَّدني إن أنا عصيته أن يسجنني في النار. والله لو لم يتوعدني إلا أن يسجنني في حمّام لكنت حَرِيّاً أن لا تجفَّ لي عين” -رضي الله عنه-، وأقر عينه برضوانه

قال سهل بن عبد الله التسترى: كنت وأنا ابن ثلاث سنين أقوم الليل، فأنظر إلى صلاة خالي ( محمد بن سوار)، فقال لي يوماً: ألا تذكر الله الذي خلقك؟ فقلت: كيف أذكره؟ قال: قل بقلبك عند تقلبك فى فراشك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك: الله معي، الله ناظر إلىّ، الله شاهدي؛ فقلت ذلك ليالي ثم أعلمته فقال: قل في كل ليلة سبع مرات، فقلت ذلك ثم أعلمته، فقال: قل ذلك في كل ليلة إحدى عشر مرة، فقلته فوقع  في قلبي حلاوته؛ فلما كان بعد سنة ، قال لي خالي : احفظ ما علمتك ودم عليه إلى أن تدخل القبر، فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة؛ فلم أزل على ذلك سنين، فوجدت لذلك حلاوة في سرى؛ ثم قال لي خالي يوماً : يا سهل من كان الله معه، وناظراً إليه، وشاهده .. أيعصيه؟ إياك والمعصية!”

هـ -الرجل الصالح من قومك :لقول النبي (أوصيك أن تستحي من الله تعالى كما تستحي من الرجل الصالح من قومك )

 و- الخوف من حبوط العمل  ــ لقول النبي(  لا ألفين أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هباء منثورا أما إنهم إخوانكم و من جلدتكم و يأخذون من الليل كما تأخذون و لكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها  . 

ز-العبادة في السر:لأنها أقرب إلى الإخلاص وأبعد عن الرياء وكفى من ثوابها أن سبعة ممن يظلهم الله هم من أصحاب   عبادات السر لقول النبي   ــ  سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله  :  إمام عادل و شاب نشأ في عبادة الله و رجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه و رجلان تحابا في الله فاجتمعا على ذلك و افترقا عليه و رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه و رجل دعته امرأة ذات منصب و جمال فقال  :  إني أخاف الله رب العالمين و رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه  . ‌

ح-التفكر في أمور الآخرة:

قال القصري: “أما المقام الثاني من الإحسان في عالم الغيب ومقام الإيمان فإن العبد إذا فكر في مواطن الآخرة من موت، وقبر، وحشر،… وعلى أنه معروض على الله في ذلك العالم ومواطنه؛ تهيأ لذلك العرض” .

خامساً: ثمرات المراقبة:

أ- أن المراقبة سبب من أسباب دخول الجنة:

قال تعالى: {هَلْ جَزَاء ٱلإِحْسَـٰنِ إِلاَّ ٱلإِحْسَـٰنُ} [الرحمن:60].

قال ابن القيم مفسراً الآية: “الإحسان جامع لجميع أبواب الحقائق، وهو أن تعبد الله كأنك تراه… وفي الحديث إشارة إلى كمال الحضور مع الله عز وجل، ومراقبته، ومحبته ومعرفته، والإنابة إليه، والإخلاص له، ولجميع مقامات الإيمان”

وسئل ذو النون: بم ينال العبد الجنة؟ فقال: بخمس، وذكر منها: “ومراقبة الله في السر والعلانية”.

وقال عَزَّ من قائل: {بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:112].

قال أبو السعود: “وحقيقة الإحسان الإتيان بالعمل على الوجه اللائق وهو حسنه الوصفي التابع لحُسْنِه الذاتي، وهو ما فسّره صلى الله عليه وسلم: ((أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك))؛ {فَلَهُ أَجْرُهُ} الذي وعده به على عمله، وهو عبارة عن دخول الجنة أو عما يدخل فيه دخولاً أولياً”.

ب- أن بها يكسب العبد رضا الله سبحانه وتعالى عنه قال تعالى: {رّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ رَبَّهُ} [البينة:8]. أي: “ذلك لمن راقب ربه عز وجل، وحاسب نفسه وتزود لمعاده”.

ج- أنها من أعظم البواعث على المسارعة إلى الطاعات:

قال الله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء:101].

قال القصري: “إذا عرف العبد مقام الإحسان، سارع إلى طاعته قدر وسعه، فهذا حال المحب الذي يعبد الله كأنه يراه”

د- أن بها يحصل العبد على معية الله وتأييده: قال تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} [النحل:128]. قال ابن كثير: “أي معهم بتأييده ونصره ومعونته، وهذه معية خاصة”.

هـ- أنها تعينه على ترك المعاصي والمنكرات:

وقال ابن القيم: “فإن الإحسان إذا باشر القلب منعه من المعاصي، فإن من عبد الله كأنه يراه لم يكن ذلك إلا لاستيلاء ذِكره ومحبته وخوفه ورجائه على قلبه، بحيث يصير كأنه يشاهده، وذلك يحول بينه وبين إرادة المعصية، فضلاً عن مواقعتها”.

وقال أيضاً: “فمن راقب الله في سره حفظه الله في حركاته في سره وعلانيته”

و- أنها من أفضل الطاعات وأعلاها:

قال ابن عطاء: “أفضل الطاعات مراقبة الحق على دوام الأوقات”.

قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {وَأَحْسِنُواْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ} [البقرة:195]: “ومضمون الآية الأمر بالإنفاق في سبيل الله في سائر وجوه القربات، ووجوه الطاعات، وخاصة صرف الأموال في قتال الأعداء… في عطف بالأمر بالإحسان وهو أعلى مقامات الطاعة.

ز- أنها من خصال الإيمان وثمراته:

قال القصري: “فأما كونه من الإيمان فبيّن؛ لأنه في نفسه تصديق بالنظر إلى الله في الحال، أو تصديق بأن الله ينظر إليه، إلا أنه ثمرة الإيمان، وأعلاه وخالصه”

ح- أن بها يسعد العبد، وتصلح أحواله في الدارين:

قال ابن علان: “فينبغي ألا يشتغل إلا بما فيه صلاحه معاشاً ومعاداً، بتحصيل ما لا بد منه في قوام البدن، وبقاء النوع الإنساني، ثم بالسعي في الكمالات العلمية، والفضائل العلية التي هي وسيلة لنيل السعادة الأبدية… وذلك إنما يكون بالمراقبة، ومعرفة أن فيما يأتيه بمرأى ومسمع من الله سبحانه وتعالى وأنه لا يخفى عليه شيء من شأنه” .

  

(2) تعليقات



اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 365 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم