فقه الجنائز : 8- دفن الميت وهيئة المقابر الشرعية

تاريخ الإضافة 10 أكتوبر, 2023 الزيارات : 7642

فقه الجنائز : 8- دفن الميت وهيئة المقابر الشرعية

حكمه : 
أجمع المسلمون على أن دفن الميت ومواراة بدنه فرض كفاية ، قال الله تعالى : ( ألم نجعل الارض كفاتا أحياء وأمواتا ) المرسلات 25:26.

حكم الدفن ليلاً:

اختلف الفقهاء في حكم الدفن بالليل على قولين :

القول الأول: تحريم الدفن بالليل إلا عند الضرورة، وإليه ذهب الظاهرية وهو رواية في مذهب الحنابلة، ورجحه الألباني في أحكام الجنائز ، واستدلوا بما يلي:

1-  حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- وفيه (…. فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلي عليه إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك.. الحديث

2- عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تدفنوا موتاكم بالليل إلا أن تضطروا » رواه ابن ماجه

وقد نوقش هذا الحديث بما يلي: أن النهي الوارد في الحديث إنما هو عن دفن الميت قبل الصلاة عليه، فالمقصود بالنهي هو ترك الصلاة على الميت لا الدفن بالليل، بدلالة قوله في الحديث: «فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلي عليه»، ويكون حينئذٍ قوله «بالليل» خرج مخرج الغالب ، وأن النهي في الحديث عن الدفن بالليل ليس لذات الدفن وإنما لما يترتب عليه من قلة المصلين، فإن الدفن في النهار يحضره كثير من الناس ويصلون عليه ولا يحضره في الليل إلا أفراد.

القول الثاني: جواز الدفن ليلا وإلى ذلك ذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة ، لكن الدفن عندهم في النهار أفضل ، واستدلوا بما يلي:

1- ما رواه ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بقبر قد دفن ليلًا فقال: «متى دفن هذا؟» قالوا البارحة، قال: «أفلا آذنتموني» قالوا: دفناه في ظلمة الليل فكرهنا أن نوقظك، فقام فصففنا خلفه، قال ابن عباس: «وأنا فيهم، فصلى عليه»

ووجه الدلالة من الحديث ظاهر، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على الصحابة دفنهم إياه بالليل إنما أنكر عليهم عدم إعلامهم بأمره.

2- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد – وفي رواية: كانت تلتقط الخرق والعيدان من المسجد – ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها فقالوا: ماتت، قال: «أفلا كنتم آذنتموني» قال: فكأنهم صغّروا أمرها وفي رواية قالوا: ماتت من الليل ودفنت فكرهنا أن نوقظك فقال: «دلوني على قبرها»، فدلّوه فصلى عليها ثم قال: «إن هذه القبور مملوءة ظُلمة على أهلها وإن الله عز وجل ينورها لهم بصلاتي عليهم» أخرجه البخاري، وفي الحديث دليل واضح على جواز الدفن بالليل.

4- وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل قبرًا ليلًا فأُسرج له سراج فأخذه من قِبل القبلة وقال: «رحمك الله إن كنت لأوّاهًا تلَّاءً للقرآن» وكبَّر عليه أربعًا.أخرجه الترمذي .

5- وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: «رأى ناس نارًا في المقبرة فأتوها فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر وإذا هو يقول: «ناولوني صاحبكم» فإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر» أخرجه أبوداود . ففي هذين الحديثين دلالة واضحةٌ من فعل النبي صلى الله عليه وسلم على جواز الدفن بالليل.

6- حديث عائشة -رضي الله عنها- «ما علمنا بدفن النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي من آخر الليل ليلة الأربعاء…»  أخرجه أحمد ، وهذا بحضرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا ينكره أحدٌ منهم.

7- أن أبا بكر رضي الله عنه دُفن ليلًا ويدل عليه ما روته عائشة -رضي الله عنها- قالت: «دخلت على أبي بكر رضي الله عنه…الحديث. وفيه قالت: لم يتوف حتى أمسى من ليلة الثلاثاء ودفن قبل أن يصبح»أخرجه البخاري

7- وكذا روي أن عثمان بن عفان رضي الله عنه دُفن بعد العشاء الآخرة بالبقيع.أخرجه ابن أبي شيبة .

8- أن فاطمة دُفنت بالليل فروت عائشة -رضي الله عنها- «أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفيت دفنها زوجها علي ليلًا» أخرجه ابن سعد في الطبقات

9- وعن عبدالله بن الزبير أنه دفن عائشة -رضي الله عنها- ليلا .أخرجه البخاري

الدفن وقت الطلوع والاستواء والغروب :
اتفق العلماء على أنه إذا خيف تغير الميت فإنه يدفن في هذه الاوقات الثلاثة بدون كراهة .
أما إذا لم يخش عليه من التغير ، فإنه يجوز دفنه في هذه الأوقات عند الجمهور ما لم يتعمد دفنه فيها فإنه حينئذ يكون مكروها ، لما رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن عن عقبة قال : ” ثلاث ساعات كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيها أو نقبر فيها موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس ، وحين تضيف (تميل ) الشمس للغروب حتى تغرب ” .

وقالت الحنابلة يكره الدفن في هذه الاوقات مطلقا للحديث المذكور .

استحباب إعماق القبر :
القصد من الدفن أن يوارى الميت في حفرة تحجب رائحته ، وتمنع السباع والطيور عنه ، وعلى أي وجه تحقق هذا المقصود تم به الفرض ، إلا أنه ينبغي تعميق القبر قدر قامة ، لما ورد عن هشام بن عامر قال : ” شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد . فقلنا : يا رسول الله ، الحفر علينا لكل إنسان شديد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” احفروا ، وأعمقوا ، وأحسنوا ، وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد ” فقالوا : فمن نقدم يا رسول الله ؟ قال : ” قدموا أكثرهم قرآنا ” وكان أبي ثالث ثلاثة في قبر واحد “رواه النسائي والترمذي وصححه

وروى ابن أبي شيبة وابن المنذر عن عمر أنه قال : أعمقوا إلى قدر قامة وبسطة .

وعند أبي حنيفة وأحمد يعمق قدر نصف القامة ، وإن زاد فحسن .

ومعنى القامة والبسطة أن يقف فيه رجل معتدل القامة ويرفع يديه إلى فوق رأسه ما أمكنه ، وقدر بعض العلماء القامة والبسطة بأربع أذرع ونصف . هذا هو المشهور في قدرهما ، وبه قطع الجمهور في مصنفاتهم .

واستحباب تعميقه لثلاث فوائد : أن لا ينبشه سبع ولا تظهر رائحته ، وأن يتعذر أو يتعسر نبشه على من يريد سرقة كفنه .

تفضيل اللحد على الشق :
اللحد هو الشق في جانب القبر جهة القبلة ، ينصب عليه اللبن (الطوب النئ ) فيكون كالبيت المسقف .

والشق : حفرة في وسط القبر تبنى جوانبها باللبن يوضع فيه الميت ويسقف عليه بشئ .

وكلاهما جائز ، إلا أن اللحد أولى ، لما رواه أحمد وابن ماجه عن أنس قال : ” لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رجل يلحد ، وآخر يضرح ، فقالوا : نستخير ربنا ونبعث إليهما ، فأيما سبق تركناه ، فأرسلوا إليهما ، فسبق صاحب اللحد ، فلحدوا له ” وهذا يدل على الجواز .
أما ما يدل على أولوية اللحد ، فما رواه أحمد وأصحاب السنن وحسنه الترمذي عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” اللحد لنا ، والشق لغيرنا ” .

صفة إدخال الميت القبر :
من السنة في إدخال الميت القبرأن يدخل من مؤخره إذا تيسر ، لما ورد من حديث عبد الله بن زيد : أنه أدخل ميتا من قبل رجليه القبر وقال : هذا من السنة . فان لم يتيسر فكيفما أمكن . رواه أبو داود وابن أبي شيبة والبيهقي

قال ابن حزم : ويدخل الميت القبر كيف أمكن ، إما من القبلة ، وإما من دبر القبلة ، واما من قبل رأسه ، واما من قبل رجليه ، إذ لانص في شئ من ذلك .

استحباب توجيه الميت في قبره الى القبلة والدعاء له وحل أربطة الكفن :
السنة التي جرى عليها العلم ، ان يجعل الميت في قبره على جنبه الايمن ووجهه تجاه القبلة ، ويقول واضعه : ” بسم الله وعلى ملة رسول الله ، أو وعلى سنة رسول الله ” ويحل أربطة الكفن .
فعن ابن عمر – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كان إذا وضع الميت في القبر ، قال : ” بسم الله وعلى ملة رسول الله ، أو ، وعلى سنة رسول الله ” رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه ،ورواه النسائي مسندا وموقوفا .

هل يشترط في الذي يدفن أن لا يكون قد جامع زوجته ؟
روى البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: (شَهِدْنَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ عَلَى القَبْرِ، فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ، فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ مِنْ أَحَدٍ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ؟ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَنَا. قَالَ: فَانْزِلْ فِي قَبْرِهَا. فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا فَقَبَرَهَا).

ما العلة من ذلك ؟

وقد بحث أهل العلم عن العلة في منْعِ من جامع أهله من أن يدفن ميتًا؛ فمنهم من قال :أن البعيد عن الجماع أبعد عن أن يذكره الشيطان بما كان منه تلك الليلة، وأبعد عن ملاذ الدنيا التي لا تناسب حال الدفن والقبر، لتكون نفسه مطمئنة ساكنة كالناسية للشهوة .
وقيل لأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد معاتبة عثمان رضي الله عنه على ما وقع منه تلك الليلة مع جارية له وانشغاله عن زوجته، كما قال ابن حجر رحمه الله: “حُكي عن ابن حبيب أن السر في إيثار أبي طلحة على عثمان أن عثمان كان قد جامع بعض جواريه في تلك الليلة، فتلطف صلى الله عليه وسلم في منعه من النزول في قبر زوجته بغير تصريح” فتح الباري (3/ 159)، ويعتذر لعثمان رضي الله عنه في ذلك أنه طال مرضها عليه، ولم يكن يعلم أنها تتوفى في تلك الليلة.
والأمر هنا يشعر أنها واقعة عين، ووقائع الأعيان إذا تطرَّق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال فسقط بها الاستدلال ، والذي يظهر أن هذا الشرط من الكمالات وليس من الواجبات.

هل يغطى وجه الميت ؟
لا نعلم دليلًا يدلُّ على كشف وجه الميت في القبر، بل ظاهر الأدلة الشرعية يدل على أنه لا يُكشَف ذكرًا كان أو أنثى؛ لأن الأصل تغطية الوجه كسائر بدنه، إلا أن يكون الرجل مُحرِمًا فلا يُغطَّى رأسه ولا وجهه.
هل يشترط فيمن يتولى المرأة أن يكون من محارمها ؟
لا يشترط فيمن يتولى إدخال الميتة في قبرها أن يكون من محارمها، فيجوز أن ينزلها شخص ولو كان أجنبيًّا، ودليل ذلك الحديث السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ماتت ابنته قال: “هَلْ مِنْكُمْ رَجُلٌ لَـمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ؟” فقال أبو طلحة: أنا، فأمره أن ينزل في قبرها.
وهذا مع حضور أبيها صلى الله عليه وسلم وزوجها عثمان رضي الله عنه.

كراهة الثوب في القبر :
كره جمهور الفقهاء وضع ثوب أو وسادة أو نحو ذلك للميت في القبر .
ويرى ابن حزم أنه لا بأس ببسط ثوب في القبر تحت الميت ، لما رواه مسلم عن ابن عباس ، قال : بسط في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء ، قال وقد ترك الله هذا العمل في دفن رسوله المعصوم من الناس ولم يمنع منه ، وفعله خيرة أهل الارض في ذلك الوقت بإجماع منهم ، لم ينكره احد منهم .

واستحب العلماء أن يوسد رأس الميت بلبنة أو حجر أو تراب ، ويفضى بخده الايمن إلى اللبنة ونحوها ، بعد أن ينحى الكفن عن خده ، ويوضع على التراب .
قال عمر : إذا أنزلتموني إلى اللحد فأفضوا بخدي إلى التراب .
وأوصى الضحاك أن تحل عنه العقد ويبرز خده من الكفن ، واستحبوا ان يوضع شيء خلفه من لبن أو تراب يسنده ، لا يستلقى على قفاه .

واستحب أبو حنيفة ومالك وأحمد، أن يمد ثوب على المرأة عند إدخالها في القبر دون الرجل، واستحب الشافعية ذلك في الرجل والمرأة على السواء .

حكم الشرع في دفن الميت في تابوت؟
تجهيز الميت في التابوت على النحو الذي يجري عليه العمل لدى غير المسلمين فيه مخالفة للمعهود من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في تجهيز الميت ودفنه، إذ لم يؤثر عنه ولا عن أحد من أئمة المسلمين شيء من ذلك، ولا جرى عليه عمل أحد من المسلمين فيما نعلم على مدار القرون، فقد كان هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الميت بعد غسله وتكفينه أن يلحد له ويفضي به إلى الأرض، فقد روي مسلم في «صحيحه» أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال في مرضه الذي مات فيه: الحدوا لي لحدًا وانصبوا على اللبن نصبًا، كما صنع برسول الله.

فما لم يكن ثمة إلزام قانوني لا يستطيع الناس له دفعًا أو ضرورة عملية تقتضي مثل هذا التابوت كأن تكون التربة طينية لزجة لا يثبت عليها جثمان الميت أو نحو ذلك من الضرورات العملية فإن إنفاق الأموال في مثل هذه السبيل لا يشرع لما سبق بيانه .

حرمة المؤمن بعد موته :
حرمة المؤمن بعد موته كحرمته وهو حي ، فلا يجوز الاعتداء عليه ولا إهانته ، حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا) رواه أبو داود
( كَكَسْرِهِ حَيًّا ) : يَعْنِي فِي الْإِثْم ؛ إِشَارَة إِلَى أَنَّهُ لَا يُهَان مَيِّتًا ، كَمَا لَا يُهَان حَيًّا .
وقد جاء الشرع باحترام القبور والأموات وحرم إهانتها بأي طريق من طرق الإهانة ، حتى إن الشرع منع من الجلوس فوق القبر لما فيه من إهانة الميت وأذيته ، ومنع من مجرد الاتكاء والاستناد عليها ، وأمر الشرع من مشى داخل المقبرة ، وبين القبور ، أن يخلع نعليه ويمشي حافيا ( إلا إذا خشي من الشوك ونحوه ) ، وذلك احتراما للأموات ، حتى لا يمشي بنعله فوق رؤوسهم .

قال ابن القيم رحمه الله في شرحه لسنن أبي داود (9/37-39) : “ومن تدبر نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على القبر ، والاتكاء عليه ، والوطء عليه : علم أن النهي [ يعني : النهي عن المشي بين القبور بالنعلين ] إنما كان احتراما لسكانها أن يُوطأ بالنعال فوق رؤوسهم ، ولهذا يُنهى عن التغوط بين القبور ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الجلوس على الجمر حتى تحرق الثياب : خير من الجلوس على القبر ، ومعلوم أن هذا أخف من المشي بين القبور بالنعال .

نبش القبر:
وكذلك حرم الشرع فتح القبر على الميت ، أو نبشه ، إلا لضرورة ، كنقله من موضعه إذا غمرته المياه ، أو خيف أن ينبشه الأعداء ويمثلوا بجثته … ونحو ذلك ؛ وإنما حرم نبش القبر : لما فيه من أذية الميت وانتهاك حرمته ، وأذية أقاربه وأصحابه الأحياء ، فإنهم يؤذيهم ذلك .

استحباب ثلاث حثيات على القبر :
ويستحب أن يحثو من شهد الدفن ثلاث حثيات بيديه على القبر من جهة رأس الميت ، لما رواه ابن ماجه : ” أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة ، ثم أتى قبر الميت فحثى عليه من قبل رأسه ثلاثا “

واستحب الائمة الثلاثة أن يقول في الحثية الاولى : ” منها خلقناكم ” وفي الثانية : ” وفيها نعيدكم ” وفي الثالثة : ” ومنها نخرجكم تارة أخرى ” لما روي : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك لما وضعت أم كلثوم بنته في القبر .

وقال أحمد : لا يطلب قراءة شيء عند حثو التراب لضعف الحديث .
إذن الحديث ضعيف جدا ، كما قال محققو المسند ، وقال الشيخ الألباني رحمه الله : وأما استحباب بعض المتأخرين من الفقهاء أن يقول في الحثية الأولى (منها خلقناكم) ، وفي الثانية (وفيها نعيدكم) ، وفي الثالثة (ومنها نخرجكم تارة أخرى) : فلا أصل له ” انتهى من ” أحكام الجنائز ” (1/ 153) .

استحباب الدعاء للميت بعد الفراغ من الدفن :
يستحب الاستغفار للميت عند الفراغ من دفنه وسؤال التثبيت له ، لأنه يسأل في هذه الحالة . فعن عثمان قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه ، فقال : ” استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فانه الآن يسأل ” رواه أبو داود .

وروى رزين عن علي : أنه كان إذا فرغ من دفن الميت قال : اللهم هذا عبدك نزل بك وأنت خير منزول به فاغفر له ووسع مدخله .

واستحب ابن عمر قراءة أول سورة البقرة و خاتمتها على القبر بعد الدفن . رواه البيهقي بسند حسن .

حكم التلقين بعد الدفن :
لم يصح في تلقين الميت حديث ، وقد نص على ذلك المحققون من الفقهاء والمحدثين، وإنما السنة إذا فرغ من دفن الميت أن نقف على قبره وأن نستغفر له، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في أعقاب الدفن، استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل، ولم يقل لقنوه.

وهناك أقوال أخرى في المذاهب كالمذهب الشافعي استحباب أن يلقن الميت بعد الدفن ، واستدلوا بأقوال منها ما رواه سعيد بن منصور عن راشد بن سعد ، وضمرة بن حبيب ، وحكيم بن عمير قالوا : إذا سوي على الميت قبره ، وانصرف الناس عنه كانوا يستحبون ان يقال للميت عند قبره : يا فلان قل : لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ” ثلاث مرات ” يا فلان قل : ربي الله ، وديني الاسلام ، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم . ثم ينصرف .

وذهبت المالكية في المشهور عنهم ، وبعض الحنابلة إلى أن التلقين مكروه .

وقال الاثرم : قلت لأحمد : هذا الذي يصنعونه ، إذا دفن الميت ، يقف الرجل ويقول : يا فلان بن فلانة . . . قال : ما رأيت أحدا يفعله إلا أهل الشام حين مات أبو المغيرة .

هل صح الحديث في تلقين النبي لابنه إبراهيم :
ونص الحديث المتداول (نام ابراهيم ابن الرسول عليه الصلاة والسلام في حضن أمه مارية وكان عمره ستة عشر شهراً والموت يرفرف بأجنحته عليه والرسول عليه الصلاة والسلام ينظر إليه ويقول له: يا إبراهيم أنا لا أملك لك من الله شيئاً.. ومات إبراهيم وهو آخر أولاده فحمله الأب الرحيم ووضعهُ تحت أطباق التراب وقال له: يا إبراهيم إذا جاءتك الملائكة فقل لهم الله ربي ورسول الله أبي والإسلام ديني.. فنظر الرسول عليه الصلاة والسلام خلفهُ فسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يُنهنه بقلب صديع فقال له: ما يبكيك يا عمر ؟ فقال عمر رضي الله عنه يا رسول الله: ابنك لم يبلغ الحلم ولم يجر عليه القلم وليس في حاجة إلى تلقين فماذا يفعل ابن الخطاب! ، وقد بلغ الحلم وجرى عليه القلم ولا يجد ملقناً مثلك يا رسول الله! وإذا بالإجابة تنزل من رب العالمين جل جلاله بقوله تعالى رداً على سؤال عمر: { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة ويُضلُّ الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء}

فهذه القصة لا تَصحّ ، ولا يَصحّ في التلقين بهذه الطريقة حديث، فلم ترد به سنةٌ صحيحة لا في إبراهيم رضي الله عنه ولا في غيره بذلك.

استحباب رش القبر بالماء بعد الدفن :
ذكر أهل العلم رحمهم الله : استحباب رش القبر بالماء بعد الدفن ، وذكروا علة ذلك : بأن الماء يساعد على تثبيت تراب القبر من أن تنسفه الريح ، وذكروا أيضاً أنه عليه الصلاة والسلام ، قد فعل ذلك عند دفنه لابنه إبراهيم .
ورش القبر بالماء ، الأصل فيه أن يكون بعد الدفن مباشرة ، لكن إذا كان هناك حاجة لفعله ولو بعد مدة ، كأن يُخشى على قبر من القبور أن يتطاير ترابه ، فلا حرج في هذه الحال أن يعاد رش الماء على القبر مرة أخرى ؛ لأن العلة التي ذكرها أهل العلم رحمهم الله في مشروعية رش الماء على القبر متحققة في هذه الحال ، وقد ذهب بعض أهل العلم : إلى أن استحباب الرش بالماء ليس خاصاً بوقت الدفن ، بل يجوز ولو بعد مدة من دفن الميت ، يعني : عند الحاجة إلى ذلك .
وينتبه إلى أن مشروعية رش القبر ، إنما هو فيما إذا كان القبر ترابا ، كما هو الأصل في مشروعيته ، ولم يكن مبنيا كحال أكثر القبور في البلدان ، في هذا الزمان ، فإن مثل هذه القبور المبنية ، والمبلطة ، كهيئة البيوت ، لا حاجة إلى رشها ، ولا مصلحة في ذلك أصلا .
وأما الرش المجرد بدون سبب ، أي أن الإنسان يرش الماء على القبر عند كل زيارة ، فهذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أحد من أصحابه رضوان الله عليهم ، وعليه ، فلا يشرع فعل ذلك ، بل هو إلى البدعة أقرب ، خاصة إذا ظن أن مثل ذلك يفيد الميت في شيء ، أو يخفف عنه ، أو يروح له في قبره ، وكل هذا باطل لا أصل له .

السنة في بناء المقابر

من السنة ان يرفع القبر عن الأرض قدر شبر ، ليعرف أنه قبر ، ويحرم رفعه زيادة على ذلك .

لما رواه مسلم وغيره عن هارون : أن ثمامة بن شفى حدثه : قال : كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم ” برودس ” فتوفي صاحب لنا فأمر فضالة بن عبيد بقبره فسوي ، ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها .

وروي عن أبي الهياج الاسدي . قال : قال لي علي بن أبي طالب : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا تدع تمثالا إلا طمسته ، ولا قبرا مشرفا إلا سويته . قال الترمذي : ” والعمل على هذا عند بعض أهل العلم يكرهون أن يرفع القبر فوق الارض إلا بقدر ما يعرف أنه قبر لكيلا يوطأ ولا يجلس عليه ” .

قال الشوكاني : والظاهر أن رفع القبور زيادة على القدر المأذون فيه محرم ، وقد صرح بذلك اصحاب أحمد وجماعة من أصحاب الشافعي ومالك ، والقول بأنه غير محظور لوقوعه من السلف والخلف بلا نكير – كما قال الامام يحيى والمهدي في الغيث – لا يصح ، لان غاية ما فيه أنهم سكتوا عن ذلك والسكوت لا يكون دليلا إذا كان في الامور الظنية ، وتحريم رفع القبور ظن .

ومن رفع القبور الداخل تحت الحديث دخولا أوليا القباب والمشاهد المعمورة على القبور ، وأيضا هو من اتخاذ القبور مساجد ، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعل ذلك .

تسنيم القبر وتسطيحه:

 التسنيم: هو أن يكون أعلى القبر ضيقاً، وأسفله واسعاً كالهرم، وهو أيضاً مثل سنام البعير. فلو نظرت إلى البعير لوجدت بطنه واسعة، ثم يضيق شيئاً فشيئاً حتى يصل إلى مكان ضيق أعلى السنام، بحيث إنه لو نزل عليه المطر لذهب ولم يستقر، وهكذا القبر المسنّم.

وأما إذا كان مسطحاً فإن الماء يستقر عليه، ويكون فيه مجال للحيوانات كالكلاب وغيرها أن تبرك وتربض عليه، فإذا كان مسطحاً فإنه يكون أسلم وأبقى له.

هذا وقد اتفق الفقهاء على جواز تسنيم القبر وتسطيحه ، قال الطبري : لا أحب أن يتعدى في القبور أحد المعنيين من تسويتها بالأرض ، أو رفعها مسنمة قدر شبر على ما عليه عمل المسلمين ، وتسوية القبور ليست بتسطيح .

وقد اختلف الفقهاء في الافضل منها ، فنقل القاضي عياض عن أكثر أهل العلم : ان الافضل تسنيمها ، لأن سفيان النمار حدثه أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنما . رواه البخاري .

وهذا رأي أبي حنيفة ومالك واحمد والمزني وكثير من الشافعية .

وذهب الشافعي إلى أن التسطيح أفضل لأمر الرسول الله صلى الله عليه وسلم بالتسوية .

حكم دفن أكثر من ميت في قبر:
جاء الشرع بدفن كل ميت في قبر واحد ، ولا يدفن اثنان معاً في نفس الوقت ، أو يدفن أحدهما بعد الآخر بأيام أو شهور أو سنين ، إلا إذا بلي الأول تماما ، ولم يبق منه شيء ، والمدة التي يبلى فيها الميت تختلف من أرض إلى أرض ، غير أنها قد تمتد إلى نحو أربعين سنة .

وقد اتفق المسلمون على أن هذه هي السنة التي جاءت بها الشريعة : أن يدفن كل ميت في قبر خاص به ، وبعض العلماء يقول عن مخالفة ذلك : إنها حرام ، وبعضهم يقول : مكروه ، لكنهم اتفقوا –كما سبق- على أن الشرع جاء بأن كل ميت يكون في قبر ، إما على سبيل الوجوب ، وإما على سبيل الاستحباب .

والدليل على ذلك : عمل المسلمين من عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى يومنا هذا : أن الإنسان يدفن في قبره وحده ، ولا فرق بين أن يكون الدفن في زمن واحد ، بأن يؤتى بجنازتين وتدفنا في القبر، أو أن تدفن إحدى الجنازتين اليوم والثانية غداً.

فإن دفن أكثر من واحد كره ذلك إلا إذا تعسر إفراد كل ميت بقبر لكثرة الموتى وقلة الدافنين أو ضعفهم ؛ فإنه في هذه الحالة يجوز دفن أكثر من واحد في قبر واحد . لما رواه أحمد والترمذي وصححه : أن الانصار جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد . فقالوا : يا رسول الله أصابنا جرح وجهد . فكيف تأمرنا ؟ فقال : ” احفروا وأوسعوا وأعمقوا واجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر . ” قالوا : فأيهم نقدم ؟ قال : ” أكثرهم قرآنا ” .

وروى عبد الرزاق بسند حسن عن واثلة بن الاسقع أنه كان يدفن الرجل والمرأة في القبر الواحد ، فيقدم الرجل وتجعل المرأة وراءه .

وقد قرر غير واحد من أهل العلم أيضا : تحريم دفن المرأة مع الرجل في قبر واحد ، وليست العلة في تحريم دفن الرجل مع المرأة هي الاختلاط ، فإن منع الاختلاط في الدنيا إنما كان خوفا من الانجرار بالشهوة إلى الحرام ، أما العلة بعد الموت فهي ما في ذلك من هتك حرمة الميت وأذيته ، ولذلك يمنع دفن الرجل مع الرجل ، والمرأة مع المرأة ، حتى المرأة مع ابنها الصغير .

حكم المقابر في مصر :
طريقة دفن الموتى المتبعة في كثير من مدن وقرى مصر هي : بناء ما يشبه الغرفة الصغيرة فوق سطح الأرض ، ويوضع فيها الميت ولا يدفن تحت الأرض ، ثم يغلق عليه الباب ، وهذا البناء يسع ما يقرب من خمسة أشخاص ، ويكون هذا القبر للعائلة كلها ، أو ربما يجعلون قبرا للرجال وقبرا للنساء لأبناء العائلة الواحدة ، فكلما مات منهم شخص فُتح القبر ووضع ذلك الميت فيه ، فإذا امتلأ القبر أخرجت منه العظام ، وجمعت في مكان يسمى (عظامة) .
وهذه الطريقة للدفن طريقة غير شرعية وغير جائزة ، وهي ليست وليدة اليوم بل جرى عليها العمل هناك منذ سنوات طويلة ، ربما تعود إلى مئات السنين ، وقد كانت تسمى قديما بـ (الفَسْقِيّة) وجَمْعُها (الفَسَاقيّ) ، ومن رآها من علماء هذه البلاد ، في وقته : أنكرها ، وبَيَّن ما فيها من مخالفات للشريعة . كما سيأتي النقل عن بعضهم .
وقد خالفت هذه الطريقة في الدفن الشريعة في عدة أمور :
1- عدم دفن الميت في باطن الأرض ، وإنما يوضع على ظهرها .
2- البناء على القبر وتجصيصه ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك .
3- دفن أكثر من شخص في مكان واحد ، وكذلك جمع الرجال مع النساء في قبر واحد .
قال ابن عابدين رحمه الله : ويكره الدفن في الفَسَاقِيّ ، وهي كبيت معقود بالبناء يسع جماعة قياما ؛ لمخالفتها السنة .
والكراهة فيها من وجوه : عدم اللحد ، ودفن الجماعة في قبر واحد بلا ضرورة ، واختلاط الرجال بالنساء بلا حاجز، وتجصيصها، والبناء عليها .

وقد صرح بعض أهل العلم بالمنع من نقل عظام الميت مطلقا ، ولو كان نقلها إلى جانب القبر ، لما في ذلك من الاعتداء على الميت وأذيته ، وقد يتسبب نقلها في كسرها ، فيكون ذلك أشد في الاعتداء والأذية للميت .

فمنع نقلها إلى جانب القبر أو خارجه ، ومنع جمع عظام أكثر من ميت في قبر واحد ، كل ذلك دفعا للضرر عن موتى المسلمين .
غير أننا نرجو أن تكون الضرورة تبيح نقلها إلى جانب القبر ، دون نقلها خارجه ، كما نص على ذلك بعض أهل العلم ، مع الاحتراز التام من أذية الميت ، والرفق بعظامه حتى لا تكسر العظام أثناء تنحيتها .
وإذا جاز أن يدفن ميت مع آخر في قبر واحد ، أو ضم ما تفرق من عظام الميت الأول في ناحية من القبر ، للضرورة ؛ فلا يجوز إخراج عظام الأول من القبر ، ولا الدفن فوقها ؛ بل غاية ما يقال : أن تجعل عظامه في جانب القبر .
ويجب على من ينقلها أن يكون رفيقا بها إلى أقصى درجة ممكنة ، حتى لا تنكسر العظام عند نقلها ، ثم يجعل حاجزا من التراب بين الأول والثاني ، حتى يصير الحال ، كما لو أن كلا منهما في قبر مستقل .
وأما جمع العظام جميعا في مكان واحد يسمى (عظامة) خارج القبر ، واختلاط بعضها ببعض ، وجعل بعضها فوق بعض ، ولا يبالي الناقل لها بكسرها ، فذلك عمل محرم لا ضرورة إليه ، وفيه من أذية الميت وانتهاك حرمته شيء عظيم .

بعد تقرير ذلك كله ، ننبه ـ أيضا ـ إلى أن بعض أهل العلم قد نصوا على جواز الدفن في تلك المقابر الموجودة بمصر ، مع التسليم بأنها مخالفة للشرع ، إلا أنها تجوز للضرورة ، لتعذر أن يجد الناس بديلا لها ، يسع موتاهم ، فيتدافنوا فيه .
وهذا هو الصواب في حكم هذه المسألة ، إن شاء الله .
وقد أفتى بعض علماء مصر المعاصرين بجواز الدفن في هذه المقابر للضرورة .
فقد سئل مفتي مصر السابق الشيخ أحمد هريدي الذي تولى منصب الإفتاء سنة 1960 إلى سنة 1970م. عن رجل بنى مقبرة ، على أن يدفن فيها الرجال والنساء من أهله ، وقد أفاد البعض منهم أن دفن الرجال مع النساء لا يجوز . وأنه فقير لا يستطيع بناء مقبرة ثانية حتى يخصص واحدة للرجال وواحدة للنساء ، فما حكم ذلك ؟
فأجاب :
” المنصوص عليه شرعا : أن الميت يدفن في قبره لحدا ، إن كانت الأرض صلبة ، وشقا إن كانت رخوة ، ولا يدفن معه غيره إلا عند الضرورة ، كضيق المقابر مثلا، فإنه يجوز دفن أكثر من واحد في مقبرة واحدة ، على أن يدفن الرجل الأكبر من جهة القبلة ، ثم يليه الأصغر، ويقدم الرجال على النساء ، ويحال بينهما بالتراب ، ولا يكفى الكفن في الحيلولة .
وعلى ذلك : فإنه يجوز دفن الرجال والنساء في مقبرة السائل ، للضرورة التي هي عجزه عن بناء مقبرة أخرى للنساء بالطريق المشروحة ، بشرط أن يجعل بين كل ميت حائلا من التراب” انتهى .
من ” فتاوى الأزهر ” (5/484) بترقيم الشاملة.
وسئل الشيخ عطية صقر رحمه الله رئيس لجنة الإفتاء بالأزهر المتوفى سنة 2006م : هل يجوز دفن شخصين في قبر واحد ؟
فأجاب
:“الأصل في الدفن أن يكون لكل ميت قبر خاص به ، أما دفن أكثر من واحد في قبر واحد : فهو حرام عند جمهور الفقهاء، ومكروه فقط عند أبى حنيفة ، ومحل ذلك : إذا لم تكن هناك ضرورة أو حاجة ، فإن وجدت ضرورة ، ككثرة الموتى ، وتعَسُّر إفراد كل بقبر، أو وجدت حاجة ، كالمشقة في حفر قبر لكل ميت : جاز جمع أكثر من واحد في قبر، سواء أكانوا من جنس واحد أم من جنسين ، على أن يقدم الذكر على الأنثى في دفنه جهة القبلة … وجاء في كتاب ” الإقناع ” للخطيب في فقه الشافعية ما يأتي : ولا يجمع رجل وامرأة في قبر إلا لضرورة ، فيحرم عند عدمها-يعنى عدم الضرورة-كما في الحياة -يعنى كما لو كانوا أحياء – ولا فرق بين المَحْرم وغيره ، كما في المجموع للنووي ، فإنه قال : يحرم دفن الأم مع ولدها . وهذا هو الظاهر، إذ العلة في منع الجمع : هي الإِيذاء ، لأن الشهوة قد انقطعت فلا فرق بين المحرم وغيره ، ولا بين أن يكون من جنس واحد أم لا، ويحجز بينهما بتراب ، حيث جمع بينهما ، وذلك على سبيل الندب – حتى لو اتحد الجنس –” انتهى باختصار من ” فتاوى الأزهر “(8/289) بترقيم الشاملة .

وهذا هو الصواب في حكم هذه المسألة ، إن شاء الله : أن الضرورة تبيح الدفن بهذه الطريقة ، وقد قال الله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) الأنعام/119.
غير أنه يجب التنبه إلى مسألة غاية في الأهمية ، وهي :

أن الضرورة تقدر بقدرها ، كما قال العلماء . ومعنى ذلك : تضييق دائرة الضرورة بقدر الإمكان ، وعدم التوسع فيها ؛ فإذا جاز للفقير أن يدفن في تلك المقابر ، لأنه لا مال له يشتري به قبرا خاصا به ، لم يجز ذلك للغني الذي يجد مالا يشتري به قبرا له ، ويكون هذا المال مقدما في التركة على حق الورثة ، حتى إنه لو لم يترك إلا هذا المال فقط ، لوجب أن يُشترى به قبر له ، ويدفن فيه وحده ، ولا حق للورثة في هذا المال ؛ لأن مؤن الدفن مقدمة على حق الورثة .
وإذا جاز وضع الميت على سطح الأرض والبناء على القبر للضرورة ، لعدم إمكان الدفن في باطن الأرض بسبب المياه الجوفية أو غيرها ، فينبغي أن يكون ذلك في المكان الذي يتعذر فيه الدفن في باطن الأرض فقط .
أما إذا وجد مكان في بعض المدن أو القرى ، يصلح للدفن فيه في باطن الأرض : فالواجب أن يكون الدفن في مثل هذا المكان الصالح لمراعاة السنة بالدفن فيه ؛ ولم يجز حينئذ وضع الميت على سطح الأرض والبناء فوقه .
وإذا كانت الأرض رخوة ، فلا مانع من وضع الميت في تابوت ، ويوضع في باطن الأرض ؛ فذلك خير من البناء على القبر .
وقد نص العلماء على جواز وضع الميت في تابوت إذا كانت الحاجة داعية إلى ذلك .

وإذا جاز البناء على القبر : فالواجب أن يكون البناء بقدر الضرورة فقط ، وهي حفظ الميت ، فلا يرفع البناء ، ولا يزين ، ولا يشيد ، ولا تبنى فوقه القباب ، كما قد صار واقع الناس اليوم في مصر ونحوها ، حتى صارت بعض القبور أشبه بالبيوت المهيأة لسكنى الأحياء على أبهى منظر وزينة ، ودخلت فيها المباهاة والفخر ؛ ومثل ذلك : لا يشك في تحريمه ، ولا حاجة تدعو إلى مثله أصلا .
نسأل الله تعالى أن يوفق المسلمين للعمل بشريعته ، ففيها الصلاح والفلاح في الدنيا والآخرة .

تعليم القبر بعلامة :

 يجوز أن يوضع على القبر علامة ، من حجرة أو خشب يعرف بها ، لما رواه ابن ماجة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم ” أعلم قبر عثمان بن مظعون بصخرة ” أي وضع عليه الصخرة ليتبين به . وفي الزوائد : هذا إسناد حسن رواه أبو داود من حديث المطلب بن أبي وداعة .

وفيه : أنه حمل الصخرة فوضعها عند رأسه وقال : ” أتعلم بها قبر أخي ، وأدفن إليه من مات من أهلي ” وفي الحديث استحباب جمع الموتى الاقارب في أماكن متجاورة لأنه أيسر لزيارتهم وأكثر للترحم عليهم .

 النهي عن ستر القبور :

 لا يحل ستر الاضرحة ، لما فيه من العبث وصرف المال في غير غرض شرعي ، وتضليل العامة ، روى البخاري ومسلم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في غزاة ، فأخذت نمطا  فسترته على الباب ، فلما قدم رأى النمط ، فجذبه حتى هتكه ، ثم قال : ” إن الله لم يأمرنا ان نكسو الحجارة والطين “

” النمط ” ضرب من البسط له خمل رقيق .

 تحريم المساجد والسرج على المقابر:

جاءت الاحاديث الصحيحة الصريحة بتحريم بناء المساجد في المقابر واتخاذ السرج عليها .

 1- روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة : ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد “

2- روى أحمد واصحاب السنن إلا ابن ماجه ، وحسنه الترمذي ، عن ابن عباس قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج .

3 – وفي صحيح مسلم عن عبد الله البجلي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس ، وهو يقول : ” إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل ، فان الله عز وجل قد اتخذني خليلا ، كما اتخذ إبراهيم خليلا ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، وان من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور انبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، إني أنهاكم عن ذلك . “

4- وفيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ” .

5 – وروى البخاري ومسلم عن عائشة ، أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة – رأتاها بالحبشة فيها تصاوير – لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور ، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة ” .

قال صاحب المغني : ولا يجوز اتخاذ المساجد على القبور لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” لعن الله زوارات القبور والمتخذات عليهن المساجد والسرج ” رواه أبو داود والنسائي ولفظه : ” لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . الخ ”

ولو أبيح لم يلعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله ، ولأن فيه تضييعا للمال في غير فائدة وإفراطا في تعظيم القبور أشبه تعظيم الاصنام ، ولا يجوز اتخاذ المساجد على القبور لهذا الخبر ، ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ” يحذر مثل ما صنعوا . متفق عليه .

وقالت عائشة : إنما لم يبرز قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يتخذ مسجدا ، لأن تخصيص القبور بالصلاة عندها يشبه تعظيم الأصنام لها والتقرب إليها ، وقد روينا أن ابتداء عبادة الاصنام تعظيم الاموات باتخاذ صورهم ومسحها والصلاة عليها  .

قال معلقه : يشير إلى ما رواه البخاري عن ابن عباس من سبب اتخاذ قوم نوح للأصنام : ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر ، وحاصله أن هذه أسماء رجال صالحين اتخذ الناس لهم صورا بعد موتهم ليتذكروا بها فيقتدوا بهم ، فلما ذهب العلم زين لهم الشيطان عبادة صورهم وتماثيلهم بتعظيمها والتمسح بها والتقرب إليها ، ومسحها : إمرار اليد عليها تبركا وتوسلا بها ، وكذلك فعل الناس بقبور الصالحين ، وسرى ذلك من الوثنيين إلى أهل الكتاب فالمسلمين ، فالأصنام في ذلك سواء .

كراهية الذبح عند القبر:

نهى الشارع عن الذبح عند القبر تجنبا لما كانت تفعله الجاهلية ، وبعدا عن التفاخر والمباهاة .

فقد روى أبو داود عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لاعقر في الاسلام ” قال عبد الرزاق : كانوا يعقرون عند القبر بقرة أو شاة .

قال الخطابي : كان أهل الجاهلية يعقرون الابل على قبر الرجل الجواد ، يقولون : نجازيه على فعله ، لأنه كان يعقرها في حياته ، فيطعمها الاضياف ، فنحن نعقرها عند قبره لتأكلها السباع والطير : فيكون مطعما بعد مماته كما كان مطعما في حياته.

ومنهم من كان يذهب في ذلك إلى أنه إذا عقرت راحلته عند قبره حشر في القيامة راكبا ، ومن لم يعقر عنه حشر راجلا ، وكان على مذهب من يرى البعث منهم بعد الموت .

 النهي عن تجصيص القبر والكتابة عليه:

عن جابر قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبني عليه . رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه . ولفظه : ” نهى أن تجصص القبور ، وأن يكتب عليها وأن يبني عليها وأن توطأ (تداس ) “

 وفي لفظ النسائي : ” أن يبني على القبر أو يزاد عليه أو يجصص أو يكتب عليه ” .

والتجصيص معناه الطلاء بالجص ، وهو الجير المعروف .

وقد حمل الجمهور النهي على الكراهة ، وحمله ابن حزم على التحريم ، وقيل : الحكمة في ذلك إن القبر للبلى لا للبقاء ، وإن تجصيصه من زينة الدنيا ، ولا حاجة للميت إليها .

وذكر بعضهم أن الحكمة في النهي عن تجصيص القبور كون الجص أحرق بالنار ، ويؤيده ما جاء عن زيد بن أرقم أنه قال لمن أراد أن يبني قبر ابنه ويجصصه : جفوت ولغوت ، لا يقربه شئ مسته النار .

ولا بأس بتطيين القبر . قال الترمذي : وقد رخص بعض أهل العلم – منهم الحسن البصري – في تطيين القبور .

وقال الشافعي : لا بأس به أن يطين القبر .

وعن جعفر بن محمد عن أبيه : أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع قبره من الارض شبرا وطين بطين أحمر من العرصة وجعل عليه الحصباء .

رواه أبو بكر النجاد وسكت الحافظ عليه في التلخيص .

وكما كره العلماء تجصيص القبر ، كرهوا بناءه بالآجر أو الخشب أو دفن الميت في تابوت إذا لم تكن الارض رخوة أو ندية ، فإن كانت كذلك جاز بناء القبر بالآجر ونحوه وجاز دفن الميت في تابوت من غير كراهة .

فعن مغيرة عن إبراهيم قال : كانوا يستحبون اللبن ويكرهون الآجر ، ويستحبون القصب ويكرهون الخشب .

وفي الحديث النهي عن الكتابة على القبور ، وظاهره عدم الفرق بين كتابة اسم الميت على القبر وغيرها .

قال الحاكم بعد تخريج هذا الحديث : الاسناد صحيح وليس العمل عليه ، فإن أئمة المسلمين من الشرق والغرب يكتبون على قبورهم ، وهو شئ أخذه الخلف عن السلف ، وتعقبه الذهبي : بأنه محدث ولم يبلغهم النهي .

 ومذهب الحنابلة : أن النهي عن الكتابة الكراهة سواء أكانت قرآنا ، أم كانت اسم الميت .

ووافقهم الشافعية إلا أنهم قالوا : إذا كان القبر لعالم أو صالح ندب كتابة اسمه عليه وما يميزه ليعرف .

ويرى المالكية : أن الكتابة إن كانت قرآنا حرمت ، وإن كانت لبيان اسمه أو تاريخ موته فهي مكروهة .

وقالت الأحناف : بجواز الكتابة بقدر الحاجة للتعريف، قياسا على تعليم القبر بالحجر ونحوه، وجعلوه من تخصيص النص بالقياس، ووافقهم على ذلك بعض أهل العلم ، وقال العلامة ابن عابدين الحنفي في رد المحتار: (وَيَتَقَوَّى ما قاله الحاكم بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ “أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حَمَلَ حَجَرًا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَأْسِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ؛ وَقَالَ: أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِي وَأَدْفِنُ إلَيْهِ مَنْ تَابَ مِنْ أَهْلِي” فَإِنَّ الْكِتَابَةَ طَرِيقٌ إلَى تَعَرُّفِ الْقَبْرِ بِهَا، نَعَمْ يَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّ هَذَا الْإِجْمَاعِ الْعَمَلِيِّ عَلَى الرُّخْصَةِ فِيهَا مَا إذَا كَانَتْ الْحَاجَةُ دَاعِيَةً إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى الْكِتَابَةِ، حَتَّى لَا يَذْهَبَ الْأَثَرُ وَلَا يُمْتَهَنَ فَلَا بَأْسَ بِهِ. فَأَمَّا الْكِتَابَةُ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَلَا).

وقال ابن حزم : لو نقش اسمه في حجر لم نكره ذلك .

وفي شرح رياض الصالحين للشيخ ابن عثيمين: والكتابة عليه فيها تفصيل: الكتابة التي لا يراد بها إلا إثبات الاسم للدلالة على القبر، فهذه لا بأس بها، وأما الكتابة التي تشبه ما كانوا يفعلونه في الجاهلية يكتب اسم الشخص، ويكتب الثناء عليه، وأنه فعل كذا وكذا وغيره من المديح، أو تكتب الأبيات، فهذا حرام، ومن هذا ما يفعله بعض الجهال أنه يكتب على الحجر الموضوع على القبر سورة الفاتحة مثلا، أو غيرها من الآيات، فكل هذا حرام، وعلى من رآه في المقبرة أن يزيل هذا الحجر، لأن هذا من المنكر الذي يجب تغييره. اهـ.

والراجح : أنه إن أراد كتابة اسم الميت للتعريف به خصوصا مع كثرة أعداد الموتى في المقبرة الواحدة فهذا جائز، حيث تمس الحاجة إلى إثبات وجود الميت وتدوين تاريخ الوفاة، ودلالة من يأتي من أبنائهم من بعدهم على مقابرهم، ويحمل النهي على ما قصد به المباهاة والزينة والصفات الكاذبة.

الميت في البحر :

قال في المغني : إذا مات في سفينة في البحر ، فقال أحمد رحمه الله : ينتظر به إن كانوا يرجون أن يجدوا له موضعا يدفنونه فيه حبسوه يوما أو يومين ما لم يخافوا عليه الفساد . فإن لم يجدوا غسل ، وكفن ، وحنط ، ويصلى عليه ، ويثقل بشئ ويلقى في الماء .

وهذا قول عطاء والحسن .

قال الحسن : يترك في زنبيل . ويلقى في البحر .

 وقال الشافعي : يربط بين لوحين ليحمله البحر إلى الساحل ، فربما وقع إلى قوم يدفنونه ، وإن ألقوه في البحر لم يأثموا ، والاول أولى ، لأنه يحصل به الستر المقصود من دفنه ، وإلقاؤه بين لوحين تعريض له للتغير والهتك .

وربما بقي على الساحل مهتوكا عريانا وربما وقع إلى قوم من المشركين ، فكان ما ذكرناه أولى .

حكم المرأة تموت وفي بطنها جنين حي :

إذا ماتت المرأة وفي بطنها جنين حي وجب شق بطنها لإخراج الجنين إذا كانت حياته مرجوة ، ويعرف ذلك بواسطة الاطباء الثقات .

النهي عن سب الاموات :

لا يحل سب أموات المسلمين ولا ذكر مساويهم ، لما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” لا تسبوا الاموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا ”

وروى أبو داود والترمذي بسند ضعيف عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم ” ، أما المسلمون المعلنون بفسق أو بدعة ، أو عمل فاسد فإنه يباح ذكر مساويهم إذا كان فيه مصلحة تدعو إليه ، كالتحذير من حالهم والتنفير من قولهم وترك الاقتداء بهم ، وإن لم تكن فيه مصلحة فلا يجوز . وقد روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال : ” مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” وجبت . ” ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا ، فقال : ” وجبت ” ، فقال عمر رضي الله عنه : ما وجبت ؟ قال : ” هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة ، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار . أنتم شهداء الله في الارض ” .

نبش القبر:

 اتفق العلماء على أن الموضع الذي يدفن المسلم فيه وقف عليه ما بقي شئ منه من لحم أو عظم ، فإن بقي شئ منه فالحرمة باقية لجميعه ، فإن بلي وصار ترابا جاز الدفن في موضعه وجاز الانتفاع بأرضه في الغرس والزرع والبناء وسائر وجوه الانتفاع به ، ولو حفر القبر فوجد فيه عظام الميت باقية لايتم الحافر حفره . ولو فرغ من الحفر ، وظهر شئ من العظم جعل في جنب القبر وجاز دفن غيره معه . ومن دفن من غير أن يصلى عليه أخرج من القبر – إن كان لم يهل عليه التراب – وصلي عليه ، ثم أعيد دفنه .

وإن كان أهيل عليه التراب حرم نبش قبره وإخراجه منه عند الاحناف والشافعية ورواية عن أحمد ، وصلي عليه وهو في القبر ، وفي رواية عن أحمد أنه ينبش ، ويصلى عليه .

 وجوز الائمة الثلاثة نبش القبر لغرض صحيح مثل إخراج مال ترك في القبر ، وتوجيه من دفن إلى غير القبلة إليها ، وتغسيل من دفن بغير غسل ، وتحسين الكفن ، إلا أن يخشى عليه أن يتفسخ فيترك . وخالف الاحناف في النبش من أجل هذه الامور واعتبروه مثلة ، والمثلة منهى عنها .

قال ابن قدامة : إنما هو مثلة في حق من تغير وهولا ينبش .

قال : وإن دفن بغير كفن ففيه وجهان : أحدهما يترك ، لان القصد بالكفن ستره وقد حصل ستره بالتراب ، والثاني ينبش ويكفن ، لان التكفين واجب ، فأشبه الغسل .

قال أحمد : إذا نسي الحفار مسحاته في القبر جاز أن ينبش عنها .

وقال في الشئ يسقط في القبر – مثل الفأس والدراهم – ينبش . قال : إذا كان له قيمة – يعني ينبش – قيل : فإن أعطاه أولياء الميت ؟ قال : إن أعطوه حقه أي شئ يريد .

نقل الميت :

يحرم عند الشافعية نقل الميت من بلد إلى بلد إلا أن يكون بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس ، فإنه يجوز النقل إلى إحدى هذه البلاد لشرفها وفضلها .

ولو أوصى بنقله إلى غير هذه الاماكن الفاضلة لا تنفذ وصيته لما في ذلك من تأخير دفنه وتعرضه للتغير . ويحرم كذلك نقله من القبر إلا لغرض صحيح ، كأن دفن من غير غسل ، أو إلى غير القبلة  .

 وعند المالكية : يجوز نقله من مكان إلى مكان آخر ، قبل الدفن وبعده لمصلحة ، كأن يخاف عليه أن يغرقه البحر أو يأكله السبع ، أو لزيارة أهله له ، أو لدفنه بينهم ، أو رجاء بركته للمكان المنقول إليه ونحو ذلك . فالنقل حينئذ جائز ما لم تنتهك حرمة الميت بانفجاره أو تغيره أو كسر عظمه .

وعند الاحناف : يكره النقل من بلد إلى بلد ، ويستحب أن يدفن كل في مقبرة البلد التي مات بها ، ولا بأس بنقله قبل الدفن نحو ميل أو ميلين لان المسافة إلى المقابر قد تبلغ هذا المقدار ، ويحرم النقل بعد الدفن إلا لعذر كما تقدم . ولو مات ابن لامرأة ودفن في غير بلدها وهي غائبة ولم تصبر ، وأرادت نقله ، لا تجاب إلى ذلك .

وقالت الحنابلة : يستحب دفن الشهيد حيث قتل . قال أحمد : أما القتلى ، فعلى حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” ادفنوا القتلى في مصارعهم ” وروى ابن ماجه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمر بقتلى أحد أن يردوا إلى مصارعهم . فأما غيرهم فلا ينقل الميت من بلد إلى بلد آخر إلا لغرض صحيح ، وهذا مذهب الاوزاعي وابن المنذر .

قال عبد الله بن ملكيه : توفي عبد الرحمن بن أبي بكر بالحبش فحمل إلى مكة فدفن ، فلما قدمت عائشة أتت قبره . ثم قالت : والله لو حضرتك ما دفنت إلا حيث مت ، ولو شهدتك ما زرتك . لان ذلك أخف لمؤنته وأسلم له من التغير ، فأما إن كان فيه غرض صحيح جاز . قال أحمد : ما أعلم بنقل الرجل يموت في بلده إلى بلد أخرى بأسا . وسئل الزهري عن ذلك ؟ فقال : قد حمل سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد من العقيق إلى المدينة    .

       


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 354 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم