اختلال الموازين والمعايير الزائفة

تاريخ الإضافة 27 ديسمبر, 2022 الزيارات : 13165

اختلال الموازين والمعايير الزائفة

الميزان :

قال تعالى :{وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)}الرحمن

الميزان هو العدل والحق الذي ينضبط  به كل شيء في حياتنا ،فإذا اختل الميزان اختل كل شيء ، والميزان في الأشياء الحسية (كالسلع والأطعمة) إذا اختل كسدت الأسواق وفسدت ؛ إذا عرف عن سوق من الأسواق أن فيها غشا وسرقة في الميزان خربت هذه السوق وأفلس أهلها !!

 وكذلك الميزان في المعنويات كما قال – سبحانه -: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} الحديد: 52
هذا هو ميزان الله – عز وجل – الذي يجب أن توزن به الأمور والأشياء، وأن يكون هو المصدر الذي ينطلق منه المسلم في وزنه لكل الأمور؛ لأنه الميزان العادل الشامل، المبرأ من الجهل والهوى والنقص والظلم.

إنه الميزان الحق الذي نقيّم به الأشخاص والأحداث والأخلاق والقيم والفكر والتصور ؛ إذا اضطرب هذا الميزان اضطربت معه كل الأمور وفسدت منظومة الأخلاق والقيم كما هو حال هذا الزمن الذي نعيش فيه ، إنه زمن التيه وانقلاب الموازين واختلال المعايير  ، وإذا كان الإمام أحمد رحمه الله تعالى قد قال في زمانه:“إذا رأيتم شيئا مستقيما فتعجبوا”.. فماذا لو رأى زماننا !!!

وفي الحديث الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: “سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيهاالصادق، ويخون فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، وينطق فيها الرويبضة» قالوا: “من الرويبضه يارسول الله؟” قال: “التافه يتكلم في أمرالعامة”. رواه أصحاب السنن .

صدقت يارسول الله، وكأنك ترى مانعيشه من كذب وتلفيق ، وغش وتلبيس للباطل ثوب الحق .

وقال ابن مسعود : ” إن من أشراطها أن يوضع الكريم وأن يرفع اللئيم وأن يسود القوم منافقوهم .”

وقال حذيفة رضي الله عنه “يأتي على الناس زمان يجلسون إلى الشياطين يفقهونهم في الدين ويحدثونهم عن الإسلام “

ولذلك المسلم دائما في كل أمر من أمور حياته يزن الأمور بميزان الحق الذي قال:عنه رسول الله صلى الله عليه وسلمتركتُ فيكم ما إن اعتصمتُم به فلن تَضِلُّوا أبدًا ، كتابَ اللهِ ، و سُنَّةَ نبيِّه ” صححه الألباني

ولذلك لما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا محمد إن مدحي زين ، وإن شتمي شين . قال له رسول الله: ويلك ذاك الله عز وجل “
فكل شيء كان يرده صلى الله عليه وسلم إلى ميزان الحق .

 والسؤال الآن :

ما هو سبب اختلال الموازين وشيوع المعايير الزائفة ؟

هنالك أسباب كثيرة لكن سأقتصر على ذكر أهم ثلاثة منها :

السبب الأول : حب العاجلة :

قال تعالى : ﴿كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ ﴾ القيامة 20

والإنسان من خصائصه الخَلْقِيَّة أن الله خلقه عجولاً، قال تعالى :  “خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ” الأنبياء38

والعجل: السرعة، وخلق الإنسان منه استعارة لتمكن هذا الوصف فيه.

والعجلة هي طلب الشيء قبل أوانه؛ فمن تعجَّل الشيء قبل أوانه يوصَف بأنه عجول، ومن تركه إلى ما بعد فوات الأوان يوصف بالإهمال والتقصير، ومن طلبه في وقته يوصف بالحكمة، والحكمة ضالة المؤمن قال تعالى : ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾البقرة 269

تعجل آدم فأكل من الشجرة :

قال تعالى : {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا * وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} طه 115 ، فالعجلة كانت مدخل إبليس على أبينا آدم حينما أباح الله له أن يأكل من الجنة كما يشاء إلا شجرة واحدة حرمها عليه  {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى} قائلا: إِنى سأَدلك على شجرة إن أكلت منها خلدت ولم تمت، وملكت ملكا لا يفنى ، فتعجل آدم وأكل من الشجرة  !!!

فقوله تعالى:{خلق الإنسان من عجل} أكبر دلالة على هذه الحقيقة الشرعية، أي: خلق عجولا، يبادر الأشياء، ويستعجل بوقوعها، ، فإذا فكر العقل في شيء محبوب استعجل حصوله بداعي المحبة، وإذا فكر في شيء مكروه استعجل إزالته بداعي الكراهية، ولا تخلو أحوال الإنسان عن هذين.

 ومن عجيب أمر العجلة أنها تحمل الإنسان على أن يضر نفسه كما قال تعالى:{وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولا } الإسراء 11 ، وهذا من جهل الإنسان وعجلته حيث يدعو على نفسه وأولاده وماله بالشر عند الغضب ويبادر بذلك الدعاء كما يبادر بالدعاء في الخير، ولكن الله – بلطفه – يستجيب له في الخير ولا يستجيب له بالشر: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} يونس 11

 ولخطورة العجلة نسبت إلى الشيطان كما جاء في الحديث: «التأني من الله، والعجلة من الشيطان» أخرجه البيهقي وحسنه الألباني

فالعجلة والاستعجال، والضجر وقلة الصبر، والرعونة والاستهتار ظاهرة بارزة ؛ في المجتمع في الحكم على الناس والأشياء قبل التثبت سواء في وسائل الإعلام أم في المجالس واللقاءات، وكذلك في سرعة الجواب بين المتحاورين قبل فهم الكلام أو حتى قبل أن يكمل الآخر كلامه، وأمثلة لا تنتهي من مظاهر العجلة المذمومة وآثارها الخطيرة ، وفي القرارات المصيرية في حياة الإنسان كالزواج والدراسة والعمل والسفر…الخ.

السبب الثاني  التقييم المادي للأمور :

تختلف المقاييس التي يعتمد عليها الناس في تقييمهم للأمور ، فالكثير يعتبر الغنى والثراء والقيمة المادية هي المقياس الحقيقي لقدر الإنسان وعلو منزلته ، وهذه المقاييس لا تتعدى كونها مقاييس مادية بحتة ضيقة الأفق ، فالإنسان الذي يفاضل بين الأشخاص على هذه الأسس ، إنما ينظر إلى الحياة بمنظار ضيق جدا ؛ فالشخص العريق النسب لا قيمة لنسبه مع انحطاط في أخلاقه وقيمه الدينية والاجتماعية ، ومهما بلغ الإنسان في عراقة نسبه ، فلن يصل إلى نسب أبي لهب – عم الرسول – صلى الله عليه وسلم – الذي أنزلت فيه سورة كاملة تتوعده بالعذاب الأليم يوم القيامة ، وقد كان كثير من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا يملكون هذه العراقة في النسب، غير أن الله شرفهم بالانتماء لهذا الدين، والتضحية في سبيله .

سورة عبس :

ولنتأمل هذا المشهد القرآني وهو يصور لنا سورة عبس وخلاصتها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوماً يخاطب بعض وجهاء قريش، وقد طمع في إسلامهم، فبينما هو يكلمهم، إذ أقبل ابن أم مكتوم (وكان أعمى)، فجعل يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله علمني مما علمك الله وجعل يكررها، وود النبي صلى الله عليه وسلم أن لوكف ساعته تلك لئلا ينفر هؤلاء الذين يكلمهم ؛ طمعاً ورغبة في هدايتهم، وعبس في وجه ابن أم مكتوم، وأعرض عنه ، فأنزل الله تعالى: { عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) عبس

فإذا كان رب العزة قد أنزل قرآنا يتلى يعاتب فيه خير الخلق وإمام الأنبياء والمرسلين لأنه عبس في وجه أعمى ، هذا الأعمى لم ير وجه النبي صلى الله عليه وسلم وهو مكشر ولكن رآه الله جل وعلا فعاتب فيها النبي الكريم (كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ) تذكرة لضبط الميزان في المجتمع كله : أن عبد الله بن أم مكتوم خير من أولئك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ، فلا يدفعك حرصك على إسلام هؤلاء أن تقبل عليهم حتى وإن كانوا وجهاء أو سادة وتعرض عن عبد الله لأنه أعمى أو فقير  .

 الدين أولا في الزواج :

قال تعالى : “وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ” البقرة 221

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  “: “تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك”. رواه أبو داود والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه

 فهنا”وضع الرسول الميزان الصحيح (فاظفر بذات الدين تربت يداك)

وكما يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي في تعليقه على الحديث :

تنكح المرأة:

 لجمالها = صفر

 ولمالها = صفر ثان

ولحسبها = صفر ثالث

ولدينها = واحد صحيح

فلا قيمة للجمال والمال والحسب لأنها ثلاثة أصفار إلا بالدين لأنه الواحد الصحيح الذي يجعل لأي شيء آخر قيمة …وهكذا في كل أمر لا قيمة له إلا بالدين .

وفي المقابل “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير” فالميزان ينضبط بهذا الأمر.

التقييم بالظاهر :

وفي الحديث  أنه” مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ : ( مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا ؟ ) ، فَقَالَ : رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ ، هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا ؟ ) ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ ، هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لاَ يُنْكَحَ ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لاَ يُشَفَّعَ ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لاَ يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا ).رواه البخاري من حديث سهل بن سعد الساعدي

وعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَا أَبَا ذَرٍّ، ارْفَعْ بَصَرَكَ فَانْظُرْ أَرْفَعَ رَجُلٍ تَرَاهُ فِي الْمَسْجِدِ ) قَالَ: فَنَظَرْتُ، فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ عَلَيْهِ حُلَّةٌ، قَالَ: فَقُلْتُ: هَذَا ، قَالَ: فَقَالَ: ( يَا أَبَا ذَرٍّ، ارْفَعْ بَصَرَكَ فَانْظُرْ أَوْضَعَ رَجُلٍ تَرَاهُ فِي الْمَسْجِدِ ) قَالَ: فَنَظَرْتُ، فَإِذَا رَجُلٌ ضَعِيفٌ عَلَيْهِ أَخْلَاقٌ ، قَالَ: فَقُلْتُ: هَذَا.
قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَهَذَا أَفْضَلُ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ قُرَابِ الْأَرْضِ مِثْلِ هَذَا).رواه أحمد

فهذان رجلان أحدهما من أشراف القوم ، وممن له كلمة فيهم ، وممن يجاب إذا خطب ، ويسمع إذا قال ، والثاني بالعكس، رجل من ضعفاء الناس ليس له قيمة ، إن خطب فلا يجاب ، وإن شفع فلا يشفع ، وإن قال فلا يسمع.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (هذا خير من ملء الأرض مثل هذا ) أي : خير عند الله عز وجل من ملء الأرض من مثل هذا الرجل الذي له شرف وجاه في قومه ؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى الشرف ، والجاه ، والنسب ، والمال ، وإنما ينظر إلى القلب والعمل ، فإذا صلح القلب فيما بينه وبين الله عز وجل ، وأناب إلى الله ، وصار ذاكراً لله تعالى خائفاً منه ، مخبتاً إليه ، عاملاً بما يرضي الله عز وجل ، فهذا هو الكريم عند الله، وهذا هو الوجيه عنده، وهذا هو الذي لو أقسم على الله لأبره.

ولا يدل الحديث على أن المسلم الفقير أفضل وأحب إلى الله من المسلم الغني بإطلاق ، فإن الصواب في هذه المسألة : أن أفضلهما أتقاهما ؛ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي التَّقْوَى اسْتَوَيَا فِي الدَّرَجَةِ” .

ساق ابن مسعود 

ولما صعد ابن مسعود شجرة الأراك وكان دقيق الساقين فجعلت الريح تكفؤه فضحك القوم منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “مم تضحكون ؟ ”  قالوا: يا نبي الله من دقة ساقيه فقال: ( والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أُحُد) نعم هما في ميزان الله أثقل من جبل أحد لا ميزان البشرالذي يزن الناس بالأموال والوجاهة !!فساق عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وزنها عند الله أثقل من جبل أحد لأنه لم يكن يستعملها إلا في طاعة الله فقط فكم مشت إلى خير وكم رابطت في سبيل الله .

وعلى الجانب الآخر…..يقول صلى الله عليه وسلم : ( إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضه )فواعجبا من خطأ ميزان البشر ودقة ميزان الله عز وجل ويا عجبا من النظرة الضيقة التي ينظر بها البشر إلى الأمور .

السبب الثالث : تقليد الآباء

جاء الإسلام وأهل الجاهلية يعظمون الآباء والأجداد، ومع الزمن كانت هذه التقاليد قد أصبحت ديناً، فلا يجوز المساس بها، ؛وكان الواحد منهم يلغي عقله أمام مطالب العادات الموروثة، فكان التقليد، القاعدة الكبرى لجميع الكفار من الأولين والآخرين؛ كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} سورة الزخرف(23).

وعلى سبيل المثال : كراهتهم لخلفة البنات ودفنهن أحياء في القبور، قال عز وجل:{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ} سورة النحل58-59،
أَي وإِذا أخْبِر أَحد هؤُلاءِ بولادة أنثى له، صار وجهه قاتم اللون كأَنما علاه السواد غيظًا من شدَّة الغَمِّ والحياء من الناس كأنما ارتكب ما يخجله.

{وَهُوَ كَظِيمٌ}: أَي وهو ممتلىءٌ غيظًا وغضبًا, ثم يبلغ به الخجل من البشارة، بالأنثى إِلى ما حكى الله بقوله:{يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ}:أَي يستخفي من قومه حتى لا يروه بسبب ما بُشِّرَ به من السوء حينما أخبروه بولادة أنثى له وجعل يحدث نفسه في شأنه {أَيُمْسِكُهُ} فلا يقْتلهُ ويظل يمسكه {عَلَى هُونٍ}: على ذلٍّ وهوانٍ.

{أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ}: بأَن يحْفر له فيه حُفْرة فيدفنه فيها حيا. ويهيل التراب عليه كما كانوا يقول: وأْد البنات من المكرمات !!

فالاستجابة لضغط المجتمع في هذه العادة القبيحة التي مانزل بها شرع ولا دين أدى إلى الحالة النفسية العجيبة التي صورها لنا القرآن .

وضغط المجتمع وما درج عليه الناس قد يؤدي لأكل الحرام ، أو لترك الفرائض أو لفعل القبائح فلا يلتفتون إلى قول فقيه أو إلى رأي شرعي.

ضغط المجتمع يؤدي إلى التقليد الأعمى للموضة وللفنان فلان واللاعب المشهور في الملابس وفي قصة الشعر وفي نمط الحياة حتى وإن كان شيئا هزليا يضحك عليه الناس.

يقول الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى: “رأيت عادات الناس قد غلبت على عملهم بالشرع, فهم يستوحشون من فعل الشيء لعدم جريان العادة لا لنهي الشرع”.

فالواجب على كل مسلم أن لا يتأثر بالعادات التي اعتادها الناس فيما نهى الله عنه .

*************************

هذه أهم ثلاثة أسباب أدت إلى اختلال الموازين والمعايير الزائفة ولا عاصم لنا إلا الله وحده فقد قال لنبيه (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا )75)الإسراء)

وندعو الله بدعاء عمربن الخطاب ( اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه )


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 18 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع