عرش الرحمن جل جلاله

تاريخ الإضافة 15 نوفمبر, 2021 الزيارات : 3114

ما هو العرش؟

 العرش في اللغة له أكثر من معنى؛ منها:

1- سرير الملك: يدلُّك على ذلك سرير مَلِكة سبأ سماه الله – جل وعلا – عرشًا، فقال: ﴿ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴾ [النمل: 23].

2- سقف البيت: العرش من البيت سقفه 

3- ركن الشيء: وبه فسر قولُه: ﴿ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ﴾ [البقرة: 259]؛ أي: على أركانها.

4- الملك: والعرش: الملك، يقال: زال عرشُه؛ أي: زال ملكُه وعزُّه.

ومن المعلوم أن معرفة كل معنى من هذه المعاني، إنما يتحدَّد بحسب ما أُضِيف إلى الكلمة.

والمعنى المقصود في عرش الرحمن من تلك المعاني السابقة، هو سرير الملك؛ ذلك لأن النصوص القرآنية والأحاديث النبوية قد جاءت معيِّنة لهذا المعنى وحدَه دون غيره من المعاني.

ما معنى عرش الرحمن ؟

والمراد بعرش الرحمن كرسي عظيم وهو أعظم المخلوقات، له قوائم، وله حملة من الملائكة يحملونه، والله فوق العرش ، كما قال : “الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى” [طه:5]، وقال سبحانه: “إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ” [الأعراف:54]

فهو كرسي عظيم ومخلوق عظيم لا يعلم مدى عظمه وسعته إلا الذي خلقه ، وهو كالقبة على العالم، وهو سقف العالم كله، وهو سقف الجنة أيضًا،وليس فوقه شيء سوى الله .

قال الطبري في قوله -تعالى-: ﴿ وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ﴾ [الزمر: 75]؛ يعني بالعرش: السرير.

وقال ابن كثير: هو سريرٌ ذو قوائم، تحمله الملائكة، وهو كالقبة على العالم، وهو سقف المخلوقات.

وقال أيضًا: والعرش في اللغة: عبارة عن السرير الذي للملك، كما قال -تعالى-: ﴿ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴾ [النمل: 23]. فكراسي الملوك يقال لها: عروش، لكن عرش الله لا يشابهه شيء من عروش المخلوقين.

أوصاف العرش:

للعرش أوصاف كثيرة وصفه بها ربُّنا في كتابه، وكذا النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن هذه الأوصاف :

  • وصفه: بأنه مجيد؛ كما في قول الله -تعالى-: (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) [البروج: 15] بجرّ لفظ: (المجيدِ)، وهي قراءة حمزة والكسائي، وأما على رفع (المجيدُ) وهي قراءة حفص التي نقرأ بها فيكون ذلك وصفا لله -تعالى- وليس للعرش.

وَوصْفُ العرش بأنه مجيد، يعني أنه متسع عظيم القدر.

  • ووصف الله العرش أيضا بأنه عظيم، فقال تعالى: (فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) [التوبة: 129].
  • ووصفه بأنه كريم في قوله: (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) [المؤمنون: 116]، (والكريم هو: الحسن)
  • ووصف النبي -صلى الله عليه وسلم- العرش بأن له قوائمَ؛ كما في البخاري من حديث أبي سعيد قال صلى الله عليه وسلم: “الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور“.

وقد بين الرسول -صلى الله عليه وسلم- عظمة العرش بذكر أمرين اثنين:

الأول: بإخباره عن عظم الملائكة الذين يحملون العرش، فإن العرش يحمله ثمانية من الملائكة أو ثمانية صفوف من الملائكة؛ كما في قول الله -تعالى-: (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ) [الحاقة: 17].

وأيّاً كان المعنى فاستمع إلى وصفِ واحدٍ من ملائكة العرش لتعلم وتدرك عظمة الخالق -جل في علاه-؛ في سنن أبي داود وصححه الألباني عن جابر -رضي الله عنه- قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: (أذن لي أن أحدّث عن ملك من ملائكة الله، من حملة العرش: ما بين شحمة أذنِهِ إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام)، وفي رواية: أنه يقول: (وعنقه مثنية تحت العرش إجلالا وانكسارا لربه: سبحانك ما أعظمك ربَّنا!).

وأما الأمر الثاني الذي يدل على عظمة العرش فهو المقارنة التي ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- بين السموات والكرسي والعرش، قال صلى الله عليه وسلم: “ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي، كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة“.

ونؤمن بأنه عرشٌ على الحقيقة، وأن الله قد استوى عليه استواء يليق بجلاله وعظمته؛ كما قال جل شأنه: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) [طه: 5 – 8].

هذا الذي عليه أهل السنة والجماعة من سلف هذا الأمة الأبرار، فلا نكيّف الاستواء ولا نحرفه عن معناه، ولا نؤوله على غير ظاهره.

ولما دخل رجل على الإمام مالك فسأله عن قول الله -تعالى-: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه: 5] كيف استوى؟!

أطرق مالك تعظيما لله، واستعظاما لهذا السؤال، وأخذته الرحضاء وفي يده عودٌ ينكت به في الأرض، وهدأ المجلس سكينة وهيبة للإمام مالك، وانتظر جلساؤه ما سيقضي فيه، حتى سرّي عن الإمام مالك، ثم رفع رأسه فقال: “الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، ولا أراك إلا رجل سوء، ثم أمر به فأخرج من مجلسه!

وهذا من فقه الإمام -رحمه الله-؛ إذ كيف للعقل البشري القاصر أن يدرك كيفية استواء الخالق أو أن يحيط بها علما؟! سبحانه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الشورى: 11].

أي المخلوقات خلقها الله أولاً؟

 اختلف العلماء في هذه المسألة على عدة أقوال، منها:

1- أن القلم أول المخلوقات،  وهو اختيار ابن جرير الطبري، وابن الجوزي.

واستدلوا بحديث عبادة بن الصامت، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن أولَ ما خلق اللهُ القلم، فقال له: اكتبْ، قال: ربِّ، وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة)أبو داود ، وصححه الألباني في صحيح الجامع .

 2أن الماء أول المخلوقات: واستدلوا بحديث عن أبي رزين العقيلي أنه قال: يا رسول الله، أين كان ربنا – عز وجل – قبل أن يخلق السموات والأرض؟ قال: (في عماء، ما فوقه هواء، وما تحته هواء، ثم خلق عرشه على الماء) رواه الترمذي وضعفه الألباني في ظلال الجنة

3-أن أول المخلوقات النور والظلمة؛ ذكره ابن جرير، وعزاه إلى ابن إسحاق.

 4- أن العرش أول المخلوقات، وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن كثير وشارح الطحاوية، وقال ابن حجر نقلاً عن أبي العلاء الهمداني: إنه قول الجمهور، ومال إليه ابن حجر، وهو الراجح، والله أعلم.

واستدلوا بحديث عبدالله بن عمرو – رضي الله عنهما – مرفوعًا: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء) رواه مسلم

وحديث عمران بن حصين – رضي الله عنه – مرفوعًا: (كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض) رواه البخاري

وأجابوا عن حديث أبي رزين بأنه غير صحيح، وأجابوا عن حديث عبادة بن الصامت بأن الأولية إنما هي راجعة إلى الكتابة لا إلى الخلق، فيكون المعنى أنه عند أولِ خلقه قال له: اكتب.

مكان العرش:

قبل خلق السموات والأرض كان العرش على الماء، قال -تعالى-: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [هود: 7]، وكما في حديث عمران بن حصين المتقدِّم.

أما بعد خلق السموات والأرض، فالجواب عليه له جانبانِ:

الأولمكانه بالنسبة إلى الله مع غيره من المخلوقات، فالعرش أقرب المخلوقات إلى الذات الإلهية؛ لأنه – سبحانه – مستوٍ على أعلى مخلوقاته، وأقربِه إليه، وهذه مزية امتاز بها العرش على ما سواه من المخلوقات.

الثانيمكانه بالنسبة إلى المخلوقات، فهو أعلى المخلوقات وأرفعها، وكل المخلوقات دونه، وهو سقف الجنة؛ كما جاء في الحديث: (فإذا سألتُم الله، فاسألوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، فوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة) رواه البخاري

مما تقدَّم يُعلَم أن للعرش مزيةً وخصائصَ اختصَّها الله – عز وجل – به على غيرِه من المخلوقات، فمِن هذه الخصائص:

1- الاستواء عليه: وهي أعظم ميزة وفضيلة، بل ما سواها من الخصائص والميزات جعلتْ من أجلِ أن الله مستوٍ عليه، ومن المعلوم أن الله مستوٍ على عرشه، بلا تكييف نعلمه، ولا تمثيل، ولا تحريف، ولا تعطيل.

2- أن العرش أعلى المخلوقات وأرفعها وسقفها، وقد تقدَّم طرفًا من هذا أثناء الكلام على مكان العرش، وهذا ما ذهب إليه سلفُنا – عليهم رحمة الله –

3- العرش أكبر المخلوقات وأعظمها وأثقلها، قال -تعالى-: ﴿ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [التوبة: 129]، فالله – عز وجل – وصفه بأنه عظيمٌ في خلقه وسَعَته؛ وذلك ليتناسبَ مع ذلك الشرف العظيم، وهو استواء الله عليه.

4- العرش ليس داخلاً فيما يقبض ويطوى يوم القيامة، معلوم أن السموات والأرض تُطوَى يوم القيامة، قال -تعالى-: ﴿ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ [الأنبياء: 104].

فقد اتَّفَق السلف وسائر أهل السنة والجماعة أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى؛ مثل: الجنة، والنار، والعرش، قال -تعالى-: ﴿ وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 14 – 17].

يقول شيخ الإسلام: وأما العرش، فلم يكن داخلاً فيما خلقه في الأيام الستة، ولا يشقه، ولا يفطره، بل الأحاديث المشهورة دلَّت على ما دلَّ عليه القرآن من بقاء العرش.

وصف حملة العرش:

أخبر ربُّنا – عز وجل – في كتابِه أن حملة العرش يوم القيامة ثمانية، ولكن اختلف في هؤلاء الثمانية، هل هم أملاك، أم أصناف، أم صفوف؟ وهل هم اليوم ثمانية، أم أقل؟

على أقوال لأهل العلم:

1- أن المراد ثمانية صفوف من الملائكة، وهو مروي عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، والشعبي، وعكرمة، والضحَّاك، وابن جرير.

2- أن المراد ثمانية أجزاء من تسعة أجزاء من الملائكة، وهو مرويٌّ عن ابن عباس، ومقاتل، والكلبي.

3- أن المراد ثمانية ملائكة، وهو مروي عن الربيع بن أنس.

4- أنهم اليوم أربعة، وهم يوم القيامة ثمانية، وهذا القول رجَّحه ابن كثير، وابن الجوزي، وقال: هو قول الجمهور، واستدلوا بحديث عبدالرحمن بن زيد بن أسلم، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يحملُه اليوم أربعة، ويوم القيامة ثمانية) رواه الطبري في التفسير، والبيهقي في البعث ، وضعَّفه البيهقي، وابن حجر في الفتح.

قلت: لم أقفْ على قول فصلٍ في هذه المسألة، والعلم عند الله – تعالى.

هل العرش هو الكرسي ؟

الكرسي ليس هو العرش على الصحيح، بل الكرسي موضع قدمي الله -عز وجل-؛ كما ذكر ذلك ابن عباس، ومن جعلهما شيئا واحدا فقد جانب الصواب، يدل على ذلك ما ورد عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: “بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء خمسمائة عام، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي والماء خمسمائة عام، والعرش فوق الماء، والله فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالكم!.رواه ابن خزيمة والبيهقي وصححه الذهبي وابن القيم

قال الشيخ ابن عثيمين عن أثَر ابن مسعود السابق: “هذا الحديث موقوف على ابن مسعود، لكنه من الأشياء التي لا مجال للرأي فيها، فيكون لها حكم الرفع؛ لأن ابن مسعود لم يُعرف بالأخذ من الإسرائيليات“.

حول العرش مخلوقات أخرى جاء ذكرها في عدد من الأحاديث الصحاح، فمن ذلك:

1- سجود الشمس لله تحت عرشه: ذكر البخاري في صحيحه عن أبي ذر قال: قال النبي -صلي الله عليه وسلم- لأبي ذر حين غربت الشمس: “تدري أين تذهب؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، يقال لها: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها، فذلك قوله تعالى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [يــس: 38]”.

2- أرواح الشهداء: في سنن ابن ماجة وصححه الألباني عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال في تفسير قوله تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران: 169] قال: أما إنا سألنا عن ذلك، فقال: أرواحهم كطير خضر تسرح في الجنة في أيها شاءت، ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش، فبينما هم كذلك إذ اطّلع عليهم ربك إطلاعة، فيقول: سلوني ما شئتم؟ قالوا: ربنا ماذا نسألك ونحن نسرح في الجنة في أيها شئنا؟! فلما رأوا أنهم لا يتركون مِنْ أَنْ يُسألوا، قالوا: نسألك أن ترد أرواحنا في أجسادنا إلى الدنيا حتى نقتل في سبيلك! فلما رأى أنهم لا يَسألون إلا ذلك ترُكوا”.

3- ومما جاء في أخبار العرش، هذا المخلوق العظيم الذي فاق خلقُه خلق السموات والأرض: أنه قد اهتز احتفاء بأحد أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين عرجت روحه إلى السماء، ألا وهو الصحابي الجليل سعد بن معاذ -رضي الله عنه وأرضاه-، فقد ثبت عن جابر -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: “اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذمتفق عليه

وعن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “لقد هبط يوم مات سعدُ بن معاذ سبعون ألف ملك إلى الأرض لم يهبطوا قبل ذلك!” كلهم نزلوا يشيعون جنازته ويشهدونها رضي الله تعالى عنه وأرضاه.رواه الحافظ البزار وجود إسناده ابن كثير والألباني

قال الحافظ بن حجر في الفتح: والمراد باهتزاز العرش استبشاره وسروره بقدوم روحه، يقال لكل من فرح بقدوم قادم عليه اهتز له، … ووقع ذلك من حديث ابن عمر عند الحاكم بلفظ: اهتز العرش فرحاً به. … وقيل المراد باهتزاز العرش اهتزاز حملة العرش، ويؤيده حديث: أن جبريل قال: من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء، واستبشر به أهلها. أخرجه الحاكم. وقيل هي علامة نصبها الله لموت من يموت من أوليائه ليشعر ملائكته بفضله.

4- ومما هو مدّخر فوق العرش كتابٌ كتبه الله قبل أن يخلق الخلق، ففي المتفق عليه عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “إن الله -تعالى- كتب كتابا قبل أن يخلق الخلق: إن رحمتي سبقت غضبي فهو مكتوب عنده فوق العرش“.

وللعرش كنوز عظيمة يغفل عنها أكثر الناس؛ فمن تلك الكنوز:

1- خواتيم سورة البقرة: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ) [البقرة: 285] إلى نهاية السورة، في صحيح الجامع عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال صلى الله عليه وسلم: “أعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعطها نبي قبلي“.

2- قول: “لا حول ولا قوة إلا بالله”،عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: “أمرني خليلي -صلى الله عليه وسلم- بسبع: أمرني بحب المساكين، والدنو منهم، وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني، ولا أنظر إلى من هو فوقي، وأمرني أن أصل الرحم وإن أدبرت، وأمرني أن لا أسأل أحدا شيئا، وأمرني أن أقول بالحق وإن كان مرا، وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم، وأمرني أن أكثر من قول: “لا حول ولا قوة إلا بالله”، فإنهن من كنز تحت العرش“.مسند الإمام أحمد وصححه الألباني

3- ومن الكنوز والشهود للعبد يوم القيامة التسبيح والتحميد والتهليل:عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “إِنَّ مِمَّا تَذْكُرُونَ مِنْ جَلَالِ اللَّهِ التَّسْبِيحَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّحْمِيدَ يَنْعَطِفْنَ حَوْلَ الْعَرْشِ لَهُنَّ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ تُذَكِّرُ بِصَاحِبِهَا، أَمَا يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَوْ لا يَزَالَ لَهُ مَنْ يُذَكِّرُ بِهِ؟! أخرجه ابن ماجة وصححه الألباني .

 


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 91 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع