قوانين السعادة
17- لا تكثر من الديون
قانون اليوم من قوانين السعادة :لا تكثر ديونك.
لا تكثر فواتيرك الشهرية، هذا والله بدون مبالغة من أسباب القلق عند كثير من الناس، تجد نفسك دخلك ما شاء الله مرتفع، لكن فواتيرك كل شهر كثيرة، هذه فاتورة كذا وهذه فاتورة كذا، ثم تجد نفسك مفلسا بعد سداد الفواتير والأقساط.
الاعتدال في الإنفاق:
للاستهلاك في الإسلام أولويات لا بد من مراعاتها بحيث يبدأ المسلم بسد حاجات نفسه أولاً، ثم أهله ثم أقربائه ثم المحتاجين، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا” يقول: فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك ) رواه مسلم عن جابر.
وينبغي للمسلم أن يقوم بتلبية ضروراته أولا، ثم حاجياته، ثم تحسيناته.
فالضروري: ما تتوقف عليه حياة الناس كالطعام والشراب.
والحاجيات هي: ما يرفع الحرج ويدفع المشقة عن الناس كالتعليم والمسكن والزواج .
والتحسينيات: ما يؤدي إلى رغد العيش ومتعة الحياة دون إسراف أو ترف أو معصية كسعة المسكن وتوفر وسيلة انتقال له (سيارة ) ووسائل تدفئة للشتاء أو تهوية للصيف …وهكذا.
لكن المشكل أن الكثير منا مبتلى بالتوسع في المباحات والتحسينيات بالسلف والتقسيط ، والمسلم الفطن لا يشتري إلا ما هو في حاجة له ، إلا إذا كان ما يحتاج إليه من الضروريات أو الحاجيات ، فله أن يقترض لذلك .
ويتحدد الإنفاق بالقدرة المالية للشخص فلا يكلف الله نفسا إلا مَا آتَاهَا ،كما قال تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) الطلاق: 7.
فالمسلم لا ينفق أكثر من طاقته (على قدر لحافه يمد رجليه) ويوازن بين دخله ومصروفاته .
أنواع المستدينين:
وليس المستدينون سواسية فإنهم أنواع : فمن الناس من يستدين وهو يعلم من حاله ودخله أنه سيسدد، ومنهم من يستدين وهو يعلم من حاله ودخله أنه من المستحيل أن يسدد، ومنهم من يستدين وهو لا يدري هل يستطيع إيفاءه أم لا، وبينهم مراتب متفاوتة، وأشدهم الرجل الذي يستدين وهو يعلم أنه لن يوفي.
التحذير من كثرة الاستدانة :
عندما تستدين اسأل نفسك سؤالين:
السؤال الأول: ما مدى حاجتك لهذا الدين؟
السؤال الثاني: هل تستطيع وفاءه ورده أم لا؟ ثم بعد ذلك قرر هل ستستدين أم لا؟
دعاء تفريج الهم وقضاء الدين :
وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء ندعو به في كل صباح ومساء، وقصة هذا الدعاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى أحد أصحابه أبا أمامة رضي الله عنه ملازما للمسجد، فسأله رسول الله عن سبب جلوسه في المسجد في غير وقت الصلاة…. قال يا رسول الله هموم لزمتني وديون ركبتني.
قال فادع الله في كل صباح ومساء: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ، وَقَهْرِ الرِّجَالِ.
فتعوذ بالله من هذه الثمانية: الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وغلبة الدين وقهر الرجال”
ومعنى (غلبة الدين) أن يغلبك الدين فتصل إلى مرحلة لا تستطيع معها أن تسدد ما عليك…. يسمونه العجز في الدخل فمثلا : دخلك ألف وتحتاج إلى ألفين ….وربما تحتاج إلى أكثر….. فعندك عجز دائم. ….كل شهر الدين لا يقل بل يزيد فهذه غلبة الدين.
السياسة التسويقية في العالم:
أريد أن اوضح شيئا وهو أن السياسة التسويقية تعتمد على نظرية واحدة وهي كيفية شفط الجيوب فلا يترك بجيبك أي مال فيتفننون في عوامل الجذب والتسوق والإغراء لشراء السلعة حتى لا توقف الشراء ولا توقف التسوق، داخل تشتري حاجة واحدة تطلع بعشرة، بسبب العروض والخصومات وشهية حب التملك، ولا حول ولا قوة الا بالله.
لكن الاشكال يا اخواني الذي نقع فيه هو كارت الكريديت، بطاقة الائتمان، هذه مصيبة من مصائب العصر، قديما كنا نشتري بالفلوس، وتعد المال عدا، فتشعر بالألم عند دفع الفلوس، لكن حاليا مع هذه الكروت تدفع بسلام ولا تمسك أي أموال بجيبك، وفي آخر الشهر الفاتورة بمبلغ وقدره وإذا لم تسدد فالفائدة 22%، يعني حوالي الربع تقريبا، فوائد ربوية.
فلا ينبغي للمسلم أن يثقل نفسه بالديون…. بالتوسع في الكماليات فهذا باب خطير جدا، وحينما يغلبك الدين، ويسيطر عليك هم الدين ستكون حياة بائسة لأنك تشعر بأنه لا حق لك في يومك ولا أمل لك في غدك فتتعوذ بالله من غلبة الدين.
(وقهر الرجال) هذه نتيجة طبيعية؛ فمن يستدين من شخص ولا يسدد له يستحل بذلك أن يسبه، وأن يشتمه، وأن يتعرض له، أو كما في قوانين بعض الدول يسجن، (هذا كان يجهز ابنته في زواجها وهذا كان في تجارة وخسر، وذاك كان في مشروع وواحد نصب عليه وأشياء خطيرة جدا) فيكون هنالك قهر الرجال فلم يرتكب جناية، لم يرتكب جريمة لكنه غلب بدينه فيسجن أو يقهر أو يذل أو يحدث له ما يحدث.
مسجد كأني أكلت :
في كتابه الشيق “روائع من التاريخ العثماني” كتب الأستاذ الفاضل “أورخان محمد علي“ قصة أغرب اسم جامع في العالم : “هل سمع أحد بمثل هذا الاسم الغريب ؟(كأني أكلت )
هذا هو اسم جامع صغير في منطقة “فاتح” في اسطنبول والاسم باللغة التركية “صانك يدم” أي “كأنني أكلت” أو “افترض أنني أكلت”!!
ووراء هذا الاسم الغريب قصة غريبة طريفة ، وفيها عبرة كبيرة.
قصة هذا الجامع:
كان يعيش في منطقة “فاتح” شخص ورع اسمه “خير الدين كججي أفندي” ، كان صاحبنا هذا عندما يمشي في السوق ، وتتوق نفسه لشراء فاكهة ، أو لحم ، أو حلوى ، يقول في نفسه :“صانك يدم” “كأنني أكلت”ثم يضع ثمن تلك الفاكهة أو اللحم أو الحلوى في صندوق له.
ومضت الأشهر والسنوات ، وهو يكف نفسه عن كل لذائذ الأكل ، ويكتفي بما يقيم أوده فقط ،وكانت النقود تزداد في صندوقه شيئا فشيئا ، حتى استطاع بهذا المبلغ الموفور القيام ببناء مسجد صغير في محلته ، ولما كان أهل المحلة يعرفون قصة هذا الشخص الورع الفقير ،وكيف استطاع أن يبني هذا المسجد أطلقوا على الجامع اسم: (جامع صانك يدم )
كم من المال سنجمع للفقراء والمحتاجين، وكم من المشاريع الإسلامية سنشيد في مجتمعنا وفي العالم، وكم من فقير سنسد جوعه وحاجته، وكم من القصور سنشيد في منازلنا في الجنة إن شاء الله، وكم من الحرام والشبهات سنتجنب لو أننا اتبعنا منهج ذلك الفقير الورع، وكلما دعتنا أنفسنا لشهوة زائدة على حاجتنا: “كأنني أكلت” .
فائدة أخيرة: الأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم لقضاء الديون :
1- عن أبي سعيد الخدري قال: دخل رسول الله ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل يقال له أبو أمامة،فقال: “يا أبا أمامة مالي أراك خالياً في المسجد في غير وقت الصلاة؟
قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله،قال: أفلا أعلمك كلاماً إذا أنت قلته أذهب الله همك، وقضى عنك دينك؟قال: قلت: بلى يا رسول الله،قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت:اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال،قال: فقلت ذلك، فأذهب الله همي وقضى عني ديني”، أخرجه أبو داود
2- وعن علي أن مكاتبا (عبد يريد الحرية بدفع مالا لمالكه ) جاءه فقال:إني عجزت عن كتابتي فأعني،قال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله لو كان عليك مثل جبل صبير ديناً أداه الله عنك؟قال: “قل اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك”أخرجه الترمذي وحسنه الألباني
3- وعن أنس قال: كنت أسمع النبي يكثر أن يقول: “اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين، وغلبة الرجال” أخرجه البخاري
وضلع الدين: المراد ثقل الدين وشدته، كأن ثقله يصل إلى أضلاعه.
اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين،
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك
اللهم وفقنا للطيبات، وجنبنا الربا والمحرمات.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والزنا والربا والزلازل والمحن يا أرحم الراحمين