كتاب قوانين السعادة من الكتاب والسنة

المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على اشرف المرسلين ، والرحمة المهداة إلى الخلق أجمعين سيدنا محمد صلوات ربي وتسليماته عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد /
فهذه مجموعة خواطر إيمانية أعددتها لتكون مادة دعوية للأئمة وخطباء المساجد ، وأيضا لينتفع بها طلبة العلم وعامة المسلمين، وقد جعلت عنوانها:
قوانين السعادة في القرآن والسنة
والسعادة ضد الشقاء، وتأتي بمعاني: اليُمن، والبركة، والهناء، والسرور
وعند علماء النفس: السعادة هي شعور إيجابي مستمر بالرضا عن الحياة، مقرون بمشاعر البهجة مع إحساس داخلي بأن للحياة غاية وهدف.
أما السعادة في التصور الإسلامي فهي كل ما يُدخل الفرح والبهجة على النفس، وهي الشعور بالرضا والراحة النفسية، وتعني السعادة الحقيقية العيش في فرح ووئام، وحبٍّ.
ومن معاني السعادة: أن يلبي الإنسان احتياجات نفسه، ومن يعول، وفي نفس الوقت يدفع عن نفسه كل مكروه ويجلب لنفسه كل شيء نافع.
ورسالة الإسلام في أصلها جاءت لإسعاد البشرية جمعاء، وفي القرآن الكريم والسنة المطهرة الدواء الأمثل لإسعاد القلوب، وبيان أسباب السعادة وألوانها ومظاهرها وآثارها على الفرد والمجتمع.
لأن السعادة الحقيقية ليست فقط لذّة دنيوية، بل هي سعادة القلب بالإيمان، وسعادة الروح بالقرب من الله، ثم تمتد إلى مظاهر الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة.
وقد ورد لفظها في القرآن الكريم في سورة هود ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ [هود: 108]
والسعادة هي مبتغى كل واحد منا … خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وجعل فيه دوافع أو نوازع تحركه… يعطش فيبحث عن الماء … يجوع فيبحث عن الطعام … يتعب فيطلب النوم… وهو أيضا يبحث عن الشيء الذي فيه لذه أو متعة، ويبحث عن الاستقرار وعن الطمأنينة، وعن راحة البال.
وهذا موضوع كبير وفيه مؤلفات كثيرة لمؤلفين مسلمين وغير مسلمين كتبوا في هذا الموضوع، لكن أغلب من كتبوا عن السعادة كتبوا عنها من وجهة نظر غربية ترى السعادة في الاستمتاع بالحياة ، والانغماس في الملذات، وتنمية المهارات، والاهتمام بالصحة النفسية، والسفر والسياحة ، والتوسع في الهوايات … الخ ، مع تعمد إغفالهم ذكر أن ارتباط السعادة بالإيمان بالله عز وجل، وطاعته والعمل الصالح، وحسن الخلق ، وأيضا من كتبوا عن السعادة من المسلمين اقتصروا على بيان السعادة بالإيمان والعمل الصالح ، وتلاوة القرآن بشكل مختصر.
فاجتهدت في صياغة هذه الخواطر على شكل قواعد أو قوانين مدللا عليها من النبعين الصافيين؛ المرجعية الأولى لكل مسلم : الكتاب والسنة.
ما سبب اختياري لهذا الموضوع؟
- كثره حالات القلق والتوتر والاكتئاب في عصرنا حتى صار عصرنا عصر الاكتئاب والقلق وانتشار الأمراض النفسية التي كثرت بشكل كبير، والسبب في هذا أن كثيرا من الناس أخطأ طريق السعادة أو أنه بحث عن السعادة في غير مظانها.
- الحياة المادية الرأسمالية جعلت الإنسان أشبه بماكينة تعمل لا مشاعر لها ولا يوجد في قاموسهم معاني الحب والرضا والطمأنينة .
- ولو أننا نظرنا إلى حال الإنسانية اليوم، لوجدنا أن المدنية الحديثة قدمت الكثير من وسائلها التكنولوجية وآلاتها المتطورة، وأجهزة الترفيه والتسلية المختلفة والمتنوعة، إلا أن نسبة الانتحار في ارتفاع وعدد المكتئبين في ازدياد ولا يكاد يخلو بلد من البلدان من مصحة نفسية تعالج كآبة الإنسان.
- في عصرنا الحالي الناس يبحثون عن السعادة في الطريق الخطأ؛ على سبيل المثال:
- من الناس من رأى السعادة في أن يلحد وينكر وجود الله، ليتملص من كل التكاليف فلا يصلي ولا يصوم ولا يوجد عنده حلال وحرام؛ فانطلق إلى الإلحاد وكأنه يبحث عن السعادة بإنكار أشرف وأعظم معلوم وهو الله عز وجل.
- ومن الناس من جعل السعادة هي العلمانية بأن يفصل دينه عن دنياه وتبقى العبادة طقوس روحية يؤديها إذا أحب ذلك.
- ومنهم من زعم أنها في الحرية المطلقة الليبرالية فيفعل ما يشاء كيفما شاء بأي وقت شاء ويقع في انتكاسة الفطرة ومحاربة للفطرة.
- وهناك من طلبوا السعادة في أكل الحرام وظنوا أن أكل الحرام هو الفرصة الجميلة للحياة وبالفلوس تشتري كل شيء لكن هذه أكذوبة كبرى، فالمال سبب من أسباب الراحة لكنه ليس سبب من أسباب السعادة”
- ومن الناس من طلب السعادة في شرب الخمر، أو المخدرات ، ومن المعلوم طبيا أن الخمر والمخدرات قد تُحدث شعورًا مؤقتًا بالنشوة أو “الراحة” لأنها تغيّر كيمياء الدماغ، فترفع بعض الهرمونات مثل الدوبامين، والسيروتونين المسؤولة عن الإحساس بالمتعة.
لكن هذا الإحساس زائف وقصير المدى، وسرعان ما يعقبه:هبوط حاد في المزاج قلق، اكتئاب، كسل، مع الوقوع في الإدمان ؛ فالسعادة التي تعطيها الخمر والمخدرات هي سعادة كيميائية مزيفة، تُخدّر العقل مؤقتًا، ثم تترك الإنسان ضائعا مريضا هزيلا . - ومن الناس من رأى أن السعادة أن يكون صانع محتوى مشهور لكن المحتوى الذي يقدمه هو التفاهة ، لأن صناعة التفاهة رائجة جدا هذه الأيام، كيف تصنع نجما تافها بشكل تافه باختيارات تافهة ، وهذه التفاهة لها سوق رائجة حاليا هات أي تافه عمل حاجة تافهة وانظر لعدد المشاهدات ؟!!
أرسل لي أحد الإخوة مقطع فيديو قال لي رد على هذا الرجل .. ولما فتحت المقطع وجدت 8 مليون مشاهدة ، والتعليقات وصلت لخمسة آلاف … ماذا يقول الرجل يقول: إنه أثبت بالقرآن أن آدم وحواء كان لهم أجنحة ، والدليل قوله تعالى : (قلنا اهبطوا منها جميعا) [البقرة 38]
فقال : في اللغة العربية الهبوط مثل هبوط الطائرة والطائرة تهبط بأجنحة فآدم وحواء كيف هبطوا من الجنة؟ لو هبطوا من غير أجنحة لماتوا ، فهنا وفقا للفظ القرآني كان لهم أجنحة!!!
طيب يا رجل هذه الأجنحة أين هي الآن؟ لماذا لا نرى في البشر أجنحة، لقد تفوقت على من قالوا إن الإنسان أصله قرد!!!
ولهذا أقول أن تكون صانع محتوى مشهورًا لا يعني بالضرورة أنك سعيد.
الشهرة أي نعم تجلب الاهتمام والمدح من الناس، وهذا يمنح شعورًا مؤقتًا بالمتعة والقبول، لكنها أيضًا تجلب الضغط، القلق، المقارنة، والخوف من السقوط.
وكثير من المشاهير يعانون من الوحدة، القلق، الاكتئاب، لأن الناس يحبون الصورة، لا الشخص الحقيقي، فإذا كانت الشهرة هدفًا بحد ذاتها، يصبح الإنسان أسيرًا لنظرة الآخرين، لا حرًّا في سعادته.
السعادة الحقيقية
كلما كنت قريبا من الله كنت سعيدا، وكلما ابتعدت عن الله كنت شقيا، وقد ورد هذا المعني في سوره طه في قوله تعالى: (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا)[طه:123،124]
وقد أبدع الإمام ابن القيم رحمه الله في وصف ما يناله المؤمن من لذة حلاوة الإيمان فقال: إنه لا نعيم للقلب ولا لذة ولا ابتهاج ولا كمال إلا بمعرفة الله ومحبته والطمأنينة بذكره والفرح، والابتهاج بقربه والشوق إلى لقائه فهذه جنته العاجلة ” ونقل عن ابن تيمية قوله: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة.
وذكر قول بعض العارفين: ” إنه لتمر بالقلب أوقات أقول فيها: إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب ” كما ذكر بعض أقوال المحبين: ” مساكين أهل الدنيا خرجوا من الدنيا، وما ذاقوا أطيب ما فيها قالوا: وما أطيب ما فيها قال: محبة الله والأنس به، والشوق إلى لقائه والإقبال عليه والإعراض عما سواه .[ مدارج السالكين (1/454) بتصرف يسير]
وهذا موضوعنا الذي سنتكلم عنه، كل خاطرة نأخذ قانونا من قوانين السعادة في القرآن أو في السنة ونتكلم عليه.
ونصل إن شاء الله بعد هذه الخواطر إلى فهم قوانين السعادة؛ ونكون قد تعلمنا ما هو الطريق الصحيح للسعادة ، ونخرج من دنيانا سعداء بالفوز بطاعة الله والعمل الصالح، وفي الآخرة إن شاء الله نسعد بلقاء الله ودخول جنات النعيم بعد رضا الله عنا جميعا.
اللهم ارضنا وارض عنا ووفقنا إلى ما تحبه وترضاه .
لتحميل الكتاب اضغط هنا
قوانين السعادة من الكتاب والسنة