عظمة الله رب العالمين: (30) أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله

تاريخ الإضافة 30 يناير, 2025 الزيارات : 39

(30)أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم

عن عطاء، قال: دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة فقالت لعبيد بن عمير : قد آن لك أن تزورنا فقال : أقول يا أمه كما قال الأول : زرغبا تزدد حبا.

قال : فقالت : دعونا من رطانتكم هذه قال ابن عمير : أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فسكتت ثم قالت : لما كان ليلة من الليالي قال : ( يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي )

قلت : والله إني لأحب قربك وأحب ما سرك قالت : فقام فتطهر ثم قام يصلي قالت : فلم يزل يبكي حتى بل حجره قالت : ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل لحيته قالت : ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض فجاء بلال يؤذنه بالصلاة فلما رآه يبكي قال : يا رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر ؟ قال : ( أفلا أكون عبدا شكورا لقد نزلت علي الليلة آية، ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها {إن في خلق السموات والأرض} [آل عمران: 190] ) الآية كلها [أخرجه ابن حبان وقال شعيب الأرناؤوط:إسناده صحيح على شرط مسلم، وجود إسناده العلامة الألباني -رحمه الله-]

شرح الحديث 

في هذا الحديث يقول التابعي عطاء بن أبي رباح: “دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة” لزيارتها وسؤالها.

“فقالت لعبيد بن عمير: قد آن لك أن تزورنا”وكأنها تعتب عليه عدم زيارته لها.

“فقال: أقول يا أمه كما قال الأول: زرغبا تزدد حبا” والغب أصله أن يرد الإبل الماء يوما وتدعه يوما؛ فالمراد: زر أخاك وقتا بعد وقت، “تزدد حبا”؛ وذلك لأن الإكثار من الزيارة يمل، والإقلال منها مخل،

“فقالت: دعونا من رطانتكم هذه” تقصد الكلام المسجوع، وكأنها لم تحب هذا المثل، وقصدت أن الزيارة مطلوبة؛ لما فيها من التواد والتحابب؛ أما التقليل من الزيارة فقيل: إنه مخصوص بمن يزور لطمع، وإن النهي عن كثرة مخالطة الناس مخصوص بمن يخشى الفتنة أو الضرر.

 “قال ابن عمير: أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم” وهذا السؤال للتعلم والاقتداء.

“فسكتت” تفكر في أحوال النبي صلى الله عليه وسلم، فكلها عجيبة وصالحة للاقتداء بها، ولكنها فكرت في أعجب شيء من وجهة نظرها.

“ثم قالت: لما كان ليلة من الليالي” التي كان فيها عندي “قال: يا عائشة، ذريني” اتركيني “أتعبد الليلة لربي” بالصلاة والقيام، وهذا من آداب الزوجية أن يستأذن كل طرف من الآخر إذا أراد الانشغال بأمر مهم للتعبد أو الذكر أو غير ذلك.

“قلت: والله إني لأحب قربك” حين تكون بجواري “وأحب ما سرك”وهذا درس يعطيه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نتعلم كيف نعامل أهلنا، حتى ولو كان الأمر الذي يشغلنا عنهم هو العبادة، وهو لا يريد أن ينشغل المؤمن عن رعاية أهله بعد أداء ما عليه من فروض، حتى ولو كان عبادة إلا بعد استئذان الأهل.

لماذا؟ لأن الله طلب من الزوجة في العبادة غير المفروضة ألا تتطوع حتى تستأذن زوجها؛ فالزوجة إن صلت تطوعا، أو صامت تطوعا لابد أن تستأذن زوجها.

“قالت: فقام فتطهر” توضأ “ثم قام يصلي” قيام الليل “فلم يزل يبكي حتى بل حجره” والحجر طرف الثوب، “ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل لحيته” ورطب شعر لحيته بالدموع “ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض” حتى نزلت دموعه على الأرض وبللتها بعد أن بللت لحيته وثيابه، وهذا كناية عن كثرة الدموع والخشوع والخوف من الله.

“فجاء بلال يؤذنه بالصلاة” وهي صلاة الفجر؛ ليسمح له بالإقامة والبدء في صلاة الجماعة “فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله، لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر؟”

فكأن بلالا ظن أن سبب تحمله المشقة في العبادة أنه إنما يعبد الله خوفا من الذنوب، وطلبا للمغفرة والرحمة، فمن تحقق أنه غفر له لا يحتاج إلى ذلك، فأفادهم بأن هناك طريقا آخر للعبادة، وهو الشكر على المغفرة؛ فقال: “أفلا أكون عبدا شكورا”، أي: كيف لا أشكره وقد أنعم علي وخصني بخيري الدارين؟!

فمن عظمت عليه نعم الله، وجب عليه أن يتلقاها بعظيم الشكر، وخصوصا أنبياءه وصفوته من خلقه، الذين اختارهم، وخشية العباد لله على قدر علمهم به.

ثم قال: “لقد نزلت علي الليلة آية، ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب} [آل عمران: 190]”، أي: فيها دلالات على قدرة الله عز وجل يدركها أصحاب العقول.

ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها؟

المراد بالتفكر هو: إعمال القلب في النظر في الأدلة.

قال الأوزاعي: يقرأهن وهو يعقلهن، أي على الأقل يعرف التفسير، أن تقرأها، وأن تعرف تفسيرها، وقد ثبت أن النبي ﷺ كان يقرأ هذه الآيات العشر من آخر آل عمران إذا قام من الليل في تهجده، من قوله: إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب  [آل عمران: 190] إلى آخر السورة [رواه البخاري ومسلم] ولذلك يستحب للمستيقظ من نومه أن يتلو هذه الآيات اقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم-

 “إن في خلق السماوات والأرض” آل عمران: 190] 

في إيجادهما وإنشائهما من العظيم -سبحانه- على هذا الإبداع وهذا الإحكام، هذه دالة على عظمته، فالسماوات على اتساعها وارتفاعها وما فيها من الشمس والقمر والنجوم والكواكب السيارة والزينة والأرض في انخفاضها وبسطها وتذليلها، وما فيها من البحار والجبال والقفار والنبات والأشجار والثمار والدواب وأنواع المعادن، واختلاف الليل والنهار، تعاقب الليل والنهار، تفاوت الليل والنهار؛ من الظلمة إلى النور والطول والقصر، واختلاف الجو حرا وبردا ورخاء وشدة، والزمان وما فيه عزا وذلا، وهزيمة ونصرا وسعة وضيقا وصحة ومرضا؛ كل هذا فيه مجال العباد للتفكر والتدبر والتبصر لآيات واضحة، وبراهين قاطعة وساطعة على عظمته -سبحانه- الذي يتفكر فيها تشهد على عظمة الله، يطلع أن الله هو العظيم، لا إله إلا هو.

لآيات لأولي الألباب:

أصحاب العقول الصافية النقية: “الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك”  [آل عمران: 191].

شكر الله سبحانه يكون بطرق كثيرة، بالأقوال والأفعال، والعبد الورع التقي يزيد شكره لله كلما ازدادت النعم عليه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم القدوة في الشكر والعبادة، مع علمه بنعمة الله عليه بغفران ما تقدم من ذنوبه وما تأخر.

من كلام السلف عن التفكر:

عن الحسن قال : تفكر ساعة خير من قيام ليلة

وعن الفضيل قال الفكر مرآة تريك حسناتك وسيئاتك

وكان سفيان بن عيينة كثيرا ما يتمثل بقول القائل:

إذا المرء كانت له فكرة —— ففى كل شئ له عبرة

وقال بشر لو تفكر الناس في عظمة الله ما عصوا الله عز وجل .

فيا عجبا كيف يعصى الإله
أم كيف يجحده الجاحد
ولله في كل تحريكة 
وفي كل تسكينة شاهد
وفي كل شئ له آية
تدل على أنه واحد

 

ومن جميل ما يحكى في هذا الباب ما قاله ابن الجوزي عن نفسه: (عرض لي في طريق الحج خوف من العرب، فسرنا على طريق خيبر، فرأيت من الجبال الهائلة والطرق العجيبة ما أذهلني، وزادت عظمة الخالق – عز وجل – في صدري، فصار يعرض لي عند ذكر الطرق نوع تعظيم لا أجده عند ذكر غيرها، فصحت بالنفس: ويحك! اعبري إلى البحر، وانظري إليه وإلى عجائبه بعين الفكر، تشاهدي أهوالا هي أعظم من هذه. ثم اخرجي إلى الكون والتفتي إليه؛ فإنك ترينه بالإضافة إلى السماوات والأفلاك كذرة في فلاة. ثم جولي في الأفلاك، وطوفي حول العرش، وتلمحي ما في الجنان والنيران. ثم اخرجي عن الكل، والتفتي إليه؛ فإنك تشاهدين العالم في قبضة القادر الذي لا تقف قدرته عند حد. ثم التفتي إليك، فتلمحي بدايتك ونهايتك، وتفكري فيما قبل البداية، وليس إلا العدم، وفيما بعد البلى، وليس إلا التراب.

فكيف يأنس بهذا الوجود من نظر بعين فكره المبدأ والمنتهى؟ وكيف يغفل أرباب القلوب عن ذكر هذا الإله العظيم؟)[صيد الخاطر: (275، 276).].

 

وقال ابن أبي الدنيا : أنشدني الحسين بن عبد الرحمن :

نزهة المؤمن الفكر لذة المؤمن العبر
نحمد الله وحده نحن كل على خطر
رب لاه وعمره قد تقضى وما شعر
رب عيش قد كان فوق المنى مونق الزهر
في خرير من العيون وظل من الشجر
وسرور من النبات وطيب من الثمر
غيرته وأهله سرعة الدهر بالغير
نحمد الله وحده إن في ذا لمعتبر
إن في ذا لعبرة للبيب إن اعتبر

 


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 9 يناير, 2025 عدد الزوار : 14019 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن العظيم

فقه الصيام

شرح مدارج السالكين