علاج الهم والغم والحزن (خطبة مفرغة)

تاريخ الإضافة 12 أغسطس, 2022 الزيارات : 17648

أحبابي وإخواني الكرام كنا نتكلم الأسبوع الماضي عن موضوع “علاج ضيق الصدر”

وبقي لنا الكلام بالإضافة للنقاط التي ذكرناها في العلاج  :
” الإستعانة بالله عز وجل وبذكره سبحانه وتعالى “

فالإنسان حينما يشعر بعجزه وضعفه لا بد وأن يلتجئ إلى الله سبحانه وتعالى وهذا ما نقوله في سورة الفاتحة “إياك نعبد وإياك نستعين”.

فكما أننا لا نعبد إلا الله فإنا لا نستعين إلا به جل وعلا.

ومن الاستعانة بالله أن يدفع الإنسان ما يجد في نفسه أو في قلبه من ألم أو هم أو غم أو حزن فيدفعه بالاستعانة بالله عز وجل.

كما قلت من قبل  -وأكرر – أن الدنيا ليست دار صفاء وليست دار بقاء  ، من يظن أن الدنيا خالية من الآلام والأكدار والهموم فهو واهم…. هذه سنة الله في هذه الدنيا التي نعيشها ثم السعادة تكون يوم القيامة.

سبحان الله أهل الجنة (نسأل الله أن يرزقنا الجنة) حينما يدخلونها يقولون : “الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور” 

فنحن في هذه الدنيا في خيرها وشرها نتقلب كما قال الله عزوجل:” …وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً…”.

ونبلوكم يعني نختبركم نمتحنكم بالشر والخير فتنة ، إبتلاء وامتحان من الله سبحانه وتعالى ثم الجزاء يكون عند الله جل في علاه.

إذن المسلم يفرق عن غيره أنه إذا أصابه ما يضايقه أو حمل هم شيء في المستقبل فإنه مما يربط على قلبه في هذه الشدائد (الإيمان بالله)

والإرتباط بالله عز وجل ، إذا نزلت بك نازلة فأنزلها بربك فهو رب العالمين الذي خلقك وهو سبحانه وتعالى الذي تكفل برزقك ويعلم سعيك ويعلم بدايتك ومنتهاك.

إخواني وأحبابي الكرام

إذن فلقاؤنا مكمل للقاء الأسبوع الماضي نتكلم عن علاج الهم وضيق الصدر من خلال بعض الأذكار الشرعية.

الله سبحانه وتعالى قال” الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ”.

بذكر الله يطمئن القلب الخائف.

بذكر الله يستأنس من يشعر بالوحشة.

بذكر الله لا يعظم في قلبك إلا الله سبحانه وتعالى.

بذكر الله لا يصيبك لا اكتئاب ولا قلق ولا توتر ولا هذه الأمراض ،  لأنك تعلم أن الله وحده هو القادر على أن يرفع ما بك ….كما قال جل وعلا: “وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”. سبحانه وتعالى.

والعلماء قالوا يا إخواني أن من أحب شيئا أكثر من ذكره…. هذه طبيعة في الإنسان…. فالذي يحب التجارة دائم الحديث عن التجارة…. الذي يحب الرياضة دائم الحديث عن الرياضة…. الخ ،  فالذي يحب الله سبحانه وتعالى دائما ذكر الله على لسانه ؛ فذكر الله سبحانه وتعالى به تطمئن القلوب.

ولذلك بعض العلماء لما كان جالسا بين تلامذته قال لهم تعالوا نذكر سير الصالحين فبذكر الصالحين تحل البركة فقال بعض  طلبته يا شيخنا إذا كان الأمر بذكر الصالحين تحل البركة فماذا إذا ذكرنا الله؟

فسكت الشيخ قليلا ثم رفع رأسه فقال: إذا ذكر الله إطمأنت القلوب.  “ألَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ”.

فأنا حينما أذكر الله أذكر من هو أرحم بي من أمي.

حينما أذكر الله أذكر الإله القوي القادر.

أذكر الرزاق ذي القوة المتين.

أذكر أرحم الراحمين.

أذكر ذو الجلال والإكرام.

هذا كله يرد على بالي وأنا أذكر الله سبحانه وتعالى.

دعاء تفريج الهم وقضاء الدين :

إخواني ولذلك في دفع هذه الأمور علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء أن ندعو به في كل صباح ومساء.

وقصة هذا الدعاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى أحد أصحابه أبا أمامة رضي الله عنه ملازما للمسجد،  فسأله رسول الله عن سبب جلوسه في المسجد في غير وقت الصلاة…. قال يا رسول الله هموم لزمتني وديون ركبتني.

قال فادع الله في كل صباح ومساء:

 “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ، وَقَهْرِ الرِّجَالِ.

فتعوذ بالله من هذه الثمانية: الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وغلبة الدين وقهر الرجال”

وهذه الثمانية من أقوى الأمراض التي تصيب الإنسان نسأل الله أن يعافينا منها…. تعالوا بنا نتأملها حتى إذا دعونا الله بهذا الدعاء فهمنا ووعينا وتدبرنا ما نقول ؛ حتى نفهم معاني الألفاظ .

الإنسان فينا عنده ثلاثة أحوال:

الماضي والحاضر والمستقبل.

فما وقع في الماضي يسمى ( حزن ) فالحزن هو أن تحزن على فوات خير أو وقوع شر في الماضي.

وما هو في اللحظة الحالية (الغم ) أن يدخل عليك ما يسوؤك، خبر سيء، تجارة خسرت، أمر وقع، إلى آخره. هذا إسمه الغم.

أما ما سيقع في المستقبل فهذا هو (الهم )

إذن فعندنا في الماضي حزن وفي الحالة الحاضرة غم  وفي الحالة المستقبلية هم.(أعاذنا الله وإياكم من الهم والغم والحزن)

فأنت تتعوذ بالله من هذه كلها وانتبه إلى أن وقوع هذه الأشياء بقدر الله….. يعني الإنسان لن ينفك في الدنيا عن هذه الثلاثة. …. لكن طبعا هناك غيرها يعني ليست كل حياتنا أحزان وليست كل حياتنا هموم وغموم، أنا أقصد إذا وقعت.

فأنا حينما يصيبني هذا الأمر فأنا في النعماء شاكر وعند البلاء صابر ، والرسول صلى الله عليه وسلم بين لنا -وهذا الحديث من جواهر النبوة-  بين لنا أن (الطاعم الشاكر أفضل عند الله من الصائم الصابر)  أفضل عند الله لأنه وجد النعمة فداوم الشكر عليها.

ولما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم هل نسأل الله العافية أم نسأل الله غيرها قال : (الله يحب معكم العافية.) و ( سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة.) فالمسلم يسأل العافية دوما.

لكن إن وقع الأمر على خلاف ما نريد هنا الحمد لله. الرسول صلى الله عليه وسلم  قال : (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن. إن أصابته سراء (نعمة وخير) شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له.)

 فأنا كمؤمن لا أنفك عن هذه الأحوال. يعني هي ملازمة لي في الدنيا. أن يكون هنالك عسر ويسر، غنى وفقر، مرض وعافية، فرح وحزن، هذا وارد يا إخواني. فإذا كنت في نعمة أشكر الله تعالى عليها. وإذا كنت في مضرة فإني أصبر وأحتسب عند الله جل وعلا.

أما ما مضى ( الحزن )  فأنت تعلم يقينا أن الله ربط على قلوبنا بالإيمان في موضوع الأحزان. إذا حدث ما يحزنك فإنه من فضل الله علينا نعمة النسيان…. النسيان لأن أي شيء يولد صغير ثم يكبر بعكس المصيبة…. أول ما تحدث تكون كبيرة ثم تصغر وتصغر …..حتى أن الدين سبحان الله علمنا الإيجابية في هذه الأمور. فالمسلم لا يحزن فوق ثلاث. لماذا؟

لأن الحياة لن تتوقف. الحياة ستستمر.

والرسول بين أنه (لا تحد المرأة على ميت فوق ثلاث ) رغم أن الحزن بالنسبة للنساء يكون أمر صعب عليها أن تنسى وأمر صعب عليها أن تتجاوز المحنة لكن الرسول قال : (لا يحل لإمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر (ربط الأمر بالإيمان بالله واليوم الآخر) أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا)  وذلك لعظم حق الزوج.

ولا عزاء بعد ثلاث يعني المسلم يتسلى ويتصبر من إخوانه على المصيبة ثلاثة أيام بعدها لا يعزى. لماذا؟

الحياة تستمر. … فالإسلام يعلمنا أن المسلم مع الأحزان يطوي الصفحة ويستمر في حياته…..  لأن هذه هي طبيعة الدنيا ؛ فهذا عن الحزن.

أما عن ( الغم ) إذا جاءك ما يغمك في حالك في واقعك الآن فلا شك أننا نستعمل مسألة الإيمان بالله في الربط على القلوب. الحمد، الإسترجاع، الحوقلة (لا حول ولا قوة الا بالله) ليتيقن القلب أن هذا من قدر الله.

الإيمان بالقضاء والقدر ينفع في هذا الأمر…. والرسول علمنا في هذه المسألة احرص على ما ينفعك. ابذل جهدك. خذ بالأسباب التي يسرها الله في الكون واستعن بالله ولا تعجز….. طيب إذا حدث ما لا أحب ؟

الرسول علمنا أن نسترجع…. قل قدر الله وما شاء فعل….. هنا الإستسلام لقضاء الله وقدره…. طالما أنا أخذت بالأسباب…… طالما أنا حرصت على ما ينفعني فلا ينبغي أبدا أن أتوقف في هذا الجانب ويصيبني الإكتئاب والقلق والتوتر والحسرة والندم والإنطواء ، وأرىالدنيا سوداء ، وأفكر في أمور وأشياء… لا يا أخي. أنت مسلم يربط الله على قلبك بالإيمان، فتحمد الله عز وجل وتسترجع.

أم سلمة رضي الله عنها لما مات زوجها، قال لها النبي صلى الله عليه وسلم قولي : ( إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم اجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها.)  قالت يا رسول الله: وهل في الرجال من هو خير من أبي سلمة؟

(إمرأة صالحة ترى أن زوجها خير الرجال. هل إذا فقدته ستجد رجلا خيرا منه؟). اللهم اجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها فأخلف الله عليها خير خلقه. تزوجت بالرسول صلى الله عليه وسلم.

فدع الأمر لتدبير الله عزوجل ، واعلم يا أخي أن الثبات عند حدوث المصائب إنما هو من رصيد الإيمان….. الثبات في المصائب والشدائد لا يأتي فجأة يا إخواني. الثبات يأتي بالإيمان بالله، العمل الصالح….. رب العزة سبحانه وتعالى قال:” يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ …”. فالذين يثبتهم الله هم أهل الإيمان. أهل الإيمان الذين يربط الله تعالى على قلوبهم ويثبتهم بأعمالهم الصالحة. سبحان الله!

ولذلك تقرأ الآية في سورة القصص قصة أم موسى لما ألقت بطفلها موسى في اليم كما أمرها الله قال تعالى : “وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ” كأن القلب في هذه الحالة مضطرب ليس له ثبات ولا قرار فيربط الله على القلب فيستقر.

إذا يا إخواني في الغم أستسلم لقضاء الله وقدره.

أما في (الهم) ما سيقع، فدائما تفاءل خيرا…. اللحظة القادمة أنا وأنت لا نعلمها…. لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى.ز.. ومن الممكن أنا وأنت أن نجتمع ونتكلم على مليون فرضية ستحدث بعد دقائق ثم لا يحدث ولا شيء مما ذكرنا….. هذا وارد….. فما في المستقبل هو في علم الله.

الشيطان يدخل للإنسان من هذا المدخل…. مدخل المستقبل، الخوف من المستقبل. وطبعا كان لنا خطبة في هذا الموضوع لا أريد إعادة الكلام (الخوف من المستقبل وعلاجه) لكن أقول سريعا أن الشيطان دائما ما يدخل الحزن على بني آدم، على المؤمن بالذات…. مسألة الهواجس، الكوابيس، التشاؤم، السواد، المستقبل المظلم، المستقبل الأسود… هذه العبارات تكررت كثيرا الآن وحالات الإكتئاب على مستوى العالم تسجل أرقاما قياسية لأن الناس فقدوا هذه المعاني يا إخواني.

المستقبل شيء لم يحدث. شيء في علم الله سبحانه وتعالى. فلا ينبغي أبدا أن تحمل هم اللحظة المقبلة. ممكن التخطيط للمستقبل، التدبير، الإعداد، الأخذ بالأسباب. لكن هذا كله من باب الأمل والعيش الكريم، إلى آخره.

لكن لا يكن دائما أبدا التفكير السلبي هو المسيطر على الواقع. …. الشيطان دائما يقول لك أنت ستفقد عملك، غدا سيموت والدك، بعد غد ابنك سيحدث له، لو ركبت كذا سيحدث لك كذا، العمل الفلاني غير دائم، رزقك، عملك، سعيك، إلى آخره… فدائما ما يخوف الإنسان…. دائما ما يجعل في قلبه القلق والوحشة.

ولذلك لما بعض الصحابة سأل النبي عن موضوع القلق والوحشة النبي صلى الله عليه وسلم علمه أن يتعوذ بالله من الشيطان وهذا معناه أن الذي يجعل هذا في القلب هو الشيطان ،  قال :

( قل أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون. )

إذن فممكن لو أنك استسلمت للشيطان في بعض الأمور المستقبلية، إستسلمت لهواجسه يصيبك ضيق شديد جدا.

إذن فالمستقبل بيد الله…. إذا لم تقدر على نفسك استعن بالله….

إذن فالرسول علمنا قل : (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل. )

(العجز ) هو عدم القدرة على الفعل و ( الكسل ) القدرة على الفعل لكن ترك الفعل بسبب ضعف الهمة، بسبب ما أصابه من هم، بسبب ما أصابه من كآبة يعني طبيعة الإنسان إذا استسلم لنفسه أنه يحب الراحة…. النفس تكره التعب ، النفس تكره التكاليف ، النفس تكره الأعباء…. لكن إذا عودتها تعودت.

فأنت تتعوذ بالله من العجز والكسل. وتعوذ بالله من ( الجبن والبخل)

(الجبن) هو الخوف على الحياة على النفس و ( البخل ) الخوف على المال وقرن بينهما لأن المال توأم الروح. … حتى أن رب العزة قرن بينهما في ذكره لصفات أهل الإيمان ” وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم”.

فدائما ما يخاف الإنسان على ماله وعلى نفسه. فإذا خاف على ماله كان بخيلا وإذا خاف على نفسه كان جبانا.

طبعا الخوف هنا المقصود به الخوف السلبي. طبيعي الإنسان يخاف طبعا، يعني يريد أن ينمو ماله ويثمره ويزيده وطبيعي أن يخاف على نفسه. هذه مسألة فطرية….. لكن أقصد أنه خوف يجعلك عاجزا. !!!
فالجبان الذي يخاف على نفسه لا يتجرأعلى كلمة الحق…. الجبان الذي يخاف على نفسه ينافق الظالم…. أو من عنده لقمة عيشه -كما نقول – خوفا من انقطاع رزقه – كما يظن – فهويعيش بهذا الشكل فهو جبان لا يتكلم كلمة الحق، ليس عنده إيجابية، ليس عنده شجاعة، ليس عنده إقدام، دائما يحجم عن أي شيء يتوقع فيه ولو واحد بالمئة مخاطر.

وسبحان الله البخيل نفس الحكاية يحرم حتى نفسه مما أنعم الله عليه ورزقه.

ورب العزة سبحانه يقول عن صفات عباد الرحمن : “وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا”. فلو افترضنا أن المسألة فيها طرفان ووسط. الوسط إما أن تميل إلى الجهة اليمنى فيكون بذلك تقتير وبخل وشدة في الإنفاق أو تميل إلى الجهة اليسرى فيكون إسراف وتضييع للمال.

رب العزة قال : “وكان بين ذلك قواما.”  فالشيء القائم هو الذي توسط ما بين اليمين أو الشمال حتى من المصطلحات المشهورة إعلاميا يقولون اليمين المتشدد واليسار… فالوسط في الإنفاق. (وكان بين ذلك قواما)  وسطا فلا جبن ولا بخل إنما وسط بين الحالين.

كما قال تعالى : ” وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا”.

وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال.

(غلبة الدين ) معنى أن الدين يغلبك يعني تصل إلى مرحلة لا تستطيع معها أن تسدد ما عليك….  يسمونه العجز في الدخل فمثلا :

 دخلك ألف وتحتاج إلى ألفين ….وربما تحتاج إلى أكثر….. فعندك عجز دائم. ….كل شهر الدين لا يقل بل يزيد فهذه غلبة الدين

وقد قلت هذا الكلام في الأسبوع الماضي وأردده مرة أخرى لا ينبغي للمسلم أن يثقل نفسه بالديون…. ما تملك ثمنه أباح الله لك الشراء…. طيب ما لا أملك ثمنه، تصبر  قليلا.

يعني الكماليات والتوسع في الكماليات هذا باب خطير جدا يا إخواني….. والله يا إخواني كثير من الإخوة الذين نحسبهم على خير للأسف الشديد يأكلون الربا من خلال بطاقات الإئتمان (كريديت كارد والفيزا كارد وهذه الأشياء). لماذا؟

بدأت بمرة وبعد ذلك زاد الموضوع وفتح الأمر سبحان الله. فاتق الله ، إياك والربا.

طبعا في ضروريات، هذه ليست مجال للكلام عنها تكون فتاوى لحالات خاصة ، لكن أنا أتكلم عمن يستطيع الإستغناء عن ما يشتريه. …شيء ممكن يؤجل….. لكن أن الواحد يتوسع في الرفاهية والكماليات في ملابس، في سيارة جديدة…. إلى آخره .

في سبيل أنه يريد أن يعيش كما يعيش الناس. ….. كما أن فلان صديقه أو صديقتها اشترت هو يريد أن يشتري. كما العرض الفلاني والأحدث موديل في كذا وووو……. إلى آخره.

نقول لك يا أخي : حينما يغلبك الدين، حينما يسيطر عليك هم الدين ستكون حياة بائسة لأنك تشعر بأنه لا حق لك في يومك ولا أمل لك في غدك. فتتعوذ بالله من غلبة الدين.

(وقهر الرجال) هذه نتيجة طبيعية أن من استدانك، من كان له دين عليك يعني دائما ما يكون له الحق عليك. فمن يستدين من شخص ولا يسدده يستحل بذلك أن يسبه، أن يشتمه، أن يتعرض له أو كما في بعض القوانين مثلا هنا (في كندا ) ليس هناك سجن ،  لكن في بعض الدول هناك سجن لمن عليه دين وكثير من الحالات في عالمنا للأسف الشديد يسجن الناس (ذاك كان يجهز ابنته في زواجها وهذا كان في تجارة وخسر وذاك كان في مشروع وواحد نصب عليه وأشياء خطيرة جدا سبحان الله) فيكون هنالك قهر الرجال فلم يرتكب جناية، لم يرتكب جريمة لكنه غلب بدينه فيسجن أو يقهر أو يذل أو يحدث له ما يحدث.

فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتعوذ من هذه الثمانية ، وفي حديث آخر عن أنس كان لرسول الله صلى الله عليه و سلم دعوات لا يدعهن :

“اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، والعجز والكسل ، والبخل والجبن ، والدين وغلبة الرجال”

والدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه و سلم لأبي أمامة مرة أخرى :

اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ، وَقَهْرِ الرِّجَالِ.

أبو أمامة رضي الله عنه يقول : فقلتها فأذهب الله همي وقضى عني ديني.

نسأل الله تعالى أن يتقبلها منا وأن يجعلنا في عباده الصالحين.

اذا يا إخواني أنا أطلت في هذه المعاني أو هذه الدعوات الثمانية لأهمية فهمها والدعاء بها صباح مساء.

لكن هناك طبعا أذكار مثل لا حول ولا قوة الا بالله. الرسول قال : “أنها دواء لتسعة وتسعين داء أيسرها الهم.”

وعندنا دعاء ذي النون، دعوة سيدنا يونس عليه السلام: “لا إله إلا انت سبحانك اني كنت من الظالمين. “ما دعا مسلم بها في كرب إلا أجابه الله سبحانه وتعالى.

عندنا الإستغفار، “من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا. “

عندنا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، الصحابي أبي بن كعب لما ذكر النبي أنه سيجعل صلاته للنبي كلها قال : “إذا تكفى همك ويغفر ذنبك ”

 

 ومثل هذا كثير في السنة المطهرة لكن أتمنى لو أننا نستعين بالله في هذه الأمور ونعلم يقينا أن الله تعالى ما شاءه كان وما لم يشأ لم يكن.

لن يكون الإنسان بمقدوره أن يشكل أقدار نفسه وإنما يصنعنا الله تعالى ويربينا بهذه الأقدار ، ولن تنفك عن هذه الدنيا أبدا ،  ولن تجد الراحة إلا في الجنة.

وأردد كثيرا كلمة الإمام أحمد لما سألوه متى الراحة ؟

قال : عند وضع أول قدم في الجنة.   

نسأل الله أن يرزقنا الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ….آمين


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 277 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم