الاحتفال بذكرى يوم الميلاد هو من الأمور المختلف فيها بين العلماء ، ويمكن تلخيص الأقوال في نقطتين رئيسيتين:
1. القول بعدم الجواز:
يرى بعض العلماء أن الاحتفال بأعياد الميلاد لا يجوز، واستدلوا بثلاثة أدلة:
الدليل الأول:
أن الاحتفال بذكرى الميلاد تشبه بالكفار، والتشبه بالكفار محرم، وقد ورد عن النبي ﷺ أنه قال: «من تشبه بقوم فهو منهم».
وهذا الاستدلال ضعيف من وجهين:
الأول: أن هذا الحديث ضعيف، ضعفه الزيلعي والمنذري، وعليه يدل صنيع البخاري رحمه الله، فقد صدره بصيغة التمريض.
وعلته: عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، فإنه ضعيف، ضعفه أحمد بن حنبل وابن معين والنسائي وابن خراش وابن عدي وغيرهم.
الوجه الثاني: أن التشبه بالكفار لا يصلح علة مطلقة للتحريم؛ إذ ليس كل تشبه بالكفار محرمًا، إنما يحرم التشبه بالكفار في خصائص دينهم، بل قد يكون كفرًا لو فعله بنية تعظيم دينهم، كما لو لبس الصليب بنية تعظيم دينهم، وقد يكون حراما كما لو تشبه بهم في أعيادهم،أما ما ليس من خصائص دينهم ولكنه فيه شبهة ذلك فإنه يكون مكروها؛ كما نص الفقهاء على كراهة هيئة الاشتمال( أي: أن يلتحف بالثوب ولا يجعل ليديه مخرجاً) في الصلاة مخالفة لليهود، ونصوا على استحباب تعجيل الفطر وتأخير السحور مخالفة لليهود والنصارى، بل قد يرتفع التحريم والكراهة بزوال خصوصية الكفار بالفعل؛ كما مثل عليه الفقهاء بلبس الطيلسان، ويمثل عليه في زماننا بلبس البنطلون؛ فإنه ما كان من ثياب المسلمين، ثم دخل ديارهم، وشاع فيهم، فارتفع حكم التحريم والكراهة، وصار مباحًا؛ إذ لم يعد مختصًّا بالكفار.
والاحتفال بذكرى الميلاد ليس من خصائص الكفار، مع انتفاء شبهة المرد الديني فيه كونه من العادات المحضة.
وما يقوله بعض الناس من أن أصله الاحتفال بميلاد المسيح عليه السلام غلط، لا مستند له في التاريخ، بل قد ثبت تاريخيا وجود الاحتفال بذكرى الميلاد قبل المسيح عليه السلام بقرون.
الدليل الثاني للمحرمين:
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «قدم النبي ﷺ المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: قد أبدلكم الله تعالى بهما خيرا منهما يوم الفطر والأضحى» .
يستدل المحرمون بهذا الحديث على تحريم الاحتفال بذكرى الميلاد، حيث حرم النبي صلى الله عليه وسلم اتخاذ عيد غير العيدين المنصوص عليهما في الشرع.
وهذا الاستدلال غلط؛ إذ إن الاتخاذ المنهي عنه في هذا الحديث إنما هو اتخاذ يوم على وجه المشابهة مع المشركين في أمر تعبدي، وهو ما يدل عليه نصوص شراح الحديث، فقد نصوا على أن اليومين اللذين كان العرب يتخذونهما في الجاهلية: النيروز والمهرجان، وهما عيدان دينيان.
قال المناوي: «(قدمت المدينة ولأهل المدينة يومان يلعبون فيهما في الجاهلية) هما يوم النيروز والمهرجان».
فالنهي في الحديث عن مشابهة المشركين في عيدهم، وليس عن مطلق الاتخاذ الخالي من وجوه التعبد، ومن يحتفل بهذا اليوم لا يعتقد أنه عيد ديني وله طقوس أو عبادات معينة ويسمى في اللغة الانجليزية (Birth day)
الدليل الثالث:
أن الاحتفال بذكرى الميلاد من البدع المحدثة التي لم تكن في عهد النبي ﷺ ولا في عهد الصحابة، وفي الحديث أن النبي ﷺ قال:”من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد” [رواه البخاري ومسلم].
وهذا الاستدلال غلط؛ إذ لا مدخل للبدعة في العادات، إنما يحتج بالبدعة على التحريم في أمور التعبد، والاحتفال بذكرى الميلاد من أمور العادات.
2. القول بالجواز بضوابط:
يرى فريق آخرمن العلماء أنه لا مانع من الاحتفال بأعياد الميلاد ، دون مظهر من مظاهر الغلو أو الإسراف، وألا يُعتقد أنه عيد تعبدي، بل مجرد عادة اجتماعية تدخل السرور على الأطفال والأسرة، ولا يتضمن مخالفة شرعية ويستدلون بأن الأصل في العادات الإباحة ما لم يرد نص بالتحريم، وأن إدخال السرور على الأهل عمل محمود.
والراجح :أنه يجوز الاحتفال البسيط بأعياد الميلاد في نطاق الأسرة، بشرط ألا يُعتبر من الأعياد الدينية، وألا يخالف الشريعة في مظاهره، وأن يُراعى فيهعدم الإسراف .