كيف أطلب الدنيا ممن لا يملكها؟
قدم الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك مكة حاجا، فلما أخذ يطوف طواف القدوم، أبصر سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب يجلس في الكعبة في خضوع، فلما فرغ الخليفة من طوافه، توجه إلى سالم فأفسح له الناس الطريق حتى أخذ مكانه بجانبه، وكاد يمس بركبته ركبته، فلم ينتبه له سالم ولم يلتفت إليه، لأنه كان مستغرقا فيما هو فيه، مشغولا بذكر الله عن كل شيء، وطفق الخليفة يرقب سالما بطرف خفي يلتمس فرصة يتوقف فيها عن التلاوة، فلما واتته الفرصة مال عليه وقال: السلام عليك يا أبا عمر ورحمة الله.
فقال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.
فقال الخليفة بصوت خفيض: سلني حاجة أقضها لك يا أبا عمر، فلم يجبه سالم بشيء، فظن الخليفة أنه لم يسمعه، فمال عليه أكثر من ذي قبل وقال: رغبت بأن تسألني حاجة لأقضيها لك.
فقال سالم: والله إني لأستحي أن أكون في بيت الله، ثم أسأل أحدًا غيره!!
فخجل الخليفة وسكت، لكنه ظل جالسا في مكانه، فلما قضيت الصلاة نهض سالم يريد المضي إلى رحله، فلحقت به جموع الناس، هذا يسأله عن حديث من أحاديث رسول الله، وذاك يستفتيه في أمر من أمور الدين، وثالث يستنصحه في شأن من شئون الدنيا، ورابع يطلب منه الدعاء.
وكان في جملة من لحق به خليفة المسلمين سليمان بن عبد الملك، فلما رآه الناس، وسعوا له حتى حاذي منكبه منكب سالم بن عبد الله، فمال عليه وهمس في أذنه قائلا: ها نحن أولاء قد غدونا خارج المسجد، فسلني حاجة أقضها لك.
فقال سالم: من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟
فارتبك الخليفة وقال: بل من حوائج الدنيا.
فقال له سالم: إنني لم أطلب حوائج الدنيا ممن يملكها، فكيف أطلبها ممن لا يملكها؟
فخجل الخليفة منه وحياه، وانصرف عنه وهو يقول: ما أعزكم آل الخطاب بالزهادة والتقى! بارك الله عليكم من آل بيت .