عظمة الله رب العالمين: (25) قال الله عز وجل : يؤذيني ابن آدم يسب الدهر

تاريخ الإضافة 25 يناير, 2025 الزيارات : 25

(25) قال الله عز وجل : يؤذيني ابن آدم يسب الدهر

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –:  قال الله عز وجل: (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار) رواه البخاري ومسلم.

 وجاء الحديث بألفاظ مختلفة منها رواية مسلم: قال الله عز وجل: (يؤذيني ابن آدم يقول: يا خيبة الدهر، فلا يقولن أحدكم: يا خيبة الدهر، فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فإذا شئت قبضتهما)

 ومنها رواية للإمام أحمد: (لا تسبوا الدهر فإن الله عز وجل قال: أنا الدهر الأيام والليالي لي أجددها وأبليها وآتي بملوك بعد ملوك) وصححه الألباني

ما هو الدهر؟

الدهر هو الزمن: الأيام، الليالي، الساعات، الدقائق، هذه تسمى الدهر، والدهر هو ظرف زمان للأحداث، هذه الأحداث منها ما هو خير ومنها ما هو شر.

فكان من عادة العرب، ومن عادة بعض الناس إلى الآن، لما يصاب بمصيبة، أن يسب الدهر، فكانوا قديما يقولون: خيبة الدهر، تبا للدهر.

ونحن في تعبيراتنا الدارجة نقول: هذا يوم ملعون، هذا يوم نحس، سنة سوداء.

وهذا كله سب للدهر، والدهر هو ظرف زمان وليس فاعلًا لشيء.

هذه اللحظة التي نحن فيها الآن هي جزء من الزمن.

نحن الآن نصلي، غيرنا نائم، ثالث مسافر، رابع في المستشفى، خامس في كربة وشدة، وهكذا…

العباد يتفاوتون: منهم من هو في فرح، ومنهم من هو في حزن، منهم من هو في يقظة، ومنهم من هو في نوم، إلى غير ذلك.

لكن لا علاقة للزمان بما يحدث لزيد أو لعمر، لا علاقة له بذلك؛ كل هذا يجري بمقادير الله سبحانه وتعالى

يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر

والإيذاء هنا ليس معناه أن الله يتضرر، حاشاه جل وعلا، فإن الله قال في الحديث الآخر: (يا عبادي، إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني، ولن تبلغوا ضري فتضروني)

مثلا للتقريب: الإنسان منا -ولله المثل الأعلى- قد يتأذى من الرائحة السيئة لكنها لا تضره، ويتأذى من الكلمة السيئة لكنها لن تضره، كذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم ما قال في الحديث عن الثوم والبصل، لكنه لا يتضرر منهما.

فمعنى يؤذيني ابن آدم

أي أنه ينطق بما لا يليق بالله جل وعلا؛ فهو حينما يسب الدهر لا يسب ظرف الزمان، بل يسب الفاعل المقدر للأمور، وهو الله عز وجل، فهنا، سخطك على ما حدث، وعدم رضاك بما جرى، هو سب للفاعل وليس سبًا لظرف الزمان.

مثال 1: عندما تصدر بعض القوانين السيئة، تجد الناس يقولون: حكومة ظالمة هل الحكومة عبارة عن مبنى ومكاتب وموظفين؟ كلا، المقصود هنا رأس الحكومة، القائمون على الحكومة.

مثال2: شركة أصدرت قرارًا ظالمًا أو تعسفيًا: منعت الإجازات أو خفضت الرواتب يقول الناس: شركة ظالمة المقصود ليس الشركة نفسها الحوائط والمكاتب، بل من يديرون هذه الشركة.

فأنا حينما أقول: هذا يوم أسود، أو هذا يوم ملعون، أو ما شابه ذلك، فإنما أسب الذي قدر هذا القدر في هذا اليوم، وأسب الذي دبّر وأراد وقوع هذا الحادث.

مثال3: يحدث حادث في شارع، فيقول أحدهم: أنا لا أتفاءل بهذا الشارع أبدًا سبحان الله! ماذا فعل بك الشارع؟ الشارع ليس له تدبير ولا تقدير.

مثال4: تأثر الناس ببعض الأشياء التي يظنون أنها تجلب الحظ أو النحس؛ مثلًا: يقول أحدهم: رأيت فلانًا يقصد التشاؤم به، أو الرقم الفلاني.

كل هذا خرافات وأوهام لا ينبغي أن يتعلق قلب المسلم إلا بالله، فهو الفاعل المقدر لكل شيء سبحانه وتعالى.

إذن، حينما أسب الدهر، فإنما أسب الفاعل المقلب المدبر للأمور وهو الله جل جلاله

هل الدهر من أسماء الله؟

البعض يتوهم أن الدهر اسم من أسماء الله، وهذا غير صحيح، وهذا ما يسمونه في اللغة تعبيرًا مجازيًا

ولذلك قال العلماء: إن أي اسم من أسماء الله يشتق منه صفة مثلًا: الرحمن يشتق منه الرحمة، القوي يشتق منه القوة، العليم يشتق منه العلم.

لكن لو قلنا إن الدهر من أسماء الله، فما هي الصفة التي تشتق منه؟

لا توجد صفة لذا، فهذا ليس من أسماء الله على الحقيقة، وإنما هو إسناد الأمر على سبيل التقريب.

وقد يتساءل البعض: ولكننا نقرأ قوله تعالى (في يوم نحس مستمر) ونسمع العلماء يدعون (اللهم أرنا في أعدائنا يوما أسودا قبل الممات) فكيف نوفق بين الآية وماسبق من النهي عن سب الدهر؟

والجواب: 

أن هذا من قبيل وصف ما جرى في هذا اليوم وليس سبا له فمثلا لو قلت عن فلان أنه أعرج أريد سبه فهذا حرام، أما إذا قصدت وصفه والتعريف به كأن تُسأل عنه فتصفه بفلان الأعرج أو الأعمى فهذا ليس بحرام، وقد وصف الله ابن أم مكتوم في القرآن بالأعمى في سورة عبس.

وفي قصة لوط عليه السلام، قال: (هذا يوم عصيب) [هود: 77]، أي أنه يصف شدة وصعوبة ما جرى في هذا اليوم كذلك الله تعالى وصف عذاب قوم عاد قائلًا: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ} [القمر: 19]

إذن فمعنى نحس اليوم بالنسبة للكفار الهالكين وصف لمآل كفرهم لا إلى ذات اليوم، فمن المعلوم أن ذلك اليوم لم يكن نحساً على الصالحين، بل على الكفار من قوم عاد، وكان يوم نصر وتأييد للمؤمنين الصادقين.

فإذا قلت شيئًا على سبيل الوصف لما جرى في هذا اليوم، مثل: كان يومًا طويلًا، أو كان يومًا عصيبًا، أو كان يومًا سيئًا، فهذا لا بأس به، لكن إذا قلت ذلك على سبيل السخط وعدم الرضا بقضاء الله، فهذا هو المنهي عنه في الحديث.

بل عندنا من العلماء من اتصف ببعض هذه الصفات ولم يكن يتضايق من ذلك، مثل الإمام الأعمش، وهو من كبار العلماء، كذلك من رجال البخاري الأعرج، ووُصف بذلك، ولم يكن هذا إهانة له.

فيجب على المسلم أن يدقق في ألفاظه وكلماته، ويعلم أنه حينما يسب الزمان فإنما يسب الفاعل المدبر للأمور كلها، وهو الله سبحانه وتعالى.

كما قال الإمام الشافعي رحمه الله:

نعيب زماننا والعيب فينا
وما لزماننا عيب سوانا
ونهجو ذا الزمان بغير ذنب
ولو نطق الزمان لنا هجانا

*******

نسأل الله سبحانه وتعالى

أن يوفقنا وإياكم إلى ما يحبه ويرضاه،

وأن يثبتنا على الحق إلى أن نلقاه اللهم آمين.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 9 يناير, 2025 عدد الزوار : 13996 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن العظيم

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين