فقه الحج: (1) فضل الحج وشروط وجوبه
مفهوم المناسك، والحج، والعمرة
مفهوم المناسك:
المناسك لغة: جمع مَنْسِك – بفتح السين وكسرها – من نَسَكَ يَنْسُكُ منسكاً: تعبَّد، ومن هنا سُمِّيَتْ أمور الحجِ كلّها مناسك، والمَنْسِك: المذبَحُ، والنسيكة: الذبيحة، وجمعها: نُسُكٌ.قال تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (سورة البقرة، الآية: 196.) وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (سورة الأنعام، الآية: 162.7).
والنُّسُكُ أيضاً: الطاعة والعبادة، وكل ما تُقُرِّبَ به إلى اللَّه تعالى، والناسك: العابد، ومناسك الحج: عباداته، وقيل: مواضع العبادات، قال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} (سورة البقرة، الآية: 200.)، وقال تعالى: “لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ” (سورة الحج، الآية: 67،
مفهوم الحج:
الحج لغة: بفتح الحاء وكسرها -: القصد إلى الشيء المعظَّم ، ثم غلب في الاستعمال الشرعي والعرفي على حج بيت اللَّه تعالى وإتيانه.
والحج شرعاً: التعبد لله – عز وجل – بأداء المناسك على ما جاء في سنة رسول اللَّه – صلى الله عليه وسلم –
مفهوم العمرة:
العمرة، والاعتمار لغة: الزيارة ، وقد وردت أقوال في سبب تسميتها بالعمرةمنها:
- العمرة هي القصد إلى مكان عامر.
- إنها مشتقة من عمارة المسجد الحرام.
- لأنها تفعل في العمر كله ( يعنى ليس لها وقت ثابت كالحج فتؤدى بأي وقت)
واصطلاحاً : ” قصد بيت الله الحرام لأداء عبادة مخصوصة في أي وقت من الأوقات ”
أو هي قصد بيت الله الحرام لأداء نسك مكون من : الإحرام، والطواف حول الكعبة، والسعي بين الصفا والمروة، والحلق أو التقصير.
فضل الحج :
رغب الشارع في أداء فريضة الحج ، وإليكم بعض ما ورد في ذلك :
1. عن أبي هريرة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم،أي الأعمال أفضل ؟
قال : ” إيمان بالله ورسوله “
قيل : ثم ماذا ؟
قال : ” ثم جهاد في سبيل الله “
قيل : ثم ماذا ؟
قال : ” ثم حج مبرور ” .
والحج المبرور هو الحج الذي لا يخالطه إثم . وقال الحسن : أن يرجع زاهدا في الدنيا ، راغبا في الاخرة .
2. وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت قلت : يا رسول الله ألا نغزو ونجاهد معكم ؟ قال : ” لكن (بضم الكاف وتشديد النون) أحسن الجهاد وأجمله : الحج ، حج مبرور ” قالت عائشة : فلا أدع الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
3. وعن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه (أي بلا ذنب)” رواه البخاري ، ومسلم .
فلم يرفث: قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: (إنما الرفث ما روجع به النساء)، كأنه يرى الرفث الذي نهى اللَّه عنه ما خوطبت به المرأة، فأما ما يقوله ولم تسمعه امرأة فغير داخل فيه. وقال الأزهريُّ: (الرفث: كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة.)
وقال ابن كثير رحمه اللَّه (فلا رفث): أي من أحرم بالحج أو العمرة فليجتنب الرفث، وهو الجماع، كما قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187]، وكذلك يحرم تعاطي دواعيه: من المباشرة، والتقبيل، ونحو ذلك، وكذلك التكلم به بحضرة النساء.
ولم يفسق: أصل الفسوق الخروج عن الاستقامة وبه سُمِّيَ العاصي فاسقاً. ولا شك أن الفسوق: هو جميع المعاصي .
4. وعن عمرو بن العاص قال : لما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : ابسط يدك فلأبايعك .
قال : فبسط فقبضت يدي !!!
فقال : ” مالك يا عمرو ؟ ”
قلت : أشترط ، قال : ” تشترط ماذا ؟ ”
قلت : أن يغفر لي ؟
قال : ” أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله ، وأن الهجرة تهدم ما قبلها ، وأن الحج يهدم ما قبله ” رواه مسلم .
5 . وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” تابعوا بين الحج والعمرة ، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب . كما ينفي الكير خبث (وسخ ) الحديد ، والذهب ، والفضة ، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة ” رواه النسائي ، والترمذي وصححه .
الكير : الآلة التي ينفخ بها الحداد والصائغ النار
والمعنى أن أعمال الحج والعمرة تزيل الذنوب وتنقي صحائف الأعمال وتطهرها من أدران المعاصي كما تصهر النار معدن الذهب والفضة وتزيل القذارة والأشياء العالقة بهما .
6. وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” ” الحجاج ، والعمار ، وفد الله ، إن دعوه أجابهم ، وإن استغفروه غفر لهم ” ، رواه النسائي ، وحسنه الألباني
7. روى البخاري ومسلم ، عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ” .
والحج المبرور هو الذي لا رياء فيه، ولا سمعة، ولم يخالطه إثم ولا يعقبه معصية، وهو الحج الذي وُفِّيت أحكامه ووقع موقعاً لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل، وهو المقبول، ومن علامات القبول أن يرجع خيراً مما كان ولا يعاود المعاصي. والمبرور مأخوذ من البر وهو الطاعة.
حكم الحج ومتى شرع ؟
والحج أحد أركان الإسلام الخمسة ، وفرض من الفرائض التي علمت من الدين بالضرورة . فلو أنكر وجوبه منكر كفر وارتد عن الإسلام .
وقد شرع سنة ست بعد الهجرة ، لأنه نزل فيها قوله تعالى : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) ، وفرض في العام التاسع أو العاشر من الهجرة كما رجحه ابن القيم.
ودليل وجوب الحج هو قول الله تبارك وتعالى [ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ] سورة آل عمران آية 97
الحج يجب مرة واحدة :
وأجمع العلماء على أن الحج لا يتكرر ، وأنه لا يجب في العمر إلا مرة واحدة – إلا أن ينذره فيجب الوفاء بالنذر – وما زاد فهو تطوع .
فعن أبي هريرة قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ” يا أيها الناس ، إن الله كتب عليكم الحج فحجوا ” ، فقال رجل : أكل عام يا رسول الله ؟ فسكت حتى قالها ثلاثا ثم قال صلى الله عليه وسلم ” لو قلت : نعم ، لوجبت ، ولما استطعتم ” ثم قال : ” ذروني ما تركتكم ، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم ، واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شئ فدعوه ” رواه البخاري ومسلم .
هل يجب الحج على الفور أو التراخي ؟
للعلماء قولان :
الأول : ذهب الشافعي ، ومحمد بن الحسن من الحنفية إلى أن الحج واجب على التراخي.
فيؤدى في أي وقت من العمر ، ولا يأثم من وجب عليه بتأخيره متى أداه قبل الوفاة ، واحتجوا بالقياس على الصلاة في الوقت: إن شئت صلها في أوله، أو في آخره، والعمر هو وقت الحج، فإن شاء حج أول العمر أو آخره، واحتجوا أيضاً بأن اللَّه فرض الحج في السنة السادسة بقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله} [البقرة: 196]، ولم يحج النبي – صلى الله عليه وسلم – إلا في السنة العاشرة، وكان معه أزواجه وكثير من أصحابه ، مع أن إيجابه كان سنة ست فلو كان واجبا على الفور لما أخره صلى الله عليه وسلم .
الثاني : وذهب أبو حنيفة ، ومالك ، وأحمد ، وبعض أصحاب الشافعي ، وأبو يوسف إلى أن الحج واجب على الفور .
واستدلوا بقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [سورة آل عمران، الآية: 97]، وبقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: (أيها الناس قد فرض اللَّه عليكم الحج فحجُّوا … ) [رواه مسلم، ]، والأصل في الأمر أن يكون على الفور.
وحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من أراد الحج فليعجل ، فإنه قد يمرض المريض ، وتضل الراحلة ، وتكون الحاجة ” . رواه أحمد
وعنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : ” تعجلوا الحج – يعني الفريضة – فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له ” رواه أحمد
أي : ما يعرض له من مرض أو حاجة .
وحمل الأولون هذه الأحاديث على الندب ، وأنه يستحب تعجيله والمبادرة به متى استطاع المكلف أداءه .
حكم العمرة:
للعلماء قولا ن :
الأول : ذهب أبو حنيفة ، ومالك ، وابن تيمية : إلى أن العمرة سنة.
وأدلتهم:
1- حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن العمرة أواجبة هي؟ قال: لا وأن تعتمر خير لك. رواه أحمد ولكن الحديث ضعفه ابن حجروقال الألباني سنده ضعيف.
2- وبالاقتصار عليها في النصوص الموجبة للحج مثل قوله تعالى: ولله على الناس حج البيت” وحديث جبريل وحديث ابن عمر في أركان الإسلام وحديث الأعرابي الذي قال: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص.
وقال ابن تيمية (والأظهر أن العمرة ليست بواجبة، وأن من حج ولم يعتمر فلا شيء عليه، سواء ترك العمرة عامداً أو ناسياً).
الثاني :قول الشافعي ، وأحمد : أنها فرض كالحج.
واستدل القائلون بالوجوب بعدة أدلة :
1- قوله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله) وقد عطفت على الحج ، وهو فرض ، فهي فرض كذلك.
2- حديث عائشة وفيه: قلت يا رسول الله على النساء جهاد ؟ قال: نعم ، عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة . رواه أحمد وابن ماجه بسند صحيح.
ووجه الاستدلال من الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم (عليهن) وكلمة (على) تفيد الوجوب .
3- وقال البخاري رحمه الله : باب وجوب العمرة وفضلها ، وقال ابن عمر : رضي الله عنهما : ليس أحد إلا وعليه حجة وعمرة ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : إنها لقرينتها في كتاب الله (وأتموا الحج والعمرة لله) اهـ وقوله : (لقرينتها) أي : قرينة فريضة الحج .
أفضل أوقاتها :
في رمضان فعن ابن عباس رضي الله عنهما . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” عمرة في رمضان تعدل حجة ” رواه أحمد
أي أن ثواب أدائها في رمضان يعدل ثواب حجة غير مفروضة وأداؤها لا يسقط الحج المفروض
ما حكم تكرار العمرة أكثر من مرة؟
تكرار العمرة يكون بالخروج من الحرم والذهاب إلى أدنى الحل للإحرام منه؛ كالتنعيم مثلا.
وقد اختلف الفقهاء في حكم تكرار العمرة أكثر من مرة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: يكره تكرار العمرة أكثر من مرة في السنة ، وهو قول الحسن، وابن سيرين، ومالك.
واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يفعله.
القول الثاني: يجوز تكرار العمرة أكثر من مرة مطلقا، بل الإكثار منها مستحب مطلقا، وهو مذهب جماهير علماء المسلمين سلفا وخلفا، وهو قول الحنفية والشافعية، وقول جماعة من المالكية؛ ورواية عن الإمام أحمد.
واستدلوا بالآتي:
1- قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما» أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
فلم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بين أن تكونا في سنة أو سنتين، والمطلق يؤخذ على إطلاقه ما لم يأت ما يقيده.
2- أن الإكثار من مكفرات الذنوب مطلوب شرعا مطلقا، ويؤيد ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة» أخرجه الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
فالتكرار والموالاة يدخلان في عموم الأمر بالمتابعة بين الحج والعمرة كما هو ظاهر.
قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري” (3/ 598، ط. دار المعرفة): [وفي حديث الباب دلالة على استحباب الاستكثار من الاعتمار، خلافا لقول من قال: يكره أن يعتمر في السنة أكثر من مرة كالمالكية، ولمن قال: مرة في الشهر من غيرهم، واستدل لهم بأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يفعلها إلا من سنة إلى سنة وأفعاله على الوجوب أو الندب، وتعقب بأن المندوب لم ينحصر في أفعاله؛ فقد كان يترك الشيء وهو يستحب فعله لرفع المشقة عن أمته، وقد ندب إلى ذلك بلفظه؛ فثبت الاستحباب من غير تقييد، واتفقوا على جوازها في جميع الأيام لمن لم يكن متلبسا بأعمال الحج إلا ما نقل عن الحنفية أنه يكره في يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق، ونقل الأثرم عن أحمد: إذا اعتمر فلا بد أن يحلق أو يقصر فلا يعتمر بعد ذلك إلى عشرة أيام ليمكن حلق الرأس فيها، قال ابن قدامة: هذا يدل على كراهة الاعتمار عنده في دون عشرة أيام] اه.
3- أن العمرة عبادة غير مؤقتة (غير محددة بوقت ثابت كالحج)، فوجب أن تكون من جنس ما يفعل على التوالي والتكرار، كالصوم والصلاة.
4- وقال علي رضي الله عنه: “في كل شهر مرة”.
5- وكان أنس رضي الله عنه إذا حمم رأسه خرج فاعتمر. رواهما الشافعي في “مسنده”.
6- وقال عكرمة: يعتمر إذا أمكن الموسى من شعره.
7- وقال عطاء: إن شاء اعتمر في كل شهر مرتين.
وقال الإمام النووي في “المجموع” (7/ 149-150): [واحتج الشافعي والأصحاب وابن المنذر وخلائق بما ثبت في الحديث الصحيح: “أن عائشة رضي الله عنها أحرمت بعمرة عام حجة الوداع فحاضت فأمرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تحرم بحج ففعلت وصارت قارنة ووقفت المواقف، فلما طهرت طافت وسعت، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «قد حللت من حجك وعمرتك»، فطلبت من النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أن يعمرها عمرة أخرى، فأذن لها فاعتمرت من التنعيم عمرة أخرى” رواه البخاري ومسلم مطولا ونقلته مختصرا.
قال الشافعي: وكانت عمرتها في ذي الحجة ثم أعمرها العمرة الأخرى في ذي الحجة فكان لها عمرتان في ذي الحجة، وعن عائشة أيضا أنها اعتمرت في سنة مرتين؛ أي: بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي رواية ثلاث عمر(ثلاث مرات)، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه اعتمر أعواما في عهد ابن الزبير رضي الله عنه مرتين في كل عام. ذكر هذه الآثار كلها الشافعي ثم البيهقي بأسانيدهما] اهـ.
3- القول الثالث: وخالف في ذلك الحنابلة؛ فأجازوا تكرار العمرة ثم كرهوا الموالاة بينها، مع نقلهم جواز التكرار عن كثير من الصحابة والتابعين، وتجويز التكرار مع كراهية الموالاة
واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه لم ينقل عنهم الموالاة بينهما، وإنما نقل عنهم إنكار ذلك، والحق في اتباعهم.
قال طاووس: الذين يعتمرون من التنعيم، ما أدري يؤجرون عليها أو يعذبون؟ قيل له: فلم يعذبون؟ قال: لأنه يدع الطواف بالبيت، ويخرج إلى أربعة أميال ويجيء، وإلى أن يجيء من أربعة أميال قد طاف مائتي طواف، وكلما طاف بالبيت كان أفضل من أن يمشي في غير شيء]
الخلاصة:
بناء على ذلك فإنه يجوز -بل يستحب- للمسلم أن يعتمر ويكرر العمرة ويوالي بينها، وهذا هو مذهب جماهير العلماء سلفا وخلفا، وذلك بأن يخرج في كل مرة إلى أدنى الحل فيحرم منه بالعمرة.
شروط وجوب الحج والعمرة :
اتفق الفقهاء على أنه يشترط لوجوب الحج ، الشروط آلاتية :
1 – الإسلام . لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} (سورة التوبة، الآية: 28)؛ ولأنه لا يصح منهم ذلك، ومحال أن يجب ما لا يصح؛ ولحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: (بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أمَّره عليها رسول اللَّه – صلى الله عليه وسلم – قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر: أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان)رواه البخاري ومسلم
2-العقل، فلا حج ولا عمرة على مجنون كسائر العبادات إلا أن يفيق؛ لحديث علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (رُفِعَ القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ, وعن الصبي حتى يحتلم) رواه أبو داوود وصححه الألباني في إرواء الغليل.
وعن جابر رضي الله عنه : قال : حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان ، فلبينا عن الصبيان ، ورمينا عنهم . رواه أحمد ثم إن كان الصبي مميزا أحرم بنفسه وأدى مناسك الحج ، وإلا أحرم عنه وليه ولبى عنه وطاف به وسعى ، ووقف بعرفة ، ورمى عنه .
بم تتحقق الاستطاعة ؟
تتحقق الاستطاعة التي هي شرط من شروط الوجوب بما يأتي :
1 – أن يكون المكلف صحيح البدن ، فإن عجز عن الحج لشيخوخته ، أو زمانة ، أو مرض لا يرجى شفاؤه ، لزمه إحجاج غيره عنه إن كان له مال ، وسيأتي في ” مبحث الحج عن الغير ”
2 – أن تكون الطريق آمنة ، بحيث يأمن الحاج على نفسه وماله . فلو خاف على نفسه من قطاع الطريق ، أو وباء ، أو خاف على ماله من أن يسلب منه ، فهو ممن لم يستطع إليه سبيلا .
3 ، 4 – أن يكون مالكا للزاد ، والراحلة .
والمعتبر في الزاد : أن يملك ما يكفيه مما يصح به بدنه ، ويكفي من يعوله فاضلا عن حوائجه الأصلية ، من ملبس ومسكن ، ومركب ، حتى يؤدي الفريضة ويعود .
5 – أن لا يوجد ما يمنع الناس من الذهاب إلى الحج كالحبس والخوف من سلطان جائر يمنع الناس منه .
حكم الحج والعمرة بالتقسيط :
فأجاب : الذي أراه أنه لا يفعل ؛ لأن الإنسان لا يجب عليه الحج إذا كان عليه دَيْن ، فكيف إذا استدان ليحج ؟! فلا أرى أن يستدين للحج ؛ لأن الحج في هذه الحال ليس واجباً عليه ، ولذا ينبغي له أن يقبل رخصة الله وسعة رحمته ، ولا يكلف نفسه دَيْناً لا يدري هل يقضيه أو لا ؟ ربما يموت ولا يقضيه ويبقى في ذمته ” انتهى . “مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين” (21/93)
حكم الحج لمن عليه دين:
إن كان الدين حالاً(حل ميعاد سداده)، ولا يملك الشخص ما يتمكن به من الجمع بين قضائه للدين ، ونفقة الحج معا، فالواجب هو تقديم قضاء الدين، وليس أمامه من سبيل إلا أن يستأذن غريمه، فإن حقوق العباد مبنية على المشاحة، وأما الحج فوجوبه مقرون بالاستطاعة.
فإن أذن صاحب الدين في تأخيره فلا بأس عليه في أن يحج.
وأما إذا لم يكن الدين حالا، أو كان يجب على أقساط، ولا تؤثر نفقة الحج على سداده، فتجب المبادرة إلى حج الفريضة
حج المرأة :
يجب على المرأة الحج ، كما يجب على الرجل ، سواء بسواء ، إذا استوفت شرائط الوجوب التي تقدم ذكرها ، ويزاد عليها بالنسبة للمرأة أن يصحبها زوج أو محرم .
وضابط المحرم عند العلماء : من حرم عليه نكاحها على التأبيد فخرج بالتأبيد التحريم المؤقت كالجمع بين الأختين أو الزوجة وعمتها.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم فقام رجل ، فقال : يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة ، وإني اكتتبت في غزوة وكذا وكذا فقال : ” انطلق فحج مع امرأتك ” رواه البخاري ومسلم
وإلى اشتراط هذا الشرط ، وجعله من جملة الاستطاعة ، ذهب أبو حنيفة وأصحابه ، والنخعي ، والحسن ، والثوري ، وأحمد ، وإسحق .
والمشهور عند الشافعية اشتراط الزوج أو المحرم أو النسوة الثقات ، وفي قول : تسافر وحدها ، إذا كان الطريق آمنا . وهذا كله في الواجب من حج أو عمرة . وفي ” سبل السلام ” : قال جماعة من الأئمة : يجوز للعجوز السفر من غير محرم .
وقد استدل المجيزون لسفر المرأة من غير محرم ولا زوج – إذا وجدت رفقة مأمونة ، أو كان الطريق آمنا – بما رواه البخاري عن عدي بن حاتم قال : ” بينا أنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة ، ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل ، فقال : ” يا عدي هل رأيت الحيرة (قرية قريبة من الكوفة ) ” قال : قلت : لم أرها ، وقد أنبئت عنها . قال : ” فإن طالت بك حياة لترين الظعينة (الهودج فيه امرأة أم لا ) ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة ، لا تخاف إلا الله ” .
واستدلوا أيضا بأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم حججن بعد أن أذن لهن عمر في آخر حجة حجها ، وبعث معهن عثمان بن عفان ، وعبد الرحمن ابن عوف . وكان عثمان ينادي : ألا لا يدنو أحد منهن ، ولا ينظر إليهن ، وهن في الهوادج على الإبل .
ومما هو جدير بالذكر أن الحكومة السعودية كانت تشترط على المرأة أقل من 45 سنة وجود المحرم معها عند إعطائها التأشيرة ، والآن فتحوا الباب للجميع بدون شرط المحرم
استئذان المرأة زوجها :
يستحب للمرأة أن تستأذن زوجها في الخروج إلى الحج الفرض ، فإن أذن لها خرجت ، وإن لم يأذن لها خرجت بغير إذنه ، لأنه ليس للرجل منع امرأته من حج الفريضة ، لأنها عبادة وجبت عليها ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ولها أن تعجل به لتبرئ ذمتها ، كما لها أن تصلي أول الوقت ، وليس له منعها.
وأما حج التطوع فله منعها منه . لما رواه الدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنهما ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم – في امرأة كان لها زوج ولها مال ، فلا يأذن لها في الحج – قال : ” ليس لها أن تنطلق إلا بإذن زوجها ” .
الحج أولاً أم الزواج :
إذاكان الشخص يخشى من الوقوع في الحرام لو أخر الزواج وعنده من المال ما يكفيه لمتطلبات الزواج فليتزوج فوراً، ولو أدى ذلك إلى تأخير الحج سنين، ولا يجوزتأخير الزواج في هذه الحالة لقوله صلى الله عليه وسلم: “من استطاع منكم الباءة فليتزوج ..” إلى آخره،متفق عليه.
أما إذا كان متحكماً في نفسه، قادراً على كبح جماح شهوته،مع توفرشروط وجوب الحج لديه، فعليه تقديم أداء فريضة الحج ، لأنالحج فرض على المستطيع، والزواج غير واجب على من لم يخش الوقوع في الحرام،والواجب مقدم على غيره.
هل يجب الحج أولاً أم زواج الأبناء؟
مسألة وجوب تزويج الأبناء على الآباء محل خلاف بين العلماء، فذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية إلى عدم وجوب ذلك على الوالد.
ومذهب الحنابلة وجوب ذلك على الوالد إذا كانت نفقة الولد واجبة واحتاج للنكاح.
بشرطين :
الأول: أن يكون الولد عاجزاً عن الإنفاق على تزويج نفسه، لعدم وجود مال لديه، أو عدم قدرته على الكسب.
الثاني: احتياج الولد إلى الزواج للإعفاف،لأن إعفافه وصيانته عن الوقوع في الحرام أمر واجب لايحتمل التأخير ، أما الحج فيمكن تأخيره إلى أن ييسر الله له .
أما إن كان الولد لا يحتاج إلى النكاح أو لا يخاف على نفسه الوقوع في الحرام لو أخر النكاح ، فإنه لا يلزم تزويجه الآن ، وعليه فيكون الحج واجبا على الأب ؛ لأنه ملك مالا فائضا عن نفقته ونفقة من يعول
قالابن قدامة في المغني: وعلى الأب إعفاف ابنه إذا كانت عليه نفقته، وكان محتاجاً إلى إعفافه. انتهى
وهذا الحكم إذا كان مال الأب لا يكفي للأمرين الحج وتزويج ولده، أما إذا كان يملك مالا يكفي الأمرين فعليه فعلهما .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” حاجة الإنسان إلى الزواج ملحة قد تكون في بعض الأحيان كحاجته إلى الأكل والشرب ، ولذلك قال أهل العلم : إنه يجب على من تلزمه نفقة شخص أن يزوجه إن كان ماله يتسع لذلك ، فيجب على الأب أن يزوجابنه إذا احتاج الابن للزواج ولم يكن عنده ما يتزوج به ، لكن سمعت أن بعض الآباءالذين نسوا حالهم حال الشباب إذا طلب ابنه منه الزواج قال له : تزوج من عرق جبينك . وهذا غير جائز ، وحرام عليه إذا كان قادراً على تزويجه ، سوف يخاصمه ابنه يوم القيامة إذا لم يزوجه مع قدرته على تزويجه ” انتهى من ” فتاوى أركان الإسلام” ( ص440-441) .
من مات وعليه حج :
من مات وعليه حجة الإسلام ، أو حجة كان قد نذرها وجب على وليه أن يجهز من يحج عنه من ماله ، كما أن عليه قضاء ديونه .
فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أمي نذرت أن تحج ولم تحج حتى ماتت ، أفأحج عنها ؟ قال : ” نعم ، حجي عنها . أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته ؟ اقضوا الله ، فالله أحق بالوفاء ” رواه البخاري .
وفي الحديث دليل على وجوب الحج عن الميت ، سواء أوصى أم لم يوص ، لان الدين يجب قضاؤه مطلقا ، وكذا سائر الحقوق المالية من كفارة ، أو زكاة ، أو نذر . وإلى هذا ذهب ابن عباس ، وزيد بن ثابت ، وأبو هريرة ، والشافعي ،والإمام أحمد.
وقال مالك : إنما يحج عنه إذا أوصى ، أما إذا لم يوص فلا يحج عنه ، لان الحج عبادة غلب فيه جانب البدنية ، فلا يقبل النيابة ، وإذا أوصى حج من الثلث .
الحج عن الغير :
من استطاع السبيل إلى الحج ثم عجز عنه ، بمرض أو شيخوخة ، لزمه إحجاج غيره عنه ، لأنه أيس من الحج بنفسه لعجزه ، فصار كالميت فينوب عنه غيره .
ولحديث الفضل بن عباس : أن امرأة من خثعم قالت : يا رسول الله ، إن فريضة الله على عباده في الحج ، أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة ، أفأحج عنه ؟ قال : ” نعم ” وذلك في حجة الوداع : رواه الجماعة
وقد رخص بعضهم أن يحج عن الحي إذا كان كبيرا وبحال لا يقدر أن يحج ، وهو قول ابن المبارك والشافعي .
وفي الحديث دليل على أن المرأة يجوز لها أن تحج عن الرجل والمرأة ، والرجل يجوز له أن يحج عن الرجل والمرأة ، ولم يأت نص يخالف ذلك .
إذا عوفي المعضوب ( الأشل الذي لا يتحرك) :
إذا عوفي المريض بعد أن حج عنه نائبه فإنه يسقط الفرض عنه ولا تلزمه الإعادة ، لئلا تقضي إلى إيجاب حجتين ، وهذا مذهب أحمد .
وقال الجمهور : لا يجزئه ، لأنه تبين أنه لم يكن ميئوسا منه ، وأن العبرة بالانتهاء .
شرط الحج عن الغير :
يشترط فيمن يحج عن غيره ، أن يكون قد سبق له الحج عن نفسه . لما رواه ابن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول : لبيك عن شبرمة ، فقال : أحججت عن نفسك ؟ قال : لا . قال : ” فحج عن نفسك ، ثم حج عن شبرمة ” رواه أبو داود .
من حج لنذر وعليه حجة الإسلام :
أفتى ابن عباس وعكرمة ، بأن من حج لوفاء نذر عليه ولم يكن حج حجة الإسلام أنه يجزئ عنهما . وأفتى ابن عمر ، وعطاء : بأنه يبدأ بفريضة الحج ، ثم يفي بنذره .
حكم أداء العمرة عن الغير :
يجوزأداء العمرة عن الميت، وعن الحي العاجز عن أدائها بنفسه، سواء كانت عمرة فريضة، أو عمرة تطوع، أما الحي القادر فإذا كان قد أدى عمرة الفريضة بنفسه فيجوز عند الحنفية أداء عمرة تطوعاً عنه، وإلا فلا، وذهب الجمهور إلى المنع .
ويشترط فيمن يؤدي العمرة عن غيره أن يكون قد اعتمر عن نفسه أولا فإن الأصل جواز تكرار العمرة في السنة الواحدة؛ كما سبق.
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ذهب الفقهاء في الجملة إلى أنه يجوز أداء العمرةعن الغير؛ لأن العمرة كالحج تجوز النيابة فيها؛ لأن كلا من الحج والعمرة عبادة بدنية مالية.. ولهم في ذلك تفصيل :
ذهب الحنفية إلى أنه يجوز أداء العمرة عن الغير بأمره ؛ لأن جوازها بطريق النيابة ، والنيابة لا تثبت إلابالأمر ، فلو أمره أن يعتمر فأحرم بالعمرة واعتمر جاز ؛ لأنه فعل ما أمر به.
وذهب المالكية إلى أنه تكره الاستنابة في العمرة وإن وقعت صحت .
وقال الشافعية: تجوز النيابة في أداء العمرة عن الغير إذا كان ميتا أو عاجزاعن أدائها بنفسه, فمن مات وفي ذمته عمرة واجبة مستقرة بأن تمكن بعد استطاعته من فعلها ولم يؤدها حتى مات ، وجب أن تؤدى العمرة عنه من تركته, ولو أداها عنه أجنبي جاز ولو بلا إذن كما أن له أن يقضي دينه بلا إذن.
وتجوزالنيابة في أداء عمرة التطوع إذاكان عاجزاعن أدائها بنفسه, كما في النيابة عن الميت.
وذهب الحنابلة إلى أنه لا تجوز العمرة عن الحي إلا بإذنه ؛ لأنها عبادة تدخلهاالنيابة فلم تجز إلا بإذنه أما الميت فتجوز عنه بغيرإذنه انتهى.
ومن الأدلة على جواز ذلك ما روى الترمذي عن عبدالله بن بريدة عن أبيه قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي ماتت ولم تحج أفأحج عنها؟ قال: نعم حجي عنها. قال: وهذاحديث صحيح.
قال في تحفة الأحوذي شرح الترمذي: قوله : نعم حجي عنها. فيه جواز الحج عن الميت. اهـ
وفي الترمذي أيضا عن أبي رزين العقيلي: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لايستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن، قال: حُجَّ عن أبيك واعتمر.
قال أبوعيسى: هذا حديث حسن صحيح، وإنما ذكرت العمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن يعتمر الرجل عن غيره. وأبو رزين العقيلي اسمه لقيط بن عامر. اهـ
ويدل لجواز العمرة عن الغير ما رواه أبوداود وابن ماجه وصححه ابن حبان من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: لبيك عن شبرمة! قال: من شبرمة؟ قال أخلي أوقريب لي، فقال: حججت عن نفسك ؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك ثم عن شبرمة. قال الترمذي: حسن صحيح .
والعمرة والحج في ذلك سواء.
وقال ابن قدامة في المغني: ولا يجوز الحج والعمرة عن حي إلا بإذنه فرضا كان أوتطوعا لأنها عبادة تدخلها النيابة فلم تجز عن البالغ العاقل إلا بإذنه كالزكاة، فأما الميت فتجوز عنه بغير إذن واجبا كان أو تطوعا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالحج عن الميت، وقد علم أنه لا إذن له، وما جاز فرضه جازنفله كالصدقة، فعلى هذا كل ما يفعله النائب عن المستنيب مما لم يؤمر به مثل أن يؤمر بحج فيعتمر أو بعمرة فيحج يقع عن الميت لأنه يصح عنه من غيرإذنه، ولا يقع عن الحي لعدم إذنه فيه، ويقع عمن فعله لأنه لما تعذر وقوعه عن المنوي عنه وقع عن نفسه مُقَامَهُ كَالْفِدْيَةِ فِي بَابِ الصَّوْمِ .انتهى
الحج من مال حرام :
ويجزئ الحج وإن كان المال حراما ويأثم عند الأكثر من العلماء .
وقال الإمام أحمد : لا يجزئ ، وهو الأصح لما جاء في الحديث الصحيح : ” إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ” .
التكسب في الحج :
لا بأس للحاج أن يتاجر ، ويؤاجر ويتكسب ، وهو يؤدي أعمال الحج والعمرة . قال ابن عباس : إن الناس في أول الحج كانوا يتبايعون بمنى وعرفة ، وسوق ذي المجاز ومواسم الحج ، فخافوا البيع وهم حرم . فأنزل الله تعالى : ( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ) في مواسم الحج ) رواه البخاري ، ومسلم.