رمي الجمرات قبل الزوال د/ خالد حنفي

تاريخ الإضافة 14 June, 2024 الزيارات : 3472

رمي الجمرات قبل الزوال

غدا أول يوم من أيام التشريق، حيث يرمي حجاج بيت الله الحرام الجمرات الثلاثة الصغرى والوسطي والكبري، ليومين لمن تعجل وثلاثة لمن تأخر، ويقترب عدد الحجاج هذا العام من الثلاثة ملايين، كما تقترب درجة الحرارة من 40 .

ورغم الجهود التى تبذلها المملكة فى تنظيم الحجيج ومنع التدافع، إلا أن عدد الحجاج يبقى أكبر من مسارات وأماكن الرمي إذا ما تم التمسك بالأوقات المستقرة فقها للرمي فى أيام التشريق.

حيث يرى جمهور الفقهاء أن وقت الرمي فى أيام التشريق التى تبدأ غدا، يبدأ من منتصف النهار (الزوال) وحتى غروب الشمس، وهى مساحة زمنية لا تستوعب أعداد الحجيج، حتى وإن قبلنا يتوسيع نهاية الوقت ليلا إلى منتصفه، ولئن تمكن الحجاج من الرمي فى هذا الوقت دون تدافع، وتعريض أرواحهم للخطر يبقى الحرج والمشقة قائمتين فى هذا الطقس والعدد، وارتفاع نسبة المرضى وكبار السن بين الحجاج.

لهذا أتقدم بمقترحات ثلاثة لحل الإشكال من الناحية الفقهية:

الأول: التوسيع فى التوكيل والنيابة فى الرمي، خاصة بحق النساء والمرضى وأصحاب الأعذار، وقد قال بجواز التوكيل في الرمي لعذر أغلب الفقهاء.

الثاني: ترك الحجاج باختياراتهم الفقهية التي قدموا بها من بلدانهم وعدم إلزامهم بمذهب فقهي واحد حتى وإن قوى دليله وترجح على غيره، على أن لا يختص ذلك بمسألة الرمي.

فالمبيت بمنى على سبيل المثال سنة عند الحنفية وواجب عند الجمهور يلزم بتركه دم، وترك أصحاب المذهب الحنفي كالاتراك وغيرهم وما اختاروه يعني تخفيف الزحام على منى، وتيسير النسك على المرضى وكبار السن والنساء، وكذلك المبيت بمزدلفة سنة عند الحنفية والمالكية واجب عند غيرهم.

وهذا هو عمق وأساس كثرة النصوص ظنية الدلالة فى آيات الأحكام، فتح باب الاجتهاد الذي ينتج تعدد الاختيارات أمام المكلف لتناسب الشريعة كل زمان ومكان وأحوال وأشخاص. 
وفى موضوع الرمي فى أيام التشريق هناك قطاع من الحجاج مقتنع ومنفذ للرمي قبل الزوال لكن يقع التشكيك فى فعله ويطالب بإعادة الرمي من قبل بعض المفتين، وهو ما يوقع الناس في الحرج وتصادم القاعدة الفقهية: لا إنكار فى مسائل الاجتهاد . وتقرير هذا المبدأ يعني وجود شريحة من الحجاج ترمي قبل الزوال وأخرى بعده، وثالثة توكل من يرمي عنها، مما يوسع الزمان إضافة إلى توسيع المكان ويخفف الزحام ويؤمن الحجيج.

الثالث: توسيع وقت الرمي قبل الزوال في أيام التشريق ليبدأ من فجر الغد إلى فجر بعد غد، خلافا لجمهور الفقهاء. وقد قال بهذا الرأى فقيه المناسك سيدنا عطاء بن أبي رباح وطاوس من فقهاء السلف وعدد من الفقهاء المعاصرين، وإنني أرجح هذا الرأى وأدعو إلى العمل به تماما كرأى الجمهور المخالف له وذلك لما يلي:

1. يتمسك الجمهور بفعل النبي صلى الله عليه وسلم إذ رمى عند الزوال فى أيام التشريق، ولم ينقل أنه جوز الرمي قبله، ولا ثبت ذلك عن الصحابة. 
قلت: ليس مجرد رمي النبي صلى الله عليه وسلم زوالا دليلا على عدم الرمي قبله، فالراجح من أقوال الأصوليين فى الترك النبوى المجرد الذي لم يصحب بنهى قولى، أنه يدل فقط على مجرد الترك. ولا يعنى حرمة الفعل الذي تركه النبي صلى الله عليه وسلم وهو الرمي قبل الزوال.

2. من تناقضات المشهد الفقهي أن جمهور الفقهاء جوزوا تأخير طواف الإفاضة عن يوم النحر رغم كونه ركن من أركان الحج والرمي واجب ينجبر عند تركه بدم . حيث قالوا بتأخير طواف الإفاضة الركن عن اليوم الذي طاف فيه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوم النحر على خلاف بينهم فى توسيع الوقت فمنهم من وسعه إلى نهاية أيام التشريق ومنهم من وسعه إلى نهاية ذي الحجة، ومنهم من وسعه إلى نهاية العام. فكيف فهموا من رمي النبي صلى الله عليه وسلم الجمرات وهى واجبة زوالا التأقيت وعدم جواز الرمي قبل الزوال ، بينما فهموا التوسيع فى وقت طواف الإفاضة الركن رغم فعله النبي له فى وقت محدد وهو يوم النحر! ولعل السبب أنهم لم يكونوا بحاجة للنظر فى المسألة بحدود زمانهم وحلهم حيث العدد المحدود للحجيج.

3. قياس توسيع وقت الرمي فى أيام التشريق على الرمي فى يوم النحر حيث يبدأ من منتصف ليلة النحر أو من فجرها، وإنما وسع الشارع وقت الرمي يوم النحر لكثرة الأعمال فيه من رمي وذبح هدى وحلق أو تقصير وطواف وسعي، بينما فى أيام التشريق لا عمل سوى الرمي. والحرج والمشقة وزيادة أعداد الناس اليوم أسباب لتوسيع الوقت تعادل كثرة الأعمال فى يوم النحر.

4. الحفاظ على أرواح الناس وأعراضهم من مقاصد الشريعة، وتعريض حياتهم للخطر أو النسك للحرج والمشقة الزائدة مخل بهذه المقاصد ويعرض الصورة الحضارية العالمية للإسلام للتشويه.

والله أعلم 
وكتبه 
د/ خالد حنفي

رئيس لجنة الفتوى بألمانيا 
وعضو المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 14 May, 2024 عدد الزوار : 989 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن العظيم

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

أحدث المقالات

“لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ… “

حقوق آل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم-

فضل الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم

الرد المبين على منكري سنة النبي الأمين

ماذا كتب مايكل هارت عن الرسول في كتابه الخالدون مئة؟

قدر الحبيب النبي عند الرب العلي

لماذا نحتفل بميلاد الرسول ؟

محمد النبي الإنسان

يا محب الرسول عليك بخمسة أمور

“وإنك لعلى خلق عظيم”

الرسول صلى الله عليه وسلم كأنك تراه

جوانب العظمة في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم-

الرسول القدوة

شمس محمد تسطع على العالم محمد الغزالي

مرافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة

كيف ربى الرسول أتباعه على العزة والكرامة

بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ

الاشتياق إلى النبي للشيخ محمد المنجد

أنت مع من أحببت

ما الحكمة في أن رسول الله كان أميا ؟

كيف ربى الرسول أصحابه ؟

شرح حديث “ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان”

سبيل الوصول إلى محبة الرسول

خصائص رسالة النبي صلى الله عليه وسلم

وسراجا منيرا

وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ

خصائص النبي محاضرة للشيخ المنجد

 (24) Towards Salvation of the Heart. Part (3)