السنن المهجورة(28) الدعاء لأخيك بظهر الغيب

تاريخ الإضافة 7 مارس, 2025 الزيارات : 8

(28) الدعاء لأخيك بظهر الغيب

يتميز سلوك المسلم عن غيره بأنه يحب الخير لإخوانه المسلمين كما يحبه لنفسه، مصداقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنَفْسِه» صحيح البخاري

وقد حث الشرع المسلمين على الدعاء لبعضهم البعض بظهر الغيب، كما في حديث أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، إِلَّا قَالَ الْمَلَكُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ) رواه مسلم.

ومعنى قوله: (بظهر الغيب): أي في غيبة المدعو له.

هذه الصورة الطيبة التي يُشَجِّعنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الدعاء للمسلمين، تتضمن وعدًا بأن الخير الذي ستدعو به لن يصل إلى المدعو له فقط، وإنما سيناله الداعي كذلك؛ لأن الله الذي أرسل الملَكَ ليقول: “آمِينَ”، أرسله وهو يُريد الإجابة، كما أن الملَكَ يقول بيقين: “وَلَكَ بِمِثْلٍ”، وهذا أمر لا يمكن أن يقطع به الملَكَ بمفرده، إنما أخبره الله سبحانه وتعالى بتحقُّق الإجابة، فصار أداء هذه السُّنَّة الجميلة نافعًا للطرفين: الداعي والمدعو له.

والسرَّ في استجابة الدعاء لمن دعا لأخيه بظهر الغيب هو الإخلاص والبعد عن الرياء والسمعة، فهو لا يدعو له مجاملة ولا نفاقا؛ لذا اشترط أن يكون الدعاء بغيبته، وكذا لو كان حاضرًا لكنه لا يُسمعه.

ما حكم إخبار المدعو له بظهر الغيب بالدعاء له؟

إخبار الأخ بذلك قد يكون لعدة مقاصد:

فإن قصد بذلك: إظهار التفضل والمنّ على المدعو له، فالمن من كبائر الذنوب، وقد يحبط ذلك العمل الذي منه به صاحبه.

إما إذا أراد إظهار موَدته للمدعو له وإدخال السرور على قلبه، وجلب مزيد الألفة والمودة بينهما؛ فلا بأس بذلك؛ كما جاء في الحديث: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تَدْخِلُهُ عَلَى مُؤْمِنٍ) رواه ابن أبي الدنيا في “قضاء الحوائج”، وحسّنه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة.
لكن لا ينبغي أن يسأله أن يدعو له بمثل ذلك، أو يدعو له، كما دعا له هو بظهر الغيب، فالظاهر أن هذا طلب للأجر والمكافأة، على العمل الصالح، من الغير.

هل يطلب المسلم الدعاء من أخيه؟

طلب المسلم الدعاء من أخيه المسلم: جائز لا حرج فيه؛ للأدلة المتكاثرة الواردة في الكتاب والسنة النبوية، وهي تدل على جواز طلب الدعاء من الآخرين، خاصة إذا كان طلب الدعاء ممن هو مشهور بالخير والصلاح.

ومن الأدلة على ذلك:
1- قول الله عز وجل عن إخوة يوسف: (قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ) [يوسف/97]

2- وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: لما رأيت من النبي صلى الله عليه وسلم طيب نفس، قلت: يا رسول الله، ادع الله لي. فقال: «اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر، ما أسرت وما أعلنت»، فضحكت عائشة حتى سقط رأسها في حجرها من الضحك، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيسرك دعائي؟»، فقالت: وما لي لا يسرني دعاؤك فقال صلى الله عليه وسلم: «والله إنها لدعائي لأمتي في كل صلاة» رواه ابن حبان في “صحيحه” وحسنه الألباني في صحيح ابن حبان

3- حديث أويس القرني الطويل، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر: (فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ، فَأَتَى أُوَيْسًا فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي) رواه مسلم

4- عن صفوان – وهو ابن عبد الله بن صفوان – وكانت تحته الدرداء قال: قدمت الشام، فأتيت أبا الدرداء في منزله، فلم أجده، ووجدت أم الدرداء، فقالت: أتريد الحج العام؟ فقلت: نعم. قالت: فادع الله لنا بخير، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل) قال: فخرجت إلى السوق، فلقيت أبا الدرداء، فقال لي مثل ذلك يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم

5- عن عمر رضي الله عنه قال: (استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن لي وقال: لا تنسنا يا أخي من دعائك، فقال كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا) رواه أبوداود، ولكن ضعفه الألباني في ” ضعيف أبي داود”.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: طلب الدعاء مشروع من كل مؤمن لكل مؤمن…فلهذا كان طلب الدعاء جائزا كما يطلب منه الإعانة بما يقدر عليه والأفعال التي يقدر عليها “
لكنه في موضع آخر زاد على ذلك قيدا خاصا، فقال: إن طلب الدعاء جائز، ولكنه خلاف الأولى والأفضل بالمسلم، إذ الأولى أن يتوجه إلى الله مباشرة، ولا يتعرض لسؤال المخلوقين بأدنى شيء ولو بالدعاء، واستدل على ذلك بأدلة:
1- عموم الأدلة التي تنفر من سؤال الخلق، وتدعو إلى الاستغناء بالله عز وجل، فالمسألة مهما صغرت فيها نوع ذل، والمسلم لا يتذلل إلا لله تعالى.

2- يخشى أن يكون سؤال الدعاء من الناس سببا لاتخاذ الوسائط بين الخالق والمخلوق، وأساس عقيدة التوحيد يقوم على نفي الوسائط والشفعاء، والتعلق برب الأسباب سبحانه وتعالى.

ولكنه رحمه الله استثنى ما إذا كان طالب الدعاء قد قصد بطلبه الدعاء من غيره أن ينتفع ذلك المطلوب منه بتأمين الملائكة على دعائه، فيتحقق لطالب الدعاء حينئذ فضل الدعاء أولا، وأجر نفع المطلوب منه بتأمين الملائكة ودعائها له ثانيا.

فلنطَبِّق هذه السُّنَّة الرائعة، ونراجع سجلَّ إخواننا وأصدقائنا، ولنَدْعُ لكلِّ واحد منهم بما نتوقَّع أنه يحتاجه، وسيستجيب الله عز وجل لدعائنا؛ فيخرج إخواننا من أزماتهم، ويتحقَّق لنا من الخير مثل الذي دعونا به لهم.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 9 يناير, 2025 عدد الزوار : 14019 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن العظيم

فقه الصيام

شرح مدارج السالكين