في وداع رمضان

تاريخ الإضافة 5 April, 2024 الزيارات : 7921

في وداع رمضان

ها هو الشهر الكريم لم يبق منه إلا سويعات ويرحل ….
سبحان الله
لكل شئ إذا ماتم نقصان ….
فلا يغر بطيب العيش إنسان
وسبحان من يغير ولا يتغير ……

نزل جبريل الأمين عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ” يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فانك مجزى به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل وعزه استغناؤه عن الناس “

فيا شهر الصيام فدتك نفسي …… تمهل في الرحيــــل والانتقال
فما أدري إذا ما الحــول ولىّ   ……  وعدت بقابل في غيــــر حال
أتلقـــاني مع الأحيــــــاء حيا …..    أم أنــك تلقني في اللــحد بالِي

وقال الحسن : ” يا ابن آدم، إنما هي أيام إذا مضى يومك ينقصك ” .

وقيل في المعنى شعرا:
إنا لنفرح بالأيام نقطعها … وكل يوم مضى نقص من الأجل
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً … فإنما الربح والخسران في العمل

وقال بعض الحكماء : “عجبت لمن يحزن على نقصان ماله ولا يحزن على نقصان عمره” .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ” ويل لمن كانت الدنيا همه، والخطايا عمله، كيفما يقدم غدا بقدر ما تحرثون تحصدون ” .

أولا بشرى للصائمين :
إنَّ بلوغ رمضان لنعمةٌ عظمى ، لا يقْدُرُها حق قدرِها إلا الموفَّقون،فلقد كنّا بالأمس القريبِ نتشوق للقائه، ثم – ولله الحمد – عشنا في نفحاته لحظات مرّت مرور الطيف ولمعت لمعان البرق .
فخرج المسلم منها بصفحة مشرِقة بيضاء ناصعةٍ ، مبرأةً من سيئات الأعمال، قد استلهم الصائم الصادق المحتسب من مدرسة رمضان قوَّة الإرادة والعزيمة على كل خير، وتقوى الله في كل حين ، تقويما للسلوك ، وتزكية للنفوس ، وتنقيةً للسرائر وإصلاحاً للضمائر، وتمسّكاً بالخيرات والفضائل، وبُعداً عن القبائح والرذائل .
فغدا الصوم لنفسه حصناً حصيناً من الذنوب والمآثم، وحمىً مباحاً للمحاسن والمكارم، فصفتْ روحه ، ورقَّ قلبه، وصلحتْ نفسه، وتهذَّبتْ أخلاقه .

هذا في الدنيا أما في الآخرى فقد قال ( الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام أي ربي منعته الطعام فشفّعني فيه ، ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفّعني فيه، قال : فيشفعان) رواه أحمد وصححه الألباني .

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال : من صام رمضان إيماناً و احتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ، و من قام ليلة القدر إيماناً و احتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه .
و فيهما أيضاً من حديث أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه عن النبي قال : ( من قام رمضان إيماناً و احتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه )
ثانيا / ربنا تقبل منا :
روى الترمذي عن عبد الرحمن بن سعيد أن عائشة رضي الله عنها قالت : سألت رسول الله عن هذه الآية : ( وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ)
فقلت : أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون ؟ قال : ( لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يُقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات).
قال ابن عمر رضي الله عنه : لو أعلم أن الله تقبل مني ركعتين لتمنيت الموت بعدها قال تعالى : (إنما يتقبل الله من المتقين ) .
كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل و إكماله و إتقانه ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله و يخافون من رده و هؤلاء الذين : يؤتون ما آتوا و قلوبهم وجلة )

و عن علي رضي الله عنه قال : كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل .

ثالثا / واعبد ربك حتى يأتيك اليقين :
إيه أيتها النفس ؟!
كنت منذ أيام… في صلاة ، وقيام ، وتلاوة ، وصيام ، وذ كّر ، ودعاء ، وصدقه ، وإحسان ،وصلة أرحام !
ذقنا حلاوة ا لإيمان وعرفنا حقيقه الصيام ، وذقنا لذّه الدمعة ، وحلاوة المناجاة في الأسحار !!
نتذكر بعد رمضان أنا كنا نُصلي صلاة من جُعلت قرةُ عينه في الصلاة , وكنا نصوم صيام من ذاق حلاوته وعرف طعمه ، وكنا ننفق نفقه من لا يخشى الفقر ، وكنا .. وكنا ..
مما كنا نفعله في هذا الشهر المبارك الذي سيرحل عنا بعد قليل!.

واعبد ربك حتى يأتيك اليقين كذا يجب أن يكون العبد … مستمر على طاعة الله , ثابت على شرعه , مستقيم على دينه ، لا يراوغ روغان الثعالب ، يعبد الله في شهر دون شهر ، أو في مكان دون آخر ، لا … وألف لا ..!!
بل يعلم أن ربّ رمضان هو ربّ بقية الشهور والأيام …. قال تعالى : { فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَك.. } هود 112
وقال : { … فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ… } فصلت 6 .

رابعا / كثرة النوافل علامة حب العبد لله:
النافلة كلمة بها من الروعة ما بها وتحتوي من المعاني الكثير، ومهما قيل في تفسيرها لغة فإنها على كل حال تتضمن معنى الزيادة؛ وهي تعني في الشرع الزيادة في العبادة على مقدار الفريضة، من جنس تلك الفريضة.

وهنا يجدر التنبيه إلى أن بعض الناس يحسبون أن النوافل محصورة في الصلاة؛ والصواب أن لكل عبادة فروضها ونوافلها؛ فكما أنّ للصلاة نوافلها، فكذلك للزكاة نوافلها، وللصوم نوافله، وللحج نوافله. ومن عظمة الإسلام أنه أمر على سبيل الوجوب بالحد الأدنى الذي لا بد منه، وهو مقدار الفرض من كل عبادة، ثم شجع على النوافل، وترك الباب مفتوحا للاستزادة منها من غير أن يضع حدا، أو يقدر مقدارا؛ فالباب مفتوح للتسامي، والأجواء طليقة للتحليق؛فأين الطامحون؟!. فما أشد غفلة الذي يزهد بالنوافل ويقتصر على الفرائض!.
إنه يزهد بالخير العميم الذي وعد الله عباده الذين يتقربون إليه بالنوافل؛ وينسى أنه لا يخلو من تقصير في واجب، أو وقوع في معصية، وأنه بحاجة إلى هذه النوافل التي تجبر نقصه، قال تعالى: {إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين).
إن في النوافل من المعاني والدلالات العظيمة ما لا يدركه إلا من فتح الله عين بصيرته، وأزاح الران عن قلبه. ولكل نافلة من الأنوار والتجليات ما يطمس بقوته نور الشمس! منها :
1- أن النوافل أولا سور منيع، وسياج يحمي الفرائض من تسرب الضعف إليها؛ فمن حافظ على النوافل كان على الفرائض أكثر محافظة، ومن تهاون بها كانت الخطوة التالية إذا تمكن الكسل من المرء أن يفرط بالفرائض، والعياذ بالله.
فالشيطان يشجع المرء أولا على ترك النافلة، محتجا بأنها ليست مفروضة، فإذا نجح في ذلك خطا خطوة أخرى مع العبد الذي انخدع به وخضع لإيحاءاته.

2- والنوافل جوابر؛ يجبر بها يوم القيامة ما قد يكون في الفرائض من نقص أو خلل غير مبطل. أرأيت الإنسان إذا كسر عضو من أعضائه كيف توضع له الجبيرة ليعود العضو كما كان؟!
وكذلك النوافل تعوض النقص وتصلح الخلل؛ فقد جاء في الحديث الذي رواه الطبراني في الأوسط أن أبا هريرة قال: “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته، فيقول الله عز وجل لملائكته: انظروا إلى صلاة عبدي أتمها أم نقصها؟ فإن أتمها كتبت له تامة، وإن كان قد انتقصها قيل: انظروا هل لعبدي من نافلة تكملون بها فريضته؟ ثم تؤخذ الأعمال بعد ذلك“.

3- النوافل دليل العبودية الحقة لله تعالى؛ لأن أي فعل لا بد له من دافع يدفع إليه. ومن المعلوم أن الإنسان يميل بطبعه إلى الراحة، فما الذي يجعل جنبه يتجافى عن مضجعه؟ وما الذي يبعثه من فراشه ليقف في ليل الشتاء البارد متذللا خاشعا بين يدي مولاه؟ إنه الشوق إلى مرضاة الله، والراحة التي يجدها في الركون إليه، وما يمده الله به من الأنوار.
4- والنوافل علامة على أن العبد يرغب بالتقرب إلى الله سبحانه ويبتغي الزلفى لديه عز وجل، وهذا ينقله إلى مرتبة رفيعة؛ إنها مرتبة المحبوب. فلا يكفي أن تكون محبا، فكم من محب ليس بمحبوب! والأهم والأرقى أن تكون محبوبا، قال تعالى: (يحبهم ويحبونه).

وقد جعل الله تعالى النوافل سببا لبلوغ مرتبة الحب؛ ففي الحديث القدسي الذي رواه البخاري عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
“يقول تعالى: من عادى لي وليا فقد بارزني بالحرب، وما تقرب إلى عبدي بشيء أفضل من أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه“.

5- ومن أسرار النوافل أنها باب واسع مفتوح للربح وجني الأجر والثواب من غير حدود وقيود:
ومن العجيب أن بعض الناس لا يشبعون من الربح الدنيوي، ولكنهم ربما زهدوا في الربح الأخروي، غير أن العاقل يعمل لآخرته كأنه يموت غدا، ويتزود لسفر طويل لا بد منه، والنوافل من خير الزاد وأفضل العتاد.

خامسا وأخيرا : احذروا من العجب والغرور
ألزموا الخضوع والانكسار للعزيز الغفار
إياكم والعجب والغرور بعد رمضان !ربما حدثتكم أنفسكم أن لديكم رصيد كبير من الحسنات …..أو أن ذنوبكم قد غُفرت فرجعتم كيوم ولدتكم أمهاتكم .
فما زال الشيطان يغريكم والنفس تلهيكم حتى تكثروا من المعاصي والذنوب .
ربما تعجبكم أنفسكم فيما قدمتموه خلال رمضان … فإياكم ثم إياكم والعجب فإن الله عز وجل يقول : { وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } المدثر 6 فلا تَمُنّ على الله بما قدمتم وعملتم .
ألم تسمعوا قول الله تعالى : { وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ } الزمر 47
فاحذروا من مفسدات العمل الخفية من ( النفاق _ والرياء _ والعجب ) .

اللهم لك الحمد على أن بلغتنا شهر رمضان ، اللهم تقبل منا الصيام والقيام ،

وأحسن لنا الختام ، اللهم اجبر كسرنا على فراق شهرنا ،

وأعده علينا أعواماً عديدة وأزمنة مديدة ، واجعله شاهداً لنا لا علينا ،

اللهم اجعلنا فيه من عتقائك من النار ، واجعلنا فيه من المقبولين الفائزين .


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 14 May, 2024 عدد الزوار : 989 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن العظيم

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

أحدث المقالات

“لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ… “

حقوق آل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم-

فضل الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم

الرد المبين على منكري سنة النبي الأمين

ماذا كتب مايكل هارت عن الرسول في كتابه الخالدون مئة؟

قدر الحبيب النبي عند الرب العلي

لماذا نحتفل بميلاد الرسول ؟

محمد النبي الإنسان

يا محب الرسول عليك بخمسة أمور

“وإنك لعلى خلق عظيم”

الرسول صلى الله عليه وسلم كأنك تراه

جوانب العظمة في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم-

الرسول القدوة

شمس محمد تسطع على العالم محمد الغزالي

مرافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة

كيف ربى الرسول أتباعه على العزة والكرامة

بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ

الاشتياق إلى النبي للشيخ محمد المنجد

أنت مع من أحببت

ما الحكمة في أن رسول الله كان أميا ؟

كيف ربى الرسول أصحابه ؟

شرح حديث “ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان”

سبيل الوصول إلى محبة الرسول

خصائص رسالة النبي صلى الله عليه وسلم

وسراجا منيرا

وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ

خصائص النبي محاضرة للشيخ المنجد

 (24) Towards Salvation of the Heart. Part (3)