معنى تدبر القرآن مع ذكر أمثلة
درسنا سيكون بعنوان: “أفلا يتدبرون القرآن”هذه الآية، أو الجزء من الآية، دعوة من الله سبحانه وتعالى لنا أن نتدبر القرآن.
ما معنى التدبر؟
تدبر الشيء يعني النظر في عواقبه؛ فمثلًا، إذا كان هناك شخص مقبلًا على أمر، نقول له: “تدبّر أمرك”، أي توقّع أو تخيّل أو خطّط لما بعد.
والمقصود بتدبر القرآن أو الكلام هو التأمّل فيه حتى تفهمه وتستوعبه.
فمعنى تدبر القرآن أن تفهم معنى كلام الله عز وجل… هذا كلام الله يخاطبنا نحن.
فلما ينادي رب العزة قائلًا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} (سورة البقرة: 104)، يجب أن نفهم ماذا يريد الله منا.
كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “إذا سمعت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فارعها سمعك، أصغِ، انتبه، فخير تؤمر به أو شر تنهى عنه”.
إذًا عندنا عدة أمور:
الأول: فهم ما يريد الله منك في الآية.
الثاني: التعمق في الفهم.
التعمق في الفهم هو نتيجة للأمر الأول، وله بعد معرفي وإيماني. فمعرفة معنى الآية بعمق يعني أن تدخل إلى المعنى الذي يقوي إيمانك.
على سبيل المثال، عند قراءة قوله تعالى:{إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} (سورة الانفطار: 13-14)، نفهم منها أن الأبرار سيدخلون الجنة، والفجار سيدخلون النار.
لكن الإمام ابن القيم رحمه الله أضاف بُعدًا إيمانيًّا، فقال: “إن الأبرار في نعيم والفجار في جحيم في دار الدنيا، ودار البرزخ، والدار الآخرة”.
أي: أن الأبرار يعيشون في نعيم الطاعة والرضا في الدنيا، ثم في البرزخ، وأخيرًا في الجنة.
والفجار يعيشون في شقاء المعصية، ثم في عذاب البرزخ، وأخيرًا في النار.
هذا هو التعمق الإيماني.
مثال آخر:
عند قراءة قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} (سورة الكهف: 107-108).
نحن نفهم من هذه الآيات أن أهل الجنة راضون ومطمئنون، لكن إذا تعمقنا، نفهم أنهم لن يملوا أو يسأموا، فمن طبيعة البشر في الدنيا أنهم يسأمون من كل شيء، مهما كان جميلًا،أما أهل الجنة، فلا يملون ولا يسأمون أبدًا.
هذا معنى جديد للآية يوضح النعيم الكامل الذي أعده الله لهم.
الأمر الثالث: أخذ العبرة من القصص:
عندما يذكر الله قصص الأمم السابقة، كفرعون أو قارون، الهدف ليس للتسلية، بل لأخذ العبرة. كما قال تعالى:
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} (سورة الزمر: 21)، وقال:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (سورة ق: 37).
الأمر الرابع: التدبر في التكليف الإلهي:
إذا كانت الآية فيها أمر أو نهي، يجب أن تسأل نفسك: ما المطلوب مني؟
مثال: قوله تعالى:{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى} (سورة الإسراء: 32)، أو قوله:{وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} (سورة الإسراء: 33).
تدبّر الآية يعني أن تسأل نفسك: هل أمتثل لأمر الله؟
للأسف، هناك من يقرأ القرآن والقرآن يلعنه. كما قال أنس رضي الله عنه: “ربّ قارئ للقرآن والقرآن يلعنه”. مثل من يقرأ قوله تعالى: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} (سورة هود: 18)، وهو من الظالمين!
إذًا خلاصة التدبر:
- فهم معنى الآية (معرفي).
- التعمق في فهم الآية (إيماني).
- أخذ العبرة من الآية.
- الاستعداد لتطبيق التكليف في الآية.
قال الله تعالى عن المؤمنين:
{وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} (سورة الأنفال: 2)، وقال:{وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} (سورة البقرة: 285).
فاللهم اجعلنا من أهل التدبر والفهم والعمل بكتابك.