كالذي استهوته الشياطين (خطبة مفرغة)

تاريخ الإضافة 15 ديسمبر, 2022 الزيارات : 3652

كالذي استهوته الشياطين (خطبة مفرغة)
نتكلم اليوم عن موضوع علاقة الإنسان بالشيطان ، وهذا موضوع هام وكبير ، ويتشعب الحديث عنه في نقاط كثيرة ، لكني سأركز الحديث عن بعض أساليب الشيطان في الإضلال التي غفل عنها الكثير من الناس.

فمشهور عندنا أن الشيطان يوسوس بالمعصية فقط ، لكن حينما نتأمل في الكتاب والسنة سنجد أن الشيطان له أساليب كثيرة يدخل بها على بني آدم ويوقعهم في الضلالة .
عنوان لقائنا :

(كالذي استهوته الشياطين )

نتحدث عن أكبر مدخل من مداخل الشيطان على الإنسان ألا وهو الهوى
تعريف الهوى :

والهوى هو: ميل النفس إلى ما تحب .

وطبيعة الإنسان أنه مخلوق من طين ، والطين من طبيعته الركود ، إذا وضعت التراب في الماء رأيته يترسب إلى أسفل الإناء ، وهذه طبيعة النفس الإنسانية : تحب الكسل والراحة وتكره التكاليف والأعباء والمشقة ، والشيطان يدخل على الإنسان من هذا المدخل بتزيين المعاصي وتقريبها منه ، وهناك آية بسورة الأنعام واضحة الدلالة لهذا المعنى وسنتدارسها الآن إن شاء الله .
وهي قوله تعالى: -( قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين )- [الأنعام/71]
دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- قومه لعبادة الله وحده لا شريك له فآمن به من آمن، وكفر به من كفر ، فلما أحس الكافرون بازدياد عدد الداخلين في الإسلام كل يوم سلكوا كل سبيل لصدهم عن الدخول في هذا الدين، والتعرض بالأذى لكل من دخل فيه ، لأن الدعوة إلى التوحيد في زعمهم ديانة عجيبة -( أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب )- [ص/5] فدعوا من آمن إلى العودة والتراجع عن دين التوحيد إلى دين الشرك الذي كان عليه الآباء والأجداد، رغم أن العكس هو الصحيح ؛ وهو أن تتراجعوا أنتم عما أنتم عليه من الكفر ، وليس أن نرجع نحن عما نحن فيه من الهداية ،والقرآن دائما في حواراته مع المخالفين يسلك جانب الحجة العقلية فيقول لهم : ( قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا )- [الأنعام/71]
ما لا ينفعنا ولا يضرنا:

فلو سألنا مثلا عباد الأصنام أوعباد الشمس أو غيرها، ما الذي صنعته تلك الأصنام أو غيرها لمن عبدها؟ وماذا صنعت لمن لم يعبدها؟ 
وماذا أعطتك الشمس من خير وماذا دفعت عنك من شر؟
ومن كفر بها كيف عاقبته الشمس؟ 
ما هو المنهج الذي جاءتكم به الشمس ؟ أو الأصنام؟
من هم الرسل ؟ ما هو الكتاب ؟
ما هي عقوبة من يكفر بعبادتها ؟
الجواب : لا شيء !!!
فالمعنى : قل لهم يا محمد أندعو من دون الله حجرًا لا يقدر على نفعنا أو ضرّنا، فنخصه بالعبادة دون الله، وندع عبادة الذي بيده الضرّ والنفع والحياة والموت، إن كنتم تعقلون فتميّزون بين الخير والشرّ؟
فلا شكّ أنكم تعلمون أنّ عبادة ما يرتجى نفعه ويرهب ضرّه، أحقّ وأولى من عبادة من لا يرجى نفعه ولا يخشى ضرّه!
وكل من يصنع جهازا يقوم بعمل دليل لهذا المنتج لاكتشاف خصائصه ، وكيفية صيانته ،وإذا حدث بالجهاز أو السيارة خللا أو عطبا تذهب بها إلى الشركة المصنعة فهم أقدر من غيرهم على معرفة الخلل وعلاجه.
فما الذي يصلح الإنسان في دنياه وأخراه ؟
إصلاح الإنسان لا يكون بمنهج بشري مثله ؛ إنما تكون من الصانع الذي خلقه ، إنّ التليفزيون لا يقول لنا غايته، ولا يعرف كيف يصون نفسه، بل يضع ذلك مَنْ صنعه، وكذلك الإنسان عليه أن يأخذ غايته مِمَّن خلقه، والذي يفسد الدنيا أن الله خلق، لكن الناس أرادوا أن يضعوا لأنفسهم قانون الصيانة، لذلك نقول: إن علينا أن نأخذ قانون الصيانة ممن خلقنا.

التشريع البشري يحمل في طياته صفات البشر:

ولذلك حينما تنظر إلى تشريع بشري فهذا التشريع البشري يحمل في طياته صفات البشر الذين وضعوه ، والبشر كما قلنا ليس عندهم إحاطة بكل شئ وتفاصيل كل شئ ، وربما تجد في تشريعاتهم مرجعية معينة ، وأنتم تعلمون الحكومات والأحزاب المتعاقبة هذه رأسمالية وهذه اشتراكية ، وهذه استبدادية ، وهذه ملكية ، قوانين تحمل صفة من يتولى صناعتها أو صياغتها ، فتجد قوانين تخدم الرأسمالية ورجال الأعمال، قوانين تخدم الاشتراكية ، قوانين تخدم الاستبداد ،وكل هذا موجود في دول العالم ، في كل القوانين.
وهذه القوانين تحمل صفات البشر ربما فيها النفعية ، ربما فيها الاستبداد،ربما فيها القصور ،ربما فيها الضعف ، تحتاج إلى تغيير أو تعديل ، ولذلك كلما رأينا قانونا يصدر من حكومة ، تأتي حكومة أخرى مخالفة في الأيدلوجية فتعدل القانون أو تلغيه ، أو ترسي قانونا جديدا ، هذا كله معلوم لدينا ؟
فالله الذي خلق الإنسان ويعلم ما يصلحه هو الذي هيأ له المنهج الذي يلائمه ، ولذلك نحن كمسلمين عندما نختلف في شيء فإنا نرده إلى القرآن والسنة ، قال تعالى : -( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )- [النساء/59] فالإسلام منهج حياة كامل نعيشه ونحيا به ، فحكمه وأوامره أعلى من أن تتعلق بمصلحة إنسان ، لأن الذي شرعه هو الله عز وجل خالق الإنسان .

فطنة بلقيس مع نبي الله سليمان :

ونذكر جميعاً قصة ملكة سبأ وسيدنا سليمان عليه السلام حينما قالت: {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ}. ولم تقل: أسلمت لسليمان بل أسلمت مع سليمان لله، فلا غضاضة أن تكون قد أسلمت فهي ليست تابعة لسليمان، بل تابعة لرب سليمان، إذن حين يأتي الأمر من الله يسمع الجميع لأمر الله ويستجيب .

قوله تعالى (وَنُرَدُّ عَلَى أعقابِنا}

الإنسان دائمًا حين يسير فهو يقطع خطوة إلى الأمام ، أما من يُرَدُّ على عقبه فهو من يرجع هذه الخطوة التي خطاها، والعرب تقول لكلّ طالب حاجة لم يظفر بها: “ردّ على عقبيه”، وهذا قول المؤمنين الذي يرفضون أن يعودوا إلى عبادة غير الله لأنهم آمنوا وساروا في طريق الهدى، فلا رجوع إلى الضلالة بعد الهدى .

تزيين الشيطان للباطل : {كالذي استهوته الشياطين فِي الأرض حيران}

(استهوته) حينما تدخل الألف والسين والتاء على الفعل فمعناها طلب حصول الفعل ؛ كقولنا (استفهم) أي طلب الفهم، و(استغفر) أي طلب المغفرة، (فاستهوته) طلبت أن يغوى ويقع في الهوى ، والهوى هو ميل النفس إلى الأشياء ، أنا أهوى هذا يعنى أحبه وأميل إليه ، وطبيعة النفس كما بينت تهوى الشهوات والراحة والملذات وتكره الأعباء والتكاليف ، طيب عندنا تكاليف شرعية وأوامر إلهية ،تخالف ما أنا عليه هل أخالف أمر الله عز وجل ؟ أم أسمع وأستجيب لراحة نفسي وهواها ؟ هنا يأتي دور الشيطان في تزيين هذه المعصية ، وهذا معنى استهوته الشياطين ، فيظل عنده حيرة فهو حيران متردد ،هل ما أنا فيه صواب ؟ أم أرجع إلى الأمر الآخر ؟ هل أشتري راحتي أم لا بد من المجاهدة والصبر واحتساب الأجر والثواب والعقبى الحسنة غدا إن شاء الله ….الخ ، صراع يدور بداخل الإنسان بين شهوات عاجلة حاضرة، وما بين صبر على الدنيا وما فيها ، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات)

ما معنى المكاره ؟

الجنة حفت بالمكاره بما تكرهه النفوس، النفوس قد تكره الصدقة، قد تكره الصيام، لكن إذا خالفها وصلى وتصدق صار إلى الجنة، قد تكره صلة الرحم، بر الوالدين، إكرام الجار فإن طاوعها هلك وإن خالفها وبر والديه ووصل أرحامه وأكرم جيرانه فاز بالسعادة وهكذا. 
والنار لا يسمع بها أحد إلا وتعوذ بالله منها ، فلا أحد يتمنى النار لكنها حفت بالشهوات فيقع الناس فيها ويرتكبون ما يرتكبون من المعاصي .
من الذي يشجع على الضلالة ؟ والباطل ؟

ومن الذي يزين المعاصي ؟ إنه الشيطان {كالذي استهوته الشياطين فِي الأرض حيران}

من الابتلاء الذي ابتلانا الله به أن جزاء الحسنة الكامل ليس في الدنيا ، توفية الأجور غدا يوم القيامة -( وإنما توفون أجوركم يوم القيامة )- [آل عمران/185] أما لذة المعصية أو المنفعة من وراء المعصية فهي حاضرة ،فالشيطان يقرب لنا هذاالأمر .

ولذلك رب العزة سمى الدنيا عاجلة فقال : -( من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد)- [الإسراء/18] فهي عاجلة ، تريد الشهوة اللذة والشيطان يقربه ويزينه هذا أفضل وهذا أحسن، وهذا مستقبل أولادك، وهذا لمصلحة نفسك ، فهذا الذي استهوته الشياطين .

ما الذي يعصم الإنسان من هذا الأمر ؟

يبين الله عز وجل (له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا)- [الأنعام/71] هذا الرجل المتردد الحيران الذي استهوته الشياطين هناك من يريد أن يأخذ بيده تعالى أقبل علينا ، استنصر بنا ، استمسك بصحبتنا ،فهو له أصحاب صالحين يدعونه إلى الهدى ، تعالى إلى طريقنا واترك طريق الضلالة ، ( قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين )- [الأنعام/71]

اهدنا الصراط المستقيم :

فمن أراد أن يهتدي فليسلك طريق الهداية الذي شرعه الله وبينه وهذا دعاؤنا في كل ركعة من ركعات الصلاة -( اهدنا الصراط المستقيم )- [الفاتحة/6] وسؤال الله الهداية وتكرار الطلب معناه سؤال الله دوام الهداية والثبات على الهداية ،ووصف الصراط بأنه مستقيم تأكيد على معنى الثبات بالاستقامة على هذا الصراط ، -( صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين )- [الفاتحة/7] وجنبنا طريق الذين علموا الحق وخالفوه ، والذين طلبوا الحق ولم يهتدوا إليه ، جنبنا طريق الضلالة و الغواية ، جنبنا طريق من لا يعرف أين الحق فهو في ضلالة ، والمغضوب عليهم هم الذين علموا الحق وخالفوه لأهوائهم ، فهذين الصنفين أكبر بضاعة يروج بها الشيطان للمعاصي ، أن يعرف الحق ولا يتبعه لأنه يحب الركون إلى الشهوات والملذات والحرمات ويعجل له بهذا الأمر ويزينه له ، كقوله تعالى : -( وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون )- [الأنعام/43] والآخر يضله بأن يوقعه في البدعة والخرافات والأوهام فلا يهتدي لأنه ليس عنده علم صحيح فأنت في كل ركعة من ركعات الصلاة تقول -( اهدنا الصراط المستقيم )- [الفاتحة/6]
اهدنا وثبتنا واجعل برفقة من سبقونا بالإيمان : -( من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا )- [النساء/69] وجنبنا طريق هؤلاء الذين علموا الحق واتبعوا الباطل وجنبنا طريق الذين لم يهتدوا للحق فهم في ضلال -( صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين )- [الفاتحة/7]

السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله خالفوا الهوى:

وقد ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، عن أبي هريرة قالَ: قالَ رسُولُ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- : سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّه تَعالى، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه: اجتَمَعا عَلَيهِ، وتَفَرَّقَا عَلَيهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ، وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخافُ اللَّه، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأَخْفَاها، حتَّى لا تَعْلَمَ شِمالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ متفقٌ عَلَيْهِ.
حينما تقترب الشمس من الرؤوس في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن هؤلاء الأصناف السبعة في ظل عرش الله لو تأملتهم لوجدتهم نالوا ذلك الظل بمخالفة الهوى.
1- أولهم (الإمام العادل ) عنده القدرة والسلطة يحكم ويسن القوانين وعنده رجال وأعوان وجند للتنفيذ ، وخزائن الأموال تحت يده ، ورغم كل هذا لا يظلم ولا يتبع هواه فيجور ويظلم ولا يسرق أموال الناس ولا يخون ولا يبيع وطنه فهو إمام عادل.

2- (وشاب نشأ في طاعة الله) رغم قوته وشبابه وغلبة شهوته إلا أنه استحق هذه الدرجة لمخالفته هواه فآثر طاعة ربه فنشأ في طاعة الله .

3- (ورجل قلبه معلق بالمساجد ) لولا مخالفة هواه لصار قلبه معلقاً بالحانات والبارات ونوادي القمار وأماكن المعاصي ؛ لا يجد راحته إلا فيها ، كلما بعد عنها اشتاق إليها ، فهذا خالف هواه وتعلق قلبه ببيت الله فهو أفضل مكان يستريح فيه ويشعر بالسكينة والطمأنينة بيت الله عز وجل، ومهما بعد عنه يشعر بشوق كبير حتى يعود إليه ، فكأن قلبه معلق فعلا بالمسجد لا يجد قرارا ولا راحة إلا به.

4- (ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه) الناس يعرف بعضهم في الأغلب بسبب العلاقات المختلفة تجارة معاملة قرابة نسب صهر زمالة …الخ أما هذين الرجلين فقد تحابا في الله وهذا فيه مخالفة للهوى لأنها محبة لا تعتمد على منفعة دنيوية إنما لله (اجتمعا عليه وتفرقا عليه)
5- (ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأَخْفَاها، حتَّى لا تَعْلَمَ شِمالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينهُ) فهذا الرجل خالف الهوى في الرياء وحب الشهرة والسمعة وثناء الناس عليه وعلى كرمه ، فهذا إذا أراد الصدقة فهو لا يريد الدنيا كلها أن تعرف أنه ساعد المساكين كما يحدث الآن على الفيس بوك يقوم بتصوير نفسه وهو يعطي الفقراء البطاطين ، وهذه صورتي وأنا أعطي شنطة رمضان لأحد المساكين “

وصار الرياء العصري هو حصد (like- share) ، فهذا هوى نفس ، أما المنفق لله فقد خالف هواه وأسر بالصدقة لدرجة لو أن الشمال تعقل ما علمت أن اليمين أنفقت .

6- (وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ، وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخافُ اللَّه) فهذا خالف شهوته ، والشهوة هي أخطر ما يهلك الرجل والرسول -صلى الله عليه وسلم- قال : (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ) وطبيعي أن الرجل هو الذي يطلب المرأة ويسعى إليها ، لكن الفتنة تكون أشد عندما تكون المرأة هي من تدعو الرجل ، وتشتد الفتنة أكثرعندما تكون المرأة جميلة وذات منصب فهي لا يعيبها شيء ، لكنه مع كل هذا خالف هواه لله رب العالمين ، وهذا موقف قل أن يثبت عنده الكثير من الرجال .

7- ( ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ) هذا الرجل في خلوة مع الله بعيدا عن الخلق فاستحضر عظمة الله وجلاله والأنس به وذَكَرَ اللَّه خالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ، ولا يعني هذا أن من خشع في صلاته مع الناس في صلاة الفريضة أو التراويح والدعاء فهو من أهل الرياء ، كلا فالله هو المطلع على القلوب (إنما الأعمال بالنيات ) كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لكن الأبلغ من هذا كون الخشوع والبكاء خاليا بينك وبين الله حيث لا يراك أحد من الناس .
فهؤلاء السبعة استحقوا هذه الدرجة العالية لأنهم خالفوا أهواءهم وأرضوا ربهم ، نسأل الله أن نكون منهم بمنه وكرمه . آمين.

مخالفة الهوى تحتاج إلى صبر :

مخالفة الهوى وعدم الاستجابة لداعي الشيطان تحتاج منا إلى الصبر ، والإنسان بدون صبر لن يعيش ، وإذا كان هناك من يصبر على الباطل فأولى بنا أن نصبر للحق قال تعالى : -( واصبر وما صبرك إلا بالله )- [النحل/127]

ومع صبرنا نستعين بالله -( إياك نعبد وإياك نستعين )- [الفاتحة/5] فأنا أعبد الله وأستعين به سبحانه وتعالى على عبادته .

وعلمنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ندعو فنقول ( اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك )

إذا نفد صبرك ، ولم تكمل الطريق ستقع في حبائل الشيطان ، وتكون {كالذي استهوته الشياطين فِي الأرض حيران}

يقول بعض السلف : مررت بأعرابي به رمد شديد في عينيه، ودموعه تسيل على خديه، فقلت: ألا تمسح عينيك؟ قال: نهاني الطبيب عن ذلك، وقال لي: إذا مسحت عينيك، يزداد الألم، ويزداد المرض شدة.
فعلاً الآن الذين يصيبهم الرمد هذا مثل حرق العين يريد أن يحك عينه، وقد يكون الطبيب نهاه عن هذا الفعل، وأخبره إن هو حك عينه، أن المرض سينتشر وسيشتد، فماذا يفعل؟ تجد الإنسان قوي الإرادة كأنه قد ربط بحبل يقاوم يده أن تمتد إلى عينه مع أنها تحرقه جداً، لكنه يقاوم أن يمد يده إلى عينه، قد يصيب جلد الإنسان حساسية فيخبره الطبيب ألا يحك جلده مطلقاً؛ لأنه إذا حكها سينتشر، ماذا يكون شعور الإنسان في تلك الحالة؟ الشخص العاقل يحس بأن هناك دافعاً قوياً لأن يحك جلده، لكنه يصبر على الحك، لأن الحك سيجعل الأمر أسوأ من ذي قبل، كذلك حال الذي يأتيه الهوى، إذا اتبع الهوى سيكون الأمر أسوأ، ولذلك هو يصبر كما يصبر هذا الرجل الذي به رمد شديد وحرقة في عينيه، فلا يحك عينه لأنه أمر بهذا.
و قال تعالى : -( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى )- [النازعات40 /41] قال مجاهد : هو العبد يهوى المعصية، فيذكر مقام ربه عليه في الدنيا ومقامه بين يديه في الآخرة، فيتركها لله.

له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا:

استعن بالله وعليك بالصحبة الصالحة -( له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا )- [الأنعام/71] فليكن لك صحبة صالحة تعينك على طاعة الله إخوة تحبهم ويحبونك في الله يصطحبونك إلى المساجد وحلقات القرآن ودروس العلم ،وكل مافيه طاعة لله عز وجل.

صاحب الأخيار فإذا شاورت أحدهم نفعك، وإذا نسيت الله ذكرك ،وإذا ذكرت الله أعانك .

فليس هناك أشد من صديق هو شيطان من شياطين الإنس أو الجن يشجعك على المعصية والفساد ويأخذك إلى أماكنها ويدلك عليها .

وليس هناك أطيب ولا أحسن من صديق صالح .

نسأل الله العلي العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا حبه , وحب من يحبه , وحب كل عمل يقربنا إلى حبه اللهم آمين

 


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 28 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع