شرح الأربعون النووية
41- لاَيُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَواهُ تَبَعَاً لِمَا جِئْتُ بِهِ
عَنْ أَبِيْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ بِنِ عمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لاَيُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَواهُ تَبَعَاً لِمَا جِئْتُ بِهِ) حَدِيْثٌ حَسَنٌ صَحِيْحٌ .
حكم الحديث:
- الإمام النووي ذكر الحديث في خاتمة كتابه الأربعين النووية وقال عنه: “حديث حسن صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح.”
- ابن حجر العسقلاني في فتح الباري أشار إلى ضعف الحديث بسبب ضعف أحد رواته وهو نعيم بن حماد.
- الذهبي في ميزان الاعتدال ذكر أن الحديث من رواية نعيم بن حماد، وبيَّن أن فيه كلاماً.
- الألباني في السلسلة الضعيفة (حديث رقم 78) حكم عليه بالضعف.
خلاصة القول:
الحديث ضعيف من حيث السند، ولكنه صحيح من حيث المعنى؛ إذ أن تحقيق الإيمان الكامل يتطلب أن يوافق هوى الإنسان ما جاء به النبي ﷺ من الشرع، وهذا مدعوم بنصوص أخرى من القرآن والسنة، كقوله تعالى:{فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} (سورة النساء: 65).
فشرط التحقق بصفة الإيمان الكامل هو الخضوع لأحكام الشرع والتسليم لإرادة الله دون أدنى تردد.
ومن استحسن شيئًا برأيه المجرَّد، ومالت إليه نفسه، ولو كان مخالفًا للشرع؛ فهذا يكون ناقص الإيمان، وقد ينتفي الإيمان بالكلية إن كان هواه لا يكون تابعًا لما جاء به الرسول ﷺ في كل الدين.
شرح الحديث
(لاَيُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ) المقصود بالإيمان هنا:الإيمان الكامل، أي لا يكون المرء مؤمنًا كامل الإيمان الواجب حتى تتحقق محبته التامة لما جاء به الرسول ﷺ من الأوامر والنواهي.
يتحقق ذلك من خلال:
محبة ما أمر به الرسول ﷺ.
كراهية ما نهى عنه.
ومذهب أهل السنة :الإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، وهذا الحديث يدل على ذلك؛ إذ ربط النبي ﷺ كمال الإيمان بجعل الهوى تابعًا لما جاء به.
(حَتَّى يَكُونَ هَواهُ)“حتى”: بمعنى “إلى”، أي: يستمر عدم الإيمان الكامل إلى صيرورة هواه تابعًا لما جاء به النبي ﷺ.
الهوى لغة: مصدر “هَوَى”؛ بمعنى أحبَّه. الجمع: أهواء.
وشرعًا: يطلق الهوى في الشرع على عدة معانٍ:
1- ميل النفس إلى ما يوافق الشرع بدافع المصلحة الذاتية، لا بدافع الإيمان والاستسلام.
ميل النفس إلى مخالفة الشرع وإلى ما تدعو إليه الشهوات.
الدليل:قال تعالى: ﴿وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى﴾ (النازعات: 40).
قال تعالى مخاطبًا داود عليه السلام: ﴿وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ (ص: 26).
هذا هو المعروف في استعمال الهوى غالبًا.
2- ميل النفس مجردًا دون النظر إلى متعلقه إن كان حقًا أو باطلًا.
هذا هو المعنى المراد في الحديث.
الميل إلى الحق فقط.
الدليل: قول عائشة رضي الله عنها: “ما أرى ربك إلا يسارع في هواك.”ورد ذلك عند نزول قوله تعالى:﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ﴾ (الأحزاب: 51).
وقول عمر رضي الله عنه في أسارى بدر:“فهوي رسول الله ﷺ ما قال أبو بكر ولم يهوَ ما قلت.”
وجوب تقديم الوحي على كل شيء:
لا يجوز تقديم القياس أو الاستحسان أو الرأي الشخصي على النصوص الشرعية.
إذا جاء الحكم الشرعي، فإن الواجب هو:
1- التصديق به.
2- الإيمان بصحته.
3- الاستسلام التام له، سواء وافق هوى النفس أم خالفه؛ ظهرت الحكمة والمصلحة منه أم خفيت.
(تَبَعَاً لِمَا جِئْتُ بِهِ) تابعًا لما جاءت به الشريعة.
أي أن يميل قلبه تلقائيًا إلى ما تحبه الشريعة طبعًا واستسلامًا.
أهمية تقديم الدليل على الحكم:
القاعدة الشرعية:المسلم يجب أن يستدل أولًا ثم يحكم، وليس العكس.
خطورة عكس القاعدة:
الحكم قبل الاستدلال يجعل العقل هو الأصل والنصوص الشرعية تابعة له، وهذا يؤدي إلى ضلال الفكر.
الأمثلة على هذه الخطورة:
بعض العلماء أو أصحاب المذاهب يحكمون بناءً على آرائهم المسبقة، ثم يفسرون النصوص لتناسب هذا الحكم، وهذا يؤدي إلى:
لي أعناق النصوص الشرعية.
إخراج النصوص عن سياقها الصحيح.
الموقف الصحيح:
الالتزام بالنصوص الشرعية وجعلها الأصل.
اتباع الكتاب والسنة في إصدار الأحكام، مع فهم النصوص وفقًا لقواعد أهل العلم.
علامات اتباع الهوى:
1- كراهة ما جاء به النبي ﷺ:
2-النفور من الأحكام الشرعية والسعي للتخلص من الأمر والنهي بشتى الحيل.
3- تفضيل الأدنى على الأعلى في الأعمال المشروعة: كالمسارعة إلى النوافل مع التكاسل عن أداء الواجبات.
مثال: الإكثار من الصدقة أو الصلاة النافلة مع إهمال الصلاة المكتوبة أو أداء الزكاة الواجبة.
4- كراهة التحاكم إلى الله ورسوله:النفور من الرجوع إلى القرآن والسنة عند حدوث الخلاف.
5-الحب والبغض لغير الله: تفضيل العلاقات والمصالح الدنيوية على معايير الحب والبغض لله، ووزن الناس بميزان المصلحة الدنيوية بدلاً من معايير الدين.
الآثار السلبية لاتباع الهوى:
1- رفض الأحكام الشرعية بحجة أنها تحد من الحرية الشخصية.
2- إشباع النفس الأمارة بالسوء على حساب حقوق الآخرين، كأكل الأموال بالباطل، وانتهاك الحرمات.
3- معاداة أهل الحق ومعاداة الناس جميعًا.
4- من يتبع هواه يعادي أهل الحق لأنه لا يحتمل من يُذكّره بالصواب.
5- وقد يعادي كل من يشاركه الهوى نفسه، إذ تنشأ صراعات للحصول على نفس المصلحة أو الرغبة.
الفرق بين أهل الطاعة وأهل الهوى:
أهل الطاعة:
قلوبهم صافية.
صفوفهم متماسكة.
يجتمعون على طاعة الله وحب الخير للآخرين.
أهل الهوى:
قلوبهم متفرقة.
صفوفهم ممزقة.
يعيشون في نزاعات مستمرة بسبب تنافسهم على إشباع رغباتهم الشخصية.
الواقع المشاهد:
من يتبع الشريعة يظهر أثر الإيمان في حياته:
طمأنينة قلبه.
علاقاته الطيبة مع الآخرين.
أما من يتبع الهوى:
تجده في صراعات دائمة مع الناس.
يعيش في قلق نفسي وخوف من فقدان مصالحه.
أسباب الوقوع في الهوى:
1- مخالطة أهل الأهواء: فهم ينشرون شبهاتهم بين الناس، فيؤثرون على من يختلط بهم.
2- قراءة كتب أهل البدع والاستماع إلى شبهاتهم بوسائل الإعلام المغرضة التي تؤدي إلى انحراف الفكر.
3-التأثر بالعلمانيين وعلماء السوء:هؤلاء يُلبسون الباطل ثوب الحق، ويضللون الناس بحجج واهية.
الفئات التي يجب الحذر منها:
1- العلمانيون:يسعون لفصل الدين عن الحياة.
2- علماء السوء:يلوون أعناق النصوص لتبرير مواقفهم أو مواقف من يتبعونهم.
3- وسائل الإعلام المغرضة:تنشر الأكاذيب والشبهات لتضليل الناس.
4- أدعياء التصوف وأهل البدع:ينشرون الخرافات والانحرافات باسم الدين.
5-الملحدون والزنادقة:يروجون الشكوك في أصول الدين ومبادئه.
فوائد الحديث:
1- الإيمان الكامل مرتبط بالاتباع القلبي والعملي لما جاء به النبي ﷺ.
2- الهوى إذا كان مخالفًا للشرع يدل على نقص الإيمان.
3- وجوب تقديم الوحي على كل رأي شخصي أو ميل نفسي.
4- الشرع لا يعارض الهوى دائمًا؛ بل إن الهوى إذا وافق الحق فإنه محمود.
5- طاعة الرسول ﷺ شرط كمال الإيمان.
6- أصل الكفر والبدع والمعاصي اتباع الهوى : فالكفر ينشأ من رفض الانقياد لله بسبب الهوى؛ لأن الكافر يجعل هواه معيارًا لحياته، رافضًا القوانين التي تُقيد فساده، والبدع والمعاصي تنشأ من تقديم هوى النفس على أوامر الله ورسوله ﷺ.
7- ضبط سلوك المسلم بالضوابط الشرعية: فالمسلم ملزم بضبط أقواله وأفعاله وفقًا للشرع وعدم التوسع في التصرفات التي قد تجره إلى اتباع الهوى.
8- أهمية العلم الشرعي: لأن فهم النصوص والقواعد الشرعية ضرورة لضمان عدم الانحراف أو الوقوع في المبالغات.
9- الحديث يفتح بابًا لمحاسبة النفس: فالمسلم يتأمل دائما في أفعاله وأقواله وسلوكياته، ومدى تطابقها مع الشريعة، ويراجع نفسه باستمرار، ويتحرى مطابقة أعماله لأوامر الله ورسوله ﷺ.
10- العودة إلى العلماء الموثوقين: لأن العلم الشرعي يجب أن يُؤخذ من أهله، ممن عُرفوا بالاستقامة والمنهج الصحيح.