شرح الأربعون النووية:7- الدين النصيحة

تاريخ الإضافة 14 فبراير, 2023 الزيارات : 614

شرح الأربعون النووية

7- الدين النصيحة

عَنْ أَبِيْ رُقَيَّةَ تَمِيْم بْنِ أَوْسٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النبي ﷺ قَالَ:( الدِّيْنُ النَّصِيْحَةُ قُلْنَا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: للهِ، ولكتابه، ولِرَسُوْلِهِ، وَلأَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ، وَعَامَّتِهِمْ) رواه مسلم.

 شرح الحديث:

 (عَنْ أَبِيْ رُقَيَّةَ تَمِيْم بْنِ أَوْسٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه) وقد ذكر الإمام النووي الصحابي الجليل تميم الداري بكنيته أبي رقية، لأنه ليس له إلا ابنة وبها يكنى ، وهو تميم بن أوس الداري نسبة إلى قرية في لبنان أو مدينة اسمها دارين، وقال بعض المؤرخين نسبة إلى جده اسمه الدار ابن هانئ، وسيدنا تميم- رضي الله عنه- ممن تأخر إسلامهم أسلم سنة 9 هجرية وله قصة التقى فيها بدابة اسمها الجساسة والتقى بالمسيح الدجال بعدها، والقصة مروية في صحيح مسلم ولها حديث طويل ذكرناه في علامات الساعة الكبرى لمن أراد أن يرجع إليه، وتميم كان من قراء الصحابة ومن حفظة القرآن وكان من فقهائهم- رضي الله عنه-، له في صحيح مسلم هذا الحديث فقط وفي ة كتب السنن ثمانية عشر حديثا.

 (الدين النصيحة) نلاحظ  أن في كل الأحاديث التي مضت وهذا الحديث الذي معنا أن الإمام النووي رحمة الله عليه يختار الأحاديث بعناية وأن كل حديث منها يمثل قاعدة من قواعد الدين التي لا ينبغي للمسلم أن يجهلها.

( الدين النصيحة) كلمة الدين تأتي ولها عدة معان، فالدين بمعنى الجزاء، (مالك يوم الدين)، والدين بمعنى النظام والقضاء كما في قوله تعالى : في قصة يوسف (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ) في نظامه وقانونه، وكلمة الدين من دان يدين بمعنى يخضع ويستسلم، ومن هنا جاء بمعنى العقيدة، فمن يدين  يعتقد ويخضع، سواء عقيدة صحيحة أو باطلة لأن عندنا في القرآن (إن الدين عند الله الإسلام) وهذا ليس معناه نفي إطلاق كلمة الدين على ما سواه لكن المقصود هنا أن الدين الصحيح المقبول عند الله هو الإسلام، (إن الدين عند الله الإسلام)، لكن في إطلاق اللغوي قال الله تعالى (لكم دينكم ولي دين)، فكل أتباع اعتقاد بحق أو باطل، يسمى هذا المعتقد دينا، والمقصود في هذا الحديث من كلمة الدين دين الإسلام بما يحمله من شرائع وأحكام.

(الدين النصيحة)، كلمة النصيحة وقع فيها بعض الخلل في الفهم، لأن كثيرا منا يفهمون أن النصيحة هي نصح المخطئ، ولذلك هنا البعض استشكل وقال: أنا أنصح مسلما لكن كيف أنصح الله؟ كلا فإن معنى كلمة النصيحة في الاستعمال اللغوي، غير الاستعمال العرفي؛ الاستعمال العرفي أن النصيحة هي نصح المخطئ، لكن النصيحة في أصلها واشتقاقها اللغوي تأتي بمعنى تصفية الشيء من الشوائب، يقولون في اللغة العربية نصحت العسل صفيته وخلصته من الشمع، ويقولون نصحت الثوب إذا رقعه وأزال ما به من فتق أو عيوب فالنصيحة لها معنيان:

 المعنى الأول: تحري الإخلاص لأن النصيحة من النصح وهو الصفاء والتنقية من الشوائب فأنا ناصح أمين، مخلص فيما أقول وأمين فيما أدعوكم إليه، وعندنا في القرآن توبة نصوح أي خالصة من أي نفاق أو رياء أو تعلق بالذنب، لأن من شروط التوبة أن تكون نادما مقرا بالذنب عازما على عدم العودة إليه، فتسمى التوبة النصوح التي لا رياء ولا كذب ولا إصرار على الذنب فيها.

 إذن فالمعنى الأول في كلمة النصيحة تحري الإخلاص قولا وعملا.

 والمعنى الثاني: بذل الجهد في إصلاح المنصوح فأنا أرى عيبا في أخي فمن باب الأمانة ومن حقه علي ولأني أحب له ما أحب لنفسي أنصحه في الله، وعكس النصح الغش، فهذا بائع ناصح أمين، وهذا بائع غشاش يغش أو يدلس في بضاعته.

(الدين النصيحة) في اللغة العربية غالبا المبتدأ يأتي معرفة والخبر يأتي نكرة تقول الأرض واسعة، السماء صافية، هنا جاء المبتدأ والخبر الاثنان معرفين محلي بأل، الدين النصيحة، ما السبب في ذلك؟

 قال العلماء: إذا جاء المبتدأ والخبر معرفين أفاد الحصر، كأن المعنى هنا ما الدين إلا النصيحة.

قد يسأل البعض ويقول ما الدين إلا النصيحة؟ لكن الدين فيه أبواب أخرى كثيرة؟ فالنصيحة باب من أبواب الدين؟

 نقول لك إن هذا في اللغة العربية محمول على المبالغة في التعبير، كما قال النبي: (الحج عرفة) وهل الحج عرفة فقط ؟ كلا الحج فيه إحرام وفيه سعي وطواف وكذا، فقول النبي الحج عرفة إشارة إلى أنه ركن الحج الأعظم.

وفي اللغة العربية يقولون: إن الحصر نوعان:

حصر حقيقي، وحصر إضافي.

 حصر حقيقي : بمعنى أنه ينفي ما عداه، إذا قلت لا إله إلا الله، هذا حصر حقيقي، لا معبود بحق إلا الله، فننفي عبادة نقصد بها أحدا غير الله، لا معبود لا مألوه بحق إلا الله.

 الحصر الإضافي: (أي نسبي) وهو ما اختص المقصور عليه بحسب الإضافة إلى شيء معين لا مطلقا، مثال: لا كريم إلا زيد.

فإن الإطلاق لا يصح، إذ قد علم قطعا أن في الناس من هم كرماء غير زيد. لكنك تقصد القصر في سياق معين، نحو: لا كريم في هذه القرية، أو المدينة أو نحو ذلك.

ومثل (الدين النصيحة) و(الحج عرفة) وطبعا مشهور (الدين المعاملة) وهذا ليس بحديث، لكن المعنى له وجه من الصحة طبعا أن معاملة الناس بالأمانة والصدق وجه من الأوجه التي يرضي المسلم بها ربه.

 فمعنى الدين النصيحة: عماد الدين النصيحة ، ما الدين إلا النصيحة.

 في رواية سنن أبي داوود النبي- صلى الله عليه وسلم- كررها ثلاثا، الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة، وقد كررها لإثارة انتباه السامع .

(الدين النصيحة  قلنا لمن يا رسول الله) من ننصح؟

قال أولا (لله)،وليس المقصود هنا ظاهر اللفظ، تنزه الله عن ذلك، الله تعالى لا يحتاج للنصيحة بمعنى أن في عيب فيصوب، جل الله في علاه، إنما كما قلت النصيحة هي تخليصك للشيء من الشوائب معنى النصيحة لله إخلاص التوحيد لله، فأنا أنصح لله أخلص العمل لله، فلا يتعلق بالعمل أي شائبة تؤثر في صحته، فنفرده سبحانه بالعبادة (إياك نعبد واياك نستعين)، والإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، وأنه موصوف بكل كمال ومنزه عن كل نقص، العلماء قالوا: ومن النصح لله كما أن الله أنعم عليك بنعمة طاعته وحبه أن تحبب الخلق في الله، وأن تدلهم على الله ، وأن تدعو من أشرك ، ومن اعرض،  ومن كفر ومن أنكر ومن ألحد تدعوه إلى الله- سبحانه وتعالى-

 وابن رجب رحمة الله عليه في شرح الأربعين النووية المسمى جامع العلوم والحكم، ذكر أن نبي الله عيسى سئل من الناصح لله؟ فقال يقدم حق الله على حق الخلق.

(ولكتابه) هل الكتاب هنا القرآن أم جميع الكتب السابقة؟

المقصود القرآن وهذا هو التفسير الأغلب عند العلماء الذين شرحوا الحديث، ومنهم من قال: ويشمل الكتب السابقة ومن النصح أن نؤمن أنها كتب انزلها الله- عز وجل- على رسله مثل التوراة والإنجيل والزبور، فتكون معنى كلمة كتابه اسم جنس مثل كلمة الإنسان تدل على جنس الإنسان وليس على شخص واحد، فمعنى الكتاب ليس كتابا واحد إنما جنس الكتب المنزلة.

كيف يكون النصح للقرآن؟

أن نؤمن أنه كلام الله- عز وجل-، التصديق به وبما فيه، ثم امتثال ما فيه من أوامر واجتناب ما فيه من نواه ٍ.

قال عبدالله بن مسعود: في قوله تعالى: (يا أيها الذين امنوا) قال إذا سمعت ( يا أيها الذين امنوا) فارعها سمعك، فخيرا تؤمر به أو شرا تنهى عنه،- سبحان الله-

ومن النصح لكتاب الله أن نعرفه نعرف كتاب الله ونعرف كيف نتلوه تلاوة صحيحة

ومن النصح لكتاب الله حفظ آياته، ومن النصح لكتاب الله تعليمه، (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)، ويؤتى بقارئ القرآن يوم القيامة فيقال له اقرأ و وارتق، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها، وجعل الله تعالى الشرف في كتابه لأنه كلام الله فهو يعلو على أي كلام، وكل ما اتصل بكتاب الله نال من شرف كلام الله- عز وجل-، وكل من أعان على كتاب الله- عز وجل- سواء أعان في التلاوة يعلم الناس القراءة الصحيحة وأحكام التجويد وكيفية المد والغنة والفتح والكسر ومخارج الحروف وصفات الحروف وهذه الأمور كلها، أو التلاوات والقراءات العشر مثلا ، والآن على الواتس اب والزوم حلقات لتعليم القرآن إخوة وأخوات صغار وكبار على مستوى العالم، وكل هذا من الإعانة على نشر كتاب الله- عز وجل-  وعندنا التطبيقات الكثيرة على الهواتف الذكية فيها القرآن مكتوبا بأكثر من رواية، برواية حفص برواية ورش بكل الروايات المتواترة، ولو وقفت عند آية تظللها وتختار القارئ كالشيخ الحصري الشيخ المنشاوي …وهكذا، ثم التفسير من التفاسير الكبرى المعتمدة لهذه الآية، ثم ترجمة معاني القرآن، فمن يقم بهذا العمل فهو من النصح لكتاب الله- عز وجل-

ومن النصح لكتاب الله الاهتمام بعلم القراءات والتفسير وعلوم القرآن ومعرفة المكي والمدني وأسباب النزول وهناك آيات الأحكام وفقه الدليل الشرعي والاستنباط وكل هذه الأمور من النصح لكتاب الله- عز وجل-، نسأل الله تعالى أن يشرفنا بشرف خدمة كتاب الله تلاوة وفهما وتدبرا وتعلما وتعليما وتفسيرا، اللهم آمين.

( ولرسوله) – صلى الله عليه وسلم- تنصح لرسول الله بالإيمان به، وطاعته، وطبعا اليقين أنه- صلى الله عليه وسلم- ما ينطق عن الهوى، وأن ما أمرنا به رسول الله وما نهانا عنه هو وحي يجب الالتزام به واتباعه، قال تعالى: ( من يطع الرسول فقد أطاع الله) و (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) ومن النصح لرسول الله محبته، وتقديم محبته- صلى الله عليه وسلم- فوق كل محبة ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)

وأن نقتدي به في سنته وهديه، قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر)، فكلما تعلق قلبك برسول الله- صلى الله عليه وسلم-، تعلق قلبك بالشريعة وتعلق بالسنة.

ومن النصح لرسول الله نشر أخلاقه في الناس، تحبيب الناس فيه- صلى الله عليه وسلم-.

 ومن النصح لرسول الله إحياء السنن المهجورة.

ومن النصح لرسول الله معرفة سيرته، وأحواله وهديه وطريقته لأن هذا نشر لدين الله- عز وجل-، فالسنة كل ما نقل عن رسول الله من قول أو فعل أو تقرير أو صفة، فهذا من النصح لرسول الله.

(ولأئمة المسلمين ) كل من ولي من أمر المسلمين شيئا فهو إمام، الإمامة في الصلاة تسمى الإمامة الصغرى، ثم الإمامة العظمى وهي الحكم بين المسلمين نسمه الملك الرئيس الخليفة السلطان الأمير، كل هذه أسماء تختلف من عصر إلى عصر ومن مكان إلى مكان، ثم كل مسؤولية هي من الإمامة مثل والي المدينة أو المحافظ أو العمدة ثم الوزير ورئيس الوزراء وهكذا… فكل من ولي مسئولية في المسلمين فهو إمام، فله منا النصح ، فعندنا العلماء والأمراء.

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمة الله عليه في شرح هذا الحديث للأربعين النووية:(وأئمة المسلمين صنفان من الناس: الأول: العلماء، والمراد بهم العلماء الربانيون الذين ورثوا النبي صلى الله عليه وسلم علماً وعبادة وأخلاقاً ودعوة، وهؤلاء هم أولو الأمر حقيقة، لأن هؤلاء يباشرون العامة، ويباشرون الأمراء، ويبينون دين الله ويدعون إليه

الصنف الثاني: من أئمة المسلمين: الأمراء المنفذون لشريعة الله، ولهذا نقول: العلماء مبينون، والأمراء منفذون يجب عليهم أن ينفذوا شريعة الله عزّ وجل في أنفسهم وفي عباد الله.)

فالعالم مبلغ عن الله- عز وجل-، ثم الأمير منفذ ما  ما فيه مصلحة البلاد والعباد، ولذلك في تعريف السلطان : قالوا هو الذي عليه حراسة الدين وسياسة الدنيا، حراسة الدين و وسياسة الدنيا، قال تعالى : (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)

 وأولي الأمر هنا فسرت بالعلماء وفسرت بالأمراء، ولا مانع من أن يكونا الاثنين، فأولي الأمر العالم يبلغ مرادا الله- عز وجل-، العلماء ورثة الأنبياء، فيطاعون لأن في طاعتهم اتباع لمنهج الله ورسوله، والأمراء منفذون لهذا الأمر.

فإذا أمر أولوا الأمر سواء عالم أو أمير أو مسؤول بمعصية أو يخالف الصواب هنا نقول له : أنت لست على صواب لأن الله لم يجعل الأمراء والعلماء ملائكة أو أنبياء معصومين إنما هم بشر يصيبون ويخطئون نظرية الحاكم الإله أو الشيخ الذي عنده من العلوم كذا وكذا فهو معصوم ….

نقول : أبى الله تعالى أن يكون الكمال إلا لذاته- سبحانه وتعالى-، والعصمة لرسله ، ثم بعد ذلك كل البشر يصيبون ويخطئون، لا يصح القول عن بشر أنه لا يخطئ أبدا يقولون عنه: العبقرية العقلية الواعية الفذة الفلتة، الزعيم الملهم الموهوب ، وفي الآخر تجده خرب الدنيا، ولذلك من النصيحة للأمراء طاعتهم فيما لا معصية فيه، وعدم طاعتهم في المعصية ، أما أن واحد يقول: أنا عبد المأمور، والصحيح لغويا أن يقول أنا عبد مأمور، فهو من باب المبالغة أن في آمر، وفي مأمور وفي عبد للمأمور !!  فهو من السفلة، آخر واحد في الرتبة، – سبحان الله-!

فلا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف كما قال النبي- صلى الله عليه وسلم-، وهذا الحديث له قصة، أن الرسول أرسل سرية من الجيش وهذه تكون في الغالب هدفها استخباراتي جمع معلومات، فالرسول أوصاهم بطاعة أميرهم (من أطاع أميره فقد أطاعني) وذات يوم غضب عليهم فنادى قائلا: أجمعوا لي حطبا، فجمعوا حطبا، قال أشعلوا فيه النار، أشعلوا النار، قال ألقوا بأنفسكم فيها!! فتوقفوا.

قال: ألم يأمركم رسول الله بطاعتي ألقوا بأنفسكم فيها، فجعلوا يلتفت بعضهم إلى بعض، فألهم الله أحدهم فقال لقد اتبعنا رسول الله فرارا من النار، فكيف نلقي بأنفسنا فيها، فهدأ غضبه وانتهت المسألة، فلما رجعوا ذكروا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما حدث، قال لو دخلوها ما خرجوا منها، إنما الطاعة في المعروف)

إذن طاعة الأمراء أو كل من ولي أمر المسلمين طاعتهم فيما لا معصية فيه، ومن النصيحة أن ننصحهم وألا نغشهم وألا ننافقهم، والحاكم العادل يقرب المتخصصين والمستشارين منه وينزل على آراء أهل التخصص فعنده أعوان وبطانة تعينه وتسدده وترفع له الأمر على صورة وهيئة صحيحة، ولذلك من الغش الذي عده رسول الله من علامات الساعة لما سأله رجل متى الساعة؟ قال إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال وكيف إضاعتها قال إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)

 لما يتولى المسؤولية غشاش أو منافق أو لص ماذا تظن ستتحول أي دولة من فساد الدولة إلى دولة الفساد، ومن فساد الإدارة إلى إدارة الفساد، نسأل الله عفوه وعافيته.

هل تجوز معارضة الحاكم؟

وهنا مسألة ، وهي أن البعض عنده خلط في المفاهيم، الحاكم ليس إلها، وليس نصف إله، وهو بشر يصيب ويخطئ، فإذن من حق أي واحد من الناس أن يعارضه ومن حق أي واحد أن يقول إن الحكومة أخطأت، بعض المشايخ الله يرضى عليهم كان يقول المظاهرات بدعة، والنصيحة على الملأ فضيحة، هذه النصيحة لما توجه لشخص، لكن هذه مصلحة أمة، المصلحة هنا متعلقة بالأمة، وكان زمان الخليفة ولا السلطان ولا الحاكم كان يصلي مع الناس الجمعة وهو إمام الجمعة ويشهد مجالس الناس، الآن أنت لو فكرت مجرد فكرة أو خطر ببالك أنك تتوجه للقصر الملكي أو الرئاسي لن تصل، ولن يصل صوتك، – سبحان الله- العظيم .

وفي ناس فكرت كانت النتيجة التصفية النهائية، فالوسائل تغيرت، لما كان الخليفة عمر على المنبر يقول اسمعوا وأطيعوا قال أحدهم: لا سمع اليوم ولا طاعة، فكان الخليفة أو الحاكم موجودا بين الناس، ماذا لو رأيتم في اعوجاجا قالوا لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا، وهذه كلمة غليظة، فلما هم به بعض الجالسين قال عمر: لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها.

فمع تطور الزمان بدأت مسألة المظاهرات كوسيلة سلمية من وسائل الإنكار.

في قرار حكومي، هذا القرار يضر بفئة كذا أو بمطالب بكذا، فيقف الناس في ميدان من الميادين المشهورة ونصرح بكذا لنرفع صوتنا للحكومة أن في تجمع من ألف أو عدة آلاف يقولون كذا، فالحكومة تأخذ بعين الاعتبار هذه المظاهرة، ومع تطور الوسائل صار في قناة فضائية معارضة، وفي الآن وسائل التواصل الواتس اب والفيس بوك وغيرها.

لكن بشرط أن يكون المتكلم فيها يتكلم بقصد الإصلاح، وليس بقصد الإفساد إنما واحد ينادي بفساد أو ينشر إشاعات وأراجيف ويزلزل المجتمع هذا طبعا يخالف شرع الله- سبحانه وتعالى-، فإذا كان الحاكم بشر فمعنى ذلك أنه يصيب ويخطئ، ممكن أنا كمعارض أكون على خطأ ويكون الحاكم على صواب، لأن الاجتهادات البشرية مما يحصل فيها تنازع في وجهات النظر واختلاف وتنوع في وجهات النظر هذا وارد.

 وليست المعارضة مثل بعض الأنظمة الغربية؛ الحكومة تقول يمين المعارضة تقول شمال، القانون الفلاني كذا لا كذا، فالمعارضة من أجل المعارضة تضييع للوقت، إنما المعارضة البناءة أو النقد البناء الذي يصب في مصلحة المجتمع ككل هذا مقبول.

 فالحاكم إذا رأى من الناس أنهم متيقظون وأنه إذا حاد عن الصراط أو مال عن الحق والعدل إلى الظلم والجور وقف له الناس فلم يسكتوا على ظلمه هنا سيبقى الحاكم إذا أصدر قرارا يصدره بناء على وعي تام بما فيه مصلحة البلاد والعباد.

حكم النفاق والغش لأئمة المسلمين:

هؤلاء مشايخ السلطان الذين ضيعوا الدين، حسبنا الله ونعم الوكيل، هذه العمم التي على رمم، وهذه اللحى التي طالت في الباطل، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم بعد ذلك يسبل عينيه ويقول قال الله تعالى وقال رسول الله هذا من الذين قال الله فيهم: (وأضله الله على علم)

فالنصح لأئمة المسلمين بطاعتهم في المعروف، وعدم طاعتهم في المعصية، ثم من النصح لهم إذا كان هناك ظلم نرفع المظالم إليهم، وإذا كان هناك خطأ نبين هذا الخطأ، وإذا كان مفسدة نبين هذه المفسدة بالوسائل المتنوعة التي تختلف باختلاف كل زمان ومكان.

وليس هناك شيء اسمه التعبد والجمود بما كان عليه السلف، لأن السلف كزمان ومكان كان لهم هيئة وصورة، وطبيعة البلاد اقرأوا التاريخ، فلما يتطور الزمان تتطور هذه الوسائل، فلم يكن من هدي السلف الفيس بوك مثلا ، والواتساب وأنا لا أقصد الاستهزاء لكن أقصد أن الجمود على وسيلة بعينها مرفوض لأن الوسائل متغيرة لكن الغاية واحدة، أنا همتي الإصلاح ، أنا همتي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أنا همتي رفع الظلم عن المظلومين والقهر عن المقهورين، والأخذ على يد الظالم بأي وسيلة مشروعة مباحة والوسائل تتغير لكن الغاية واحدة وثابتة.

المعنى الثاني (أئمة المسلمين) هم العلماء قال شراح الحديث إن النصح لأئمة المسلمين العلماء تكون باحترامهم وتوقيرهم والأدب في مناقشتهم وأن ننزل الناس منازلهم ونعطي عالمنا قدره، هذا العالم ليس هو أطولنا جسما ولا أعرضنا … كلا هذا العالم نحترمه ونوقره لأنه يحمل فقه كتاب الله وسنة رسول الله، ولذلك الناس بمصر يقولون على شيخ الكتاب الذي يحفظ القرآن سيدنا لأنهم لا يعظمون شخصه بقدر ما يعظمون ما يحمل من كلام الله، وما يعلم من كتاب الله- عز وجل-، فنال وقارا ونال هيبة ونال الاحترام لأنه حامل لكتاب الله تعالى، فأنا إذا أكرمت عالما تقيا نحسبه على خير فأنا لا أكرمه لشخصه أو لجنسه أو للونه أو لطوله أو لعرضه إنما أنا أكرمت فيه كلام الله، أكرمت سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وهذا معنى قول النبي (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويعطي لعالمنا حقه)

الأمر الثاني المساعدة في نشر علمهم بكافة الوسائل، سواء كانت المساعدة أن أنقل هذا الكلام عبر اليوتيوب، أو نشر هذا المقطع عبر الواتساب أو الفيس بوك، أو طباعة الكتب أو تنظيم المحاضرات بدعوة هؤلاء المشايخ إلى المساجد وإلى المجامع التي يجتمع فيها الناس عمل هذه اللقاءات كل هذا من النصح لأئمة المسلمين.

فإذا حدث وخالفت عالما فأنا أخالف ما قال أخالف منهجه أخالف اجتهاده لكن لا يحل لي أن أطعن في نيته أو أنقب عن قلبه فالعالم ننكر قوله ولا نعاديه ولا نواليه إنما نوالي الحق ونعادي ما خالف الحق، لا تعرفوا الحق بالرجال وإنما اعرف الحق تعرف أهله.

 ليس هناك إمام معصوم، ولا مقدس، وليس هناك إمام لا يخطئ.

الإمام الشافعي قال: إذا رأيتم قولي يخالف قول رسول الله فخذوا بقول رسول الله واضربوا بقولي عرض الحائط.

الإمام مالك ابن أنس قال: كل الخلق يؤخذ منه ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر، ويشير إلى قبر النبي- صلى الله عليه وسلم.

وهناك فارق، بين العلماء العاملين وبين المطبلين والمزمرين، هؤلاء انتسابهم إلى العلم والعلماء وباطل، هؤلاء ليسوا علماء، على رأي بعض المشايخ كان يقول: في عندنا علماء عاملين وفي عاملين علماء، فليس كل من التحى أو كبرت عمته أوصار ذا هيئة أو هيبة أو ألقاب صار عالما، كلا الذي نتكلم عنه عالم بالكتاب والسنة يتقي الله فيما يقول، ناصح أمين وليس غاشا لأمة محمد- صلى الله عليه وسلم

 الأمر الخامس (وعامتهم) كل من عدا الأئمة يستحق منا النصح والنصح معناه أن تكون مخلصا له، أخي أحب له ما أحب لنفسي وأكره له ما أكره لنفسي، والنبي- صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وتمام المعنى أن يكره لأخيه ما يكره لنفسه.

وهذا جرير ابن عبد الله البجلي- رضي الله عنه- أرسل غلامه فاشترى له فرسا من السوق، بكم قال بثلاثمائة، قال إنها تستحق أكثر، فأخذ غلامه وذهب إلى البائع، قال بكم بعتها؟ بثلاثمائة، قال بل يستحق أكثر، فزاده مائة أربعمائة، قال يستحق أكثر، خمسمائة، والراجل غير مصدق نفسه، فهذا أمر غير موجود بالأسواق ولا في التجارة، فما زال يستزيده حتى زاده إلى ثمانمائة، قال يا رجل بعته لغلامك بثلاثمائة وجئت تستزيدني إلى ثمانمائة قال إنه يستحق ذلك، لقد بايعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على النصح لكل مسلم، ولما واحد يكون مضطرا أو محتاجا عنده سيارة بكم هذه بألفين فيبخسه ثمنها وهذا بيع اضطرار، واستغلال لحاجة المسلم ليس في ديننا هذا الاستغلال والجشع ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فالنصيحة للمسلمين أن أحب لهم ما أحب لنفسي، وأن أكره لهم ما أكره لنفسي.

 أيضا من النصح تعليمهم ما يجهلون من أمور الدين، نصيحة المعوج الذي مال عن الصراط المستقيم، وطبعا النصيحة بآدابها،  النصيحة من الصغير للكبير، غير النصيحة لصغير، النصيحة من عالم إلى جاهل غير النصيحة من شاب إلى شيخ كبير إلى آخره، وطبعا  عندنا الآيات في سورة العصر (والعصر إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)

ما هي آداب النصيحة؟

1- إذا أردت أن تنصح أخلص النية لله، أنت لا تريد بهذه النصيحة إلا وجه الله، لا تعالٍ ولا كبر ولا رياء .

2- الأمر الثاني اللين والرفق، ﴿فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: 159] فهذا سيدنا النبي- صلى الله عليه وسلم-، سيد ولد آدم لو كان غليظا مع مكانته لانفض الناس من حوله، فما بالك بك أنت هل ستقول وعلى الناس أن تسمع وتطيع.

 الحق مر فلا تزده مرارة بغلظتك وسوء خلقك.

 وكان الشيخ الشعراوي الله يرحمه يقول: إن النصيحة مثل الدواء المر يغلفونه في كبسولة جيلاتينية، بحيث إنك تمررها من الحلق فلا تحس بمرارة الدواء، فيذوب الجيلاتين وينتفع الجسم بهذا الدواء.

فالنصيحة مرة، اخلطها بشوية سكر، غلفها بابتسامة، غلفها بهدوء، غلفها بإظهار العاطفة والحب.

كان الدكتور إبراهيم الفقي رحمة الله عليه يقول في النصيحة استعمل قاعدة ثلاثة في واحد، اذكر ثلاثة محاسن وعيب واحد، اذكر ثلاثة إيجابيات وسلبية واحدة، الرسول- صلى الله عليه وسلم- علمنا هذا، لما كان ينصح يقول: نعم الرجل عبد الله، لو كان يقيم الليل.

ويقول لأبي بكرة لما ركع خلف الصف زادك الله حرصا ولا تعد.

3- الإسرار: فالنصيحة على الملأ فضيحة، وهذا في النصيحة الشخصية، وما فيه كلام للعامة يقال للعامة، هذا وكل شيء يقدر بقدره.

4- ما على الرسول إلا البلاغ، ليس معنى نصحك أنه أمر واجب النفاذ، أنا أبلغ فقط ، رب العزة قال للنبي- صلى الله عليه وسلم- (لست عليه بمسيطر)، (وما أنت عليهم بجبار)، والرسول كان يقول اللهم بلغت، اللهم فاشهد.

 5- ألا تفتش عن العيوب ولا تنقب عن النوايا، فأنت غير مطالب أن تتجسس ولا مطالب أن تتبع العورات، ولا أن تحمل الكلام ما لا يحتمل أو تقول إنه كان يقصد من وراء الكلام كذا وكذا، احمل كلام أخيك وحال أخيك على أفضل المحامل، أحسن الظن به.

6- والنصيحة تكون بعلم، وليست عن جهل، قال تعالى: ﴿قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ﴾ [يوسف: 108]

7- بعض المسائل المختلف فيها لا إنكار فيها، قال الإمام النووي: (المختلف فيه لا إنكار فيه) في أمر فقهي، يسع الناس الاختلاف فيه لا بأس، وهذه المسألة نعاني منها هنا لأن هناك مذاهب فقهية عديدة ومشارب ومدارس.

مثلا: المسح على الجورب أو الشراب عندنا نقول عليه في مصر الشراب، قال به بعض أهل العلم خاصة الحنابلة.

واحد في المذهب المالكي ولا الحنفي يقول لك لا هذا لا يجوز!!

يا أخي- سبحان الله- هي لا تجوز عندك، لكن تجوز عند غيرك فيتسع الأمر لي ولك، أنت قلدت عالما في فتواه فالتزمت بذلك لا حرج، أنا قلدت عالما فلا تضيق واسعا.

من فوائد هذا الحديث:
1- أهمية النصيحة في هذه المواضع، وجه ذلك: أن النبي ﷺ جعلها الدين فقال: الدِّيْنُ النَّصِيْحةُ.
2 – حسن تعليم الرسول ﷺ حيث يذكر الشيء مجملاً ثم يفصّله، لقوله: الدِّيْنُ النَّصِيْحَةُ.
3- حرص الصحابة رضي الله عنهم على العلم، وأنهم لم يدعوا شيئاً يحتاج الناس إلى فهمه إلا سألوا عنه.

4- البداءة بالأهم فالأهم، حيث بدأ النبي ﷺ بالنصيحة لله، ثم للكتاب، ثم للرسول ﷺ ثم لأئمة المسلمين، ثم عامتهم. وإنما قدم الكتاب على الرسول لأن الكتاب يبقى، والرسول يموت، على أن النصيحة للكتاب وللرسول متلازمان، فإذا نصح للكتاب نصح للرسول ، وإذا نصح للرسول نصح للكتاب.
5- وجوب النصيحة لأئمة المسلمين، وذلك بما ذكرناه من الوجوه بالنسبة للأمراء، وبالنسبة للعلماء.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 351 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم