شرح الأربعون النووية : تابع 6- ألا وهي القلب

تاريخ الإضافة 7 فبراير, 2023 الزيارات : 5147

شرح الأربعون النووية 

 

ألا وهي القلب

عَنْ أَبِيْ عَبْدِ اللهِ النُّعْمَانِ بْنِ بِشِيْر رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ ﷺ يَقُوْلُ: (إِنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُوْرٌ مُشْتَبِهَات لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيْرٌ مِنَ النَّاس،ِ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرأَ لِدِيْنِهِ وعِرْضِه، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيْهِ. أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَىً . أَلا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، أَلا وإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وإذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهيَ القَلْبُ) رواه البخاري ومسلم .

الطريق إلى الله يقطع بالقلوب وليس بالأقدام ، فكلما كان القلب سليما معافى كان سيره حثيثا قويا، وكلما كان مريضا ضعيفا كان سيره متقطعا أو منعدما ،وقلنا إن القلب السليم هو القلب الذي امتلا توحيدا ، وإيمانا بالله جل وعلا، وهو سليم خال من سوء الظن بالمسلمين وخال من أمراض الحسد ، والغل و الغش ، والحقد ، فإذا سلم القلب فإن ذلك سبب لسعادة ابن آدم في الدنيا والآخرة ، وهذا ما قاله نبينا المصطفي  صلى الله عليه وسلم : ” ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب .

ما معنى إن صلاح القلب صلاح للجسم كله وأن فساد القلب فساد للجسم كله ؟

هذا هو موضوعنا اليوم إن شاء الله تعالى .

القلب يا إخواني جعله الله محل الوعي والإدراك ، هنالك المخ وهو مدير العمليات الفسيولوجية بالجسم ، وهنالك العقل محل الإدراك والوعي ، وكما رجح كثير من أهل العلم محله القلب ، كما قال سبحانه وتعالى  -( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور )- [الحج/46]

فالقلب هو محل العقل الواعي محل الإدراك ، والقلب فيه الخير والشر ،  وفيه الحب والبغض ، جعله الله محل المشاعر الإنسانية ،  ومنعقد الإرادة عند الفعل ،  ولذلك قال النبي  صلى الله عليه وسلم ” إنما الأعمال بالنيات ولكل أمرئ ما نوى ” ولو قرانا في كل كتب الفقه عن النية وتفاصيلها نجد العلماء يقولون : والنية محلها القلب ، يعني أي عمل بداية الأمر فيه تكون من القلب .

والإمام السيوطي رحمة الله عليه له كتاب اسمه ” الأشباه والنظائر ” بين أن مراتب الأعمال في القلب خمسة هي :

الهاجس ، والخاطر ، وحديث النفس ، والهم ، والعزم .”

هذه المراتب تبين معنى قول النبي  -صلى الله عليه وسلم- : ” ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب .”

ما معنى هذه الخمسة مراتب ؟

1،2 – الهاجس والخاطر:

الشيء أول ما يقع على القلب اسمه هاجس ، أمر جاء على الوعي أو الإدراك عندك أمر داخلي ، مسألة سريعة جدا ليس لها مقدمات قد تكون خيرا أوشرا كل هذا يسمى هاجس ، ألقي في القلب لإرادة فعل شيء ، فإذا تردد في الصدر فهو ” خاطر ” ، ولذلك الجماعة المفكرين والكتاب يعبرون عن كتاباتهم بالخواطر ، خواطر يعني مجرد أفكار من هنا وهناك ، أفكار تتردد في النفس فهو يترجمها لكتابات ، وهذه الكتابات لأنها كتبت من ناحية إنسانية أو عاطفية بعيدة عن النواحي العلمية المعقدة بعض الشيء تجد صدى عند الكثير من الناس .

والهاجس والخاطر يهجما على النفس بلا مقدمات ويزولا بلا مقدمات ، يعني مجموعة أفكار تتردد على الذهن أو تتوارد على الذهن بخير أوشر وهذه لا شيء فيها لا ثواب ولا عقاب ، وهذه طبيعة في الإنسان أن يرد عليه هذه الأمور .

فإذا تردد الأمر ووجدت له صدى في نفسك حينئذ تحول الخاطر إلى :

3- حديث النفس:

بمعنى أنك تأخذ الكلام أو الخاطرة وتبدأ تردد ماذا أفعل في كذا وكذا …. يعني مثلا خطر ببالك أن تخرج صدقة فبعد أن يكون هاجسا شيء ألقي في قلبك يكون خاطرا يتردد في نفسك ، ثم تحدث نفسك ، وما المانع ؟ هل أتصدق أم لا ؟ بكم أتصدق ؟ في أي مكان؟  لمن أعطي ؟ حديث نفس .

فإذا تطور الأمر ارتقى إلى :

4- الهم :

والهم هو نية فعل الشيء لكن بدرجة خمسين بالمئة ، يعني عندك إرادة للفعل لكنها ليست إرادة محققة كاملة ، هم بالفعل لما أودع الله فينا من القدرة على فعل الخير أو الشر كما قال جل وعلا :  -( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها )- [الشمس7/8]  الإلهام هنا معناه هداية الفطرة أو الغريزة ، أي إنسان فينا على وجه الأرض عنده قدرة على الخير والشر ، على فعل الحسن والسيء ، وإلا انعدم التكليف ، ما في أحد يفعل الخير فقط ولا يرد الشر على باله ، أو يفعل الشر فقط ولا يرد الخير على باله ، لكن قد يغلب جانب على جانب ، واحد ما شاء الله عنده خير هو المقدم دائما على الشر وتفكيره إيجابي في منفعة الناس ومرضاة ربه كل هذا وارد ، والآخر على العكس من ذلك يفكر في السوء والمعاصي ، والمظالم ، فلا يرد على باله إلا الشر أكثر من الخير .

والهم من الناحية الشرعية كما ورد في الحديث القدسي ” إذا هم المسلم  بحسنة فلم يعملها تكتب له حسنة كاملة فإن عملها قال الله لملائكته فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف ” والله يضاعف لمن يشاء ، مثلا : غدا الاثنين هممت بالصيام مجرد هم ، ولكن في اليوم التالي شعرت بعطش شديد ، حدث مانع من الموانع فأفطرت ، مجرد الهم لك أجر صيام يوم ، طيب إذا صمت اليوم ؟ يكتب لك بعشر .

هممت أن أقيم الليل قلت : إن شاء الله سأستيقظ قبل الفجر بنصف ساعة وأصلي قيام الليل ، فغلبتك عيناك ونمت النبي  صلى الله عليه وسلم علمنا فقال ” ما من عبد يحدث نفسه بقيام ساعة من الليل فينام عنها إلا كان نومه صدقة تصدق الله بها عليه وكتب له اجر ما نوى .”

علم الله الرؤوف الرحيم تعبك ، وعدم استطاعتك للقيام فتصدق عليك ؛ بأن تنام ، وكتب لك من  كرمه قيام ليلة  .

إذا هممت بسيئة ؟ من رحمة الله ولطفه تكتب سيئة واحدة .

فإذا هممت بها وتركتها لله جل وعلا تكتب لك حسنة .

هممت بسيئة ثم تذكرت خوفي من الله وخشيتي منه سبحانه ، فتراجعت لله فيكتب لك أجر حسنة .

لكن من تركها لانشغال أو غفلة أو أمر طارئ جاءه اتصال نحتاجك في العمل ،  فهنا هو هم بالسيئة وتركها لهذا السبب ، فلا له ولا عليه.

هم يوسف وهم امرأة العزيز :

وهذا يجعلنا نعرج على قصة يوسف عليه السلام في قوله تعالى  -( ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه  )- [يوسف/24] الهم هنا كما قلت  : ما من إنسان إلا وفيه الغريزة ، أو القدرة على فعل الخير والشر ، وسيدنا يوسف بشر ليس ملك من الملائكة ، يرى أمامه امرأة ذات جمال ، وهي زوجة عزيز مصر ، تدعوه لنفسها ، وقالت: ” هيت لك ” أي إنسان في هذا الموقف يتحرك فيه داعي الشهوة ، كرجل عنده هذه الغريزة- سبحان الله – ولكنه امتنع عن ذلك ، ولذلك تقرأ الآية ( ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه  )- [يوسف/24] وبرهان ربه كما رجح أهل العلم أن الله حفظه من أن يقع في هذه الفاحشة كما قال بعدها  : (   كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين )- [يوسف/24] البعض يقول : لا سيدنا يوسف لم يهم بها ، ويقدر الآية “لولا أن رأى برهان ربه لهم بها ” وهذا غير صحيح، لأن الابتلاء هنا أن يكون عندك القدرة على الفعل وتمتنع ، حتى العلماء قالوا إن الصبر ثلاثة أنواع :الصبر على الطاعة ، والصبرعن المعصية ، والصبر على قضاء الله .

في مسالة الصبر على قضاء الله النفس ليس لها حيلة فيه ، صبرت أم لم تصبر قضاء الله نفذ ، يليه الصبر على الطاعة من ناحية أن تصبر على الصوم على الصلاة ….الخ

أشقّها وأصعبها الصبر عن المعصية ، أن يكون في يدك المال وتمتنع أن تنفقه في حرام أو شهوة،  شباب وتمنع نفسك بالعفة عن الوقوع في الزنا ، ذا منصب وعندك قدرة وجاه وتمتنع عن أذى الناس وتقيم العدل ، هذا هو أصعب أنواع الصبر .

سيدنا يوسف شباب وهذه المرأة سيدته وهو في بلد لا يعرفه فيها أحد ، وفي مكان لا يراه أحد غير الله ، لكنه امتنع عن ذلك ، فهو هم بها كرجل عنده ما عند الرجال من الرغبة والشهوة لكن الله تعالى حفظه ، وصرف عنه السوء والفحشاء .

ولاحظوا درجة الهم بين امرأة العزيز ويوسف اختلفت ولذلك فصل بين الفعلين قال ( ولقد همت به وهم بها )- [يوسف/24]

بعدها قال  -( واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب )- [يوسف/25] واستبقا بألف التثنية ، لماذا قال : “ولقد همت” ولم يقل  ” ولقد هما ” ببعضهما ، وهنا قال : “واستبقا ” ؟  لأن فعل الاستباق واحد فجاء بألف الاثنين ، فيوسف يجري هربا منها ، لينجو بنفسه ودينه وهي تجري وراءه تريد من باب الكبرياء أن تنال منه ، لأنه تركها في هذا الموقف ، وهي التي عرضت نفسها ، لكن لأن هم يوسف مختلف فصل بين الفعلين فشتّان بين هم الصديق وهم امرأة العزيز ، هذا فقط لتوضيح المسألة .

نرجع مرة أخرى ، الهم هو إرادة الفعل لكن ليس بدرجة أكيدة ، لو فرضنا أنها درجة 50% ، 60% ، 70% هذا يثيب الله عليه في الخير ، ويثيب عليه إن تركته في الشر لله ، لكن إن تركته انشغالا أو غفلة فلا لك ولا عليك .

5- المرحلة الأخيرة هي العزم :

والمقصود به الجزم بالفعل بدرجة 100% خلاص أنا نويت كذا ، وبدأت أتوجه للقيام بهذا الفعل ، فهذه يثيب الله عليها في الخير خيرا ، وفي الشر شرا ، فمن عزم على فعل أكيد وفعله كان له الأجر كاملا في الخير ، ومن عزم على فعل شر ولم يفعله  ، هذا أيضا عليه الوزر كاملا .

هل هناك أدلة على هذا الأمر ؟

نعم أدلة كثيرة منها :

1- قول الحق جل وعلا : -( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون )- [النور/19]  يحبون الحب هنا لا قول باللسان ولا عمل بالجوارح ، لكنه مسألة قلبية ، هو يحب مسألة قلبية ، لكن لأنه أحب أن يرى فاحشة تنتشر وهتكا لأعراض المسلمين الأبرياء ، وسره ذلك توعد الله من يقع في هذا الفعل بأن لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة .

فهذا لم ينطق بلسانه وقال فلان أو فلانة كذا ، ولم يفعل شيئا بجوارحه ، إنما أحب وفرح ، وهذه الآية جاءت في وسط الآيات التي تكلمت عن حادثة الإفك ، وكيف أن هنالك من المنافقين من دعم هذه الإشاعة وهذا الإفك عن الصديقة عائشة رضي الله عنها ، وروج لها ، ومنهم من فرح بها.

فبين الله تعالى أن من يفرح بهتك الأعراض ويُسر بالنيل من أعراض المسلمين والمسلمات،  رغم أن هذا عمل قلبي إلا أن له عذاب أليم في الدنيا والآخرة .

2- الدليل الثاني في الخير قصة الخليل إبراهيم مع ولده  -( يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين )- [الصافات/102] إبراهيم أخذ ولده وأمسك بالسكين كما وصف الله  -( فلما أسلما وتله للجبين )- [الصافات/103] خلاص الآن عزم على الفعل بدأ التنفيذ تله للجبين يعني جعله على بطنه حتى يذبحه من الخلف  ( وناديناه أن يا إبراهيم  قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين ) [الصافات 104 /105] فأعطى الله الأجر كاملا لإبراهيم رغم أنه لم يذبح ، لكنه عزم وأراد التنفيذ بدرجة مئة بالمئة .

3- دليل ثالث بسورة القلم وهذه القصة كما ذكرها ابن عباس قصة رجل صالح كان عنده جنة أي بستان ممتلئ بالثمار والأشجار والخيرات و كان الرجل يجعل للفقراء نصيبا من هذه الجنة وثمارها ، لما مات الرجل اجتمع أولاده واتفقوا ألا يعطوا الفقراء شيئا وعزموا عزما أكيدا على أن يأخذوا الثمار مبكرا قبل أن يعلم الفقراء فيأتون إليهم ونقرأ الآيات في سورة القلم  ” إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) أَي:  حلفوا ليقطعن ثمارها بعد نضجها واستوائها وقت الصباح ، قبل أَن يخرج المساكين ، كي لا يشعروا بهم ، فلا يعطونهم منها ما كان أَبوهم يتصدق به عليهم منها.

 {وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18)}: أَي ولا يقولون إِن شاءَ الله، وقيل: المعنى ولا يستثنون منها حصة المساكين كما كان يفعل أَبوهم

 لا حظوا ! هم عزموا عزما أكيدا على ذلك ، لكن لم يفعلوا فعاقبهم الله جل وعلا ” فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) الطائف كما قال العلماء صاعقة، أو نار أحرقتها فصارت أرضا سوداء لا شيء فيها .

 فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20)  أَصبحت محترقة تشبه الليل في السواد .

ثم يصور لنا القرآن مشهد استيقاظهم وهم ذاهبون للجنة لقطع الثمار مبكرا فلما أصبحوا ” فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23)” أَي فاندفعوا مسرعين وهم يتشاورون فيما بينهم بطريق المخافتة والمسارّة متواصين قائلا بعضهم لبعض: لا يمكّن أَحد منكم اليوم مسكينا من دخول الجنة عليكم، {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25)}:يعني على عزم وجد قادرين يعني خلاص سنقطع الثمار ونأخذها ولا نترك شيئا للفقراء . ” فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) لما رأوا الجنة وهي محترقة لا ثمر ولا شجر قالوا إِنَّا لَضَالُّونَ فلما بحثوا وتأكدوا قالوا : ”  بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) ” فعاقبهم الله على عزمهم منع الزكاة عن الفقراء.

4- ومن الأدلة من السنة النبوية عن أبي بكرة  قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم : “إذا التقى المسلمانِ بسيفَيْهما فالقاتل والمقتول في النار” قلت: يا رسول الله هذا القاتِل فما بالُ المقتول؟ قال: “إنّه كان حريصًا على قتل صاحبه” رواه البخاري ومسلم

فالقاتل عرف ذنبه لكن المقتول ماذا جنى ؟ قال: “إنّه كان حريصًا على قتل صاحبه”  مجرد العزم على أن يقتل أخاه حتى وإن كان هو المقتول ، مجرد العزم جعله مساويا لخصمه في هذا الفعل ، فلا يحل لمسلم أن يرفع السلاح في وجه أخيه ، القاتل والمقتول في النار .

5- وعن أبي كَبْشَةَ الأَنَّمَارِيُّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :  ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه قال : ما نقص مال عبد من صدقة ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزا ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر.

وأحدثكم حديثا فاحفظوه : إنما الدنيا لأربعة نفر :

-عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقا فهذا بأفضل المنازل

– وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النية يقول لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء

– وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقا فهذا بأخبث المنازل

– وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فوزرهما سواء .”

إذن ننتبه لهذا الأمر أن القلب فيه:

الهاجس ، والخاطر ، وحديث النفس ، والهم ، والعزم  .

كل هذه الخمس مراحل قلبية ثم الجوارح هي المنفذة ؛ فهناك المدير المسؤول هو القلب ثم الجوارح منفذة لإرادة القلب .

إذن أنت لا تتكلم عن تزكية اليد ، ولا تزكية القدم ، ولا العين ، ولا الأذن ، إنما تزكية القلب نفسه وتطهيره ، هذا هو محل مخاطبة الله عز وجل لعباده ، هذا هو محل التطهير والتنقية،  ولذلك قال الله عن الذين في قلوبهم مرض : ( أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم  )- [المائدة/41] وقال في أهل الإيمان  -(  أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه  )- [المجادلة/22] وكتب لفظ معبر عن قوة الإيمان في القلب فما كتبه الله لا يمحى ، وأمدهم الله بمدد من عنده وأيدهم بروح منه .

إذن فلينتبه كل واحد منا إلى قلبه بتطهيره ، وحبه لطاعة الله ، وبعده عن كل غذاء من مال حرام ، أو شبهة ، أو شهوة ، وعن كل شيء يسخط الله  سبحانه وتعالى .

وبهذا يتضح معنى قول النبي  صلى الله عليه وسلم : ” ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب .”

وقد أردت بإيضاح هذا المعنى إن بعض الناس يشكل عليه مسألة الخواطر وحديث النفس في الوسوسة فبعضهم يقول : مشكل بيني وبين زوجتي وحدثتني نفسي بطلاقها هل يقع الطلاق ؟ لا هذا حديث نفس .

– واحد ضايقك حدثت مشادة بينك وبينه فقلت سأفعل وأفعل و….ولن تفعل شيئا حديث نفس .

– شاب مثلا ما شاء الله في مقتبل العمر ، والقوة والصحة يدور بذهنه بعض الأمور من الناحية الجنسية ، وهو لا يفعل شيئا محرما فهذا حديث نفس .

والصحابة لما ذكروا للنبي  صلى الله عليه وسلم  وساوس الشيطان في الله عز وجل قالوا:  إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ .

قَالَ : وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ ؟ قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ: ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ .

فما يتردد في النفس من الوساوس الله لا يؤاخذ به كما في الحديث (إنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ)

 


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 14 مايو, 2024 عدد الزوار : 1034 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن العظيم

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع