احذر ثلاثة أشياء تدمر حياتك
دائما نتلمس في كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما فيه أسباب السعادة في حياتنا، والكل يبحث عن أسباب هذه السعادة، وفي المعنى العام كل ما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو سبب لننال سعادة الدنيا والآخرة .
هناك ثلاثة أشياء سنتكلم عنها في هذا اللقاء حينما نقع فيها نشعر بالتعاسة والضيق والكآبة :
أولها /محاولة إرضاء الناس دائما
الله سبحانه وتعالى خلقنا متنوعين في كل شيء في الشكل واللون والطباع والميول والمزاج والتصور واختلاف نمط الشخصية هناك الإنسان السهل والإنسان الصعب ، المرح ،القلق ، الحليم ، العصبي ، الغضوب ، الصبور….الخ .
مع هذا التنوع الكبير يستحيل معه أن ترضي كل من حولك .
وإن من أعظم آفات الناس اليوم أنهم أصبحوا يراقبون بعضهم بعضاً , فلا يعمل المرء عملاً إلا بعد أن يرى إذا كان هذا العمل يعجب الناس أم لا , وانظر إلى ما يحدث مثلاً في أفراحنا ومعازينا من مظاهر كاذبة قد سيطر عليها إرضاء الناس وليس إرضاء الله تعالى.
ما هو الحل ؟
الحل هو أن ترضي الله الذي خلق العباد جميعا ، في أي موقف تسأل نفسك ما الذي يرضي الله في هذا الأمر ؟
وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : ” وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ” الأحزاب 37
وقال للمؤمنين :” أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) التوبة 13
وقال : ” يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62)التوبة62
وجاء في سنن الترمذي بسند صحيح عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “من التمس رضى الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس والسلام عليك”.
فتكون غايتك واحدة فبدلا من إرضاء عشرة أو مائة أو ألف ترضي واحدا ؛ هو الله سبحانه وتعالى ، وقد ضرب الله لذلك مثلا في القرآن فقال : -( ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون )- [الزمر/29]
والمعنى : ضرب الله مثلا للمؤمن الموحد بالعبد الذي له سيد واحد، عرف ما يرضيه وما يسخطه، فجعل كل همه في إرضائه، واتباع ما يحبه وللمشرك بالعبد الذي يملكه شركاء متشاكسون، كل واحد يأمره بخلاف ما يأمره به الآخر، وكل يريد منه غير ما يريد صاحبه.
فرضا الناس غاية لا تُدرك ورضا الله غاية لا تُترك فاترك مالا يدرك لأجل ما لا يترك .
قال أحدهم :
ضحكت فقالوا : ألا تحتشم * * * بكيت فقالوا: ألا تبتسم
بسمت فقالوا : يرائي بها * * * عبست فقالوا: بدا ما كتم
صمت فقالوا: كليل اللسان * * * نطقت فقالوا : كثير الكلم
حلمت فقالوا: صنيع الجبان * * * ولو كان مقتدراً لانتقم
بسلت فقالوا: لطيش به * * * وما كان مجترئاً لو حكم
يقولون: شذ إذ قلت لا * * * وإمعة حين وافقتهم
فأيقنت أني مهما أرد * * * رضي الناس لابد أن أذم
والمؤمن الموحد بالله جمع همومه في هم واحد هو إرضاء الله تعالى، فكفاه الله هم دنياه، و في هذا المعنى يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “من جعل الهموم هما واحدا، كفاه الله هم دنياه، ومن تشعبته الهموم، لم يبال الله في أي أدوية الدنيا هلك”. حسنه الألباني
ومعنى: تشعبته الهموم: توزعته وتقسمت قلبه وإرادته: بين إرضاء الناس وجمع المال والوصول للجاه ونيل الشهوات وما أكثرها، بخلاف المؤمن الذي ركز كل همه في إرضاء ربه.
إذن حينما تتداخل الأمور ، أو تقع في ورطة أو فتنة أو بلاء اسأل نفسك ، ما الذي يرضي الله؟
بعد ذلك الأمور كلها ستتفكك لأن مرد الأمور كلها لله قال تعالى : -( وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون )- [هود/123] أما محاولة إرضاء الناس دفعا للحرج ، وخوفا من كلام الناس وماذا سيقولون عنا ؟ وحرصا على المصلحة ، والعلاقة ، وتقدم كل هذا إرضاء للناس وتترك إرضاء الله ، هنا بدلا من أن تكون المشكلة واحدة تصير عشرة مشاكل لا تخرج منها .
ثانيا / الحديث عن أسرارك وحياتك الشخصية
مع تطور وسائل التواصل المختلفة ( الفيسبوك والواتس اب …الخ) ابتلينا بموضوع نشر الأسرار والفضائح ، ولذلك أقول ناصحا ومنبها : ليس كل شيء ينشر ويقال ويحكى ، ولا ينبغي أن نتكلم مع أي شخص في أمور خاصة ونحن لا نعرف دينه ولا أخلاقه، بعد إرسالك للرسالة له يقوم بعمل لقطة شاشة (Screen shot ) وينشر ، والآن المكالمات تسجل والرسائل الصوتية تذاع وتنقل ، على العام …. وتخرب بيوت…. وأنا أتكلم عن واقع نعيشه ، وتنهار أسر ، وتضيع علاقات وتقطع أرحام ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وطبعا لا يخفى علينا حرمة نشر الأسرار لكن لماذا تعرض نفسك لضغط نفسي بإذاعة أسرارك لشخص تبين لك أنه صديق غير أمين ، و في الحديث عن جابر رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إذا حدَّث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة)
ثم التفت: أي: غاب عن المجلس، أو التفت يمينًا وشمالًا، فظهر من حاله بالقرائن أنَّ قصده أن لا يطَّلع على حديثه غير الذي حدَّثه به.
وبلغ بنا الأمر الآن إلى التهديد عند حدوث خصومة أن يذيع أسرارك والمحادثات التي جرت بينك وبينه ، وقد حذرنا النبي من هذه الصفة حينما ذكر صفات المنافق فقال : ( وإذا خاصم فجر ) فجر في الخصومة بمعنى أنه يفشي ما ائتمن عليه من أسرار ، أو يتفنن في إذلالك والانتقام منك.
فانتبهوا يا إخواني وخاصة الأخوات الحديث عن الحياة الزوجية والمشاكل والأمور الخاصة لبيوتنا …..الخ .
فنحن في زمن رقة الدين وضعف الإيمان في النفوس والحرص على الشهرة بأي ثمن .
الأمر الثالث / كثرة الديون
للاستهلاك في الإسلام أولويات لا بد من مراعاتها بحيث يبدأ المسلم بسد حاجات نفسه أولاً، ثم أهله ثم أقربائه ثم المحتاجين، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا” يقول: فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك ) رواه مسلم عن جابر.
و ينبغي للمسلم أن يقوم بتلبية ضروراته أولا، ثم حاجياته، ثم تحسينياته.
فالضروري: ما تتوقف عليه حياة الناس كالطعام والشراب.
والحاجيات هي: ما يرفع الحرج ويدفع المشقة عن الناس كالتعليم والمسكن والزواج .
والتحسينيات: ما يؤدي إلى رغد العيش ومتعة الحياة دون إسراف أو ترف أو معصية كسعة المسكن وتوفر وسيلة انتقال له (سيارة ) ووسائل تدفئة للشتاء أو تهوية للصيف …وهكذا.
لكن المشكل أن الكثير منا مبتلى بالتوسع في المباحات والتحسينيات بالسلف والتقسيط ، والمسلم الفطن لا يشتري إلا ماهو في حاجة له ، إلا إذا كان ما يحتاج إليه من الضروريات أو الحاجيات ، فله أن يقترض لذلك .
ويتحدد الإنفاق بالقدرة المالية للشخص فلا يكلف الله نفسا إلا مَا آتَاهَا ،كما قال تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) الطلاق: 7.
فالمسلم لا ينفق أكثر من طاقته (يمد رجليه على قدر لحافه ) ويوازن بين دخله ومصروفاته .
والتوسع في الكماليات هذا باب خطير جدا يا إخواني….. والله يا إخواني كثير من الإخوة الذين نحسبهم على خير للأسف الشديد يأكلون الربا من خلال بطاقات الإئتمان (كريديت كارد والفيزا كارد وهذه الأشياء). لماذا؟
بدأت بمرة وبعد ذلك زاد الموضوع وفتح الأمر سبحان الله. فاتق الله ، إياك والربا.
طبعا في ضروريات، هذه ليست مجال للكلام عنها تكون فتاوى لحالات خاصة ، لكن أنا أتكلم عمن يستطيع الإستغناء عن ما يشتريه. …شيء ممكن يؤجل….. لكن أن الواحد يتوسع في الرفاهية والكماليات في ملابس، في سيارة جديدة…. إلى آخره .
التحذير من كثرة الاستدانة :
(غلبة الدين ) معنى أن الدين يغلبك يعني تصل إلى مرحلة لا تستطيع معها أن تسدد ما عليك؛ يسمونه العجز في الدخل فمثلا :
دخلك ألف وتحتاج إلى ألفين ، وربما تحتاج إلى أكثر، فعندك عجز دائم، كل شهر الدين لا يقل بل يزيد فهذه غلبة الدين.
(وقهر الرجال) هذه نتيجة طبيعية أن من استدانك دائما ما يكون له الحق عليك. فمن يستدين من شخص ولا يسدده يستحل بذلك أن يشتمه، وأن يتعرض له أو كما في بعض القوانين مثلا هنا (في كندا ) ليس هناك سجن ، لكن في بعض الدول هناك سجن لمن عليه دين وكثير من الحالات في عالمنا للأسف الشديد يسجن الناس .
إذا كنت قد أخذت هذه الديون وأنت عازم على أدائها فعليك أن تحسن الظن بالله تعالى وتثق به أنه سيقضيها عنك ، روى البخاري ( 2387) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ) ، وروى ابن ماجة ( 2409) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله مع الدائن حتى يقضي دينه ما لم يكن فيما يكره الله ) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة .
تتمة للفائدة / أدعية قضاء الدين:
1- روى الترمذي عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ : إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِي فَأَعِنِّي ، قَالَ : أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ ، قَالَ : قُلْ : ( اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ ) والحديث حسنه الألباني في صحيح الترمذي .
والمكاتبة : تعهد العبد بدفع مال لسيده حتى يعتقه .
و( جبل صِير) اسم جبل .
2- وروى الطبراني في معجمه الصغير عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه : ( ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثلُ جبلِ أُحُدٍ دَيناً لأداه الله عنك ؟ قل يا معاذ : اللهم مالك الملك ، تؤتي الملك من تشاء ، وتنزع الملك ممن تشاء ، وتعز من تشاء ، وتذل من تشاء ، بيدك الخير ، إنك على كل شيء قدير ، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ، تعطيهما من تشاء ، وتمنع منهما من تشاء ، ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك ). وحسنه الألباني في “صحيح الترغيب والترهيب”
3- وروى أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة؛ ما لي أراك جالسا في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلمك كلاما إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي، وقضي عني ديني.)