هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين

تاريخ الإضافة 22 أغسطس, 2023 الزيارات : 9907

هذا العصر الذي نحياه كثر فيه حالات القلق والتوتر وعدم الإتزان.

هذه الحالة صارت بعد أن تحول الإنسان من كيان فيه جسد وروح إلى سلعة تقدر بماذا تنتج ؟ وماذا تستهلك ؟

حتى تحول فكر الكثير من الناس لهذه النظرية… نظرية أنه عبارة عن شيء له ثمن مادي بحت.

بكم يعمل ؟ وكم يستهلك ؟ وماذا تبقى ؟ وكيف يزيد من دخله ؟ و كيف يزيد من متعه ؟

حتى تحول الإنسان بهذا الخواء إلى ما يشبه (machine) الماكينة الصماء التي لا إدراك لها ولا أحاسيس.

وكثر في الناس الحديث عن الامراض وعلاجاتها وأخطارها وظهر عند الناس الخوف الشديد من المرض ؛  فتجد الكثير يتكلمون الآن عن مرض السرطان وكأنه لمجرد ذكره يخافون أن يصيبهم.

يخافون الكلام عن الموت وكأنه بمجرد الكلام عن الموت سيموت.

يتكلمون عن خسارة العمل، يتكلمون عن المستقبل المظلم، يتكلمون عن الأولاد و فشلهم وضياعهم.

الزوجة تخاف أن يطلقها زوجها والزوج يخاف أن تكون زوجته كذا وكذا…

الفتاة تخاف أن تكون عانس، الشاب يخاف أن يفقد قوته و شبابه…… إلى غير ذلك من هذه الأمور التي تسبب الكثير من القلق والتوتر عند الإنسان.

والمؤمن في هذه الحالة جعله الله تعالى مميزا بشعوره بالسكينة.

هذا الشعور الذي لا يشترى بالمال ولا يوهب ولا يكتسب و لا يتحصل عليه بشهادة أو دراسة إنما هو محض عطاء من الله عز وجل.

تعريف السكينة :

السكينة من السكون و السكون ضد الحركة ، و المعنى هنا أن الإنسان حينما يأتيه أمر شاق أو صعب ، أو تفكير في مرحلة صعبة أو يصاب ببعض الإبتلاءات يضطرب قلبه ، هذه مسألة فطرية فطرنا الله تعالى عليها (و خلق الانسان ضعيفا)

فمع اضطراب القلب تلجأ الى الله فينزل الله عليك السكينة و الطمأنينة فيهدأ قلبك.

وأدق وصف لمعنى السكينة :

وصف أم موسى:

  كلنا يعلم أن فرعون – لعنه الله و لعنة الله على كل فرعون- كان يقتل الأولاد ( الذكور) من بني إسرائيل يذبح أبنائهم ويستحيي نساءهم فأوحى الله تعالى إليها أن تلقي بابنها في اليم، (في النهر)، و تعلم يقينا أن الله سيرده عليها.

(وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي )هذا وعد من الله ( إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) وعلى الرغم من هذا لما ألقت أم موسى بابنها في اليم يقول الله تعالى : (وأصبح فؤاد أم موسى فارغا)  إنها أم !! عندها خوف شديد على ابنها، عندها لهفة على نجاته و الإطمئنان عليه.

يقول تعالى : ( لولا أن ربطنا على قلبها) فعند الشدائد القلوب تضطرب لا تستطيع الاستقامة و لا التفكير و لا أي شيء من هذا القبيل،  فيأذن الله سبحانه و تعالى بربط القلب ، كأن القلب  فعلا شيء متحرك، شيء ينتقل من مكانه فيربط الله تعالى عليه ،

وربط الله تعالى على القلب إنما هو بالسكينة…. سبحان الله، سبحان الله العظيم.

السكينة في الغار :

و نلاحظ هذا  المعنى أيضا  في آيات القرآن الكريم حينما تكلم عن السكينة فمثلا في حادث الهجرة لما قال الصديق لنبينا صلى الله عليه وسلم : لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا ، فقال له رسول الله : مطمئنا إياه يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما (فأنزل الله سكينته عليه) ربط الله على القلب وجعل فيه الطمأنينة و الشعور بالهدوء و الأمان.

و كما ذكرنا في خطبة من قبل عن أبي بكر أن الصديق لم يكن خائفا على نفسه إنما كان يخشى على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و الله تعالى قال (…فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ …) يعني على أبي بكر لأن الرسول صلى الله عليه و سلم كان على يقين تام من وعد ربه جل وعلا، فاحتاج الرفيق الى السكينة ، فأنزلها الله تعالى عليه. 

السكينة يوم حنين :

و نجد هذا المعنى في غزوة حنين لما حدث أن بعض الصحابة غرتهم كثرتهم وقالوا: لن نغلب اليوم من قلة، أعد المشركون لهم فخا حينما كانوا يمرون بين جبلين فترصدوا لهم فوق الجبال بالسهام فضربوهم ، فاضطرب المسلمون في أوائل صفوفهم و تراجعوا الى الخلف فأحدث ذلك حالة إضطراب ودهس ، وما الى غير ذلك ، فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين فوقف النبي شجاعا جسورا يقول : أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب ؛ حتى اجتمع عليه المسلمون مرة أخرى.

السكينة يوم الحديبية :

ويوم الحديبية لما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم الرؤيا وبشر صحابته بدخولهم المسجد الحرام و كان بيت الله الحرام لا يمنع منه أحد في هذا الوقت فسبحان الله منعتهم قريش كبرا وعنادا ، وكان الإتفاق والصلح الذي عرف بصلح الحديبية.

يقول الله تعالى : (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم) ويقول : (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها)

 فالسكينة في مواضع القرآن الستة التي ذكرت كانت في ساعة الإبتلاء، في ساعة الكرب في ساعة الشدة و الضيق .

حتى أن ابن القيم في مدارج السالكين ذكر أن شيخ الاسلام ابن تيمية  كان إذا اشتدت به الأمور يقرأ آيات السكينة ، هذه الآيات يتلوها مذكرا بها نفسه فيجعل الله تعالى في قلبه اطمئنانا ، قال و جربتها بنفسي فرأيت من ذلك أمرا عجيبا أن الله تعالى يجعل بها راحة القلب وطمأنينته. هذا معنى كلام ابن القيم.

الشاهد يا إخواني  أن السكينة تكون في الشدائد عند اللجوء إلى الله سبحانه و تعالى.

  المال لن يوفر السكينة أبدا، الشهادات العلمية لن توفر السكينة أبدا. 

العالم كله الآن يتحدث عن العالم الفيزيائي المعاق (يقصد ستيفن هوكينغ ) الذي توفي هذا الأسبوع و كان ملحدا لا يؤمن بالله فسبحان الله العظيم العلم لم يوفر له السكينة .

بالإيمان مهما بلغ الانسان من المناصب لن يوفر لنفسه السكينة.

السكينة  من عند الله عز وجل.

السكينة هبة من الله سبحانه و تعالى.

كيف يكتسب المسلم السكينة؟

أولا /السكينة بذكر الله :

 بين الله جل وعلا ذلك فقال: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)  حينما يصاب الإنسان بكرب أو شدة نقول له فليطمئن قلبك بذكر الله تعالى.

لماذا قال النبي أن لا حول ولا قوة إلا بالله دواء من تسعة وتسعين داء أيسرها الهم، لماذا؟

لأنك حينما تحرك بها لسانك و يتوافق قلبك مع لسانك تكون على يقين أنه لا انتقال من حال الى حال إلا بحول الله وقوته فينزل الله عليك السكينة (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ …)  فيطمئن القلب و يهدأ سبحان الله.

حينما تقرأ قول الله تعالى (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ …).

حينما تقرأ (…وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ…) الله أكبر.

حينما تقرأ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا …).

فالقلب العامر بذكر الله عز و جل ينزل الله تعالى عليه السكينة في ساعات الإحتياج و ساعات الكرب و الضيق سبحان الله. 

ثانيا / السكينة بالخشوع في الصلاة:

علمنا رب العزة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) و قال أيضا (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا ) أي الصلاة (لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) كبيرة يعني ثقيلة، شديدة إلا على أنفس الخاشعين ، إذا أصابهم ما أصابهم وقفوا بين يدي الله ليكونوا في رحاب السكينة ؛ حتى كان نبينا المعصوم صلى الله عليه وسلم يقول أرحنا بها يا بلال.

  وكان أبو هريرة يقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر،-اشتد عليه أمر- فزع الى الصلاة.

ثالثا / السكينة في بيوت الله:

أيضا السكينة يا إخواني تطلب في بيوت الله فهي خير مواطن السكينة كما علمنا رسول الله صلى الله عليه و سلم: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة بأجنحتها وذكرهم الله فيمن عنده. ) فتدخل إلى بيت الله فيكفل الله لك السكينة والطمأنينة و استغفار الملائكة لك.

تشعر دائما بهدوء و اتزان وطمأنينة لا تجدها في غير هذا الموطن أو لا تجدها كما تجدها في هذا الموطن. 

رابعا / السكينة عند تلاوة القرآن:

ذكر لنا أسيد بن الحضير قصة تنزل السكينة حينما كان يقرأ و كان ذا صوت طيب بالقرآن كان يقرأ بسورة الكهف و كان بجانبه  فرسه وقد ربطها إلى وتد فجعلت الفرس تضطرب و تتحرك كثيرا، فإذا توقف عن القراءة سكنت ، فإذا واصل القراءة اضطربت ، فقام ليرى ما الأمر ؟ فإذا بأمثال القناديل المعلقة بين السماء والارض مثل هذه الثريا التي بالمسجد رأى منها ما هو بين السماء و الأرض ترتفع … فلما سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم أخبره أن هذه السكينة ، وأن الملائكة تنزلت عليه تستمع لكلام الله عز وجل يقول فلو بقيت على تلاوتك لرآها الناس و هم ذاهبون الى الصلاة في الصباح.

  إذن فتنزل السكينة مع تنزل الملائكة مع تلاوة القرآن.

كيف يتحصل المسلم على السكينة؟

ولذلك أقول كيف يتحصل المسلم على السكينة في مواطن الشدة ؟

واحد ذاهب إلى امتحان مثلا تجد قلبه مضطرب هذه نجدها دائما تجد في قلق شديد من الامتحان، من هروب الإجابة،   من النسيان، من حدوث اي عائق.

تجد واحد سيذهب لعملية جراحية، سيذهب لمقابلة في وظيفة، سيذهب للتقدم إلى عمل، عنده ضيق مالي، …. الى غير ذلك من الأحوال و الأمور الكثيرة كهذه … كيف أتحصل على السكينة؟

السكينة تتنزل في قلوب الذين آمنوا:

نقول : أولا يا إخواني السكينة تتنزل في قلوب الذين آمنوا هكذا قال الله عز وجل فضعيف الإيمان دائما مضطرب دائما خائف، ضعيف الإيمان دائما ما يستلمه الشيطان بالهواجس ، و يفترض له السوء ، بعض الناس يشتهر عندهم أن الشيطان يوسوس بالمعاصي فقط ؛ كلا فمن مداخل الشيطان على الإنسان أن يحزن قلب المؤمن…. أن يدخل عليك الهم و الحزن و الكآبة، أن يدخل عليك الوسوسة بالافتراضات الوهمية و الخيالات المتشائمة فتصاب بعقد كثيرة من القلق و التوتر والضيق و كراهة الحياة و كراهة النجاح وكراهة أي عمل فلا تتحرك لا يمين ولا شمال. و يستجيب ضعيف الايمان للشيطان 

قال تعالى : (إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)

وقال : (إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ…)

بل بين لنا رسول الله أن ذلك قد يمتد إلى المنام يأتيك الشيطان في منامك يعني يأتيك بكابوس ، أو حلم كاذب أن بيتك قد سرق، أنك قمت بعمل حادث، أن ابنك قد مات، أن فلان قد جرى له… أنك قد مرضت… إلى غير ذلك من هذه الأمور وتستيقظ حزينا، ضيق الصدر، كئيبا!!!

نقول لك ما قاله رسول الله: اتفل عن يسارك ثلاثا ولا تخبر بها أحدا فإنها لن تضرك ذلك من تهويل الشيطان أراد أن يحزنك وأن يجعلك في صباحك ساخطا على الله بما رأيت.

إخواني  فينبغي أن ننتبه أن السكينة تنزل في قلوب المؤمنين وليس في قلوب ضعاف الإيمان و من أسباب صرف هذا الأمرعن القلب (يقصد ضعف الإيمان) أكثر من ذكر الله ، كما ذكرنا في تفسير سورة الناس قول رسول الله صلى الله عليه و سلم:

( الشيطان جاثم على قلب ابن ادم فإذا ذكر الله خنس ) يتضاءل يختفي ، (وإذا غفل وسوس ) فالشيطان لا يأتي إلا القلوب الضعيفة إلا القلوب المنشغلة عن الله (استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله ) نعوذ بالله.

اللهم اجعلنا من الذاكرين لك كثيرا والذاكرات. 

السكينة تتنزل مع التوكل على الله:

السكينة تأتي مع التوكل على الله ، التوكل على الله ؛ بمعنى أنك كمسلم مأمور أن تأخذ بالأسباب ؛ خذ بالأسباب متوكلا على الله كما قال إمامنا صلى الله عليه و سلم : ( احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز) خذ بالأسباب ثم دع الأمور لله. 

دع الأمور تجري في أعنتها ولا تبيتن إلا خالي البال

خليها على الله كما نقول.

ولذلك كان العلماء يقولون : التوكل على الله يكفيك الهم بعد التدبير.

أنا دبرت أخذت بالأسباب.

أنا طالب درست، ذهبت، تعلمت، ذاكرت، راجعت، إذا أترك الأمر لله.

سأقوم بعملية جراحية خذ بالأسباب. هذا كلام رسول الله: يا عباد الله تداووا. خذ بالأسباب تحاليل، أشعة، إطمئن، طبيب ثقة، مكان لعمل العملية الجراحية…اترك الأمر لله سبحانه و تعالى.

  خذ بالأسباب على قدر ما تستطيع. أما ما عجزت عنه ما ضعفت عنه فكل الأمر لله.

يا إخواني نحن لن نغير الكون ، ليس بأيدينا تغيير الكون، ليس بأيدينا أن تكون الدنيا كلها وردية وأحلامها الجميلة و اللطيفة دائما متحققة.

سبحان الله (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) تعب ومشقة.

هذه دار ابتلاء ليست دار راحة فخذ بالأسباب واستعن بالله عز وجل وما عجزت عنه فلله حكمة ولله تدبير تعجز عقولنا عن إدراك حقيقة الأمر … ابتلاء وحكمة يخفيها الله أو يجليها هذا أمر نؤمن به كما أن الله تعالى أمرنا (…فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).

يا أخي أنت أخذت بالأسباب قدمت في شركة  للعمل لم تقبل لا تضيق و لا يصيبك ما يصيبك من اكتئاب و شعور بالفشل. أبدا!

إعلم أن بابا أغلق ليفتح باب آخر. 

أنت مريض ذهبت إلى الطبيب أخذت الدواء لم يأت الشفاء لا يضيق صدرك فوض الأمر لله تعالى  فوض أمرك لله الذي قال عنه رسول الله هو الشافي حتى قال : (اشف و أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك.) 

فعجزت عن الشفاء فلله حكمة ولله تقدير ولله تدبير.

حرمت من رزق، حرمت من نعمة، هذا ليس معناه أنك منحوس أو يعني كما يقول الناس ، كلا أبدا؛  ليس هناك شيء اسمه منحوس أو محظوظ عندنا ، هذا كلام من لا يؤمن بالله عز وجل و بمقاديره.

الله تعالى يقول:  (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ). كل شيء بحساب. كل شيء بمقدار.

كون الله كله مبني على المقادير (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ).

الصحة بقدر، المرض بقدر، الغنى، الفقر، النجاح، الفشل، العسر، اليسر، الفرح، الحزن… كل شيء بقدر يا إخواني.

مافي شيء اسمه أنا محظوظ وهذا منحوس.

أنا عاجز و فاشل و غيري ناجح لأنه كذا وكذا.

إنما خذ بالأسباب فما عجزت عنه و ما ضعفت عنه قواك كله (بكسر الكاف)الى الله سبحانه و تعالى. 

و هذا ما كان رسول الله يدعو به في كل صباح ومساء:  (ياحي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين. )

السكينة تتنزل مع الإيمان بالقضاء والقدر:

  الإيمان بالقضاء والقدر : أن ما أصابك لم يكن ليخطئك كما قال النبي صلى الله عليه و سلم وما أخطأك لم يكن ليصيبك.

الإيمان بالقضاء والقدر أن تعلم أن الله تعالى قدر فيك ما قدر ابتلاء ، و لحكمة – جل جلال الله- في أفعاله التي لا تخلو من حكمة و تدبير و تقدير.

النبي صلى الله عليه و سلم علمنا: واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك.

إذن الإيمان بالقضاء والقدر يجعل الله تعالى فيه طمأنينة في القلب،  سكينة.

حينما تردد معي قول الله الحق جل وعلا : (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) إقرأ الآية معي مرة أخرى (قل يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) وليس علينا كتبه لنا خيرا كان أو شرا  فهو لنا( هو مولانا) الذي يتولى أمورنا جميعا هو مولانا الذي لا يخفى عليه شيء من حاجاتنا هو مولانا فنحن الفقراء إليه وهو الغني عنا( وعلى الله فليتوكل المؤمنون) إذن فليأتك ما يأتك يجعل الله في قلبك السكينة، يجعل في قلبك الرضا، يجعل في قلبك الإطمئنان أن ما أراده الله خير مما أردت و أن ما قدره الله خير مما تمنيت وأن الله سبحانه و تعالى قدر ما قدر لحكمة يبتليك و يختبرك (…وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ).

أي واحد في الدنيا  إذا أحسن إليك تمدحه وتشكره و تثني عليه و إذا أساء إليك تذمه و تقول عنه ما تقول.

أما رب العزة ذي الجلال فإنه إذا أنعم عليك وأحسن إليك تحمده وتشكره على نعمته و إذا منع عنك أو أصابك بابتلاء فإنك أيضا تحمده وتشكره فهو المحمود في السراء و الضراء وهذه لا يقدر عليها إلا المؤمن هذه لا يقدر عليها إلا المؤمن. 

من الطبيعي نفسيا لما ربي يرزقني بنعمة أقبل على الله و على العبادة و أشعر ببهجة في الصلاة و أطلع صدقة و أذهب لكذا من الأعمال الصالحة.

فإذا أصابني ضيق أقول لك : كن على نفس الحال .

و الله تعالى أخبر عن بعض النوعيات من الناس فقال:  (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي ۚ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) وحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن.) المؤمن فقط هو من عنده هذه الحالة (إن أصابته سراء) نعمة، خير، رزق، بركة، توفيق، هداية رحمة( إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء) مصيبة، مرض، بلاء، نقص، ضيق، كرب، شدة( وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له)  فهذه سمة لا تكون إلا للمؤمن. 

بالله عليك تأمل حالتك يفعل الله بك ما يشاء و تقول له يا ربي قد رضيت، قدر الله وما شاء فعل، الحمد لله، إنا لله و إنا إليه راجعون، أي قلب هذا الذي يتلقى البلاء بالرضا ؟!

إنه قلب المؤمن ولا يقدر عليها إلا المؤمن و لا يطيقها إلا المؤمن ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وليس ذلك لأحد إلا الا للمؤمن.)

  نسال الله تعالى أن يوفقنا الى ما يحبه و يرضاه وصلى الله وسلم وبارك على نبيه و مصطفاه.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه. 

الخطبة الثانية 
الحمد لله رب العالمين و أشهد أن لا اله إلا الله ولي الصالحين

وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله و صحبه أجمعين.

أما بعد إخواني و أحبابي الكرام، السكينة نعمة من الله، هبة من الله يمنحها الله لعباده المؤمنين فينزلها على القلوب فيجعل الله تعالى في القلوب طمأنينة وهدوء وراحة وأمنا. 

هذه السكينة تأتي مع طاعة الله و قوة الإيمان وكثرة ذكره وفي الصلاة وعند تلاوة القرآن وفي المساجد عند تلاوة كتاب الله ومدارسته حينما يكون القلب مشغول بالله عز وجل، حينما ينزل بك كرب أو شدة أو بلاء فتقبل على الله فينزل الله عليك السكينة و الطمأنينة، حينما تأخذ بالأسباب متوكلا على الله فالتوكل على الله يكفيك الهم بعد التدبير، حينما يكون عندك اليقين أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك تنزل عليك السكينة،  حينما ترضى بقضاء الله و أنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، ينزل الله عليك السكينة فتنعم وترضى بهذه النعمة العظيمة.

و الحديث عن السكينة يطول، لكننا دائما ما نرجو من الله سبحانه و تعالى أن يتغمدنا برحمته وعفوه ولطفه وأن يرحم ضعفنا وأن يتولى أمورنا وأن يكفينا شر ما أهمنا وغمنا.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي اليها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر.

اللهم انا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنة. اللهم ارحم ضعفنا، اللهم تولى امرنا، اللهم أحسن خلاصنا، اللهم اكفنا شر ما أهمنا و غمنا، اللهم طهر قلوبنا وأزل عيوبنا و اكفنا شر ما أهمنا وغمنا وتولنا بالحسنى و اجمع لنا خير الاخره والأولى.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا المصطفى المختار وعلى آله وصحبه الأطهار وسلم تسليما كثيرا.

(2) تعليقات



اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 41 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع