من السنن الإلهية: قانون الابتلاء
ما زلنا نتابع السنن الإلهية من الكتاب والسنة، وأكرر أن هذه السنن وفهمها سيؤدي إلى فهم كثير من الأمور التي تتداخل فيها المفاهيم ويحدث فيها أخطاء، لأننا لم نستطع تجميع الآيات والأحاديث مع بعضها وفهم هذه الأمور.
والله عز وجل جعل كل شيء يحدث في الكون بقانون، ما في شيء فوضوي، ما في شيء عشوائي، ما في شيء ارتجالي.
كل شيء في الكون لله فيه حكمة: وجودًا وعدماً، حركةً وسكوناً.
هذا الشيء، سواء كان موافقًا لك أو مضادًا لك، كل شيء في الكون بحكمة؛ الأوامر والتكليفات الإلهية لها حكمة، وأقدار الله عز وجل لها حكمة، سواء علمنا الحكمة أو جهلناها؛ فأنت مسلم يجب عليك أن توقن أن لله حكمة في كل شيء؛ فلا يسعى الإنسان في هذه الدنيا وفق الحظوظ، فكل الأمور بقدر الله عز وجل.
ولن يبلغ العبد حقيقة الإيمان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه” (رواه الترمذي).
هذا كلام الصادق الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم.
سنة الله في الابتلاء:
اليوم سنتكلم عن قانون الابتلاء أو سنة الله في الابتلاء.
الكثير من الناس، وهذا سؤال متكرر يأتيني، يقول: “أنا، ولله الحمد، أصلي، أحافظ على صلاة الجماعة، أخرج من مالي صدقة للفقراء والمساكين، حججت بيت الله، أحفظ قدرًا من القرآن، ولكن أصابني كذا، وجرى كذا، وحدث كذا”.
فإما أنه يتساءل: “هل أنا عندي سحر أو شيء من الشياطين؟”، وإما أن يقول: “هل فعلاً ما يقولون عنه الحظ والنحس؟ هل أنا منحوس فعلاً؟ أم ما هو الأمر؟”.
نقول لك: هذه الخطبة لك لتفهم سنة الله الإلهية في الابتلاء.
أولا/ ما معنى الابتلاء؟
كلمة “الابتلاء”، يا إخواني، معناها الامتحان. والامتحان، رغم أنه صعب في أي شيء، إلا أن الفائدة والثمرة المرجوة منه هي جني الثمرة.
أي طالب، رغم أن الامتحان بالنسبة له شيء مكروه وغير مقبول، إلا أن موعد الامتحان هو موعد إثبات الجدارة بأن تنال هذه الشهادة. تختبر، وتمتحن، وتتجاوز المراحل الدراسية من سنة إلى سنة، ومن شهادة إلى شهادة.
فحينئذ، رغم شدة الامتحان، تترقى في الدرجة العلمية.
الإيمان كذلك يحدث له ابتلاء، اختبارًا من الله عز وجل لعباده. لو أن الأمور تُركت بدون ابتلاء، لادعى الإيمان كل أحد.
كل واحد يقول: “أنا مؤمن صادق، أنا كذا، أنا كذا” لكن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لكل قول حقيقة” (رواه ابن حبان).
أنت مؤمن؟ تعال إلى الآية:“أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون” (سورة العنكبوت: 2).
إذاً، طالما أنك تقول: “أنا مؤمن بالله”، فهذه الدنيا لإثبات صدقك في هذا القول.
الدقة اللغوية لكلمة “يفتنون”:
الفعل “يفتنون” مأخوذ من الفتنة.
والفتنة هي أن العرب كانوا حينما يستخرجون الذهب من الأرض، وهومعدن نفيس غالٍ، لكن تتعلق به شوائب يسمونها معادن خسيسة، يعني لا قيمة لها.
ما الحل؟ حتى يخلصوا الذهب من هذه الشوائب، يعرضونه للنار.
هذه تسمى في اللغة العربية “فتنة الذهب”. فإذا تعرض الذهب للنار، كل الشوائب والمعادن الخسيسة تذوب سريعًا، ويبقى الذهب على قوته وجودته وأصالته.
فكذلك أمر الإيمان: كل الناس يدّعي الإيمان، فيأتي الابتلاء ليظهر الله الصادق من الكاذب.
وهذا الأمر كما ورد في سياق نفس الآيات:“أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون. ولقد فتنَّا الذين من قبلهم، فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين” (سورة العنكبوت: 2-3)
ثانيا/ الابتلاء يسري على الجميع:
الله تعالى حينما يبتلي، يبتلي الجميع. طالما أنك من أهل الدنيا، فأنت مبتلى، وليس الابتلاء علامة على بغض الله للعبد، أو عدم الابتلاء أن الله يحب هذا العبد.
هذا مفهوم خاطئ، والرسول صلى الله عليه وسلم بيَّن: “أشد الناس بلاءً الأنبياء” (رواه الترمذي).
هل هناك أحد أقرب إلى الله من الأنبياء؟ وأخلص لله من الأنبياء؟
هل هناك أحد خير من خير خلق الله محمد؟ خير من وطأت قدمه الأرض، صلوات ربي وسلامه عليه؟
لو قرأت قصة حياته، وأنت لا تعرفه، لتعجبت.
هذا طفل وُلد لم يرَ أباه. نشأ يتيماً. ماتت أمه وهو ابن ست سنوات. جده الذي كان يكفله مات وهو ابن ثمان سنوات. عاش قدر ما عاش يتقلب في الدنيا في ابتلاءات، يتعرض لها حينًا بعد حين.مات جميع أولاده في حياته إلا ابنته فاطمة.تعرض للقتل مرات ومرات. أوذي كثيرًا في سبيل تبليغ دعوة الله.
ظل طوال عمر ومسيرة الدعوة من سن الأربعين إلى سن الثالثة والستين، لم يهدأ، ولم يمل، ولم يكل. ينشر دين الله ودعوة الله.
فما ارتقى إلى الرفيق الأعلى إلا وقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة كما ينبغي.
نلاحظ هذا في قصة رحلة الطائف، لما رُمي النبي بالحجارة، وسبوه سباً مهيناً، قال:“اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس” (رواه الطبراني) لكن في سياق الدعاء يقول:“إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي”فلا أبالي، طالما يا رب، الذي يحدث هذا ابتلاء وليس عقاباً، فلا أبالي.
ثالثا/ الفرق بين مايقع بتقصيرالعبد وما يقع بقدر الله:
هناك أمور يا إخواني، حتى نفهم الابتلاء، تحدث بسبب تقصير الإنسان. لماذا؟ لأنه ترك الأخذ بالأسباب. فعندئذٍ، لا يلومنَّ إلا نفسه.
وهناك أمور تحدث بقدر الله، لا دخل لك فيها، فعليك أن تستسلم لأمر الله.
يعني، مثلاً، رجل مريض لم يذهب للطبيب، ولم يأخذ الدواء، ولا أي سبب من أسباب السلامة، وزاد المرض وتضاعف. هل معنى ذلك أن هذا الرجل متوكل على الله؟
قلت لكم في رمضان الماضي عن حالة جاءتني لا أنساها أبداً، رجل كان يعاني من ضعف في الكليتين، يعني محتاج شرب الماء كثيراً وحذره الأطباء أنه لو صام سيكون هناك مضاعفات وخطر كبير.. عاند ورفض ولم يقبل الرخصة.
بعد رمضان، أبلغني أحد أهله أنه أصيب بفشل كلوي!! طيب، هذا الرجل لما عاند وصام، هل هذا من علو الإيمان عنده؟ كلا بل ما فعله هو إهمال لرخصة الله تعالى وتخفيفه عنه، في أن يفطر كمريض محتاج إلى الماء.
وبعد ذلك، يُفضي عن كل يوم بإطعام مسكين. لكن بعض الناس عندهم عدم فهم للدين فهماً متزناً، فيقول: “لا، أنا لا أفطر أبداً!”.
طيب، والمضاعفات؟ فأنت مقصر في الأخذ بالأسباب، فلا تلومنَّ إلا نفسك.
طالب لم يذاكر، لم يذهب لمحاضرات، لم يطَّلع حتى على كتاب. ثم في النهاية يقول: “المادة صعبة، والامتحان صعب، والكلية، والجامعة، والأستاذ”. وأنت لم تبذل أي مجهود. إذاً، فلا تلومنَّ إلا نفسك.
لكن طالب اجتهد وذاكر ودرس وكذا، لكن قدر الله أنه يمرض في موعد الامتحان. قدر الله أنه يعمل حادثاً وهو ذاهب للامتحان. قدر الله أي أمر من الأمور التي ليست بيده. إذاً، لله حكمة.
قصة عن الابتلاء والصبر:
أنا أعرف شاباً كان في الجامعة، وحصلت مشكلة عادية جداً بينه وبين أحد الأساتذة في الجامعة، لكن هذا الأستاذ، للأسف، أعطاه درجة سيئة في المادة ورسب فيها. وهذا الأمر، للأسف، في الجامعات عندنا، مسألة لا يراجع فيها الدكتور، وتحتاج إلى رفع قضية واجراءات طويلة ومعقدة.
هذا الشاب أصابته نكبة كبيرة، نكبة بمعنى الكلمة. لأن الظلم مرير، صعب على النفس، والقتل المعنوي بالكلمة وبالفعل أشد من القتل بالسكين أحياناً.
لكن سبحان الله، لما جلست معه، قلت له: “أنت قصَّرت في شيء؟”. قال: “لا”.
قلت له: “إذاً، اسأل: ما الحكمة في أنك تتأخر عن الدراسة هذه السنة؟”.
بعد أيام، قال لي: ” بما أنني ما في عندي دراسة طوال هذه السنة، سأقوم بحفظ القرآن”وبالفعل، اجتهد خلال هذه السنة فحفظ القرآن كاملاً.
سبحان الله! يعني ربنا له حكمة أنك تتعطل هذا العام لخير لا يخطر ببالك.
أنت ترى أن هذا ظلم، نعم، هو ظلم. لكن لا تدرك أن لله حكمة في صبرك على هذا الظلم، أنه أهداك هدية وهي حفظ القرآن سبحان الله!
يعني ربنا له حكمة أنك تتعطل هذا العام لخير لا يخطر ببالك.
أنت ترى أن هذا ظلم، نعم هو ظلم، لكن لا تدرك أن لله حكمة في صبرك على هذا الظلم، أنه أهداك هدية وهي حفظ القرآن.
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” وما ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزاً”.
إذاً في أمور أنا أقع فيها بتقصيري، ألوم نفسي وأراجع نفسي، كما راجع القرآن الصحابة في غزوة أُحد.
لكن الأمور القدرية، أنا لا يد لي فيها. إذاً، أصبر واحتسب، وأعلم أن لله حكمة قد يطلعني عليها، قد يخفيها عني.
سبحان الله، نرجع مرة أخرى، فالرسول يقول: “أشد الناس بلاءً الأنبياء” (رواه الترمذي).
إذاً، قصة: “أنا أصلي الفجر، وحاججت بيت الله، وأُخرج صدقات”، نقول لك: تقبل الله.
لكن ليس هذا معناه أنك معافى من الابتلاء، فخيرة خلق الله الأنبياء ابتُلوا في الله وصبروا لله عز وجل.
ونبينا الكريم، الله عز وجل كان يخاطبه ويخاطبنا من ورائه في آيات القرآن الكريم:
“فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل” (سورة الأحقاف: 35).
“فاصبر صبراً جميلاً” (سورة المعارج: 5).
“واصبر على ما يقولون” (سورة طه: 130).
وقال تعالى:“وكأيِّن من نبيٍّ قاتل معه ربِّيون كثيرٌ فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا” (سورة آل عمران: 146).
وقال أيضاً:“أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه: متى نصر الله؟ ألا إن نصر الله قريب” (سورة البقرة: 214).
رابعا / الابتلاء على قدر الدين:
هنا حكمة، أريد أن أُبرزها: أي ابتلاء يصيبك هو من تربية الله لعبده. وهذه التربية تكون وفق قدراتك وقوة إيمانك(يُبتلى المرء على قدر دينه.)
لو عندنا طالب في المرحلة الابتدائية، يأتيه اختبار لطالب في المرحلة الابتدائية. يعني من الظلم لو جئنا باختبار لطالب في الجامعة إلى طالب في الابتدائية.
فهنا، إذا كان الابتلاء قد أتاك، فاعلم أن هذا الابتلاء أنت مرشح للنجاح فيه لو صبرت واحتسبت. أنت بعلم ربك الذي ابتلاك، يعلم أن بك قوة لتجاوز هذا الابتلاء.
ممكن الابتلاء صعب، ممكن عسير، شديد، كربة لا تخطر بالبال، لكن حدث.
إذاً، ماذا أفعل؟ رضيت أم لم ترضَ؟ فقضاء الله نافذ. فخير لك أن تفوز برضا الله عز وجل.
ثق تماماً أن الله من عدله لن يبتليك بأكثر مما تطيق أو فوق ما تستطيع. إنما يبتليك على قدر دينك، على قدر ثباتك.
ولذلك مقدمة الحديث: “أشد الناس بلاءً الأنبياء”. لماذا؟ لأنهم أعلى الخلق إيماناً، فزاد بلاؤهم وتضاعف.
مثال من حياة النبي صلى الله عليه وسلم:
عبد الله بن مسعود، لما دخل على سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُوعَك وعكاً شديداً (الوعكة: المرض الذي يلزمك الفراش)، قال: دخلت على النبي ﷺ وهو يُوعَك، فقلت: يا رسول الله، إنك تُوعَك وعْكاً شديداً، قال: أجل، إني أُوعَك كما يوعك رجلان منكم قلت: ذلك أن لك أجرين؟ قال: أجل، ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى، شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته، وحُطت عنه ذنوبه كما تَحُطُّ الشجرةُ ورقها.) (رواه البخاري ومسلم).
خامسا/ لطف الله في الابتلاء:
لاحظوا شيئاً: إن مع الابتلاء من الله لطف ؛ فهو أرحم الراحمين، جل جلاله. الله لطيف بعباده، فهو يبتليك ويلطف بك. ينزل عليك السكينة، يُلهم قلبك الرضا، يُحيطك بمن يعينك، يُسخر لك من يساعدك وأنت لا تدري.هذا تدبير الله عز وجل. هذا تقدير الله الذي بيده الملك.
تذكر جيدا في الابتلاء أن الله يسمع كلامك ويرى مكانك، ولا يخفى عليه شيء من أمرك. يعلم حالك، ويعلم أمورك، ويحب أن يسمع صوتك وأنت تدعوه عند الكرب والبلاء.
قال تعالى:“ذكر رحمة ربك عبده زكريا، إذ نادى ربه نداءً خفياً. قال: ربِّ إني وهن العظم مني، واشتعل الرأس شيباً، ولم أكن بدعائك ربِّ شقياً” (سورة مريم: 2-4).
فإذا وقع الابتلاء، هنا الصبر والاحتساب. هذه واحدة.
الثانية: الفوز بتكفير السيئات ورفع الدرجات. الابتلاء دائماً يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات.
مما يهون الابتلاء: احتساب الأجر عند الله.
النهاية:
إن هذه الدنيا متروكة، لن يخلَّد فيها أحد. فإذا تركناها، ذهب الألم، وذهبت الكربة، وذهب كل شيء مؤلم، وبقي الأجر عند الله سبحانه وتعالى.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يردد دائمًا: “اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة” (رواه البخاري).
مهما اسودت الدنيا، مهما ضاقت، مهما كان فيها من كرب وشدائد، فإنها ستنتهي، لن يخلد فيها أحد.
سادسا / نوع البلاء خاضع لأمر الله ومشيئته النافذة:
هنا مسألة أخرى، وهي: لماذا أنا بالذات؟ لماذا أنا الذي ابتُليت بالمرض الفلاني؟ لماذا أنا الذي ابتُليت بالزوجة؟ أو الزوجة تقول بزوجها: لماذا ابتُليت بابني؟ لماذا؟
نقول لك: كل هذا يحدث وفق حكمة الله التي لا يدركها أحد؛ هذا قدر الله عز وجل.
لماذا فلان يُبتلى بالمرض وفلان سليم؟ الله أعلم.
لماذا فلان غني جدًا عنده ملايين ومليارات، وفلان لا يجد لقمة العيش؟ الله أعلم.
الذي يوزع الأقدار هو الله. لكن اعلم يقينًا أن لله حكمة في كل شيء، قال سبحانه وتعالى:“إنا كل شيء خلقناه بقدر” (سورة القمر: 49).
وقال أيضًا:“وإن من شيء إلا عندنا خزائنه، وما ننزله إلا بقدر معلوم” (سورة الحجر: 21).
سابعا/ الدنيا دار نقص :
أيضًا يا إخواني، لن يحصل الإنسان في هذه الدنيا على كل شيء. الدنيا ليست دار الكمال، الدنيا دار النقص.
هناك من عاش قدر ما عاش وفارق الدنيا ولم يحقق كل ما كان يرجو.
ليس هناك أحد يستطيع في هذه الدنيا أن يحقق كل أمانيه لكن جعل الله الأمل في القلوب، وإلا لأصاب الإنسان الاكتئاب واليأس من الحياة وهو في عمر صغير.
“ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.”الأمل، والشعور بالحاجة والنقص، يشعرك أو يكون دافعًا للحركة والعمل والسعي والتدبير والتخطيط.
أهمية الأمل:
الإنسان ممكن يخطط لعشر سنين، لسنة، لعشرين سنة، وعمره ثلاث سنوات فقط.
هذا هو الأمل الذي جعله الله في النفوس، تجد الأب يخطط لمستقبل أولاده وهم صغار في الرابعة والخامسة من العمر.
من الذي يدعوه لذلك؟ لأنه يأمل أن يعيش إلى أن يراهم رجالاً كبارًا.
وربما يكون عمره لا يصل إلى هذا. لكن رب العزة جعل في النفس بارقة الأمل التي تجعلنا دائمًا نطمح إلى أن نخطط وأن نعمل، وهذا مما تعبدنا الله به.
لكن لن يصل إنسان إلى أن يحقق الكمال التام في هذه الدنيا، الراحة والسلامة والنِّعَم الوفيرة والجزاء الأوفى في الجنة.
وسبحان الله، رغم أن الدنيا دار ابتلاءات إلا أنك ترى الناس تتقاتل عليها…وكلنا سنتركها….ما بالك لو كانت الدنيا كالجنة، فيها كل شيء؟ ماذا كان سيفعل الناس؟
حتى أنك لما تجد مكانًا اكتُشف فيه كنوز ذهب، بترول، ثروات، تجد محلاً للأطماع، ليس من أفراد فقط، بل من دول تطمع في هذا المكان وتحب السيطرة عليه والهيمنة.
ولا يخفى عليكم تاريخيًا موضوع الاحتلال الذي حصل للبلاد العربية والأفريقية وغيرها.
كان سببه سرقة ثروات هذه البلاد.
هذا أول سبب للاحتلال: سرقة الثروات.
فرنسا كانت تخطط أن الجزائر مقاطعة فرنسية أبد الدهر، لكن ما طاب لهم مقام فيها طوال إقامتهم.
سبحان الله، وهكذا ما يحدث في غزة.
قضية فلسطين:
العالم كله يريد أن يصور لنا أن الذي يحدث هو حق شرعي للصهاينة، ونحن نقول لهم: مهما طال العمر، لن يخلدوا فيها كما حدث بين فرنسا والجزائر، لن يكون أبدًا.
لا يعرف التاريخ محتلًا أو مغتصبًا خلد في الأرض التي اغتصبها واحتلها.
ونبينا صلى الله عليه وسلم بيَّن أن من علامات الساعة نزول الخلافة في أرض بيت المقدس ، وهذا من دلائل صدقه صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال لأحد الصحابة:“يا ابن حوالة؛ ووضعَ يدَهُ على رأسه، إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة، فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه من رأسك.) قال الحاكم في المستدرك: صحيح الإسناد، وصححه الألباني” (رواه أحمد).
هذا معناه أن من بين يدي الساعة، قبل أن تقوم القيامة، سيزول هذا الكيان كله، وسيكون هناك خلافة، وليس حكم، خلافة في أرض بيت المقدس…صدق من صدق وكذب من كذب….لكننا نقول: صدق الله ورسوله….طالما أن الرسول أخبر، فإن هذا كائن وحادث.
الخلاصة:
1- كل من يعيش في هذه الدنيا، يعيش في دار الابتلاء.
2- الابتلاء يكون بالشر والخير.
3- ابتلاء الله لعبده ليس لأنه غضبان عليه.
4- ابتلاء الله لعبده لأن هذا قدر الله في هذه الدنيا: أن يختبر الجميع.
5- المؤمن يحتسب عند الله الشدائد التي يتعرض لها.
6- المسلم يعلم أن مع البلاء لطفًا، وأن فيه محوًا للسيئات ورفعًا للدرجات.
7- ويعلم أن لله تيسيرًا، وأنه بعد كل محنة منحة من الله عز وجل.
8- ويعلم أنه إذا فاز في هذا الابتلاء برضا الله، فقد فاز وسعد.
قال تعالى:“وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون” (سورة البقرة: 155-156).
كلمة أخيرة:
أهل غزة قدوة في الصبر:
أقول أخيرًا يا إخواني: والله العظيم، كل ما يحدث لنا، الإنسان منا يتضاءل، ويتصاغر، ويخجل مما يراه من أسيادنا أهل غزة.
مهما كان ما يحدث لك من حادث، أو مرض، أو شدة، أو وفاة حبيب أو قريب، تسلى وتصبر بإخواننا أسيادنا في غزة.
وما يجري لهم ليل نهار، ومع ذلك لا تسمع من أفواههم إلا كلمة الحمد لله، والتسليم لله عز وجل، والثبات على ما هم عليه.
أسيادنا في غزة، فعلوا معهم كل ما فعلوا لتركيعهم، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، وما ضعفوا وما استكانوا.
قدموا القريب والحبيب والغالي والنفيس وكل شيء في سبيل ثباتهم في أرضهم ضد هذا الاحتلال الغاشم.
هؤلاء أراد الله بهم إحياء معاني عظيمة في الإيمان، ربما كادت أن تندثر في نفوس الكثيرين:
معنى الثبات.
معنى الرضا.
معنى التسليم.
معنى الثقة في الله وفي وعد الله.
معانٍ كثيرة عديدة يا إخواني، رأيناها وما زلنا نراها في أهل غزة رضوان الله عليهم.
ونسأل الله أن يثبتهم، وأن يفرج كربتهم، وأن يحيي هذه الأمة بعد مواتها إلى ما فيه خير هذه الدنيا.
اللهم آمين.