الجمعة السوداء وثقافة الاستهلاك

تاريخ الإضافة 24 نوفمبر, 2023 الزيارات : 2031

الجمعة السوداء وثقافة الاستهلاك

“الجمعة السوداء” Black Friday هو يوم الجمعة الأخيرة من شهر نوفمبر من كل عام ميلادي.

سبب التسمية
في أواخر القرن التاسع عشر حدثت أزمة مالية بنيويورك عام 1896 ، وتسبّبت في حالات إفلاس، وتراكم الديون للكثير من التجار ورجال الأعمال ، وكان أكبر من تأثّر في تلك الأزمة: التجّار الصغار، لإن الطلب على بضائعهم قلّ بشكلٍ ملحوظ بسبب الأزمة التي عصفت بالمنطقة، وكان الحلّ الذي شكّل إنقاذاً لهم اختيار يومٍ من الأيّام يقومون فيه بعمل تخفيضاتٍ هائلة في سبيل تعويض الخسائر التي أصابتهم جرّاء الأزمة، وهو يوم الجمعة الأخيرة من شهر نوفمبر.
ومع مرور الزمن، أصبح هذا اليوم من كلّ عامٍ حدثاً اقتصاديّاً مهماً له مظاهره وترتيباتُه الخاصّة، ويصحبه اختناقات مرورية بسبب الأفواج البشريّة التي تترقّب هذا اليوم لتقتنصَ مشترياتِها بقيمة مخفّضة، ناهيك عن الطوابير الطويلة والأرصفة المزدحمة، والتجمهر حول المخازن والمحالّ التجارية الشهيرة انتظاراً للحظة الافتتاح.

وجاءت التسمية نظرا لارتباطه بالأزمة المالية التي أشرنا إليها، وما سببتْه من إعادة تشكيل الخارطة الاقتصاديّة العالميّة، وبالنظرِ كذلك إلى جانب “التنازل” الذي يقوم به أصحاب المحال التجارية، والذي قد يَصِلُ إلى (70%) من قيمة البضاعة أو ربما أكثر.

تغيير الاسم :
وقد جرت محاولات عديدة لإعادة تسمية يوم “الجمعة السوداء” بأسماءٍ أُخر، توحِي بمعان أفضل، إلا أنها لم يُكتب لها النجاح، واستمرّ الناس في استخدام هذا المصطلح، وأنشئت مواقع الكترونيّة، واستًحدثت تطبيقاتٌ تحمل هذا الاسم.

ومع انتشار هذه الظاهرة التجارية في العالم العربي استبدلوا الاسم  في مصر بالجمعة البيضاء وبالسعودية سموه الجمعة السعيدة .

موقف الشرع من هذه التسمية:
نحن المسلمين، ننظر إلى يوم الجمعةٍ بأنه (خير يوم طلعت عليه الشمس ) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام مسلم.

وديننا يحرّم التشاؤم بكلِّ أنواعِه جملةً وتفصيلاً؛ لما تضمّنه من توقّعٍ لحصول الشرّ وحلول المصائب بأنواعها،وإبقاء تسميةٍ اليوم بأنه أسود قد تفتحُ باباً من أبواب التشاؤم ، وقد كان من منهج النبي -صلى الله عليه وسلم- الإعجاب بالأسماء الحسنة،وتغيير الأسماء القبيحة ، وفي الحديث أنه صلى الله وعليه وسلم كان (يعجبه الفأل الحسن، ويَكرَهُ الطِيَرة) رواه ابن ماجه.

وليس المقصود من هذا الكلام تحريم أساليب التخفيض التجاري، أو ذمّه طالما كان مضبوطاً بضوابط المعاملات الشرعية، إنما المراد بيان جذور هذه التسمية، وعدم استحسان إطلاقها بهذا الاسم ولو فيما بيننا نحن المسلمين .

النقطة الأهم هي مسألة المبالغة والإسراف في الاستهلاك والشراء وهي المقصود الأول والرئيس من هذه الخطبة.

الاعتدال في الإنفاق:

المال في نظر الإسلام نعمة يجب أن تشكر ، وهو أمانة يجب أن ترعى .

والمسلم في ماله مستخلف ، لأن المال مال الله والإنسان أمين عليه ولذلك قال تعالى (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ) الحديد 7

فإذا كان المال مال الله والإنسان مستخلف عليه فيجب عليه أن يراعي تعليمات صاحب المال :

ماذا يريد منه ؟

وماذا يرضيه ؟

وماذا يسخطه ؟

فلله سبحانه تعليمات في المال تتعلق بطرق اكتسابه ، أن يكتسبه من طريق حلال ، وكذلك تعليمات تتعلق باستثماره وتنميته ، وتعليمات تتعلق بإنفاقه واستهلاكه وتوزيعه .

قد يجمع الإنسان المال من حله ، قد يكتسبه من حلال ، لكنه ربما يمنع فيه حقا فيبخل ، أو يسرف فيبعثره ذات اليمين وذات الشمال .

فإما أن تجد غنيا بخيلا يبخل عن أداء كل واجب ، أو غنيا متلافا مضيعا للمال ، أما عباد الرحمن فإنهم ( إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً ) الفرقان 67

(لم يسرفوا) الإسراف هو مجاوزة الحد في النفقة على الطعام والشراب واللباس وغيرها من متاع الدنيا .

وأخطر المنافذ التي نتعلم منها الإسراف والتبذير، هي الإعلانات التي تفتح باب الشره والاستهلاك على مصراعيه.

( ولم يقتروا) التقتير : التضييق في النفقة وهو ضد الإسراف

( وكان بين ذلك قواماً) والقوام بمعنى الاعتدال والحد الوسط

التوازن:

للاستهلاك في الإسلام أولويات لا بد من مراعاتها بحيث يبدأ المسلم بسد حاجات نفسه أولاً، ثم أهله ثم أقربائه ثم المحتاجين، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا” يقول: فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك ) رواه مسلم عن جابر.

و ينبغي للمسلم أن يقوم بتلبية ضروراته أولا، ثم حاجياته، ثم تحسينياته.

فالضروري: ما تتوقف عليه حياة الناس كالطعام والشراب.

والحاجيات هي: ما يرفع الحرج ويدفع المشقة عن الناس كالتعليم والمسكن والزواج .

والتحسينيات: ما يؤدي إلى رغد العيش ومتعة الحياة دون إسراف أو ترف أو معصية كسعة المسكن وتوفر وسيلة انتقال له (سيارة ) ووسائل تدفئة للشتاء أو تهوية للصيف …وهكذا.

لكن المشكل أن الكثير منا مبتلى بالتوسع في المباحات والتحسينيات بالسلف والتقسيط ، والمسلم الفطن لا يشتري إلا ماهو في حاجة له ، إلا إذا كان ما يحتاج إليه من الضروريات أو الحاجيات ، فله أن يقترض لذلك .

ويتحدد الإنفاق بالقدرة المالية للشخص فلا يكلف الله نفسا إلا مَا آتَاهَا ،كما قال تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) الطلاق: 7.

فالمسلم لا ينفق أكثر من طاقته (يمد رجليه على قدر لحافه ) ويوازن بين دخله ومصروفاته .

والتوسع في الكماليات هذا باب خطير جدا يا إخواني….. والله يا إخواني كثير من الإخوة الذين نحسبهم على خير للأسف الشديد يأكلون الربا من خلال بطاقات الإئتمان (كريديت كارد والفيزا كارد وهذه الأشياء). لماذا؟

بدأت بمرة وبعد ذلك زاد الموضوع وفتح الأمر سبحان الله. فاتق الله ، إياك والربا.

طبعا في ضروريات، هذه ليست مجال للكلام عنها تكون فتاوى لحالات خاصة ، لكن أنا أتكلم عمن يستطيع الإستغناء عن ما يشتريه. …شيء ممكن يؤجل….. لكن أن الواحد يتوسع في الرفاهية والكماليات في ملابس، في سيارة جديدة…. إلى آخره .

أنواع المستدينين:
وليس المستدينون سواسية فإنهم أنواع : فمن الناس من يستدين وهو يعلم من حاله ودخله أنه سيسدد، ومنهم من يستدين وهو يعلم من حاله ودخله أنه من المستحيل أن يسدد، ومنهم من يستدين وهو لا يدري هل يستطيع إيفاءه أم لا، وبينهم مراتب متفاوتة، وأشدهم الرجل الذي يستدين وهو يعلم أنه لن يوفي.

التحذير من كثرة الاستدانة :

 عندما تستدين اسأل نفسك سؤالين:
السؤال الأول: ما مدى حاجتك لهذا الدين؟
السؤال الثاني: هل تستطيع وفاءه ورده أم لا؟ ثم بعد ذلك قرر هل ستستدين أم لا؟
نقول لك يا أخي : حينما يغلبك الدين، حينما يسيطر عليك هم الدين ستكون حياة بائسة لأنك تشعر بأنه لا حق لك في يومك ولا أمل لك في غدك. فتتعوذ بالله من غلبة الدين.
 ورسول الله ﷺ كان يدعو الله عز وجل فيقول : (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، وأعوذ بك من العجز الكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال .)

(غلبة الدين ) معنى أن الدين يغلبك يعني تصل إلى مرحلة لا تستطيع معها أن تسدد ما عليك؛ يسمونه العجز في الدخل فمثلا :

 دخلك ألف وتحتاج إلى ألفين ، وربما تحتاج إلى أكثر، فعندك عجز دائم، كل شهر الدين لا يقل بل يزيد فهذه غلبة الدين.

(وقهر الرجال) هذه نتيجة طبيعية أن من استدانك دائما ما يكون له الحق عليك. فمن يستدين من شخص ولا يسدده يستحل بذلك أن يشتمه، وأن يتعرض له أو كما في بعض القوانين مثلا هنا (في كندا ) ليس هناك سجن ،  لكن في بعض الدول هناك سجن لمن عليه دين وكثير من الحالات في عالمنا للأسف الشديد يسجن الناس ، ذاك كان يجهز ابنته في زواجها وهذا كان في تجارة وخسر وذاك كان في مشروع وواحد نصب عليه وأشياء خطيرة جدا ، فيكون هنالك قهر الرجال فلم يرتكب جناية، لم يرتكب جريمة لكنه غلب بدينه فيسجن أو يقهر أو يذل أو يحدث له ما يحدث.

ويضطر المستدين كثيراً للوقوع في آفات عظيمة، ومنها: الكذب إذا حدث، ومنها: خلف الوعد إذا وعد، وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ كان يدعو في الصلاة ويقول: اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم المغرم ما يغرمه الإنسان بسبب الدين مثلاً، فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ يا رسول الله من المأثم والمغرم، قال: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب وأوعد فأخلف .
 تتمة للفائدة :ما حكم استعمال بطاقات الائتمان المسماة (Credit Card)؟ 
بطاقات الائتمان هي: مستند يعطيها البنك لشخصٍ بناءً على عقدٍ بينهما يُمَكِّنُه من شراء السلع أو الخدمات ممن يَعْتَمِدُ المستند -التاجر- دون دفع الثمن حالًا؛ لتضمُّنه التزام البنك بالدفع،  ثم يعود على حاملها في مواعيد دوريةٍ، وبعضها يفرض فوائد تأخيرٍ على مجموع الرصيد غير المدفوع بعد فترةٍ محددةٍ من تاريخ المطالبة.
أما عن حكمها فيقول الدكتور صلاح الصاوي : فإن الأصل في هذه البطاقات هو المنع؛ نظرًا لما تتضمنه من الشرط الفاسد، وهو الالتزام بالزيادات الربوية عند التأخر عن السداد، ولهذا كانت فتوى المجامع الفقهية في الشرق على المنع من التعامل بها، لاسيما مع وجود البديل الإسلامي وشيوعه في الشرق، أما من اضطر للتعامل بها ممن يقيمون في الغرب أو ارتبطت معاملاته التجارية بهم فأرجو أن لا حرج في ذلك، مع الالتزام بالوفاء في الميقات حتى لا يقع تحت طائلة هذه الشروط الربوية. 

وإليك قرار مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا الشمالية في استخدام البطاقات الائتمانية

1-من قرارات وتوصيات المؤتمر الخامس لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا المنعقد بالمنامة – مملكة البحرين

في الفترة من 14 – 17 من شهر ذو القعدة 1428 الموافق 24 – 7 2 من شهر نوفمبر 2007

القرار الثالث: العمل في شركات بطاقات الائتمان

لبطاقات الائتمان أهمية بالغة في واقعنا المعاصر، لأنها تحل محل العملة النقدية، وتغني عن حمل النقود أو الاحتفاظ بها فصارت بذلك من الحاجات التي لا يكاد يستغنى عنها لا سيما خارج ديار الإسلام.

و بطاقات الائتمان نوعان :

الأول – بطاقات الائتمان المغطاه برصيد نقدي لحاملها، ويستحق مصدرها أجرة معلومة مقابل إصدارها، وهي أداة وفاء جائزة شرعا، لأن العوض الذي يترتب على التعامل بها يسدد من أرصدة حامليها، لذا يجوز التعامل بهذه البطاقات كما يجوز استصناعها والعمل في الشركات التي تصدرها أو تقوم على تسويقها.

الثاني – بطاقات الائتمان غير المغطاه برصيد نقدي لحاملها، وهي ثلاثة أنواع:

النوع الأول : بطاقة ائتمان تصدر مقابل أجرة معلومة، وهي وسيلة شراء في الذمة ( بالدين ) مع تحديد طريقة معينة للسداد دون ترتيب فائدة على التأخر في السداد، وهذه البطاقات تصدرها المؤسسات المصرفية الإسلامية، ولا وجود لمؤسساتها فيما نعلم خارج ديار الإسلام، وهي جائزة شرعا، فيجوز التعامل بها، كما يجوز استصناعها واستصدارها والعمل في الشركات التي تصدرها أو تسوقها.

النوع الثاني: بطاقات الائتمان الربوية ، وهي وسيلة شراء في الذمة ( بالدين ) مع ترتيب فائدة على الدين، وهي محرمة شرعا. فلا يجوز استصناعها ولا استصدارها، ولا العمل في الشركات التي تصدرها أو تسوقها.

النوع الثالث : بطاقات تعطي حاملها مهلة محددة من غير فائدة ربوية ، فإن تأخر عن السداد بعد مضي هذه المهلة ترتب عليه هذه الفائدة ، وهي غير جائزة لما تتضمنه من شرط فاسد، فلا يجوز استصناعها ولا استصدارها، ولا العمل في الشركات التي تصدرها أو تسوقها.

ويرخص لأصحاب الحاجات في التعامل بالقسم الثالث عند مسيس الحاجة وعموم البلوى وانعدام البديل، مع وجوب العزم على السداد قبل مضي الأجل وترتب الفائدة عليه،وغلبة الظن على تحقق القدرة على ذلك.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 38 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع