أمنية عمرية :
جلس عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يوما مع الصحابة الكرام وقال ليتمن كل واحد منكم أمنية.
فقال أحدهم أتمنى لو أن لي ملء هذه الدار ذهبا فأنفقه في سبيل الله.
وقال الثاني أود لو أن لي ملء هذه الدار سيوفا ورماحا فأجعلها في قتال أعداء الله.
وقال الثالث أتمنى لو أن لي ملء هذه الدار عبيدا فأعتقهم في سبيل الله.
ثم قال عمر، أما أنا فأتمنى لو أن لي ملء هذه الداررجالا كأبي عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل، .
ليس كل ذكر رجل :
هذه القصة تبين لنا أن أغلى ما تملكه أي أمة رجالها، رجالها بمعنى الكلمة لأن هناك الذكور والإناث فليس كل ذكر رجل ، ويقال في لغة العرب عن المرأة (رجلة ) إشارة إلى هذا المعنى ، وحتى في الكلام الدارج الناس يقولون امرأة بألف رجل.
وهذا كله إشارة إلى أن معنى الرجولة لا يقتصر على النوع إنما هنالك ذكور وإناث ثم :
(خلق الرجولة)
هذا الخلق الذي ربما ضاعت معالمه في كثير من الأحيان بل وكثير من البيئات…. فإنك حينما تتكلم في دنيا الناس، ترى أن للرجولة أعرافا غير ما نريده……
المفاهيم الشائعة عن الرجولة :
فعند الناس أن الرجل هو الكبير في السن الذي بلغ ونضج وعركته الدنيا وعنده خبرة في التعامل مع الناس…. لكن هذا ليس بلازم فإنك ربما ترى رجلا في السبعين من عمره ؛ وهو في سلوكه وأخلاقياته يشابه طفلا في السابعة….. فتجد الشيء الحقير يزعجه والشيء التافه يهمه ويقلقه ؛ سبحان الله !!!
العكس بالعكس ربما تجد فتى في سن البداية أو في سن الشباب والبلوغ وهو رجل بمعنى الكلمة، رجل في عقله، رجل في تفكيره، ناضج في رؤيته. سبحان الله العظيم!
وعمر بن عبد العزيز لما دخلت عليه الوفود تهنئه بالخلافة، قدم عليه وفد من الوفود فقدموا شابا فتى في مقتبل العمر، فقال عمر بن عبد العزيز قدم من هو أسن منك (قدم من هو أكبر سنا) فقال يا أمير المؤمنين إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه ولو كانت المسألة بالسن لكان في المؤمنين من هو أولى منك بالخلافة.
فسبحان الله بعقله الراجح رد على عمر بن عبد العزيز أن المسألة ليست بالسن إنما المسألة من الذي يحمل صفة الرجولة.
أيضا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما كان يمشي في بعض شوارع المدينة لما رآه الصبيان ( وعمر رضي الله عنه كان له هيبة) لما رآه الصبيان تفرقوا، جروا إلا واحدا منهم هو عبد الله بن الزبير. قال لم لم تجر كما جرى الشباب أو الصغار؟
قال يا أمير المؤمنين لم تكن الطريق ضيقة فأوسعها عليك ولم أرتكب جرما فأخافك.
هكذا يا إخواني يفكرون وهكذا كانوا رجالا وهم في مقتبل أعمارهم ومقتبل سن الشباب سبحان الله!
وتجد في تاريخنا أن الكثير من الصحابة الكرام الذين لهم أسماء كبيرة عالية هم كانوا في مقتبل العمر. فحبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ترجمان القرآن، توفي رسول الله وكان عمره ثلاثة عشر سنة فقط، ثلاثة عشر سنة عمر عبد الله بن عباس فجند نفسه ما يجد أحدا من الصحابة عنده شيء من حديث رسول الله إلا ونقله عنه ؛ فكان يتنقل على الصحابة رجلا بعد رجل حتى صار عالم الأمة وحبرها رضوان الله عليه.
ونجد في سن الشباب عبد الله بن عمر…. عبد الله بن عمر أيضا كان من شباب الصحابة، سنه يوم أحد أربعة عشر سنة ؛ رده رسول الله صلى الله عليه وسلم يومها لصغر سنه وأجازه يوم الخندق بعدها .
وأمثال هذا الكثير عبد الله بن الزبير، عبد الله بن عمر، عبد الله بن عباس… هؤلاء الكرام الأجلاء كانوا رجالا رغم أعمارهم الصغيرة .
ولعلنا لا يفوتنا الإشارة إلى أسامة بن زيد ؛ أسامة رضي الله عنه كان في سن الثامنة عشر وولاه رسول الله جيشا خرج إلى الروم…. لاحظوا يا إخواني، ليست المسألة أن أسامة بن زيد له وضعية خاصة ولا أبوه له مكانة في العرب فالرسول أراد أن يجامل أبدا….. الرسول رأى أن خير كفء لهذه المعركة هو أسامة…. أن خير من يتولى القيادة في هذه المعركة هو أسامة….. فكان سن ثمانية عشر سنة نعم بالنسبة لنا سنا صغيرا لكن الرسول كان يربي قادة قادوا الأمم …..و سبحان الله بعض الصحابة رأى هذه الرؤية، رؤية أن أسامة بن زيد صغير السن. الرسول كان قد جهز الجيش قبل مرض موته ثم شاء الله أن يمرض ثم كانت وفاته صلى الله عليه وسلم…. فبعض الصحابة رأوا أن الظرف يحتاج إلى تغيير في القيادة فكلموا عمر باعتباره قريبا من أبي بكر الصديق ليعزل أسامة ويولي من هو أولى أو أكبر سنا منه فما كان من أبي بكر إلا أن قال لعمر أيوليه رسول الله ويعزله بن أبي قحافة؟
فاستقر الأمر على أن يخرج أسامة بالجيش….. بل يا إخواني (وهذا نوع من أنواع الإكبار والإحترام بين المسلمين) سبحان الله يخرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه ماشيا على قدميه يودع الجيش ويوصي أسامة ببعض الوصايا فاستحى أسامة أن الشيخ يمشي وهو يركب على فرسه.
قال يا خليفة رسول الله إما أن أنزل وإما أن تركب.
قال لا عليك وما علي أن أغبر قدمي في سبيل الله ساعة ولكني أستأذنك (لاحظوا يا إخواني أستأذنك) لو أبقيت لي عمر بن الخطاب فإني في حاجة إليه.
سبحان الله ! هذا هو الإكبار والتربية لبعض نوعيات الشباب التي نرى فيها هذه المعاني الرجولية.
فديننا يعلمنا دائما كيف تكون المهارات، كيف تكون القيادة…..
إذا أبصرت في عالمنا العربي ونظرت نظرة سريعة على القيادات ستجد أن الكثير من القيادات ذات المسؤولية الكبيرة منهم من تجاوز الثمانين ومنهم من تجاوز السبعين وأصغرهم سنا في الخامسة والخمسين. وهذا يدل على أنها قيادة هرمة، قيادة عجوز. أما إذا نظرت إلى القيادات في الدول … في أميركا وفي الغرب عموما، تجد الكفاءات العالية في سن الشباب، تجد محل القيادة والمسؤوليات الكبيرة سن العطاء سن القوة. وهذا كله لتبدل وجهات التظر من حيث الجهتين فعندنا ميراث لا أدري من أين جاء أن الأكبر سنا هو الأوفر عقلا وهو وهو … وهذا ليس بلازم.
وأن الأصغر سنا عنده الطيش وعنده الخفة في العقل وعنده بعض التصرفات اللا معقولة…. لكن يا إخواني لا يستوي هذا ولا ذاك….. الرجولة ليست بالسن….
الرجولة صفة لا علاقة لها بالسن ولا علاقة لها أيضا بالجسم…. فعندنا أيضا من ضمن معايير الرجولة أن الإنسان طويل عريض تقول عليه رجل. طيب يعني سبحان الله! ربما تجد طويلا عريضا لا عقل له والعرب كانت تقول : (أجسام البغال وأحلام العصافير.) أحلام جمع حلم والمقصود بها هنا العقل. يعني هو جسمه ما شاء الله وعقله كعقل العصفور!!!فلا علاقة لها بالجسم.
أيضا وصف الله تعالى المنافقين فقال: “وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ …”
في بعض الثقافات العربية أن الرجل هو صاحب الشوارب الكبيرة…. طالما أن له شارب كبير، هذه عائلة كلها رجال. ….هذا رجل ملء هدومه كما نقول أو ملء السمع والبصر. وهذا غير صحيح… المسألة ليست بالشوارب.
أيضا عندنا مثلا كما كنا نرى في صغرنا في الأفلام والإعلام أن البطل هو الذي يدخن كثيرا هو زير النساء، هذا هو الرجل.
الرجل البطل الذي يعتدي ويظلم ويفعل كل شيء بالقوة ويأخذ ما يريده بالقوة.
أبدا… فالمسألة عندنا لا تتعلق لا بضخامة الجسم ولا بطول الشوارب ولا بالصفات السيئة ولا بالظلم و بالغصب.
لما صعد عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على شجرة الآراك ليجلب سواكا لرسول الله صلى الله عليه وسلم هبت ريح فكفأته فضحك القوم.
فقال النبي مم تضحكون؟
قالوا نضحك من رقة ساقيه يا رسول الله.
كان نحيف الساق رضي الله عنه لكنه كان جبلا من جبال الإيمان. ولذلك قال رسول الله تعجبون من رقة ساق ابن مسعود؟
والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من جبل أحد. الله أكبر!
وبين النبي أن الشحم واللحم لا يعني شيئا ولا يغني عن صاحبه شيئا يوم القيامة إذا كان مجردا من الإيمان. قال : “يؤتى بالرجل السمين يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة.” انزع عليه ما شئت من الألقاب والهيئات والشكل و و… ثم ضعه في الميزان لو قلنا ميزان الأعمال فلا يزن جناح بعوضة…. وربما لو وضعته في ميزان الرجال لوجدته لا وزن له ولا قيمة له.
المعنى الحقيقي للرجولة :
إذن الرجولة ليست هيئة وليست منظر….
الرجولة مواقف.
الرجولة شهامة.
الرجولة رقي في الفكر والعقل.
الرجولة إيمان وخوف من الله سبحانه وتعالى. ولذلك قال رب العزة جل وعلا :” لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ۚ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ “.
وقال أيضا: ” فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ “.
إذن الرجولة هنا أيضا مرتبطة بطاعة الله والإيمان به سبحانه وتعالى. فما قيمة أي شخص إذا كان كافرا بالذي خلقه؟
الرسول صلى الله عليه وسلم لما سأله عبد الله بن مسعود أي الذنب أعظم؟
قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك. سبحان الله!
فأي رجولة هنا أن الذي خلق ورزق وأنعم ويملك كل شيء سبحانه وتعالى ثم تعبد معه إلها آخر.
الرجولة أن تعطي كل ذي حق حقه :
وليست أكل الحقوق أو الإستيلاء على أموال الناس بالمخادعة أو بالقوة أو بالنصب والغصب. فالرجولة أن تؤدي الحقوق.
الرجولة أن تؤدي ما عليك من دين (بتسكين الياء )
الرجولة أن تقوم بحق زوجتك وأولادك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : “كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول.”
فإذا كانت الرجولة أن يترك الرجل بيته ويضيع أهله ثم يذهب إلى بيت آخر وبيت ثالث ورابع وربما يعيش في الحرام ثم يدعي أنه رجل.
أنت لست أهلا لهذه الصفة لأنك ضيعت من تعول.
قصرت في حق أهلك.
قصرت في حق عيالك ولا حول ولا قوة إلا بالله.
النبي صلى الله عليه وسلم رأى في ليلة الإسراء والمعراج بعض المشاهد. من ضمن هذه المشاهد التي رآها، رأى قوما بين أيديهم لحم ناضج طيب ولحم خبيث نتن ، فتركوا اللحم الطيب الناضج وأكلوا اللحم الخبيث النتن !!
فقال لجبريل عليه السلام ما هذا يا أخي يا جبريل؟
قال هذا مثال الرجل عنده الزوجة الحلال فيتركها ويذهب إلى المرأة الحرام.
فهنا الرجولة ليست تضييعا لبيتك.
الرجولة ليست تضييعا لأولادك.
الرجولة ليست جلوسا مع الأصحاب والأصدقاء وتضييع الأوقات ثم ترك البيت فارغا بلا مسؤولية وبلا رعاية.
فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.) فأنت كرجل مسؤول عن رعيتك في بيتك وأولادك.
لا تلغي نفسك ولا تغيب نفسك بحجج واهية اقتنعت بها أو ظننتها صحيحة لأن أولادك لهم حق عليك وأهل بيتك ستسأل عنهم بين يدي الله سبحانه وتعالى.
حرمان البنات من الميراث :
أيضاعندنا في بعض بلادنا العربية أن من الرجولة عدم إعطاء الميراث للبنات وأن ميراثنا وأموالنا لا تذهب لرجل غريب ( يقصدون زوج أختهم ) ففي بعض الأعراف للأسف الشديد تحرم البنات نهائيا من الميراث. لماذا؟
لا حول ولا قوة إلا بالله.
أي شرع وأي دين؟
يقولون هذا عرفنا. هذا ما جرى عليه أمرنا.
يا أخي هذا يخالف شرع الله. هذا منع لحق أوجبه الله.
العلماء سموا المواريث بتسمية عجيبة جدا قالوا علم الفرائض لأن الله تعالى قسمها قسمة واضحة لا لبس فيها ولا تعمية سبحان الله!!
يعني فلان له النصف، فلانة لها الربع، الثمن، السدس … واضحة.
أما قصة أن مالك سيذهب إلى زوج أختك أو غير ذلك فلا شأن لك به. هذه قسمة الله عز وجل.
فلا ينبغي أبدا أن تكون رجولة أن تقطع رحمك بأن تمنع أختك أو أخواتك من الميراث تحت أي حجة.
وأيضا من الظلم يا إخواني أن البعض بحكم أنه الأخ الكبير أو هو الأقوى يستولي على ما غلب عليه من التركة ثم يترك لبقية إخوته الفتات أو ينتقي أفضل شيء ثم يترك لهم الأقل سعرا أو الأزهد ثمنا أو يؤخر ويضيع ويسوف حتى يستطيع أن يتكسب و يتربح من وراء ذلك.
كل هذا فوق أنه قطع للرحم وأكل لأموال الناس بالباطل فإنه لا يرمز إلى الرجولة بشيء بل هذا عند الله سبحانه وتعالى يأكل حراما ويتغذى بالحرام و لا يطيب له حياة لا في دنياه ولا في أخراه.
فالرجولة إعطاء كل ذي حق حقه.
الرجولة وضرب الزوجة :
البعض يظن أن الرجولة هي أنها في وقت اللزوم يعتدي على زوجته بالضرب وأن هذا من تمام رجولته.
فهو يظن أنه لا يستقيم له الأمر ولا تثبت رجولته إلا إذا ضربه زوجته وأغلظ عليها…. لا إله إلا الله… لماذا تفعل هكذا؟
يقول : هكذا كان أبي وهكذا كان جدي وهكذا وهكذا… يا أخي إن الله حرم علينا الظلم.
قال: ” يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا. ” فلا ينبغي أن يكون اثبات الرجل لرجولته على حساب أن يضرب المرأة أو يضرب ضعيفا أو يعتدي على كرامة شخص لأنه الأقوى أو لأنه الأطول والأعرض جسما ووزنا.
إخواني لما شكت النساء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ضرب الرجال قال: ” إن الذين يضربون نساءهم ليسوا بخياركم “ فنفى النبي الخيرية عمن يفعل ذلك بامرأته.
أذكر أن إحدى الأخوات اتصلت بي ذات مرة وقالت يا شيخ أنا قلت كلمة والله ما أدري أنا كفرت ولا ما زلت على الإسلام ؟
فقلت لها : ماذا قلت؟
قالت زوجي ضربني ضربا عنيفا…. فلما قلت له حرام عليك أنا وحيدة أنا ليس لي أهل هنا ، أنا كذا، أنا كذا… قال لها الإسلام يأمرني بهذا…. فقلت له أنا بريئة من هذا الدين.
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم !!
هل الإسلام أمر بالإنتقام والوحشية؟
هل الإسلام أمر بالظلم والإعتداء؟
هل الإسلام بين أن ضبط الحقوق الزوجية يكون بالضرب والقسوة؟
هذا كله يا إخواني الإسلام منه براء. هذا كله لا يمت لدين الله بصلة.
هذا وإن كان عرفا في بعض البيئات أن الرجل يضمن رجولته بالإعتداء على زوجته، فهذا لا يمت لدين الله بصلة.
الرجولة وكلمة الطلاق :
أيضا ليس من الرجولة أن تكون كلمة الطلاق كلمة دائما يرددها لسان الرجل ؛ كلما جرى بينه وبين زوجته أمرا يهددها بالطلاق.
أنا سألقي بك في الشارع…. سأمنع عنك رؤية أولادك…. لن تري أولادك طيلة العمر…. سأفعل وأفعل… إما وإما…
يا أخي ليس هكذا… يكون حل المشاكل. الله عز وجل قال: ” الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ …”.
الله جل وعلا قال: “…وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ۚ …”.
يعني لا ينبغي للرجل إذا استحالت العشرة بينه وبين زوجته أن يمسكها للإضرار ؛ يقول لها سأتركك معلقة لا زوجة ولا مطلقة. لا إله إلا الله.
أنا يا إخواني ( ربما البعض يستغرب مني هذا) حينما أتدخل في بعض المشاكل بين الزوجين أصل لمرحلة أنصح الاثنين بالطلاق وهذا شيء مستغرب لكن أقول بعد الوصول لهذه النقطة يستحيل العيش بينكما.
إن قمنا وتصالحنا بهذا الشكل الذي أنتما عليه فلن تكون هذه الجلسة إلا مسكن لمدة أسبوع أو عشرة أيام.
لكن أحيانا أحيانا يكون الطلاق حلا.
الله الذي شرع لنا الزواج، شرع لنا الطلاق.
لكن هنا المسألة المهمة ألا يكون الطلاق سيفا مسلطا على رقبة المرأة، دائما ما يهددها به، دائما ما يخوفها بهذا الأمر.
كما قال تعالى “فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ… ”
والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ” استوصوا بالنساء خيرا. ” ومن الوصية بهم أن تحافظ عليها، أن تكرمها، أن تعطيها حقها. فإن كان ولا بد يعني ليس هناك طاعة، ليس هناك عشرة، هنالك نفور، هنالك نشوز. إذن فتسريح بإحسان.
الدنيا لن تنتهي. لن تخرب الدنيا.
لكن ليس من صفات المؤمن أنه دائما يضار بزوجته، أنه يهددها بأولادها، أنه يعكر عليها حياتها، أنه يفارقها سنين…
والله يا إخواني في هذا البلد حالات زوجها يفارقها منذ أربع سنوات وست سنوات.
يا أخي حرام عليك. يقول هكذا أريد أن أنتقم منها.
أنت عند الله سبحانه وتعالى ظالم.
الله تعالى بين أن مدة الفراق بين الرجل وزوجته لا تزيد عن أربعة أشهر. قال : ” لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ۖ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ “. إما إمساك وإما طلاق.
لا يعقل أبدا أن رجلا يمسك زوجته سنوات طويلة يضيع عليها زهرة شبابها ويمنعها من أن تتزوج بغيره وربما ليس عندها من الدين ما يمنعها من الوقوع في الحرام.
ليست كل النساء على دين يمنعها. وليس كل الرجال كذلك.
فهنا لا بد أن تكون الأمور في نصابها الصحيح في وضعها القائم…. فالرجولة ليست التهديد بالطلاق….. الرجولة ليست التهديد بالأولاد.
الرجولة أن تعطي كل ذي حق حقه.
وتعجبون معي لو قرأتم آيات سورة الطلاق، تجد أن الآيات المتوالية في سورة الطلاق التي تتحدث عن حقوق المرأة فيها الوصية بالتقوى. الآية الثانية من السورة : ” …وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ” بعدها ” …وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا “.وبعدها “…وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا “.
كل هذا يا إخواني لأن المسألة ربما بالقانون تظلم. نعم ممكن بالقانون تظلم المرأة. ممكن بالقانون تعتدي على المرأة. ممكن بالقانون تجعل المرأة في عذاب أليم. لكن أنت تعامل الله الذي لا تخفى عليه خافية سبحانه وتعالى.
فالرجولة ألا تستقوي على امرأة.
الرجولة ألا تجعل الأمر كما يحلو لك أو لأغراضك الشخصية.
الرجولة والزوجة الثانية :
أيضا يا إخواني نتكلم بصراحة، ليس من الرجولة تهديد المرأة بين الفترة والأخرى بأن تتزوج عليها…. هذه مسألة عجيبة جدا سبحان الله وأنا دائما أقول لهذه الزوجة التي تعيش هذا التهديد : (من يهدد لا يفعل.) لو أراد أن يفعلها سيفعلها في السر.
لكن الإشكالية أنه دائما ما يشعر زوجته بالنقص، أنها ليست زوجة كما ينبغي … أنها ليست امرأة كسائر النساء. أنا سأتزوج عليك، أنا أبحث عن زوجة أخرى… أنا سأفتح بيتا جديدا… أنا سآتي بمن تفعل وتفعل. يا أخي هذه ليست رجولة.
رب العزة قال : “…وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ۚ …”. إن استحالت العشرة شرع الله لك الطلاق. لكن أن يكون الأمر بهذا الشكل فهذه والله ليست رجولة ولا تمت إلى الرجولة بصلة أن تكون علاقتك بزوجتك بهذا الشكل.
إخواني جرى الوقت سريعا لكن ألخص وأقول :
- الرجولة ليست بالسن.
- الرجولة ليست بالطول والعرض.
- الرجولة ليست بالظلم واغتصاب الحقوق.
- الرجولة شهامة.
- الرجولة مروءة.
- الرجولة همة عالية.
- الرجولة إعطاء كل ذي حق حقه.
- نسأل الله تعالى أن يبصرنا بعيوبنا وأن يردنا إليه مردا جميلا.