فن التعامل مع الناس 2 (الاعتراف بالخطأ )
الخطأ في حياة الناس أمر وارد
الحدوث فلسنا ملائكة ، ولا يستطيع
إنسان أن يدعي العصمة مهما كان شأنه فيقول أنا لا أخطئ إلا الأنبياء والمرسلين، وصدق رسولنا صلى الله عليه وسلم حين قال: “كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون”
والخطأ الحقيقي هو تمادي البعض في خطئهم، وعدم اعترافهم به، والإصرار عليه، والجدال عنه بالباطل، واعتبار الرجوع عنه نقيصة ، وهذه مصيبة المصائب .
وعندنا في الشرع أنه ليس لصاحب بدعة توبة لما في الحديث: “إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته” صححه الألباني في صحيح الترغيب.
لماذا لا يقبل توبة المبتدع لأنه مفتون بها لا يقر بخطئه .
لماذا لا نعترف بأخطائنا ؟
إنّ أحد أهم الامراض التي ابتلي بها المجتمع بصورة عامة هو تبرير الأخطاء في صور مختلفة ؛ حيث ينحرف بها الخاص والعام عن الطريق المستقيم .
كثير من الذين يخطئون لا يعترفون بخطئهم لعدة أسباب ما هي وما علاجها ؟
1) الجدل والتبرير:
الكثير من الناس يبحثون عن الأعذار والأوهام، كي يقدموها ليُخفوا خلفها خطأهم، ويُداروا بها عيوبهم، فيستمرون في خطئهم الذي بدأوه، وهم بذلك قد أضروا أنفسهم قبل أن يضروا غيرهم، وأساءوا إلى أنفسهم قبل أن يُسيئوا إلى غيرهم.
وقد يكون السبب وراء استسهال هذا التبرير وعدم الاعتراف بالخطأ والرجوع إلى الحق هو أن يكون صاحب هذا السلوك قد أُوتي جدلاً، ولحنًا في القول، وقدرة على البيان والإقناع ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا﴾ الكهف:54.
ومن أمثلة هذا، الذي حكى عنه القرآن ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ الله عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾ البقرة:204.
فهذا الصنف شديد الحجة، قوي البيان، لدرجة أن الله قد وصف حديثه أنه سيُعجب النبي صلى الله عليه وسلم.
فارق بين حالتين:
وحتى تقترب الصورة أكثر وأكثر ، فإننا لدينا حالتان: حالة يمكن الاستدلال بها كصورة من صور الضعف، ومحاولات التبرير، وقلب الحقائق والإصرار على الخطأ والتمادي في الباطل.
وحالة أخرى يُمكننا الاستدلال بها كنموذج للمراجعة والتصحيح، والاعتراف بالخطأ والعودة إلى الصواب، وتصحيح المسار.
إبليس: فربه قد أمره بالسجود فأبى، فلما سأله عن السبب ﴿… يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾ ص75.
برر موقفه، وجادل بالباطل، وأصر على موقفه ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ . قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ . وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ﴾ طه:76-78
آدم: أيضًا أخطأ،لكنه سارع بالرجوع إلى الحق، والاعتراف بالخطأ، والمطالبة بالعفو والمغفرة هو وزوجته ﴿قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ(الأعراف:23
أمثلة :
– واحد لا يصلي :اعترف واستغفر وتب إلى الله !!!
لا لا يقول أنا أحسن من الذين يصلون أنا أعرف من يصلون ويسرقون وأعرف واحد يصلي ويشرب الخمر …المهم أن قلبي أبيض !!!
– واحدة غير محجبة : الحجاب فريضة توبي إلى الله …
لا لا أنا أحسن من المحجبة هو الحجاب كل حاجة في الدين الحجاب في القلب
– كم من مشكلة بين زوج وزوجته علاجها الاعتراف بالخطأ ؟ يأبى الزوج أن يعترف بخطأه ، وتأبى الزوجة أن تعترف بخطأها …
– كم من مشكلة بين اثنين علاجها الاعتراف بالخطأ ؟ علاجها كلمة اعتذار
– حوادث السيارات تجد من لا يحترم قوانين السير ويعتدي على غيره ولا يعترف بالخطأ !!
75% من المشاكل هي عناد وعدم اعتراف بالخطأ
الله تعالى يعلمنا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ الله وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَالله أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (١٣٥)النساء
إذن نقول الحق ولو على أنفسنا أقول أنا مخطئ لا أجامل نفسي واتبع هواي (فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا ) اتبع مزاجي حتى لا أظهر أني غلطان .
وفي الحديث (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة …)
وعدّ النبي ذلك من الكبر فقال “لا يدخل الجنةَ من كان في قلبه مثقالُ ذرّة من كِبْر”، فقال رجل: إن الرجلَ يحب أن يكون ثوبُه حسناً ونعلُه حسناً قال: “إنّ الله جميلٌ يحب الجمال ؛الكبر بطر الحق وغمط الناس” رواه مسلم.
ومعنى بطر الحق: دفعه وردُّه على قائله وعدم الاعتراف به .
ومعنى غمط الناس: احتقارهم.
2) الاعتداد بالرأي:
البعض تجدهم يتعصبون لآرائهم ولا يقبلون بغيرها حتى وإن كان هذا الغير أصح وأصوب ، أما القوامون بالقسط فهم الذين يحملهم تواضعهم على قبول الرأي الآخر، وتقديره والثناء عليه متى كان فيه الخير والصواب رافعين شعار “قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب“.
وهم لا يُقدسون أنفسهم فيدعون العصمة من الخطأ، ولا يستخفون بآراء الآخرين أو يُسفهونها كي لا تتضح معالم الخطأ في قراراتهم.
بل إن الناجحين دائما لهم محطات في حياتهم يُراجعون فيها أنفسهم ويصححون فيها مسارهم، حتى لا يسترسلون في خطأ وقعوا فيه، أو هوى انساقوا إليه، فإذا كان هناك ثمة خطأ أو هوى عالجوه قبل أن يستفحل.
فهم ليسوا كالصنف من الناس الذين يُحددون لأنفسهم قناعات لا يحيدون عنها، أو قرارات لا تقبل المراجعة والتصحيح، فحينئذ لن يسلموا في قراراتهم من هوى مطغٍ، أو خطأ مهلك.
بل يوقنون بأن الإنسان بشر، والبشر قد يجتهد ومهما كان اجتهاده للوصول إلى القرار الصحيح، فإن احتمالات الخطأ وارده، ولا بد من تداركها، ولن يكون هذا إلا بالاعتراف بالخطأ ابتداءً.
3) ترك المشورة:
بعض الناس لا يُفضلون استشارة من حولهم أو الاستئناس برأيهم حول قضية من القضايا، خشية أن يُظهر ذلك عدم كفاءتهم أو عجزهم عن اتخاذ القرارات أو لتكبّر جبلت عليه نفوسهم.
أما أصحاب الفهم فيحرصون على الشورى، ويلتمسون فيها الخير والبركة، ولا مانع عندهم من العودة في آرائهم متى رأوا الصواب في غيرها،وقد قيل لاخاب من استشار ، ولا ندم من استخار .
4) بعد الغضب:
يتصرف الواحد منا في غضبه تصرفات فيها الكثير من الأخطاء، يندم عليها بعد هدوئه لكنه لا يعترف بخطئه يبرر ما فعل على شماعة الغضب وكأنه لم يفعل شيئا .
أما القوامون بالقسط لا يضيرهم أبدًا أن يعملوا على إصلاح ما أفسدوه في لحظات الغضب، ولا يُكابرون في ذلك، بل ويُسارعون إلى الاعتذار إذا كان الأمر يستوجب الاعتذار، ويُصلحون من شأن ما أتلفوه إذا كان الأمر يستدعي الإصلاح .
5)التبرير بالقضاء والقدر
هناك من يحمِّل القضاء أسباب فشله وعجزه وضعفه، كمن يصر على فسقه ويتمسك بالقدر يحمِّله وزر فسقه، فإن وعظته قال: إن هداني الله اهتديت….
وتجد بعض المسئولين الذين يغشون في المشاريع أو في البدائل والاحتياطيات عند مواجهة الأزمات والكوارث بما يضمن حياة الناس فيعلقون المسؤولية على شماعة القدر !!!
وبهذا اللحن من الكلام يكون لهم باب الفرار من المسؤولية والواجب .
نرى المشركين ولأجل أن يبرئوا أنفسهم من مسؤولية انحرافهم يقولون :
( لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرّمنا من شيءٍ ) 148 الانعام .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزن، فإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت …، ولكن قدر الله وما شاء فعل}.
الرسول صلى الله عليه وسلم يريد من المسلم أن يفكر ويخطط ويأخذ بالأسباب ؛ لأن حياتنا قائمة على الأسباب.
وقد طابق قوله فعله صلى الله عليه وسلم ، فقد اتخذ في أمر هجرته جميع الاحتياطيات: من شراء الراحلة وتأمين الدليل الذي يرشده إلى الطريق الآمن، والتكتم الشديد ، وتكليف علي أن ينام في فراشه واختبأ في غار ثور ثلاثة أيام، …. كل هذا لتنجح الرحلة؛ لأنه عمل ما عليه مستعيناً بالله فتم له ما أراد، ووصل إلى مقصده سالماً آمناً لم تمتد إليه يد سوء.
وفي غزوة أُحد حدث خطأ في فهم الأمر النبوي، كان جزاؤه قتل سبعين من خيار الصحابة، وشج النبي وكسر رباعيته، ومع ذلك لم يحمِّل واحد منهم القضاء والقدر المسئولية، بل تحملوها راضين عالمين أن أفعال الله كلها خير، تمحص المؤمنين وتمحق الكافرين، ولما احتج المنافقون بالقدر تحداهم أن يدفعوا عن أنفسهم الموت .والعجيب أننا نجعل التبرير بالقضاء والقدر في الأخطاء فقط لا في الطاعات ، لذلك لن تجد من ينفق ماله كله صدقة ويقول هذا قضاء الله وقدره !!!
أومن يقيم الليل كله ويقول هذا قضاء الله وقدره !!!
6) تنفيذ الأوامر
ويقولون (أنا عبد مأمور ) و(المأمور معذور ) في الآية قوله تعالى :
( وقالوا ربّنا إنّا اطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السّبيلا ) 67 الأحزاب
7) التبريرات النفسية مثل :
– المدمن على التدخين يقول : لا أستطيع ترك هذه العادة ثم إنها مكروهة
– أدب طفلك ، فيقول : أخاف أن اضغط عليه فيصاب بالعقدة النفسية .
– فلان صديقك يفعل المعصية الفلانية لماذا لا تنصحه يقول لا أريد إحراجه
– يسخر من الآخرين : و يقول أنا أمزح أو أتسلى .
وغير ذلك كثير من التبريرات النفسية .
نسأل الله أن يبصرنا بعيوبنا وأن يهدينا إلى الحق وإلى صراط مستقيم .