الولاية : تعريفها، أركانها، ثمراتها
الولاية في اللغة مصدر ولي الشئ وليا وولاية إذا دنا منه وقرب ويقال والاه يعني بالنصرة أو بالمحبة ومنه قوله تعالى : (أنت مولانا فانصرنا )البقرة 286
والمولى من ألفاظ الأضداد في اللغة فهو يحتمل معنيين :
الأول : بمعنى السيد لأنه ينصر عبيده ، الثاني : بمعنى العبد لأنه ينصر سيده.
فالولي: هو القريب الذي يرعاك أو المُحب الذي ينصرك على أعدائك، الولي هو أول من تفزع إليه وتقرع بابه حين تصيبك المصيبة لينصرك على أعدائك فيفتح لك ويؤويك، كما في الآية ” أَلمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى”.
وولاية الله للعبد أن يهديه إلى الإيمان به وإلى معرفته وطاعته ومحبته ونصرة دينه فيقترب من ربه أكثر فأكثر حتى يحبه فإذا أحبه قربه وتولى أمره ونصره وكان بذلك من أولياء الرحمن ، قال تعالى : ” اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا …”. (البقرة:257)
وولاية العبد للرب أن يؤمن به ويتقيه ويتقرب إليه بطاعته ويوالي ويعادي في الله وينصر دينه وأولياءه وبذلك يكون ولياً لله . والله تعالى لا يوالي العبد عن افتقار واحتياج إليه وإنما يواليه إكراماً له، فهو سبحانه الغني وكل ما سواه فقير إليه وقد نفى الله أن يكون له ولي من الذل، قال تعالى : (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ) الإسراء 111
وأما العبد فإنه يوالي الله لفقره إليه وحاجته إذ هو في حاجة دائمة إلى نصرة ربه ومعونته ، فالمنة إذن لله تعالى على موالاته لعبده وقبوله ولياً ، كما قال بعض السلف (ليس العجب من عبد فقير يتودد إلى مولاه ، إنما العجب من ملك قدير يتودد إلى عبيده )
أركان الولاية
ضيق الناس مفهوم الولاية حتى صارت كلمة ولي معناها رجل مدفون تحت قبة وضريح وله مولد …..الخ ويقول بعضهم : من المؤكد أني لست وليا؛ لأن الأولياء ليسوا مثلنا، كأنهم كائنات أخرى من مكان أخر وهذا ليس صحيحاً، تقول الآية “… وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ” (آل عمران:68) دائماً يتكلم عن كل المؤمنين، ” و” اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا …” (البقرة:257) و “أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الذين آمنوا وكانوا يتقون ” (يونس:62، 63) فبين في الآية أن ركني الولاية هما : الإيمان والعمل الصالح
ويؤكد هذا المعنى حديث قدسي رائع “من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلىَّ عبدي بشيء أحب إلىَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلىَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولإن سألني لأعطينه، ولإن استعاذ بي لأعيذنه” رواه البخاري عن أبي هريرة
من يعادي وليّاً أعلنت عليه الحرب، إعلان الله الحرب لم يأت إلا في هذا الموضع وفي موضع أخر فقط مع من يتعامل بالربا “…فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ…” (البقرة:279)،ثم بين من هم أولياءه الذين يحبهم ويمنع عنهم أي أذى ، فبين أن أولياءه هم الذين يتقربون إليه بالعمل الصالح.
وأول درجة هي : التقرب إلى الله بأداء الفرائض ، ويشمل ذلك فعل الواجبات وترك المحرمات، لأن ذلك كله من الفرائض التي افترضها الله على عباده ، وهذه درجة أصحاب اليمين .
الدرجة الثانية : وهي الأعلى من تقرب إلى الله بعد الفرائض بأداء النوافل ويشمل ذلك فعل المستحبات وترك المكروهات ، وهذه درجة المقربين
ثمرات ولاية الله :
1- الشعور بالأمن والسكينة
فلا خوف في الدنيا ولا حزن في الآخرة. يقول تعالى “أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ” (يونس:62)،
2- الهداية إلى الصراط المستقيم
يقول تعالى ” اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ …” (البقرة:257)
3- النصر
إذا تولى الله أمرك، ينتقم ممن آذاك، يقول الله تبارك وتعالى “بَلْ اللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ” (آل عمران:150)، “إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا …”(الحج:38)، “وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ” (المائدة:56).
4- رعاية الله لوليه بتوفيقه وحفظ جوارحه عن المعاصي
كما في الحديث السابق : (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها )
- معية الله للعبد
،و تنقسم معية الله لخلقه إلى قسمين: عامة، وخاصة:
فالعامة هي: التي تقتضي الإحاطة بجميع الخلق من مؤمن، وكافر وبَر وفاجر، في العلم، والقدرة، والتدبير والسلطان وغير ذلك من معاني الربوبية. ومن أمثلة هذا القسم قوله تعالى: { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ } [الحديد: 4] وهذه المعية توجب لمن آمن بها كمال المراقبة لله عزّ وجل، ولذلك قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: “اتق الله حيثما كنت”.
وأما الخاصة فهي: التي تقتضي النصر والتأييد لمن أضيفت له. وهي مختصة بمن يستحق ذلك من الرسل وأتباعهم. وهذه المعية توجب لمن آمن بها كمال الثبات والقوة، ومن أمثلتها قوله تعالى: { وأَنَّ اللَّهَ مَعَ المؤمنِينَ } [الأنفال: 19].و قال تعالى: إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون {النحل: 128}.
“فهو معهم تعالى بالإعانة والرعاية والكفاية والنصر والتأييد والهداية والتوفيق والتسديد ، وهذه هي معية الله الخاصة لأحبابه وأوليائه”. ومن كان الله معه كان النصر حليفه مهما ملك عدوه من قوة ، وأصبح ذلك العدو أحقر من الذباب في نظره وإن كانت كل الأسباب المادية في يده ، كما قال موسى عليه السلام حينما خرج فرعون بغطرسته وجنوده يطاردونه هو والقلة المؤمنة معه، حتى قال فرعون : إن هؤلاء لشرذمة قليلون {الشعراء: 54}، وهذه المفارقة العظيمة بين الطرفين جعلت بعض من كان مع نبي الله موسى عليه السلام يقول: (إنا لمدركون) كما قال تعالى: فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى” إنا لمدركون {الشعراء: 61} فكانت النتيجة نجاة موسى ومن معه من المؤمنين، وهلاك فرعون ومن معه من الكافرين، ولكن موسى عليه السلام لما كان يعي حقيقة المعادلة: قال كلا إن معي ربي سيهدين {الشعراء: 62}
وكذلك نبي الرحمة حينما خرجت قريش بغطرستها وكبريائها تطارده فأوى إلى الغار ومعه صاحبه الصديق رضي الله عنه، وما كانا يملكان من القوة المادية شيئاً يذكر، حتى خاف أبو بكر رضي الله عنه على النبي { حينما رأى أن القوم قد وصلوا إليهم، ولكن الثقة بموعود الله جعلت النبي { يطمئن صاحبه ويقول: لا تحزن إن الله معنا {التوبة: 40} كما قال تعالى: إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى” وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم {التوبة: 40}.
6 )أن يوضع له القبول في الأرض لمحبة الله له
كما في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال: إني أحب فلاناً فأحبه ، قال: فيحبه جبريل ، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلاناً فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض . وإذا ابغض عبداً دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلاناً فأبغضه . فيبغضه جبريل ، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه . قال: فيبغضونه . ثم يوضع له البغضاء في الأرض ” .
7-أن ينعم عليه بالبركة
و البركة هي الزيادة والنماء ،وهي ثبوت الخير الإلهي في الشيء؛ فإنها إذا حلت في قليل كثرته، وإذا حلت في كثير نفع، ومن أعظم ثمار البركة في الأمور كلها استعمالها في طاعة الله عز وجل
، والبركة في المال زيادته وكثرته، وفي الدار اتساعها، وفي الطعام وفرته وحسنه، وفي العيال كثرتهم وحسن أخلاقهم وبرهم، وفي الأسرة انسجامها وتفاهمها، وفي الوقت اتساعه وقضاء الحوائج فيه، وفي الصحة تمامها وكمالها، وفي العمر طوله وحسن العمل فيه، وفي العلم الإحاطة والمعرفة.. فإذن البركة هي جوامع الخير، وكثرة النعم، قال تعالى: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض)، [الأعراف:96]
، وقال تعالى : { ومن يتق الله يجعل له مخرجا ، ويرزقه من حيث لا يحتسب } [الطلاق:3-2] ، أي من جهة لا تخطر على باله.
وعرف العلماء التقوى: بأن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله.
قيل لأحد الصالحين: إن الأسعار قد ارتفعت قال: أنزلوها بالتقوى. و قيل: ما احتاج تقي قط
8-إجابة الدعاء
كما في الحديث السابق : (ولإن سألني لأعطينه، ولإن استعاذ بي لأعيذنه )يعني أن هذا المحبوب المقرب له عند الله منزلة خاصة تقتضي أنه إذا سأل الله شيئاً أعطاه وإن استعاذ به من شئ أعاذه منه فيكون مجاب الدعوة .وقد كان كثير من السلف مجابو الدعوة من ذلك :
أ)في الصحيح أن الربيع بنت النضر، ، كسرت ثنية(السنتين الأماميتين)جارية ، فعرضوا علي أهلها الدية أو أن يعفو عنها فرفضوا، فحكم رسول الله أن تكسر ثنية الربيع قصاصاً فالسن بالسن، ، فقال أنس بن النضر أخوها ” يا رسول الله أتكسر ثنية الربيع والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها فرضي القوم وأخذوا الدية فقال رسول الله (إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره)
ب) البراء بن مالك في مستدرك الحاكم بسند صحيح عن أنس (كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك )
البراء لقي مع المسلمين زحفا فقال المسلمون اقسم على ربك فقال : أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم فانتصروا وفي آخر معركة شهدها قال أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وألحقني بنبيك فانتصروا وقتل شهيداً
ج) في زمن بني أُميَّة وقعتْ لسيِّدنا سعيد بن زيد حادثة ظلّ أهل المدينة يتحدَّثون بها زمناً طويلاً ، ، ذلك أنَّ أرْوَى بنت أُوَيْس زعمتْ أنَّ سعيد بن زيد – الصحابي الجليــل وأحد المُبَشَّرين بالجنَّة – قد غَصَب شيئاً من أرضِها وضمَّها إلى أرْضه ، وجعلتْ تلوك ذلك بين المُسلمين ، وتتحدَّثُ به إلى أنْ رفَعَتْ أمْرها إلى مروان بن الحكم والي المدينة ، ، واضْطرّ الوالي أنْ يُرْسِل إليه أشْخاصاً لِيُحَقِّقوا في الأمر ، فأرسل مروان بن الحكم أُناساً يُكَلِّمونه بِذلك فصَعُبَ الأمر على صاحب رسول الله وقال : يَرَوْنني ظالِماً أظْلِمُها ، فكيفَ أظْلِمُها وقد سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يقول : من ظلمَ شِبْراً من أرْضٍ طُوِّقَهُ يوم القِيامة من سبْعِ أرضين” اللهم إنها قد زعَمَتْ أنني ظلمْتُها ، فإنْ كانت كاذِبَةً فأعْمِ بصَرَها وألْقِها في بِئرها الذي تُنازِعُني فيها ، وأظهرْ من حقي نوراً يُبَيِّنُ للمسْلمين أنني لم أظْلِمْها
قال : فَلَمْ يمْضِ على ذلك إلا القليل حتى سال العقيق – وهو وادٍ في المدينة – سال هذا الوادي سيْلاً لم يسِل مثله قطّ فَكَشَفَ عن الحدِّ الذي كانا يخْتَلِفان فيه ، وظهر للناس جميعاً أنَّ سعيداً كانَ صادِقاً ، ولم تَلْبث المرأة بعد ذلك إلا شَهْراً حتى عَمِيَتْ ، وبينما هي تطوفُ في أرْضِها تِلك سَقَطَتْ في بئْرها ، قال عبد الله بن عمر : فَكُنا ونحن غِلْمان نسْمع أحدهم يقول للآخر : أعْماك الله كما أعمى أرْوى ، فأصْبَحَتْ مضرب المثل ، وجعلها الله نكالاً .
د) عين سعد بن أبي وقاص أميرًا على الكوفة، أثناء خلافة الفاروق عمر -رضي الله عنه- الذي كان يتتبع ولاته ويتقصى أحوال رعيته، وفي يوم من الأيام أرسل عمر -رضي الله عنه- إلى الكوفة من يحقق في شكوى أهلها أن سعدًا يطيل الصلاة، فما مر بمسجد إلا وأحسنوا فيه القول، إلا رجلا واحدًا قال غير ذلك، فكان مما افتراه على سعد: أنه لا يعدل في القضية، ولا يقسم بالسوية، ولا يسير بالسرية -يخرج بالجيش-
فدعا سعد عليه قائلاً: اللهم إن كان كاذبًا، فأعم بصره، وأطل عمره، وعرضه للفتن، فكان ذلك الرجل يمشي في الطريق، ويغمز الجواري، وقد سقط حاجباه من عينيه و لما يسئل عن ذلك يقول: شيخ مفتون، أصابته دعوة سعد.
وذات يوم سمع سعد رجلاً يسب عليّا وطلحة والزبير، فنهاه فلم ينته، فقال سعد للرجل: إذن أدعو عليك؛ فقال الرجل: أراك تتهددني كأنك نبي؛ فانصرف سعد، وتوضأ، وصلى ركعتين، ورفع يديه، وقال: اللهم إن كنت تعلم أن هذا الرجل قد سب أقوامًا سبقت لهم منك الحسنى؛ وأنه قد أسخطك سبه إياهم؛ فاجعله آية وعبرة؛ فلم يمر غير وقت قصير حتى خرجت ناقة هوجاء من أحد البيوت، وهجمت على الرجل الذي سب الصحابة؛ فأخذته بين قوائمها، وما زالت تتخبط حتى مات.
والأمثلة على ذلك كثيرة
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربنا إلى حبك