هل هناك عوالم أخرى غير الإنس والجن؟
دائمًا نقرأ في سورة الفاتحة: “الحمد لله رب العالمين”، فما معنى “العالمين”؟
“العالمين” جمع “عالم”، وكما فسره العلماء، يطلق العالم على كل موجود سوى الله عز وجل.
فالعالم يشمل عالم الإنس، وعالم الجن، وعالم الملائكة، وعالم الطير، وعالم الحيوان، وكل ما خلقه الله عز وجل.
وعند قولنا: “رب العالمين”، نعني أن الله سبحانه وتعالى هو رب جميع المخلوقات، والخالق واحد، وكل هذه المخلوقات من صنعه سبحانه.
معنى “العالمين” في سياق القرآن الكريم
لفظة “العالمين” وردت في مواضع عديدة من القرآن الكريم، واستخدمت بمعنيين رئيسيين:
- العالمين بمعنى الإنس والجن:
- مثال: “يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين” (البقرة: 47). هنا فضل الله بني إسرائيل في زمانهم على الإنس والجن بسبب إيمانهم وتوحيدهم لله.
- أيضًا: “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” (الأنبياء: 107)، أي أن رسالة النبي ﷺ رحمة للإنس والجن.
- “يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين” (آل عمران: 42)، أي أن مريم عليها السلام اصطفاها الله على نساء عصرها.
- العالمين بمعنى جميع المخلوقات:
- مثال: “وما رب العالمين” (الشعراء: 23)، وهو سؤال فرعون لموسى عليه السلام، فأجابه: “رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين” (الشعراء: 24).
- عندما سجد السحرة قالوا: “آمنا برب العالمين” (الشعراء: 47)، إشارة إلى الله رب كل شيء.
عظمة الكون واتساعه:
إن هذا الكون الفسيح الممتد لا يعقل أن يكون مخصصًا للإنس والجن فقط. ففي القرآن الكريم إشارات إلى وجود مخلوقات لا نعلمها، كما في قوله تعالى: “فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون” (الحاقة: 38).
فمنها ما نبصره ومنها ما لا نبصره، كما قال تعالى: “ويخلق ما لا تعلمون” (النحل: 8).
دلالات وجود مخلوقات أخرى:
قال الله تعالى: “ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير” (الشورى: 29). البعض يفسر “دابة” هنا بأنها تشمل الكائنات في السماء والأرض.
ولو كانت الملائكة هي المقصودة بكلمة “دابة”، لما عطف الله عليها الملائكة بقوله: “ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون” (النحل: 49)، لأن العطف يفيد التغاير.
وهكذا، هناك كائنات تعيش في السماوات، وأخرى في الأرض، بعضها نعلمه وبعضها لا نعلمه. وهذا يتفق مع قوله تعالى: “وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين” (الأنبياء: 16).
حقارة الأرض مقارنة بعظمة الكون:
الدنيا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وأحد علماء الفلك شبّه الكرة الأرضية بمكتبة تحتوي على مليون مجلد، حيث تمثل الأرض نقطة على حرف من كتاب واحد في هذه المكتبة.
وعندما نتأمل قوله تعالى: “وسع كرسيه السماوات والأرض” (البقرة: 255)، ندرك مدى عظمة خلق الله. قال النبي ﷺ: “ما السماوات السبع والأرضون السبع بجانب الكرسي إلا كحلقة في فلاة”، أي كخاتم في صحراء واسعة.
عظمة الله في خلقه:
رغم هذا الامتداد الهائل للكون، لا يغيب عن علم الله مثقال ذرة، قال تعالى: “وما تسقط من ورقة إلا يعلمها” (الأنعام: 59). الله يراك، ويسمع كلامك، ويعلم خفايا قلبك، عندما تقول: “الحمد لله رب العالمين”، تذكر عظمة الله في خلقه واتساع ملكه.
أحد الصالحين (وقيل إنه داود عليه السلام) قال: “يا ربي لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك”. فعضلت الملائكة ولم يعرفوا كيف يكتبون هذا الثناء، فقال الله: “اكتباها كما قال عبدي، وأنا أجزيه بها”.
الخلاصة:
عندما نقرأ سورة الفاتحة ونقول: “الحمد لله رب العالمين”، يجب أن نتأمل عظمة الله في خلقه، ونتذكر أنه لا يغيب عنه شيء في السماوات ولا في الأرض. هذا التأمل يزيد من يقيننا بعظمة الله وحكمته، ويدفعنا للإخلاص في العبادة والتوكل على العزيز الرحيم.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا فهم كتابه، والتدبر في آياته، والعمل بما يرضيه.