عن ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( حَدَّثَهُمْ أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ قَالَ : يَا رَبِّ لَكَ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلالِ وَجْهِكَ وَلِعَظِيمِ سُلْطَانِكَ ، فَعَضَّلَتْ بِالْمَلَكَيْنِ فَلَمْ يَدْرِيَا كَيْفَ يَكْتُبَانِهَا ، فَصَعِدَا إِلَى السَّمَاءِ وَقَالا : يَا رَبَّنَا إِنَّ عَبْدَكَ قَدْ قَالَ مَقَالَةً لا نَدْرِي كَيْفَ نَكْتُبُهَا . قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ – وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا قَالَ عَبْدُهُ – : مَاذَا قَالَ عَبْدِي ؟ قَالا : يَا رَبِّ إِنَّهُ قَالَ : يَا رَبِّ لَكَ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلالِ وَجْهِكَ وَعَظِيمِ سُلْطَانِكَ . فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمَا : اكْتُبَاهَا كَمَا قَالَ عَبْدِي حَتَّى يَلْقَانِي فَأَجْزِيَهُ بِهَا ) رواه ابن ماجه قال الشيخ أحمد شاكر في التفسير : إسناده جيد وضعفه الألباني.
(حَدَّثَهُمْ أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ ) في بعض الروايات أن القائل هو نبي الله داوود عليه السلام قال ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر: حدثنا علي بن الجعد قال: سمعت سفيان بن سعيد -يعني الثوري- وذكر داود عليه السلام فقال: الحمد لله حمدا كما ينبغي لكرم وجه ربي عز جلاله. فأوحى الله إليه: يا داود أتعبت الملائكة.
(فعضلت بالملكين ، فلم يدريا كيف يكتبانها) أي اشتدت على الملكين هذه الكلمة فلم يعلما مقدار ما يكتب لها من الثواب ليكتباه لقائلها والملائكة الكتبة يعلمون جيدا كيف يكتبون أجور الأعمال ، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، لكن حينما أرادوا تقدير ثواب هذا الحمد عجزوا عن تقديره ، لأن أجرها عظيم لا يعلمه إلا الله تعالى، ولم يطلعهما على مقداره .
(فَصَعِدَا إِلَى السَّمَاءِ وَقَالا : يَا رَبَّنَا إِنَّ عَبْدَكَ قَدْ قَالَ مَقَالَةً لا نَدْرِي كيف نقدر ثوابها ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ – وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا قَالَ عَبْدُهُ – : مَاذَا قَالَ عَبْدِي ؟ قَالا : يَا رَبِّ إِنَّهُ قَالَ : يَا رَبِّ لَكَ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلالِ وَجْهِكَ وَعَظِيمِ سُلْطَانِكَ . فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمَا : اكْتُبَاهَا كَمَا قَالَ عَبْدِي حَتَّى يَلْقَانِي فَأَجْزِيَهُ بِهَا) فهي تكتب هكذا كما قالها دون كتابة ثواب لها فإن الذي سيتولى تقدير ثوابها هو الله جل جلاله أكرم الأكرمين .
فما السر في ذلك ؟ هذا ما سنعرفه عند شرحنا لمعنى الذكر .
شرح الذكر
(يارب ) يجوز أن تكون بضم الباء على إعرابها منادى مفرد مبني على الضم ، وكسرهاعلى حذف ياء المتكلم لأن أصلها ياربي
(لك الحمد) وتقديم الجار والمجرور (لك)لإفادة الاختصاص فالحمد له وحده جل وعلا .
(كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ) هنا السر في عجز الملكين عن تقدير ثواب هذا الحمد
(جلال وجهك ) الجلال من جلّ الشيء إذا عظم وجلال اللّه عظمته وقدره، ويقال أمر جلل :معناه الأمر العظيم الذي لا طاقة للكل به ،فالمعنى حمدا كما يليق بعظمة الله سبحانه وتعالى.
فهو سبحانه صاحب الجلالة ، لأنه لا شرف ، ولا مجد ، ولا عزة ، ولا قوة ، إلا وهي له ، فهي له وبه ومنه ، و الجلال فيه معنى يتضمن التعظيم والتسبيح والخضوع ، و الجلال يعني التنزيه ، تقول : جل جلاله ؛ أيْ تنزهت ذاته عن كل نقص .
وجلال الله منزه عن الأنصار والأعوان :أحياناً يستمد الإنسان هيبته ممن حوله ، ومن أنصاره ، وأعوانه ، وجماعته ، ومن القوة التي بيده ، ومن الأشخاص الذين حوله ؛ لكن الله عز وجل منزه في جلاله عن الأعوان والأنصار.
أما الإنسان ؛ فجلالته قد تكون من ماله ، أو مكانته من علمه ، أو مكانته من سلطته ؛ هذه المكانة مشوبة ومفتقرة إلى شيء ؛ فجلال الله عز وجل منزه عن الأسباب ؛ لأنه ذو جلال بذاته من دون سبب منفصل عنه .
مثال :الظالم القذافي كان يحلو له أن يسمي نفسه بملك ملوك أفريقيا ، ظن أنه ملك الأرض ومن عليها , واعتبر الناس كالجرذان كما كان يخاطب معارضيه دوما ، فكان يستمد جلاله من جنده وحاشيته وأمواله ، فلما حيل بينه وبين ملكه جاءه أمر الله من حيث لا يحتسب واستخرجه الناس من ماسورة صرف صحي اختبأ فيها ، فأخرجوه منها متوسلا باكيا ذليلا يسترحم من لم يرحمهم يوما , يبكي لمن لم يسمع بكاءهم يوما .
(كما ينبغي لجلال وجهك )
قال تعالى : ( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون )- [الزمر/67]
( وما قدروا الله حق قدره ) ما عظموه التعظيم اللائق بجلاله .
ويقول أبو موسى الأشعري قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، فَقَالَ: ( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ ، لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ) رواه مسلم
” يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ”: القسط هو العدل، والذي ينخفض ويرتفع هو الموزون، وسمي الميزان قسطاً لأنه بالميزان يقع العدل، فمن عمل ما يستحق الرفع رفعه، ومن عمل ما يستحق الخفض خفضه.
” حِجَابُهُ النُّورُ “ الحجاب في اللغة المانع والساتر، وحقيقة الحجاب إنما تكون للأجسام المحدودة، والله تعالى منزه عن الجسم والحد، فالمراد منه هنا المانع من رؤيته، وسمي ذلك المانع نورا، لأنهما يمنعان من الإدراك في العادة لشعاعهما.
” سُبُحَاتُ وَجْهِهِ “السبحات بضم السين والباء جمع سبحة، ومعنى سبحات وجهه نوره وجلاله وبهاؤه، والمراد بالوجه الذات
“مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ”:والمراد بما انتهى إليه بصره جميع المخلوقات، لأن بصره سبحانه وتعالى محيط بجميع الكائنات، والتعبير مقصود منه التقريب إلى الأذهان، كقوله تعالى: { مثل نوره كمشكاة فيها مصباح } [النور:35]
ومعنى الحديث : إن الله جل شأنه لا ينام ، وكيف ينام مدبر السموات والأرض؟ يرفع أقواما ويخفض آخرين ، يرفع إليه عمل عباده على كثرتهم، وشتات أعمالهم، يرفع إليه عمل الليل عند انتهاء الليل، وعمل النهار عند انتهاء النهار، وهو أعلم بها قبل رفعها،وسع نوره السموات والأرض، حجب جلاله عن أبصار خلقه، لو أزال المانع من رؤيته، وتجلى لخلقه، لأحرق جلال ذاته جميع مخلوقاته لأنهم لا يقدرون على رؤيته، ومن كان هذا شأنه وجبت مراقبته، وحقت عبادته، ولزم الخوف من عقابه.
هل رأى النبي ربه ليلة المعراج ؟
في هذه المسألة قولين :
1- أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يرَ ربَّه في ليلة المعراج، وهو قول جمهور الصحابة؛ منهم: عائشة، وأبو هريرة، وابن مسعود، وإليه ذهب أحمد في إحدى الروايتين عنه، وهو الراجح – والله أعلم – فقد ثبت عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ وَهُوَ يَقُولُ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ … ) رواه البخاري
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ قَالَ: ( نُورٌ أَنَّى أراه ) رواه مسلم ،ومعناه: حجابه نورٌ، فكيف أراه؟ ومعناه: أن النور مَنعنِي من الرؤية، كما جرت العادة بإغشاء الأنوار الأبصار، ومنعها من إدراك ما حالتْ بين الرائي وبينه.
2- أن النبي – صلى الله عليه وسلم – رأى ربَّه ليلة المعراج، وهو ثابت عن ابن عباس، وأنس، وإليه ذهب عكرمة، والحسن، والربيع بن سليمان، وابن خزيمة، وكعب الأحبار، والزهري، وعروة بن الزبير، ومعمر، والأشعري، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، ورجَّحه النووي؛ مستدلين بقوله – تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ﴾ [النجم: 13]. والاستدلال بالآية فيه نظر؛ لأن المراد بالرؤية في الآية رؤية جبريل – عليه السلام – وهذا ما قاله قتادة، والربيع بن أنس
ومن الممكن أن يقال: إن مَن أثبت الرؤية، فهو محمول على الرؤية القلبية، كما هو ثابت عن ابن عباس – رضي الله عنه – قال: “رآه بقلبه”، وفي رواية: “رآه بفؤاده مرتين”، وهذا ما رجَّحه ابن حجر، وهو ظاهر كلام ابن تيمية، حيث قال:رحمه الله : وأما الرؤية فالذى ثبت فى الصحيح عن ابن عباس انه قال راى محمد ربه بفؤاده مرتين ، وعائشة أنكرت الرؤية . فمن الناس من جمع بينهما فقال عائشة أنكرت رؤية العين وابن عباس أثبت رؤية الفؤاد ، والألفاظ الثابتة عن ابن عباس هى مطلقة أو مقيدة بالفؤاد ، تارة يقول راى محمد ربه ، وتارة يقول رآه محمد ، ولم يثبت عن ابن عباس لفظ صريح بأنه رآه بعينه .
وكذلك الامام أحمد تارة يطلق الرؤية وتارة يقول رآه بفؤاده ولم يقل أحد أنه سمع أحمد يقول رآه بعينه ، لكن طائفة من أصحابه سمعوا بعض كلامه المطلق ففهموا منه رؤية العين ، كما سمع بعض الناس مطلق كلام ابن عباس ففهم منه رؤية العين وليس فى الادلة ما يقتضى أنه رآه بعينه ولا ثبت ذلك عن أحد من الصحابة ولا فى الكتاب والسنة ما يدل على ذلك بل النصوص الصحيحة على نفيه أدل كما فى صحيح مسلم عن أبى ذر قال سألت رسول الله هل رأيت ربك فقال نور أنى أراه . وقد قال تعالى : ( سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا ) ولو كان قد أراه نفسه بعينه لكان ذكر ذلك أولى ، وكذلك قوله : أفتمارونه على ما يرى لقد رأى من آيات ربه الكبرى . ولو كان رآه بعينه لكان ذِكْرُ ذلك أولى .
قال : وقد ثبت بالنصوص الصحيحة واتفاق سلف الامة انه لا يرى الله أحد فى الدنيا بعينه الا ما نازع فيه بعضهم من رؤية نبينا محمد خاصة واتفقوا على أن المؤمنين يرون الله يوم القيامة عيانا كما يرون الشمس والقمر . أهـ والله أعلم
(وعظيم سلطانك )
يقول سبحانه: (ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض)البقرة 107، وقال تعالى : (لله ملك السماوات والأرض والله على كل شيء قدير) آل عمران 189
إن عظمة ملك الله لا يعلمها إلا الله – جل وعلا -، ولكن الله – جل وعلا – بين لنا ما يدل على عظمته بقدر ما تتسع له عقولنا وإلا فإن عظمة الله – تعالى -لا يحيط بها ولا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى قال تعالى : ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ﴾ )البقرة: 255)
قال ابن كثير – رحمه الله -: “أيْ: لا يطَّلع أحدٌ مِن علْم الله على شيء إلا بما أعلمه الله – عز وجل – وأطْلَعه عليه، ويحتمل أن يكون المرادُ: لا يطَّلِعون على شيء من علم ذاتهِ وصفاتهِ إلا بما أطْلعهم الله عليه، كقوله: ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ﴾ طه: 110″ اهـ كلامه – رحمه الله.
وقد جاء في آية الكرسي قوله عز وجل: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}[البقرة: 255].
وإذا كان كرسي الله الذي هو موضع قدميه سبحانه قد وسع السماوات والأرض فما نسبته للعرش؟ ثم ما نسبة العرش لله سبحانه؟!!
وفي حديث أبي ذر الغفاري الطويل أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، فأيُّ ما أنزل الله عليك أعظم؟، قال: (آية الكرسي) ثم قال: (يا أبا ذر، ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة)
إن الناظر إلى الكون وما يحويه من كواكب عظيمة وأفلاك ضخمة بعد تطور أجهزة الأرصاد والكشف وتقريبها للبعيد ليرى العظمة التي يحار دونها العقل! إذا كانت هذه الأرض التي تعيش عليها الكائنات الحية ما هي إلا كذرة في الكون ! فكيف إذا قورنت الأرض الصغيرة المعلقة في الهواء بالمجموعة الشمسية!!!
ثم ما النسبة إذا قورنت هذه المجموعة بالمجموعات الأخرى؟!
وكل هذه المخلوقات ما هي إلا من مكونات السماء الدنيا!!!
فكيف بالسماوات الأخرى وما تحويها من عجائب لا يعلمها إلا الله؟
هل هناك عالم غير مرئي لنا ؟
نعم فهذا الكون الفسيح بمجراته وأفلاكه لم يخلقه الله عبثا ولا سدى ؛ فهذا الكون كما قال بعض علماء الفلك كمكتبة فيها مليون مجلد الأرض بالنسبة للكون تمثل نقطة فوق حرف في كتاب من كتب هذه المكتبة !!!
وقال تعالي :وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (٢٩)الشورى
وقال (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) النحل
فهاتين الآيتين تدلان على أن هناك خلقا لا نراهم ولا نعلم عنهم شيئا غير الجن والإنس والملائكة والدليل على ذلك أن لفظة دابة ليس المراد بها الملائكة لأنها جاءت معطوفة عليها كما في الآية الثانية والعطف يفيد التغاير فمثلا نقول جاء محمد وأحمد فنحن نخبر عن شخصين متغايرين بخلاف لوقلت جاء محمد أحمد فأنت تخبر عن شخص واحد فالدواب التي تسجد في السموات لا شك أنها غير الملائكة
ونريد أن نصل بهذا إلى أن الله رب العالمين رب كل شئ نراه أو نؤمن به أو خفي عنا علمه وحقيقته وندرك مدى عظمة الله رب العالمين .
يقول الدكتور حسني حمدان (وكوننا الذي نراه عظيماً في اتساعه واتساقه يمثل دائرة نصف قطرها 30 ألف مليون سنة ضوئية ( بمعنى أننا لو بدأنا السفر من أقصى نقطة في الكون بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية وهى السرعة الكونية العظمى، فسنحتاج إلى 30 مليار سنة لنصل إلى أقصى نقطة في الطرف الآخر من الكون).
وعلماء الكون يتساءلون بشدة هل يوجد عالم غير عالمنا المرئي، وما هي أبعاد الأكوان إن وجدت، إننا لا نراها ولكن ربما تكون موجودة، حقا إننا لا نرى كل موجود، ولا نبصر كل كائن، ورب العالمين يقول:” فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لَا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ” الحاقة: 38-40
ويتنادى علماء الكون بأن كوننا قد يكون برمته مجرد غشاء رقيق في الفضاء الكامل الأبعاد ، وتثار في الأوساط العلمية اليوم كثير من الأسئلة المحيرة حول وجود عوالم أخرى في ذلك الخلق العظيم.
ومن عينة تلك الأسئلة هل توجد عوالم تحكمها قوانين غير متطابقة مع القوانين التي تسود عالمنا؟ أين يسافر الضوء بسرعة أكبر؟ أين تكون الجاذبية أقوى مما نعرف؟ وأين تكون الرابطة النووية ضعيفة؟ وأين توجد كهارب (إلكترونات) أقل في الشحنة؟ وأين توجد أكوان مختلفة عن كوننا؟ وأين تختفي العناصر الكيميائية فيما عدا الأيدروجين والهليوم؟ أين يوجد العالم الخالي من النجوم؟ وأين توجد الذرات التي تتكون من البروتونات المضادة والنيترونات المضادة التي تدور حولها البوزوترونات؟ وأين يرتد الزمن إلى الوراء؟ أين تتوحد القوى؟
ويعتقد كثير من العلماء بوجود عوالم أخرى غير عالمنا، ومنهم ماكس تجمارت وجون كريمر وسوزان ويلز ودافيد هويتاويس.
الرابط / مشاهدات كونية
لا يغيب عنه شيء :
ومع هذا الملك الواسع فإنه سبحانه لا يغيب عنه شيء ، قال تعالى ( يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)لقمان: 16
و”المِثْقال”: ما يُقَدَّر به الثِّقَل، يعني: ما يُوزَن به الشيءُ.
و”الخَرْدَل” نباتٌ له ساق وله أوراق، لكن حبوبه صغيرة جدًّا في نهاية الدقة ؛ الواحدة منه تسمى “خَردلة”.
ومعنى الآية : لو كانت حبة الخردل في داخل صخرة صُّلبة صَّمَّاء ، أو كانت في مكان أعزَّ مَنالًا فَسِيحًا لا يُدْرَى بها فيه كالسموات ، أو تكن في أي مكان في الأرض يَأْتِ بِهَا اللَّهُ.
فكلُّ ذلك في جَنْب علم الله تعالى سواءٌ؛ سواء كانت في أي مكان من العالم العلوي أم السفلي، كما قال – سبحانه وتعالى – عن نفسه: ( لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) [سبأ: 3].ومعنى لا يعزب : لا يغيب
وكونُه – سبحانه وتعالى – يأتي بها فذلك دليلٌ التمكُّن، ودليل العلم التام؛ لأن الإتيان بأدق الأجسام من أقصى الأمكنة وأعمقها وأصلبها لا يكون إلا عن عِلمٍ بكونها في ذلك المكان، وعن عِلم بأسلوب استخراجها سليمةً من ذلك المكان. فالمعنى الأول: أنه لا يأتي بها إلا وهو عالِمٌ بمكانها، أليس كذلك؟ والمعنى الثاني: أنه لا يأتي بها إلا وهو قادِرٌ على الإتيان بها.
من أجل ذلك عجزت الملائكة عن تقدير ثواب هذا الحمد …. فالذي يعلم ثوابه هو الله وحده ….. أكرم الأكرمين هو الذي سيتولى العطاء .
(اكْتُبَاهَا كَمَا قَالَ عَبْدِي حَتَّى يَلْقَانِي فَأَجْزِيَهُ بِهَا )
فإذا تولى الكريم سبحانه وتعالى الجزاء والهدية والعطية، فاعلم أنها لا منتهى لها ، فتصور لو أن ملكاً من ملوك الدنيا قال لعامله: كافئ فلاناً فإنه قد خدمنا، فإن مكافأة هذا العامل محدودة ولا شك، لكن لو قال العامل لهذا الملك: هل أكافئ فلاناً؟ فقال له الملك: لا، دعه، فأنا سأكافئه، فكيف ستكون الفرحة لدى هذا العامل الذي عمل وخدم هذا الملك قبل أن يقبض الهدية؟
فرحة عظيمة، وقلَّ أن يكون هناك ملك من ملوك الدنيا بخيلاً؛ لأن البخل يتنافى مع الملك، فتصور لو أن ملكاً من ملوك الدنيا كافأ رجلاً من شعبه، فلا بد أن تكون هذه المكافأة عظيمة جداً.