هل يلزم قراءة القرآن بفهم؟
القرآن الكريم وعظمته في اللغة العربية
أنزل الله سبحانه وتعالى كتابه الكريم بلسان عربي مبين، ووصفه في كتابه العزيز بقوله: “قرآنًا عربيًّا غير ذي عوج لعلهم يتقون” (الزمر: 28)، وقال أيضًا: “بلسان عربي مبين” (الشعراء: 195). فكان القرآن الكريم خير كتاب أنزله الله، وجاء بأفصح لسان، وأبلغ بيان.
اللغة العربية تمتاز بدقة التعبير ووضوح المعاني وسعة المفردات، وهذا ما جعلها لغة القرآن. إذا حاولنا نقل هذه الدقة إلى لغة أخرى، فلن تستطيع أي لغة أخرى أن تبلغ نفس مستوى التعبير القرآني.
ولهذا السبب جاء التحدي في كتاب الله موجهًا إلى العرب، أهل الفصاحة والشعر والبلاغة، حيث قال تعالى: “فأتوا بسورة من مثله” (البقرة: 23).
في مجال الشعر، قد يأتي شاعر بقصيدة فيرد عليه شاعر آخر بأبلغ منها، مستخدمًا نفس البحر والقافية، لكن مع القرآن الكريم، فإنه بلغ من الإعجاز والبيان والفصاحة مستوى تعجز جميع العقول عن الإتيان بمثله. وهذا دليل واضح على أنه كلام الله سبحانه وتعالى.
فواتح السور والإعجاز القرآني:
أما الحروف المقطعة التي وردت في بدايات بعض السور، مثل: (الم)، (حم)، (طس)، فقد تحدث عنها العلماء بتفسيرات متعددة. ومن أقوى هذه الأقوال ما رجحه الإمام ابن كثير رحمه الله، وهو أن هذه الحروف هي تحدٍ من الله عز وجل للعرب؛ فالقرآن الكريم نزل باستخدام هذه الأحرف التي يعرفها العرب ويتحدثون بها، لكنه صيغ بأسلوب معجز لا يستطيع أحد الإتيان بمثله.
فرغم أن هذه الأحرف مألوفة، إلا أنها عندما صيغت في شكل آيات القرآن اكتسبت القدسية والعظمة لأنها من كلام الله وليست من كلام البشر.
ضعف اللسان العربي اليوم وأثره على فهم القرآن:
من المشكلات التي نعاني منها اليوم في فهم القرآن، العجمة التي أصابت ألسنتنا… خلال القرن الماضي، تعرضت بلادنا العربية للاحتلال الأوروبي (الفرنسي، الإنجليزي، الإيطالي)، مما أدى إلى إحلال بعض اللغات الأجنبية مكان العربية، فدخلت كلمات دخيلة في لهجاتنا العامية، وتراجعت الفصحى عن الاستخدام اليومي.
شعوب شمال إفريقيا، على سبيل المثال، لم تكن تتحدث العربية قبل الإسلام، بل تعلمتها من الصحابة والتابعين الذين فتحوا هذه البلاد، مع مرور الوقت، ورث الأجداد اللغة والدين ونقلوهما إلى الأجيال اللاحقة… لكن مع مجيء الاستعمار، تم إحلال لغات المستعمر وثقافاته، فأصبحت هناك فجوة بين اللغة العربية الفصحى ولهجاتنا اليومية.
من أمثلة هذه الظاهرة، أن الكثير من العرب المقيمين في الغرب يتحدثون طوال اليوم بلغات أجنبية كالفرنسية أو الإنجليزية، مما يجعل عودتهم لاستخدام العربية الفصحى أمرًا صعبًا.
تجد الواحد منهم يحاول استحضار الكلمات العربية، لكنه يواجه صعوبة في التعبير، لأن تفكيره اليومي وتعاملاته كلها بغير العربية.
طرفة عن اختلاف اللهجات:
أذكر موقفًا طريفًا عن اختلاف اللهجات. كنا نصلي التراويح، وبعد انتهاء الصلاة، قال أحد الإخوة من الأردن: “أنا هسّه رايح أنام” فسأله أحد الحاضرين: “هسّه يعني إيه؟” فأجاب: “يعني الآن”.
وبدأ الحاضرون يذكرون مرادف الكلمة في لهجاتهم. فقال التونسي: “تُوَّا”، والجزائري: “درك”، والمغربي: “دابا”، والمصري (وأنا منهم): “دلوقتي”، واللبناني: “هلا”. فقلت لهم: “والله اللغة العربية راحت بين دابا ودرك وتوًّا وهسّه وهلا!”
هذا الموقف يعكس كيف تباينت اللهجات حتى فقدنا إدراك المعاني الأصلية للغة العربية الفصحى.
تقوية الفهم اللغوي للقرآن:
لنستعيد فهمنا العميق للقرآن الكريم، علينا دراسة كلمات القرآن ومعانيها وتركيبها اللغوي.
الهدف من هذه المبادرة هو تقوية حصيلتنا اللغوية من خلال تفسير كلمات القرآن وتوضيح معانيها.
بهذه الطريقة، سنتمكن من قراءة القرآن بفهم ووعي وإدراك أعمق لكلام الله عز وجل.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بالقرآن العظيم، وأن يجعلنا من أهله وخاصته، الذين هم أهل الله وخاصته.
اللهم آمين.