من هو المشاحن الذي لا يغفر الله له ؟

تاريخ الإضافة 20 February, 2024 الزيارات : 4843

من هو المشاحن الذي لا يغفر الله له ؟

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله ليطلع ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن) رواه ابن ماجة، وحسنه الألباني.

 وفي الحديث عن أبي هريرة : (تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ
، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا) رواه مسلم 
 معنى اطلاع الله تعالى عباده ليلة النصف من شعبان:
أخبر الله تعالى  أنه مطلع على أحوال عباده أجمعين، صغيرها وكبيرها، فقال تعالى:{ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم} [المجادلة 7]
وقال تعالى:  {وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار} [ الأنعام 60]
فالله عز وجل مطلع على أحوال عباده دائما ، وأما الحديث الذي معنا الذي يعلمنا باطلاع الله تعالى في ليلة النصف من شعبان على عباده إنما هو تذكير للإنسان، فهي موعظة توقظ الغافل.
ما السر في استثناء المشرك والمشاحن من المغفرة؟
في هذا الحديث بيان عموم مغفرة الله تعالى لجميع الخلق إلا من استثني، وهم صنفان: مشرك، ومشاحن.
فأما المشرك فهو الذي عبد غير الله تعالى، بأي نوع من أنواع العبادة، فمن أشرك بالله استحق العقوبة وهي: عدم المغفرة، والخلود في النار، كما قال تعالى:{إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار} [المائدة72 ]
من هو المشاحن؟
والمشاحن قال ابن الأثير: هو المعادي، والشحناء العداوة، والتشاحن تفاعل منه.
وقال الأوزاعي: أراد بالمشاحن هاهنا صاحب البدعة المفارق لجماعة الأمة”
وقال ابن عبد البر في التمهيد “..فالشحناء العداوة”
وفي عون المعبود شرح سنن أبي داود ” الشحن أي عداوة تملأ القلب”
فالمشاحن هو :المباغض، والمخاصم، والمقاطع، والمدابر، والحاقد، والحاسد، فكل هذه أوصاف للشحناء، وهي مفسدة لذات البين، مقطعة للصلات والأرحام، وقد جاء في الحديث:( دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد، والبغضاء، وهي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين، والذي نفسي بيده لاتدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على ما تتحابون به؟، أفشوا السلام بينكم) [ رواه الترمذي ].
 
فالوصف المشترك بين الشرك والشحناء أن كليهما يحلق الدين ويفسده، والفرق أن الشرك يبطل الدين فلا يبقي منه شيئا، أما الشحناء فتهتكه وتتركه بلا روح، وإن لم تجتث أصله..
وذلك أن مبنى العبادات في الإسلام على الاجتماع، كالصلاة في جماعة، وفريضة الحج لا تكون إلا باجتماع، والصيام الفرض في وقت واحد في شهر واحد للجميع، والزكاة فريضة اجتماعية…. وهكذا.
فكل الشعائر شرعت جماعية، لم يخص بها فرد دون آخر، وكلها تؤدى جماعة بأوقات متحدة، وبأحكام واحدة، فلا بد إذن في إيقاعها والقيام بها من اجتماع، وأساسه التآلف والمحبة، فإذا انتفى التآلف تضررت تلك العبادات، بعضها بالنقصان والخلل، وبعضها بالزوال والترك.
 
فلا تجد المتباغضين يجتمعون للصلاة في صف واحد، جنبا إلى جنب؟
ولا تجد المتباغضين يعطف بعضهم على بعض بصدقة أو إحسان؟
و لا تجد المتباغضين يجتمعون على دعوة أو أمر بمعروف ونهي عن منكر ؟
فالشرك مفسد لعلاقة الإنسان بربه…
والشحناء مفسدة لعلاقته بإخوانه المؤمنين، وإذا فسدت علاقته بربه وبإخوانه لم يبق له من دينه شيء، فكيف يغفر الله له؟
وإذا فسدت علاقته بإخوانه هتك دينه وأضرّ به، لذا حرم فضل تلك الليلة المباركة.
 سئل النبي صلى الله عليه وسلم : “أيُّ الناسِ أفضلُ؟ فأجاب: «كلُّ مخمومِ القلبِ، صدوقِ اللسانِ»، قالوا: صدوقُ اللسانِ نعرفُهُ، فما مخمومُ القلبِ؟ قال: «هو النقيُّ التقيُّ، لا إثمَ عليهِ، ولا بغيَ، ولا غلَّ، ولا حسدَ»” صححه الألباني.
ما هي الذنوب التي لا تغفر بسبب الشحناء ؟
والذي يظهر في معنى الحديث الشريف : أن الذنوب التي لا تغفر بسبب استمرار “الشحناء” هي “نفس الشحناء” التي بين المتهاجرين فقط ، فإن الله لا يتفضل على المتشاحنين بمغفرة هذا الذنب ، إلا أن يتوبا عنه ، ويرجعا إلى ما كانا عليه .
ففي هذه المشاحنة ، والهجران ذنبان: ذنب يتعلق بحق الله سبحانه، وآخر يتعلق بحق العبد، فإذا اصطلحا وتسامحا غفر الله لهما ما يتعلق بحقه أيضا سبحانه، أما إذا لم يصطلحا ولم يتسامحا، لم يغفر لهما، لا من جهة حق العبد ولا من جهة حق الله عز وجل.
أما الذنوب الأخرى التي بين العبد وربه، فلا شأن لها بالشحناء، فمن كان بينه وبين أخيه شحناء ، وتاب إلى الله تعالى من ذنب آخر كالكذب مثلا ، فإن الله تعالى يتوب عليه.
حكم المشاحنة في الإسلام
 هجر المسلم لأخيه لا يجوز ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحل لرجل أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث ، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ) رواه البخاري ومسلم  .
فإذا حصل خلاف أو تشاحن أو غضب بين مسلمين فلا يجوز هجر أحدهما للآخر أكثر من ثلاث ليال وجعلت الثلاث حداً لانتهاء الغضب وسكونه لأن الآدمي مجبول على الغضب فسمح بذلك القدر ليرجع إلى رشده بعد زوال غضبه .
والهجر يرتفع حكمه بالسلام ، فإذا سلم شخص على شخصٍ ، فقد زال الهجر؛ للحديث السابق ” وخيرهما الذي يبدأ بالسلام “
من أقوال السلف :
1- يقول ابن عباس رضي الله عنهما: “إني لأسمع أن الغيث قد أصاب بلدًا من بلدان المسلمين فأفرح به، ومالي به سائمة”.
2- ودخلوا على أبي دجانة رضي الله عنه وهو مريض فرأوا وجهه يتهلل (من السرور) فكلموه في ذلك فقال: “ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، والأخرى كان قلبي سليمًا للمسلمين”.
3- أماعُلبة فإنه لما دعا النبي إلى النفقة ولم يجد ما ينفقه بكى وقال: “اللهم إنه ليس عندي ما أتصدق به، اللهم إني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها من مال أو جسد أو عرض، ثم أصبح مع الناس. فقال النبي : “أين المتصدق بعرضه البارحة؟” فقام عُلبة رَضي الله عنه، فقال: النبي : “أبشر فوالذي نفسُ محمد بيده لقد كُتبت في الزكاة المتقبلة”.صححه الشيخ الألباني في فقه السيرة(ص: 405).

4- عن ربيعة رضي الله عنه قوله (… وأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضا وأعطى أبا بكر أرضا فاختلفنا في عذق نخلة قال وجاءت الدنيا فقال أبو بكر هذه في حدي فقلت لا بل هي في حدي قال فقال لي أبو بكر كلمة كرهتها وندم عليها …

قال : فقال لي: يا ربيعة قل لي مثل ما قلت لك حتى تكون قصاصا .

قال : فقلت: لا والله ما أنا بقائل لك إلا خيرا .

قال: والله لتقولن لي كما قلت لك حتى تكون قصاصا وإلا استعديت عليك برسول الله صلى الله عليه وسلم !!

قال فقلت لا والله ما أنا بقائل لك إلا خيرا.

 قال فرفض أبو بكر الأرض وأتى النبي صلى الله عليه وسلم جعلت أتلوه فقال أناس من أسلم يرحم الله أبا بكر هو الذي قال ما قال ويستعدي عليك؟  قال فقلت أتدرون من هذا؟ هذا أبو بكر هذا ثاني اثنين هذا ذو شيبة المسلمين إياكم لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيغضب لغضبه فيغضب الله لغضبهما فيهلك ربيعة .

قال فرجعوا عني وانطلقت أتلوه حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقص عليه الذي كان قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ربيعة ما لك والصديق؟

قال فقلت مثل ما قال كان كذا وكذا فقال لي قل مثل ما قال لك فأبيت أن أقول له.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجل فلا تقل له مثل ما قال لك ، ولكن قل يغفر الله لك يا أبا بكر قال فولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو يبكي ) .

5- ووقعت جفوة بين الحسين وأخيه محمد بن الحنفية فكتب ابن الحنفية إليه : ( بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن علي بن أبي طالب إلى الحسين بن علي بن أبي طالب . .
أما بعد : فإن لك شرفا لا أبلغه ، وفضلا لا أدركه ، أبونا ” علي ” رضي الله عنه لا أفضلك فيه ولا تفضلني وأمك فاطمة بنت رسول الله . . ولو كان ملء الأرض نساء مثل أمي ، ما وافين بأمك ، فإذا قرأت رقعتي هذه فالبس رداءك ونعليك وتعال فترضني ، وإياك أن أسبقك إلى هذا الفضل الذي أنت أولى به مني والسلام) .
فعلم الحسين أن أخاه يذكره بقول الرسول : ” لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال ، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا ، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ” فسارع الحسين رضي الله عنه وذهب إلى أخيه فترضاه .

حكم الهجر في الله؟
ويستثنى من تحريم الهجر كما ذكر أهل العلم عدة أشخاص :
1- هجر العاصي :
من كان في هجره مصلحة كصاحب المعصية إذا عُلم أن هجره فيه مصلحة له أو لغيره ، كأن يترك المعصية ، ولا يغتر به غيره ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهجران كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع رضي الله عنهم .
 والعداوة والهجران و التباغض في الله ليست من هذا التشاحن المذموم المانع من المغفرة، لأن هذا محمول على العداوة لحظ النفس، أما ما كان لله تعالى فلا تمنع من المغفرة، و قد جاء الأمر بها قال صلى الله عليه و سلم : (أفضل الحب الحب لله و أفضل البغض البغض في الله)
قال الإمام المنذري رحمه الله في الترغيب و الترهيب : قال الامام أبو داود : إذا كانت الهجرة لله فليس من هذا بشيء؛ فإن النبي صلى الله عليه و سلم هجر بعض نسائه أربعين يوما، و ابن عمر هجر ابنا له إلى أن مات. 

 وروى الإمام أحمد أن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يمنعن رجل أهله أن يأتوا المساجد . فقال ابن لعبد الله بن عمر : فإنا نمنعهن . فقال عبد الله : أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول هذا ؟ قال : فما كلمه عبدالله حتى مات ) وإسناده صحيح كما قال الشيخ الألباني .

قال ابن عبد البر : وفي حديث كعب هذا دليل على أنه جائز أن يهجر المرء أخاه إذا بدت له منه بدعة أو فاحشة يرجو أن يكون هجرانه تأديباً له وزجراً عنها .

وقال  – أيضاً – : أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث إلا أن يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دينه أو يولد به على نفسه مضرة في دينه أو دنياه ، فإن كان كذلك رخص له في مجانبته ، ورب صرم جميل خير من مخالطة مؤذية” .

وقال أبو العباس القرطبي : فأما الهجران لأجل المعاصي والبدعة فواجب استصحابه إلى أن يتوب من ذلك ولا يختلف في هذا .

والذي ينبغي أولا إذا ارتكب أحدهم محرّماً يجب مناصحته وبيان حرمة هذا الأمر وأنه لا يجوز ، وتذكّيره بالله ، فإذا رأينا منه تمادياً على هذه المعصية ورأينا أن المصلحة في هجره فهذا حكمه الجواز كما سبق.

والواجب على المسلم أن يكون واسع الصدر ، ناصحاً لإخوانه ، وأن يتحمّل منهم ويغض الطرف عن هفواتهم ، لا أن يستعجل في اتخاذ حل قد يكون سبباً للقطيعة والهجر المحرّم .

2- هجر أهل الأهواء والبدع والفسوق :

لأن الحب والبغض في الله واجب ولما في ذلك من الحث على الخير والتنفير من الشر والفسوق

قال العلماء: “والحاصل أنه يجب هجر من كفر أو فسق ببدعة أو دعا إلى بدعة مضلة أو مفسقة وهم أهل الأهواء والبدع المخالفون فيما لا يسوغ فيه الخلاف، كالقائلين بخلق القرآن، ونفي القدر، ونفي رؤية الباري في الجنة والمشبهة والمجسمة، والمرجئة الذين يعتقدون أن الإيمان قول بلا عمل، والجهمية والإباضية والحرورية والواقفية، واللفظية، والرافضة، والخوارج، وأمثالهم لأنهم لا يخلون من كفر أو فسق. قاله في المستوعب.

قال الخلال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق الثقفي النيسابوري إن أبا عبد الله رضي الله عنه سئل عن رجل له جار رافضي يسلم عليه، قال لا وإذا سلم عليه لا يرد عليه.

وقال ابن تميم: وهجران أهل البدع كافرهم وفاسقهم، والمتظاهر بالمعاصي، وترك السلام عليهم فرض كفاية، ومكروه لسائر الناس.

قال الإمام أحمد: “إذا سلم الرجل على المبتدع فهو يحبه”، قال النبي صلى الله عليه وسلم «ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم».أخرجه مسلم 

وظاهر كلام الإمام أحمد ترك السلام والكلام مطلقاً.

وقال القاضي أبو حسين في التمام: “لا تختلف الرواية في وجوب هجر أهل البدع وفساق الملة”.

وظاهر إطلاقه لا فرق بين المجاهر وغيره كالمبتدع والفاسق فينبغي لك إن كنت متبعاً سنن من سلف أن كل من جاهر بمعاصي الله لا تعاضده ولا تساعده ولا تقاعده ولا تسلم عليه بل اهجره.غذاء الألباب للسفاريني 1/ 259.

3-هجر الظالم والدعاء عليه :

العفو وعدم العفو حق للمظلوم، ومن حقّ كل مظلوم أن يطالب بحقّه في الدنيا وفي الآخرة، كما أنّ باستطاعته أن يعفو عمّن ظلمه، ولا يسمى المظلوم صاحب الحق متشاحنا ولا يشمله هذا الحديث الذي معنا .

وربّنا سبحانه عدل، وبين يديه يُقاد للشاة الجلحاء التي لا قرون لها من الشاة القرناء التي ظلمتها ونطحتها بقرونها، فكيف بالظلم الواقع بين البشر! وويل ثم ويل لمن يظلم النّاس أو يتهمهم ظلمًا.

ولا حرج في الدعاء على الظالم؛ لما ثبت من دعائه صلى الله عليه وسلم على الذين غرروا بأصحابه عند بئر معونة من قبائل رعل وذكوان، وبني لحيان، وعصية، فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم دعا عليهم ثلاثين صباحاً، والقصة في صحيح البخاري، كما صح أنه كان يدعو على مضر.

وفي القرآن الكريم عن موسى عليه الصلاة والسلام: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ [يونس:88].

وقد ثبت في الحديث استجابة دعاء المظلوم على ظالمه كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حين يفطر، ودعوة المظلوم، يرفعها الله فوق الغمام، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب -عز وجل-: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين. رواه الترمذي وغيره، وصححه الألباني.

وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم- قال: إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من ودعه الناس أو تركه الناس اتقاء فحشه. وفي رواية :..اتقاء شره.

لقول الله تعالى: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ {النساء: 148} ” وفسرها ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بقوله: لا يحب الله أن يدعوَ أحدٌ على أحد، إلا أن يكون مظلومًا، فإنه قد أرخَص له أن يدعو على من ظلمه، وذلك قوله: إِلَّا مَنْ ظُلِمَ، وإن صبر فهو خير له.

وقال الشيخ: السعدي ـ رحمه الله: إِلا مَن ظُلِمَ أي: فإنه يجوز له أن يدعو على من ظلمه ويشتكي منه، ويجهر بالسوء لمن جهر له به، من غير أن يكذب عليه ولا يزيد على مظلمته، ولا يتعدى بشتمه غير ظالمه، ومع ذلك، فعفوه وعدم مقابلته أولى، كما قال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ.انتهى من تفسير: تيسير الكريم الرحمن: للسعدي.

وقوله تعالى: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:41-43}

ولخطر دعوة المظلوم كان يتعوذ منها النبي صلى الله عليه وسلم، فعن عبد الله بن سرجس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سافر يتعوذ من وعثاء السفر وكآبة المنقلب والحور بعد الكون ودعوة المظلوم وسوء المنظر في الأهل والمال.رواه مسلم.

4- من كانت صلته تجلب الأذى والضرر:

إن كان هناك من كانت صلته  يترتب عليها ضرر محقق،سواء كان قريبا ذي رحم أو شخصا آخر ، فلا إثم  في قطيعته حينئذ.

قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت ‏مكالمته تجلب نقصاً على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه أو دنياه، فرب ‏هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. اهـ.

لكن لا شك أن من وصل ذوي رحمه المسيئين، فإن الله عز وجل يعينه عليهم ويكفيه إياهم، فعن أبي هريرة: أن رجلًا قال: يا رسول الله: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليّ، فقال: لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل, ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. أخرجه مسلم.

والأعلى من ذلك دفع شر من أساء إليك بالإحسان إليه ما استطعت، فالإحسان يصير العدو وليا، كما قال الله سبحانه: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}.

5- الزوجة الناشز:

ويجوز الهجر فوق ثلاث للزوجه الناشز إلا أن هجرها لا يكون إلا في المضجع، وليس في ‏كل الأحوال، كما قال تعالى ( واهجروهن في المضاجع ) [ النساء :34] بعد العظة ‏والنصيحة وبالجملة فإن الهجر علاج، ولا يصار إليه إلا إذا تحقق أو غلب على الظن أن ‏هجر المهجور أنفع – في الجملة – من وصله، فإن كان العكس لم يشرع الهجر، لأن ‏الحكم يدور مع علته وجوداً ‏وعدماً.‏ 

 


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 14 May, 2024 عدد الزوار : 989 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن العظيم

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

أحدث المقالات

“لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ… “

حقوق آل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم-

فضل الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم

الرد المبين على منكري سنة النبي الأمين

ماذا كتب مايكل هارت عن الرسول في كتابه الخالدون مئة؟

قدر الحبيب النبي عند الرب العلي

لماذا نحتفل بميلاد الرسول ؟

محمد النبي الإنسان

يا محب الرسول عليك بخمسة أمور

“وإنك لعلى خلق عظيم”

الرسول صلى الله عليه وسلم كأنك تراه

جوانب العظمة في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم-

الرسول القدوة

شمس محمد تسطع على العالم محمد الغزالي

مرافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة

كيف ربى الرسول أتباعه على العزة والكرامة

بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ

الاشتياق إلى النبي للشيخ محمد المنجد

أنت مع من أحببت

ما الحكمة في أن رسول الله كان أميا ؟

كيف ربى الرسول أصحابه ؟

شرح حديث “ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان”

سبيل الوصول إلى محبة الرسول

خصائص رسالة النبي صلى الله عليه وسلم

وسراجا منيرا

وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ

خصائص النبي محاضرة للشيخ المنجد

 (24) Towards Salvation of the Heart. Part (3)