من هو المشاحن الذي لا يغفر الله له ؟
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله ليطلع ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن) رواه ابن ماجة، وحسنه الألباني.
1- يقول ابن عباس رضي الله عنهما: “إني لأسمع أن الغيث قد أصاب بلدًا من بلدان المسلمين فأفرح به، ومالي به سائمة”.
4- عن ربيعة رضي الله عنه قوله (… وأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضا وأعطى أبا بكر أرضا فاختلفنا في عذق نخلة قال وجاءت الدنيا فقال أبو بكر هذه في حدي فقلت لا بل هي في حدي قال فقال لي أبو بكر كلمة كرهتها وندم عليها …
قال : فقال لي: يا ربيعة قل لي مثل ما قلت لك حتى تكون قصاصا .
قال : فقلت: لا والله ما أنا بقائل لك إلا خيرا .
قال: والله لتقولن لي كما قلت لك حتى تكون قصاصا وإلا استعديت عليك برسول الله صلى الله عليه وسلم !!
قال فقلت لا والله ما أنا بقائل لك إلا خيرا.
قال فرفض أبو بكر الأرض وأتى النبي صلى الله عليه وسلم جعلت أتلوه فقال أناس من أسلم يرحم الله أبا بكر هو الذي قال ما قال ويستعدي عليك؟ قال فقلت أتدرون من هذا؟ هذا أبو بكر هذا ثاني اثنين هذا ذو شيبة المسلمين إياكم لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيغضب لغضبه فيغضب الله لغضبهما فيهلك ربيعة .
قال فرجعوا عني وانطلقت أتلوه حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقص عليه الذي كان قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ربيعة ما لك والصديق؟
قال فقلت مثل ما قال كان كذا وكذا فقال لي قل مثل ما قال لك فأبيت أن أقول له.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجل فلا تقل له مثل ما قال لك ، ولكن قل يغفر الله لك يا أبا بكر قال فولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو يبكي ) .
5- ووقعت جفوة بين الحسين وأخيه محمد بن الحنفية فكتب ابن الحنفية إليه : ( بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن علي بن أبي طالب إلى الحسين بن علي بن أبي طالب . .
أما بعد : فإن لك شرفا لا أبلغه ، وفضلا لا أدركه ، أبونا ” علي ” رضي الله عنه لا أفضلك فيه ولا تفضلني وأمك فاطمة بنت رسول الله . . ولو كان ملء الأرض نساء مثل أمي ، ما وافين بأمك ، فإذا قرأت رقعتي هذه فالبس رداءك ونعليك وتعال فترضني ، وإياك أن أسبقك إلى هذا الفضل الذي أنت أولى به مني والسلام) .
فعلم الحسين أن أخاه يذكره بقول الرسول : ” لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال ، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا ، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ” فسارع الحسين رضي الله عنه وذهب إلى أخيه فترضاه .
وروى الإمام أحمد أن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يمنعن رجل أهله أن يأتوا المساجد . فقال ابن لعبد الله بن عمر : فإنا نمنعهن . فقال عبد الله : أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول هذا ؟ قال : فما كلمه عبدالله حتى مات ) وإسناده صحيح كما قال الشيخ الألباني .
قال ابن عبد البر : وفي حديث كعب هذا دليل على أنه جائز أن يهجر المرء أخاه إذا بدت له منه بدعة أو فاحشة يرجو أن يكون هجرانه تأديباً له وزجراً عنها .
وقال – أيضاً – : أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث إلا أن يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دينه أو يولد به على نفسه مضرة في دينه أو دنياه ، فإن كان كذلك رخص له في مجانبته ، ورب صرم جميل خير من مخالطة مؤذية” .
وقال أبو العباس القرطبي : فأما الهجران لأجل المعاصي والبدعة فواجب استصحابه إلى أن يتوب من ذلك ولا يختلف في هذا .
والذي ينبغي أولا إذا ارتكب أحدهم محرّماً يجب مناصحته وبيان حرمة هذا الأمر وأنه لا يجوز ، وتذكّيره بالله ، فإذا رأينا منه تمادياً على هذه المعصية ورأينا أن المصلحة في هجره فهذا حكمه الجواز كما سبق.
والواجب على المسلم أن يكون واسع الصدر ، ناصحاً لإخوانه ، وأن يتحمّل منهم ويغض الطرف عن هفواتهم ، لا أن يستعجل في اتخاذ حل قد يكون سبباً للقطيعة والهجر المحرّم .
2- هجر أهل الأهواء والبدع والفسوق :
لأن الحب والبغض في الله واجب ولما في ذلك من الحث على الخير والتنفير من الشر والفسوق
قال العلماء: “والحاصل أنه يجب هجر من كفر أو فسق ببدعة أو دعا إلى بدعة مضلة أو مفسقة وهم أهل الأهواء والبدع المخالفون فيما لا يسوغ فيه الخلاف، كالقائلين بخلق القرآن، ونفي القدر، ونفي رؤية الباري في الجنة والمشبهة والمجسمة، والمرجئة الذين يعتقدون أن الإيمان قول بلا عمل، والجهمية والإباضية والحرورية والواقفية، واللفظية، والرافضة، والخوارج، وأمثالهم لأنهم لا يخلون من كفر أو فسق. قاله في المستوعب.
قال الخلال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق الثقفي النيسابوري إن أبا عبد الله رضي الله عنه سئل عن رجل له جار رافضي يسلم عليه، قال لا وإذا سلم عليه لا يرد عليه.
وقال ابن تميم: وهجران أهل البدع كافرهم وفاسقهم، والمتظاهر بالمعاصي، وترك السلام عليهم فرض كفاية، ومكروه لسائر الناس.
قال الإمام أحمد: “إذا سلم الرجل على المبتدع فهو يحبه”، قال النبي صلى الله عليه وسلم «ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم».أخرجه مسلم
وظاهر كلام الإمام أحمد ترك السلام والكلام مطلقاً.
وقال القاضي أبو حسين في التمام: “لا تختلف الرواية في وجوب هجر أهل البدع وفساق الملة”.
وظاهر إطلاقه لا فرق بين المجاهر وغيره كالمبتدع والفاسق فينبغي لك إن كنت متبعاً سنن من سلف أن كل من جاهر بمعاصي الله لا تعاضده ولا تساعده ولا تقاعده ولا تسلم عليه بل اهجره.غذاء الألباب للسفاريني 1/ 259.
3-هجر الظالم والدعاء عليه :
العفو وعدم العفو حق للمظلوم، ومن حقّ كل مظلوم أن يطالب بحقّه في الدنيا وفي الآخرة، كما أنّ باستطاعته أن يعفو عمّن ظلمه، ولا يسمى المظلوم صاحب الحق متشاحنا ولا يشمله هذا الحديث الذي معنا .
وربّنا سبحانه عدل، وبين يديه يُقاد للشاة الجلحاء التي لا قرون لها من الشاة القرناء التي ظلمتها ونطحتها بقرونها، فكيف بالظلم الواقع بين البشر! وويل ثم ويل لمن يظلم النّاس أو يتهمهم ظلمًا.
ولا حرج في الدعاء على الظالم؛ لما ثبت من دعائه صلى الله عليه وسلم على الذين غرروا بأصحابه عند بئر معونة من قبائل رعل وذكوان، وبني لحيان، وعصية، فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم دعا عليهم ثلاثين صباحاً، والقصة في صحيح البخاري، كما صح أنه كان يدعو على مضر.
وفي القرآن الكريم عن موسى عليه الصلاة والسلام: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ [يونس:88].
وقد ثبت في الحديث استجابة دعاء المظلوم على ظالمه كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حين يفطر، ودعوة المظلوم، يرفعها الله فوق الغمام، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب -عز وجل-: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين. رواه الترمذي وغيره، وصححه الألباني.
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم- قال: إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من ودعه الناس أو تركه الناس اتقاء فحشه. وفي رواية :..اتقاء شره.
لقول الله تعالى: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ {النساء: 148} ” وفسرها ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بقوله: لا يحب الله أن يدعوَ أحدٌ على أحد، إلا أن يكون مظلومًا، فإنه قد أرخَص له أن يدعو على من ظلمه، وذلك قوله: إِلَّا مَنْ ظُلِمَ، وإن صبر فهو خير له.
وقال الشيخ: السعدي ـ رحمه الله: إِلا مَن ظُلِمَ أي: فإنه يجوز له أن يدعو على من ظلمه ويشتكي منه، ويجهر بالسوء لمن جهر له به، من غير أن يكذب عليه ولا يزيد على مظلمته، ولا يتعدى بشتمه غير ظالمه، ومع ذلك، فعفوه وعدم مقابلته أولى، كما قال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ.انتهى من تفسير: تيسير الكريم الرحمن: للسعدي.
وقوله تعالى: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:41-43}
ولخطر دعوة المظلوم كان يتعوذ منها النبي صلى الله عليه وسلم، فعن عبد الله بن سرجس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سافر يتعوذ من وعثاء السفر وكآبة المنقلب والحور بعد الكون ودعوة المظلوم وسوء المنظر في الأهل والمال.رواه مسلم.
4- من كانت صلته تجلب الأذى والضرر:
إن كان هناك من كانت صلته يترتب عليها ضرر محقق،سواء كان قريبا ذي رحم أو شخصا آخر ، فلا إثم في قطيعته حينئذ.
قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصاً على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه أو دنياه، فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. اهـ.
لكن لا شك أن من وصل ذوي رحمه المسيئين، فإن الله عز وجل يعينه عليهم ويكفيه إياهم، فعن أبي هريرة: أن رجلًا قال: يا رسول الله: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليّ، فقال: لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل, ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. أخرجه مسلم.
والأعلى من ذلك دفع شر من أساء إليك بالإحسان إليه ما استطعت، فالإحسان يصير العدو وليا، كما قال الله سبحانه: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}.
5- الزوجة الناشز:
ويجوز الهجر فوق ثلاث للزوجه الناشز إلا أن هجرها لا يكون إلا في المضجع، وليس في كل الأحوال، كما قال تعالى ( واهجروهن في المضاجع ) [ النساء :34] بعد العظة والنصيحة وبالجملة فإن الهجر علاج، ولا يصار إليه إلا إذا تحقق أو غلب على الظن أن هجر المهجور أنفع – في الجملة – من وصله، فإن كان العكس لم يشرع الهجر، لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.