زلزال تركيا وسوريا 2023 دروس وعبر

تاريخ الإضافة 10 فبراير, 2023 الزيارات : 371

زلزال تركيا وسوريا 2023

دروس وعبر

ماذا حدث؟

زلزالا تركيا وسوريا 2023  أو زلزال غازي عنتاب 2023 وزلزال كهرمان مرعش 2023، زلزالان ضربا جنوب تركيا، وقع الأول في الساعة 4:17 صباحًا بالتوقيت المحلي يوم 6 فبراير 2023.

وبلغت قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر، وكان مركزه غرب مدينة غازي عنتاب.

امتدَّ أثره إلى سوريا أيضًا نظراً لقرب مركزه من الحدود السورية التركية.

ويُعدُّ هذا الزلزال من أقوى الزلازل في تاريخ تركيا وسوريا.

بعد مرور تسع ساعات وتحديدًا في الساعة 13:24 ظهرًا بالتوقيت المحلي (10:24 بالتوقيت العالمي الموحد) وقع زلزال آخر بقوة 7.5 درجات على مقياس ريختر بمنطقة إيكين أوزو بالقربِ من مدينة كهرمان مرعش.

بلغ عدد ضحايا هذين الزلزالين في تركيا وسوريا حسب تقديرات أولية أكثر من 22 ألف قتيلاً و 24700 مصابًا، وخلّفا أضرارًا مادية جسيمة في كِلا البلدين.

إن هذا الحدث الهائل والفاجعة العظيمة التي حلت بإخواننا يحتاج منا أن نقف عنده وقفات إيمانية نستلهم العبر والدروس مما حدث فالسعيد من وعظ بغيره:

الوقفة الأولى : نعمة استقرار الأرض :

إن هذه الأرض، التي نعيش عليها من نعم الله الكبرى علينا، فإن الله سبحانه وتعالى قد مكننا من هذه الأرض، نعيش على ظهرها، وندفن موتانا في باطنها

قال تعالى: ( أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ كِفَاتاً أَحْيَاء وَأَمْواتاً ) المرسلات:25، 26
وقال تعالى:( وَلَقَدْ مَكَّنَّـٰكُمْ في ٱلأرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَـاٰيِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ) الأعراف:10

ومن رحمته جل وعلاّ أن أودع في هذه الأرض كل ما يحتاجه الخلق الذين يعيشون على ظهرها، فبارك فيها وقدر فيها أقواتها، وجعلها ثابتة مستقرة لا تتحرك وأرساها بالجبال، حتى نتمكن من البناء عليها والعيش على ظهرها.

نعمة كبرى أن تستيقظ صباحاً وترى الأرض مستقرَّة ، لا تعرف هذه النعمة إلا إذا شهدت زلزالاً ؛فلولا أنها مستقرة ، لم يبقَ بناءٌ على وجهها ، لانهارت الأبنية ، لتصدَّعت الجسور ، لتعطَّلت الطرق.
قال ابن القيم: ” وتأمل خلق الأرض على ما هي عليه حين خلقها واقفة ساكنة؛ لتكون مهادا ومستقرا للحيوان والنبات والأمتعة ويتمكن الحيوان والناس من السعي عليها في مآربهم… ولو كانت رجراجة متكفئة لم يستطيعوا على ظهرها قراراً، ولا ثبت لهم عليها بناء، ولا أمكنهم عليها صناعة، ولا تجارة، ولا حراثة، ولا مصلحة، وكيف كانوا يتهنون بالعيش والأرض ترتج من تحتهم، واعتبر ذلك بما يصيبهم من الزلازل على قلة مكثها كيف تصيرهم إلى ترك منازلهم والهرب عنها، وقد نبه الله تعالى على ذلك بقوله (وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ) وقوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا) “. مفتاح دار السعادة (1/217).

 

الوقفة الثانية : ضعف الإنسان أمام قدرة الله جل وعلا :

ومع استقرار هذه الأرض ففي بعض الأحيان، يجعل الله عز وجل هذه الأرض، جنداً من جنوده، فتتحرك وتميد وتحصل الزلازل المدمرة، تخويفاً للعباد، وتأديباً للبعض الآخر، وما يعلم جنود ربك إلا هو، وما هي إلا ذكرى للبشر.

لا إله إلا الله ،يجب أن يدرك الإنسان حقيقة حجمه في هذا الكون؛ لقد اغتر الإنسان في هذا العصر بما عنده من العلم والقدرة، وظن أن لن يقدر عليه أحد، وتوهم أنه سيطر على الأرض وامتلك مقاليدها … غره علمه، وغرته قوته، وغرته سطوته … فأراد الله أن يعلمه الدرس وأن يبصره بحقيقته ؛ فهو لم يقدر على منع الزلزال ولا معرفة زمن وقوعه .

قال تعالى( حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) يونس٢٤

أراد الله أن يبين للعالم أنه مالك الملك،لا تقف قوة أمام قوته، ولا توازي عظمة عظمته، وهل يقدر غير الله أن يأمر الأرض فتهتز فتدك ما عليها.
قال تعالى ” وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ في ٱلأرْضِ وَلاَ في ٱلسَّمَاء وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِىّ وَلاَ نَصِيرٍ ) العنكبوت22

فهذه المصائب والمحن والزلازل والآيات من سنن الله تعالى في الكون، وهي من آيات الله ، ودليل من أوضح الدلالات على قدرته وقوته وعظيم جبروته, وضعف أهل الأرض مهما أوتوا من قوة… كيف لا وهي في بضع ثواني تدمر كل شيء أتت عليه ؟.
وهذه الزلازل والبراكين التي تقع تدلنا على مدى جهل الإنسان بما حوله، رغم ما وصل إليه من علم وحضارة وتقدم، فرغم هذه الثورات الهائلة في التكنولوجيا والفضائيات فما زال الإنسان جاهلا بما سيقع له بعد ثوان، وقد عجز العلماء رغم ما أوتوا من علم عن أن يتنبئوا بوقوع هذا الزلزال أو غيره من الزلازل والبراكين التي راح ضحيتها ملايين البشر.

والعجب أن أول من يشعر بالزلزلة هو الحيوان، فترى البهائم تشعر بالاهتزازات البدائية له والإنذار المبكر منه، والإنسان لا يشعر، فتطير الطيور، وتفر البهائم وتصرخ الحيوانات في حدائق الحيوان، وتهز الأقفاص لأنها تريد الهروب، والإنسان لا يدري ماذا سيحدث؟!!

الوقفة الثالثة / قدرة الله لا فعل الطبيعة
يقول كثير من الصحافيين والإعلاميين أن هذه الأحداث إنما هي كوارث لها أسبابها الطبيعية والجيولوجية ويعبرون عنها بغضب الطبيعة.

ونحن نقول لهؤلاء كون الزلازل تقع لأسباب معروفة لا يخرجها عن كونها مقدرة من الله سبحانه على العباد ، فهو مسبب الأسباب وخالق السبب والمسبب، قال تعالى: (ٱللَّهُ خَـاٰلِقُ كُـلّ شَىْء وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شيء وَكِيلٌ)الزمر62، فإذا أراد الله شيئاً أوجد سببه ورتب عليه نتيجته.

لا مانع من تفسير علمي للزلزال ، إذ إنه لا تعارض بين الأسباب، والحكم ، لكن الحرج أن يخرج علينا من العلماء من ينسبون الزلزال إلى الطبيعة، ثم يقولون : إنه من فعل الطبيعة وإن الزلزال لا صلة له بالله ، ولا علاقة له بمعصية أو إيمان كلا، نحن نرفض ذلك رفضاً بَيِّنا.

فنحن المسلمين نعتقد اعتقاداً جازماً أنه ما من ذرة في هذا الكون ، من عرشه إلى فرشه ، إلا وهي في قبضة الله ، لا يقع شيء في الكون إلا بعلمه وبأمره ، وتحت سمعه وبصره ؛ لا تسقط ورقة من شجرة في بقعة من بقاع الأرض كلها إلا بعلم الله: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }[الأنعام/59]  .

ولنتدبر قول الله  {وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ} اللهم اصرف عنا السوء  {وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} [الرعد/11] .

الوقفة الرابعة / وَمَا نُرْسِل بِالْآياتِ إِلا تَخْوِيفاً
يقول الله تعالى: ( وَمَا نُرْسِل بِالْآياتِ إِلا تَخْوِيفاً ) الإسراء : 59.

وقال تعالي ( فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا ) الأنعام/43 أي هلا تضرعوا.
وهذا عتاب على ترك الدعاء، وإخبار عنهم أنهم لم يتضرعوا حين نزول العذاب
وكون الزلازل لها أسباب يشرحها الجيولوجيون لا ينفي كون هذه الزلازل آيات يخوف الله بها عباده، مثل الكسوف، فإن له سبباً وحكمةً، فالحكمة أنه يخوف الله بها عباده، فينبغي ألا يخلط المسلم بين السبب والحكمة، وينبغي ألا يشغله السبب عن الحكمة.

إن الأصل في المؤمن أن يكون مرهف الحس لمثل هذه الأحوال المخيفة والأمور المهيبة .وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا هبت الريح الشديدة عرف ذلك في وجهه صلى الله عليه وسلم , وحين ينعقد الغمام في السماء ويكون السحاب ركاماً بعضه فوق بعض ترى النبي صلى الله عليه وسلم يُقبل ويدبر ويدخل البيت ويخرج والهم يعلو محياه , فتقول عائشة مالك: يا رسول الله . فيقول : ما يؤمنني أن يكون عذاباً إن قوماً رأوا ذلك فقالوا: هذا عارضٌ ممطرنا . فقال الله : ( بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم )حتى إذا نزل المطر سُرِّي عنه صلى الله عليه وسلم .

بمثل هذه النفوس العارفة بالله يتعامل مع الأحداث تعاملاً يثمر حياة القلوب ورقتها  عن صفية أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: ( زلزلت المدينة على عهد عمر فقال: يا أيها الناس ما هذا ؟! ما أسرع ما أحدثتم – يعني من العصيان والمخالفة – لئن عادت لا تجدونني فيها ). رواه أحمد
ووقعت رجفة في عهد عمر بن عبد العزيز فكتب إلى أهل البلدان:” إن هذه الرجفة شيء يعاتب الله به عباده، فمن استطاع أن يتصدق فليفعل؛ فإن الله يقول: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى). فتح الباري-لابن رجب.

الوقفة الخامسة / عدم الركون إلى الدنيا:
فلو خلت الدنيا من المصائب لأحبها الإنسان أكثر وركن إليها وغفل عن الآخرة، ولكن المصائب توقظه، وتجعله يعمل لدار لا مصائب فيها.
قال ابن القيم: ” وقد يأذن الله سبحانه للأرض أحياناً بالتنفس فتحدث فيها الزلازل العظام، فيحدث من ذلك لعباده الخوف والخشية، والإنابة والإقلاع عن المعاصي والتضرع إلى الله سبحانه، والندم كما قال بعض السلف وقد زلزلت الأرض: “إن ربكم يستعتبكم “.
والمصائب إذا أصيب بها أهل الإيمان فهي ابتلاء ورفعة للدرجات وزيادة في الحسنات، أما إذا أصيب بها أهل الكفر والمعاصي فهي عقوبة.

الوقفة السادسة / التذكير بيوم القيامة وبأهوال الآخرة:
قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيم) [ الحج: 1]

فالزلازل مشهد مصغر من مشاهد يوم القيامة ؛ إذا وقعت الساعة، رجفت الأرض وارتجت، وزلزلت زلزالها.
قال عز وجل: ( إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً ) الواقعة5،4

ورجُّ الأرض: زلزلتها.
وقال تعالى مذكراً بيوم الدين: إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (٢) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (٣) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (٤) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (٥)

( إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا )أي: تحركت من أسفلها

( وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا )أي: ألقت ما فيها من الموتى

( وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا ) ؟ فاستنكر أمرها بعد أن كانت قارةً ساكنةً ثابتة، وهو مستقرٌ على ظهرها، فانقلب حالها فصارت متحركةً مضطربة، قد جاءها من أمر الله ما قد أُعد لها من الزلزال الذي لا محيد لها عنه. فلمثل هذا اليوم أعدوا !.

فالزلازل والكوارث تنبيه من الله عز وجل لعباده ….وتذكير بيوم القيامة

فيجب علينا كمؤمنين التوبة إلى الله والإكثار من الذكر والاستغفار، وسؤال الله أن يجعلنا يوم الفزع من الآمنين

الوقفة السابعة: هل قتلى الزلزال شهداء وهل ما وقع انتقام إلهي بسبب الذنوب؟

أفادت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من مات تحت أنقاض الأبنية بسبب الزلزال وغيره شهيد، ففي الحديث:” الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغريق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، والحريق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيد.” رواه مالك وأبو داود والنسائي.

وإنما دخل المقتول تحت الأنقاض ضمن الشهداء كما قال القاضي عياض: “وإنما كانت هذه الموتات شهادة بتفضيل الله على أربابها، لشدتها، وعظيم الألم فيها، فجازاهم الله على ذلك، بأن جعل لهم أجر الشهداء، أو يحتمل أنهم سموا بذلك لمشاهدتهم فيما قاسوا من الألم عند الموت وشدته، ما أعد لهم كما أعد للشهداء”.

أما تفسير وقوع الزلزال والكوارث الطبيعية بأنها انتقام من الله ممن نزلت بهم فهو مسلك غير سديد ويتنافى مع أخلاق الإسلام الداعية إلى جبر خواطر المنكسرين، بل يعارض النصوص الصحيحة كالحديث المشار إليه آنفا؛ إذ كيف يكون المقتول تحت الهدم شهيداً في أعلى المنازل ومنتقم منه في آن واحد؟، ولا مانع من تذكير الناس أثناء النوازل والكوارث بالتوبة من الذنوب والعودة إلى الله تعالى واغتنام ما بقي من أعمارهم في طاعة الله.

الوقفة الثامنة: حكم دفع الزكاة للمتضررين من الزلزال 

حدَّد الله تعالى في كتابه الكريم مصارف الزكاة الثمانية في قوله: (إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلۡفُقَرَآءِ وَٱلۡمَسَٰكِينِ ‌وَٱلۡعَٰمِلِينَ ‌عَلَيۡهَا وَٱلۡمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمۡ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلۡغَٰرِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۖ فَرِيضَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ) [التوبة: 60] ، وبعض المتضررين من الزلزال فقدوا كل ما يملكون من بيت أو مال أو ولد وعائلة، فهم داخلون في أكثر من مصرف من هذه المصارف الثمانية؛ إما لكونهم من الفقراء أو الغارمين، أو أبناء السبيل، وعليه فيجوز دفع الزكاة للفقراء والغارمين منهم.

أما المتضررون الذين فقدوا أملاكاً لهم، لكنهم أغنياء؛ لهم أماكن أخرى، ويملكون مالاً آخر، وأن الحاصل لهم في الزلزال لم يخرجهم عن كونهم أغنياء؛ فهؤلاء لا يجوز لهم أخذ الزكاة؛ لو وزعت عليهم، وعلموا أن هذا المال مال زكاة؛ وذلك لحديث أبي هريرة عند النسائي وابن ماجه وغيرهما من قول النبي صلى الله عليه وسلم:” لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي”، هذا من جهة آخذ الزكاة، أما عموم المسلمين فيدفعون الزكاة للمتضررين عموما في هذا البلاء؛ ثم يبقى حكم الأخذ على الآخذ.

الوقفة التاسعة: صلاة الغائب على شهداء الزلزال

صلاة الجنازة على الغائب مشروعة وإن صُلي عليه في مكان موته، وهو مذهب الشافعية والحنابلة، واللجنة تدعو الأئمة والمسلمين حول العالم لصلاة الغائب على شهداء الزلزال في سوريا وتركيا بعد صلاة الجمعة؛ لأنها رسالة تضامنية تعبر عن وحدة الأمة وشعور المسلم بأخيه المسلم المصاب والمكلوم في فقد عائلته وأقاربه تجسيداً لقول النبي صلى الله عليه وسلم:” مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم، وتَرَاحُمِهِم، وتعاطُفِهِمْ مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى” البخاري.

الوقفة العاشرة: حكم تعجيل دفع الزكاة:

الأصل أن الزكاة عبادة مؤقتة بوقت ويجب أداؤها متى دخل وقتها وهو حولان الحول، لكن يجوز تعجيل دفع الزكاة قبل وقتها لعام أو أكثر حسب الضرورة أو الحاجة، ما بلغ المال نصابًا، وإن لم يحلّ عليه الحول، والقول بتعجيل الزكاة قبل حولان الحول لمصلحة معتبرة هو رأي جمهور الفقهاء، وأكثر أهل العلم كالحنفية، والشافعية، والحنابلة، ومن وافقهم، وهو ما أفتت به المجامع الفقهية المعاصرة، وقد استدلوا بالحديث الحسن الذي رواه الترمذي، عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: “أنَّ العبَّاس رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحلَّ، فرخَّص له في ذلك”، ولأنّه حق ماليّ جعل له أجل ترفّقًا بالمزكّي، فجاز تعجيله قبل أجله قياسًا على الدين، ويستأنس للقول بالجواز أيضاً بقاعدة ابن رجب: ” تقديم الشيء على سببه يمنع وعلى شرطه جائز”، والسبب النصاب والشرط تمام الحول. 

 ونحن ندعو المسلمين في أنحاء العالم أن يسارعوا إلى الإنفاق من صدقاتهم وتبرعاتهم لإغاثة إخوانهم المتضررين من الزلزال وأن لا يقتصروا على الزكاة فإنه من التعاون على البر والتقوى، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ‌ٱلۡبِرِّ ‌وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ) [المائدة: 2]، وقد بشر الله تعالى المنفقين بالخلف عليهم والبركة في أموالهم فقال تعالى: (وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَهُوَ ‌يُخۡلِفُهُۥۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّٰزِقِينَ) [سبأ: 39]    

حكم دفع الزكاة في صورة مساعدات عينية:

 الزكاة شُرعت لدفع حاجة الفقير والمسكين وبقية المصارف، وقد جوَّز بعض الفقهاء كأبي حنيفة وغيره دفع القيمة في الزكاة ولهم على ذلك أدلة نصية وعقلية واضحة، منها فعل معاذ رضي الله عنه مع أهل اليمن الذي أقره النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لهم: (ايتوني بخميس أو لبيس آخذه منكم مكان الصدقة فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة) البيهقي والدارقطني وابن أبي شيبة وذكره البخاري في باب العرض في الزكاة. والخلاف في المسألة معتبر، وقد تكون الأشياء العينية من ملابس وأغطية وأغذية أنفع للناس في هذه الظروف من الأموال، وهذا ما أفتى به الإمام ابن تيمية، حيث قال: ” وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل؛ فلا بأس به” مجموع الفتاوى:25/28، بل يحسن أن لا يتجه كل الناس إلى طريقة واحدة أو شكل واحدة للمساعدات ليتحقق النفع وتزول الحاجة.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم

تصنيفات