زلزال مراكش وعاصفة دانيال2023 دروس وعبر

تاريخ الإضافة 15 سبتمبر, 2023 الزيارات : 1253

زلزال مراكش وعاصفة دانيال2023

دروس وعبر

ماذا حدث؟

زلزال مراكش 2023:

هُو زلزال بقوة 6.8 درجة على مقياس ريختر حدث في 8 سبتمبر 2023 على الساعة 23:11 بتوقيت المغرب ضرب الزلزال منطقة إقليم الحوز بجهة مراكش آسفي بالمغرب. 

خلَّف الزلزال أكثر من 2900 قتيل و5500 جريح ، كما تضررت العديد من المباني والمعالم التاريخية.

اعتُبر هذا الزلزال الأقوى في تاريخ المغرب الحديث وذلك منذ عام 1960 على الأقل، وهو ثاني أكثر الزلازل فتكًا على مستوى العالَم في سنة 2023 بعد زلزال تركيا وسوريا.

قدّرت منظمة الصحة العالمية أن حوالي 300 ألف شخص في مراكش والمناطق المحيطة تضرروا جراء الكارثة. 

عاصفة دانيال:

بعد يومين من زلزال مراكش هبت عاصفة قوية قادمة من اليونان فأصابت ليبيا فبدأت في مدينة بنغازي، واتجهت شرقاً، واجتاحت الفضيانات الناجمة عن الأمطار منطقة الجبل الأخضر بالكامل، خصوصاً البيضاء، وشحات، وسوسة، والمرج.

كما حدثت فيضانات أخرى في طبرق، وتاكنس، وبطة، والبياضة، والمخيلي، حيث هطلت أمطار غزيرة بلغت 414 مم في بعض المناطق، وهو يعادل ما يهطل في سنة كاملة حسب هيئة الأرصاد الليبية.

وهذا ما أدى إلى قطع جميع الطرق الرئيسية مع مناطق الجبل الأخضر.

لكن مدينة درنة هي التي أصيبت بالضرر الأكبر من آثار العاصفة، حيث انهار سدِّاها في 11 سبتمبر وحدث فيضان غزير ليُعلن وفاة ما لا يقل عن 7 آلاف شخص حتى 14 سبتمبر وأكد رئيس بلدية درنة أن عدد القتلى في المدينة المنكوبة قد يصل إلى مابين 18 – 20 ألفاً استناداً إلى عدد الأحياء المُدمَّرة، كما تسبب ذلك في أضرار كارثية على المدينة.

إن هذا الحدث الهائل والفاجعة العظيمة التي حلت بإخواننا يحتاج منا أن نقف عنده وقفات إيمانية نستلهم العبر والدروس مما حدث فالسعيد من وعظ بغيره:

الوقفة الأولى : نعمة استقرار الأرض :

إن هذه الأرض، التي نعيش عليها من نعم الله الكبرى علينا، فإن الله سبحانه وتعالى قد مكننا من هذه الأرض، نعيش على ظهرها، وندفن موتانا في باطنها،قال تعالى: ( أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ كِفَاتاً أَحْيَاء وَأَمْواتاً ) [المرسلات:25، 26]
وقال تعالى:( وَلَقَدْ مَكَّنَّـٰكُمْ في ٱلأرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَـاٰيِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ) [الأعراف:10]

ومن رحمته جل وعلاّ أن أودع في هذه الأرض كل ما يحتاجه الخلق الذين يعيشون على ظهرها، فبارك فيها وقدر فيها أقواتها، وجعلها ثابتة مستقرة لا تتحرك وأرساها بالجبال، حتى نتمكن من البناء عليها والعيش على ظهرها.

نعمة كبرى أن تستيقظ صباحاً وترى الأرض مستقرَّة ، لا تعرف هذه النعمة إلا إذا شهدت زلزالاً ؛فلولا أنها مستقرة ، لم يبقَ بناءٌ على وجهها ، لانهارت الأبنية ، لتصدَّعت الجسور ، لتعطَّلت الطرق.
قال ابن القيم: ” وتأمل خلق الأرض على ما هي عليه حين خلقها واقفة ساكنة؛ لتكون مهادا ومستقرا للحيوان والنبات والأمتعة ويتمكن الحيوان والناس من السعي عليها في مآربهم… ولو كانت رجراجة متكفئة لم يستطيعوا على ظهرها قراراً، ولا ثبت لهم عليها بناء، ولا أمكنهم عليها صناعة، ولا تجارة، ولا حراثة، ولا مصلحة، وكيف كانوا يتهنون بالعيش والأرض ترتج من تحتهم، واعتبر ذلك بما يصيبهم من الزلازل على قلة مكثها كيف تصيرهم إلى ترك منازلهم والهرب عنها، وقد نبه الله تعالى على ذلك بقوله (وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ) وقوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا) “[مفتاح دار السعادة (1/217)]

الوقفة الثانية : ضعف الإنسان أمام قدرة الله جل وعلا :

ومع استقرار هذه الأرض ففي بعض الأحيان، يجعل الله عز وجل هذه الأرض، جنداً من جنوده، فتتحرك وتميد وتحصل الزلازل المدمرة، تخويفاً للعباد، وتأديباً للبعض الآخر، (وما يعلم جنود ربك إلا هو، وما هي إلا ذكرى للبشر)[المدثر:31]

لا إله إلا الله ،يجب أن يدرك الإنسان حقيقة حجمه في هذا الكون؛ لقد اغتر الإنسان في هذا العصر بما عنده من العلم والقدرة، وظن أن لن يقدر عليه أحد، وتوهم أنه سيطر على الأرض وامتلك مقاليدها … غره علمه، وغرته قوته، وغرته سطوته … فأراد الله أن يعلمه الدرس وأن يبصره بحقيقته ؛ فهو لم يقدر على منع الزلزال ولا معرفة زمن وقوعه .

قال تعالى( حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) [يونس:24]

أراد الله أن يبين للعالم أنه مالك الملك،لا تقف قوة أمام قوته، ولا توازي عظمة عظمته، وهل يقدر غير الله أن يأمر الأرض فتهتز فتدك ما عليها، قال تعالى ” وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ في ٱلأرْضِ وَلاَ في ٱلسَّمَاء وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِىّ وَلاَ نَصِيرٍ ) [العنكبوت22]

فهذه المصائب والمحن والزلازل والآيات من سنن الله تعالى في الكون، وهي من آيات الله ، ودليل من أوضح الدلالات على قدرته وقوته وعظيم جبروته, وضعف أهل الأرض مهما أوتوا من قوة… كيف لا وهي في بضع ثواني تدمر كل شيء أتت عليه ؟
وهذه الزلازل والبراكين والأعاصير والفيضانات التي تقع تدلنا على مدى جهل الإنسان بما حوله، رغم ما وصل إليه من علم وحضارة وتقدم، فرغم هذه الثورات الهائلة في التكنولوجيا والفضائيات فما زال الإنسان جاهلا بما سيقع له بعد ثوان، وقد عجز العلماء رغم ما أوتوا من علم عن أن يتنبئوا بوقوع هذا الزلزال أو غيره من الزلازل والبراكين التي راح ضحيتها ملايين البشر.

والعجب أن أول من يشعر بالزلزلة هو الحيوان، فترى البهائم تشعر بالاهتزازات البدائية له والإنذار المبكر منه، والإنسان لا يشعر، فتطير الطيور، وتفر البهائم وتصرخ الحيوانات في حدائق الحيوان، وتهز الأقفاص لأنها تريد الهروب، والإنسان لا يدري ماذا سيحدث؟!!

الوقفة الثالثة / الريح من جنود الله:

نعم الريح من جند الله ، يعز الله بها أولياءه، ويذل بها أعداءه، فهي تجري بأمره وتسير بإذنه، فهي مسخَّرة مدبَّرة مأمورة، ليس لها غدو ولا رواح، ولا مجيء ولا ذهاب إلا بإذن ربِّها وأمرِ مسخِّرها – تبارك وتعالى – فتارة تأتي محمَّلة بالبشارة والرحمة، وتارة أخرى تأتي محمَّلة بالعذاب والنقمة، والأمر لله – تبارك وتعالى – من قبل ومن بعد.

عندما تكون الريح نعمة :

تسخير الله – جلّ وعلا – للرياح فيه نعمة عظيمة للناس، ينبغي علينا أن نُحسّ بها، وأن نشعر بقيمتها، وأن ندرك عظيم الفائدة التي نجنيها من تسخيرها، فلولا تسخير الله – تبارك وتعالى – للرياح لما تحقق للناس حياة، ولما استقام للحيوان حياة، ولَذَوى النبات ومات الحيوان، وفسد الطعام ، يرسل الرياح محمّلةً بالسحاب، حاملة المبشرات والخيراتِ إلى غير ذلك من أنواع الفوائد والثمار التي يجنيها الناس من الرياح، ولهذا تجد أنَّ ذِكرَ هذه النعمة في القرآن، جاء بصيغة الجمع في مواردها في القرآن، إشارة إلى عظم الفوائد، وكثرة المنافع التي أودعها الله – جلّ وعلا – في الرياح.

والريح عذاب يسلطه الله على من شاء من خلقه:

توعد بها المعرضين الذين يعرفونه في الشدة دون الرَّخاء أن يُسلِّط عليهم الريح فيغرقهم بها، قال تعالى:(وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا * أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً * أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا ) الإسراء: 67-69 .

قاصفاً: الريح الشديدة تقصف ما تأتي عليه .

وأهلك الله بها عاداً قوم هود عليه السلام .. قال تعالى:( وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ ) الذاريات: 41، عقيم لم تأت بخير، قال ابن الجوزي :” وهي التي لا خَير فيها ولا بَرَكة ، لا تُلْقِح شجراً ولا تَحْمِل مطراً ، وإنما هي للإهلاك”

وقال:( إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ) [القمر:19-20].

الوقفة الرابعة / قدرة الله لا فعل الطبيعة:
يقول كثير من الصحافيين والإعلاميين أن هذه الأحداث إنما هي كوارث لها أسبابها الطبيعية والجيولوجية ويعبرون عنها بغضب الطبيعة،
ونحن نقول لهؤلاء كون الأعاصير تقع لأسباب معروفة لا يخرجها عن كونها مقدرة من الله سبحانه على العباد ، فهو مسبب الأسباب وخالق السبب والمسبب (ٱللَّهُ خَـاٰلِقُ كُـلّ شيء وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شيء وَكِيلٌ) الزمر62

ولا مانع من تفسير علمي للأعاصير والعواصف ، إذ إنه لا تعارض بين الأسباب، والحكم ، لكن الحرج أن يخرج علينا من العلماء من ينسبون الأعاصير إلى الطبيعة، ثم يقولون : إنه من فعل الطبيعة وإن الإعصار لا صلة له بالله ، ولا علاقة له بمعصية أو إيمان كلا، نحن نرفض ذلك رفضاً بَيِّنا.

فنحن المسلمين نعتقد اعتقاداً جازماً أنه ما من ذرة في هذا الكون ، من عرشه إلى فرشه ، إلا وهي في قبضة الله ، لا يقع شيء في الكون إلا بعلمه وبأمره ، وتحت سمعه وبصره ؛ لا تسقط ورقة من شجرة في بقعة من بقاع الأرض كلها إلا بعلم الله: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }[الأنعام/59]  .

ولنتدبر قول الله{وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} [الرعد/11] ، اللهم اصرف عنا السوء .

الوقفة الخامسة / وَمَا نُرْسِل بِالْآياتِ إِلا تَخْوِيفاً
يقول الله تعالى: ( وَمَا نُرْسِل بِالْآياتِ إِلا تَخْوِيفاً ) [الإسراء : 59.]
نعم هذه الأعاصير والزلازل والبراكين آيات يخوف الله بها عباده، والأصل في المؤمن أن يكون مرهف الحس لمثل هذه الأحوال ، وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا هبت الريح الشديدة عرف ذلك في وجهه صلى الله عليه وسلم ، فيُقبل ويدبر ويدخل البيت ويخرج ، فتقول عائشة مالك يا رسول الله . فيقول : ما يؤمنني أن يكون عذاباً إن قوماً رأوا ذلك فقالوا: هذا عارضٌ ممطرنا . فقال الله : ( بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم )حتى إذا نزل المطر سُرِّي عنه صلى الله عليه وسلم .

بمثل هذه النفوس العارفة بالله نتعامل مع الأحداث تعاملاً يثمر حياة القلوب ورقتها .

 وعن صفية أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: ( زلزلت المدينة على عهد عمر فقال: يا أيها الناس ما هذا ؟! ما أسرع ما أحدثتم – يعني من العصيان والمخالفة – لئن عادت لا تجدونني فيها ). رواه أحمد
ووقعت رجفة في عهد عمر بن عبد العزيز فكتب إلى أهل البلدان:” إن هذه الرجفة شيء يعاتب الله به عباده، فمن استطاع أن يتصدق فليفعل؛ فإن الله يقول: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى).

الوقفة السادسة / التوبة والرجوع إلى الله :

قال تعالي ( فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا ) الأنعام/43 أي هلا تضرعوا ؛ وهذا عتاب على ترك الدعاء، وإخبار عنهم أنهم لم يتضرعوا حين نزول العذاب .

إن التفكر والاعتبار والانتفاع بالمواعظ من صفات المؤمنين قال الله تعالى: {سيذكر من يخشى} فينبغي ألا ننسى سريعا بل ينبغي أن يكون هذا الموقف أمرا يدفع المؤمن إلى توبة نصوح، وإقبال صادق على الله – جلّ وعلا – وأن نكون في كل لحظة، وفي كل حال خائفين من الله – عز وجلّ – مشفقين منه – سبحانه – فإن مَن خاف الله، خافه كلُّ شيء، ومن لم يخف الله، أخافه الله من كلِّ شيء، إن من خاف الله – جلّ وعلا – فرَّ إلى الله وأناب إليه، وهذه حال المؤمن في كل وقت وأوان. 

الوقفة السابعة / عدم الركون إلى الدنيا:
فلو خلت الدنيا من المصائب لأحبها الإنسان أكثر وركن إليها وغفل عن الآخرة، ولكن المصائب توقظه، وتجعله يعمل لدار لا مصائب فيها.
قال ابن القيم: ” وقد يأذن الله سبحانه للأرض أحياناً بالتنفس فتحدث فيها الزلازل العظام، فيحدث من ذلك لعباده الخوف والخشية، والإنابة والإقلاع عن المعاصي والتضرع إلى الله سبحانه، والندم كما قال بعض السلف وقد زلزلت الأرض: “إن ربكم يستعتبكم “.
والمصائب إذا أصيب بها أهل الإيمان فهي ابتلاء ورفعة للدرجات وزيادة في الحسنات، أما إذا أصيب بها أهل الكفر والمعاصي فهي عقوبة.

 

والكثير منا يغيب عن وعيه أن هذه الدنيا ليست دار الخلود،  هذه ليست دار الأبد،  هذه ليست دار النعيم،  وجودنا في هذه الدنيا مؤقت،  والأصل أننا فيها كما قال النبي- صلى الله عليه وسلم- (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)،  لسنا مخلدين فيها ولسنا معمرين فيها أبد الدهر، أعمارنا بالنسبة للأمم السابقة لا شيء كما في الحديث: ( أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين ) وهذه نسبة من الناحية التاريخية لا شيء،  فنحن هنا كلنا مؤقتون،  وكلنا عن الدنيا راحلون،  والله- سبحانه وتعالى- قال: ( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد،  أفإن مت فهم الخالدون) [الأنبياء 34]

فكتب الله الموت على جميع أهل الدنيا فلن يخلد فيها أحد، والموت قدر قدره الله- عز وجل- قبل أن يخلقنا وقبل أن نولد، هذا القدر نافذ بأمر الله تعالى،  يأتي من يأتي منا ليعيش عمره الذي قدره الله له،  ثم يترك الدنيا في الموعد الذي قدره الله له، قال تعالى : ( فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)[الأعراف :34]،  فهذه مسألة دق فهمها عند كثير من الناس لاعتقادهم أن من يموت فقد حرم الدنيا،  وحرم الأنس بأهله وحرم من السلام وحرم من الأمان!!

  نقول لك: ولماذا لا تقول انتقل إلى دار الراحة لماذا لا تقول استراح من الدنيا وعنائها وآلامها لقد قال لنا النبي ذلك حتى ننظر إلى الأمور نظرة إيمانية عميقة، لما مرت عليه جِنَازَةٍ، فَقالَ: (مُسْتَرِيحٌ ومُسْتَرَاحٌ منه. قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، ما المُسْتَرِيحُ والمُسْتَرَاحُ منه؟ قالَ: العَبْدُ المُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِن نَصَبِ الدُّنْيَا وأَذَاهَا إلى رَحْمَةِ اللَّهِ، والعَبْدُ الفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ منه العِبَادُ والبِلَادُ، والشَّجَرُ والدَّوَابُّ.)

 فالموت للمؤمن ليس عذابا ولا حرمانا إنما الموت هو نهاية رحلة كل واحد منا في هذه الدنيا ثم لقائه برب العالمين جل وعلا،  هذه هي نظرة المؤمنين للأمر، والذين ارتقوا إلى ربهم شهداء هؤلاء أكرمهم الله تعالى بشدة الموت ليرفع درجاتهم،  فهم عند الله شهداء نالوا درجة عالية في الجنة،  لمشقة وصعوبة ما رأوا.

إذن يا إخواني الدنيا ليست هي النهاية، كلنا ميتون، كلنا راحلون، (إنك ميت وأنهم ميتون)، هذا كلام رب العالمين.

الوقفة الثامنة / التذكير بيوم القيامة وبأهوال الآخرة:
قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيم) [ الحج: 1]

فالزلازل مشهد مصغر من مشاهد يوم القيامة ؛ إذا وقعت الساعة، رجفت الأرض وارتجت، وزلزلت زلزالها.
قال عز وجل: ( إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً ) [الواقعة5،4]

ورجُّ الأرض: زلزلتها.
وقال تعالى مذكراً بيوم الدين: إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (٢) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (٣) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (٤) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (٥)

( إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا )أي: تحركت من أسفلها

( وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا )أي: ألقت ما فيها من الموتى

( وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا ) ؟ فاستنكر أمرها بعد أن كانت قارةً ساكنةً ثابتة، وهو مستقرٌ على ظهرها، فانقلب حالها فصارت متحركةً مضطربة، قد جاءها من أمر الله ما قد أُعد لها من الزلزال الذي لا محيد لها عنه. فلمثل هذا اليوم أعدوا !.

فالزلازل والكوارث تنبيه من الله عز وجل لعباده ….وتذكير بيوم القيامة

فيجب علينا كمؤمنين التوبة إلى الله والإكثار من الذكر والاستغفار، وسؤال الله أن يجعلنا يوم الفزع من الآمنين

الوقفة التاسعة: هل قتلى الزلزال شهداء وهل ما وقع انتقام إلهي بسبب الذنوب؟

أفادت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من مات تحت أنقاض الأبنية بسبب الزلزال أو غرق بسبب الفيضانات وغيره فهو شهيد، ففي الحديث:” الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغريق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، والحريق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيد.” رواه مالك وأبو داود والنسائي.

قال القاضي عياض: “وإنما كانت هذه الموتات شهادة بتفضيل الله على أربابها، لشدتها، وعظيم الألم فيها، فجازاهم الله على ذلك، بأن جعل لهم أجر الشهداء، أو يحتمل أنهم سموا بذلك لمشاهدتهم فيما قاسوا من الألم عند الموت وشدته، ما أعد لهم كما أعد للشهداء”.

أما تفسير وقوع الزلزال والكوارث الطبيعية بأنها انتقام من الله ممن نزلت بهم فهو مسلك غير سديد ويتنافى مع أخلاق الإسلام الداعية إلى جبر خواطر المنكسرين، بل يعارض النصوص الصحيحة كالحديث المشار إليه آنفا؛ إذ كيف يكون المقتول تحت الهدم شهيداً في أعلى المنازل ومنتقم منه في آن واحد؟، ولا مانع من تذكير الناس أثناء النوازل والكوارث بالتوبة من الذنوب والعودة إلى الله تعالى واغتنام ما بقي من أعمارهم في طاعة الله.

الوقفة العاشرة/ حكم دفع الزكاة للمتضررين من الزلزال أو الفيضان:

حدَّد الله تعالى في كتابه الكريم مصارف الزكاة الثمانية في قوله: (إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلۡفُقَرَآءِ وَٱلۡمَسَٰكِينِ ‌وَٱلۡعَٰمِلِينَ ‌عَلَيۡهَا وَٱلۡمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمۡ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلۡغَٰرِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۖ فَرِيضَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ) [التوبة: 60] ، وبعض المتضررين من الزلزال فقدوا كل ما يملكون من بيت أو مال أو ولد وعائلة، فهم داخلون في أكثر من مصرف من هذه المصارف الثمانية؛ إما لكونهم من الفقراء أو الغارمين، أو أبناء السبيل، وعليه فيجوز دفع الزكاة للفقراء والغارمين منهم.

أما المتضررون الذين فقدوا أملاكاً لهم، لكنهم أغنياء؛ لهم أماكن أخرى، ويملكون مالاً آخر، وأن الحاصل لهم في الزلزال لم يخرجهم عن كونهم أغنياء؛ فهؤلاء لا يجوز لهم أخذ الزكاة؛ لو وزعت عليهم، وعلموا أن هذا المال مال زكاة؛ وذلك لحديث أبي هريرة عند النسائي وابن ماجه وغيرهما من قول النبي صلى الله عليه وسلم:” لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي”، هذا من جهة آخذ الزكاة، أما عموم المسلمين فيدفعون الزكاة للمتضررين عموما في هذا البلاء؛ ثم يبقى حكم الأخذ على الآخذ.

 حكم تعجيل دفع الزكاة:

الأصل أن الزكاة عبادة مؤقتة بوقت ويجب أداؤها متى دخل وقتها وهو حولان الحول، لكن يجوز تعجيل دفع الزكاة قبل وقتها لعام أو أكثر حسب الضرورة أو الحاجة، ما بلغ المال نصابًا، وإن لم يحلّ عليه الحول، والقول بتعجيل الزكاة قبل حولان الحول لمصلحة معتبرة هو رأي جمهور الفقهاء، وأكثر أهل العلم كالحنفية، والشافعية، والحنابلة، ومن وافقهم، وهو ما أفتت به المجامع الفقهية المعاصرة، وقد استدلوا بالحديث الحسن الذي رواه الترمذي، عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: “أنَّ العبَّاس رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحلَّ، فرخَّص له في ذلك”، ولأنّه حق ماليّ جعل له أجل ترفّقًا بالمزكّي، فجاز تعجيله قبل أجله قياسًا على الدين، ويستأنس للقول بالجواز أيضاً بقاعدة ابن رجب: ” تقديم الشيء على سببه يمنع وعلى شرطه جائز”، والسبب النصاب والشرط تمام الحول. 

 ونحن ندعو المسلمين في أنحاء العالم أن يسارعوا إلى الإنفاق من صدقاتهم وتبرعاتهم لإغاثة إخوانهم المتضررين من الزلزال وأن لا يقتصروا على الزكاة فإنه من التعاون على البر والتقوى، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ‌ٱلۡبِرِّ ‌وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ) [المائدة: 2]، وقد بشر الله تعالى المنفقين بالخلف عليهم والبركة في أموالهم فقال تعالى: (وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَهُوَ ‌يُخۡلِفُهُۥۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّٰزِقِينَ) [سبأ: 39]    

  أخيرا لا ننسى أبدا الدعاء:

 الدعاء بالعافية، الدعاء بالأمان الدعاء بالستر، الدعاء بأن يعافينا الله من عقوبات ذنوبنا فإن للذنوب عقوبات، النبي لما اشتد البلاء على صحابته الكرام في غزوة الأحزاب قالوا: ما نقول يا رسول الله قال: قولوا اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا.

 ومن دعائه- صلى الله عليه وسلم- اللهم إني أصبحت منك في نعمة وعافية وستر، فأتم علي نعمتك وعافيتك وسترك في الدنيا الآخرة، النبي علمنا أن من يدعو بهذا الدعاء كان حقا على الله أن يتم عليه، النعمة والعافية والستر.

 الدعاء اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك.

والله نسأل أن يجعلنا من أهل العافية وسببا لعافية إخواننا ودفع هذا البلاء الشديد عنهم اللهم آمين

 اللهم أنزل سكينتك على قلب إخواننا وأهليهم وذويهم ورضهم بقضائك،  واجعلهم من الصابرين الشاكرين،  وارحم اللهم شهداءنا،  اللهم ارحم شهداءنا ارحم شهداءنا اللهم ارحم شهداءنا واجعلهم في عليين،  اللهم اشف مرضانا اللهم اشف مرضانا وداوي جرحانا،  وعاف مبتلانا،  واللهم اجز خيرا كل من ساهم بجهده أو وقته أو ماله،  أو نصحه في سبيل نجدة إخوانه في هذا الظرف العسير ، وأخلفهم في أبنائهم وأولادهم وذويهم بخير ما تخلف به عبادك الصالحين،  ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وصلى الله وسلم وبارك على نبينا المصطفى المختار وعلى آله وصحبه الأطهار وسلم تسليما كثيرا.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 278 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم