ماذا تعلمنا من رمضان ؟

تاريخ الإضافة 5 أبريل, 2024 الزيارات : 3149

ماذا تعلمنا من رمضان ؟

بداية أهنئكم بحلول عيد الفطر المبارك ، والحمد لله أن بلغنا رمضان وأعاننا فيه على الصيام والقيام ، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكتبنا عنده من المقبولين الفائزين وأن يثبتنا على صراطه المستقيم اللهم آمين .

ماذا تعلمنا من رمضان ؟

رمضان كان معسكرا ربانيا دام شهر كاملا تعلمنا فيه الكثير من الدروس وتخلقنا فيه بالعديد من الأخلاق والصفات فماذا تعلمنا من رمضان ؟

أولا / أننا يمكننا عمل الكثير من الطاعات:

فلا توجد مشكلة أبدا في صيام التطوع فقد صمنا شهرا كاملا ، ومر الشهر سهلا يسيرا والحمد لله ، ويمكننا أن نقيم الليل ؛ فقيام الليل ليس بالشيء المستحيل فقط نحتاج أن نرتب أوقاتنا ونغتنم الليل بعد العشاء ببعض الركعات نقيمها بين يدي الله عز وجل.

وتعلمنا أن ختم القرآن ليس شيئا معجزا ولا مستحيلا ، بل ممكن … فقد كنا نمسك بالمصاحف ونقرأ جزءا أو جزأين فمنا من ختم القرآن مرة وربما أكثر ، فلا يعقل أن نقبّل المصحف بعد رمضان ثم نضعه في مكانه بركة بالبيت لا يمسه أحد حتى رمضان التالي ، فماذا يمنع أن يكون لنا وردا ثابتا من تلاوة القرآن أو حفظه ، أو الانضمام إلى أحد حلقات تحفيظ القرآن وتجويده والتي صارت منتشرة ويسيرة أون لاين.

ثانيا /  التخلق بالأخلاق الفاضلة :

وتعلمنا من رمضان التحلي بالأخلاق الفاضلة مثل الصبر وسعة الصدر وعفة اللسان والبعد عن الكذب والغيبة والسب والشتم ، والبعد عن العادات السيئة …وهذا كله من فضل الله علينا، فكل إنسان منا طوال رمضان إذا أراد فعل شيء مما اعتاده عند الغضب فإنه يتوقف قائلا : أنا صائم ، لا بد من التحلي بالصبر !! فالصيام علم الإنسان كيف يكون صبورا عنده سعة صدر وقدرة على احتواء غيره.

ثالثا / القدرة على ترك العادات السيئة:

علمنا رمضان أن الاستغناء عن العادات السيئة ممكن فالصائم غير مواعيد أكله وانقطع عنه لصيامه لساعات طويلة …بدأ في أول أيام رمضان يعاني من ذلك فلما اعتاد الصيام بعد عدة أيام صار الأمر طبيعيا حتى أننا بعد رمضان كلما هممنا بشرب الماء في النهار نتردد لبعض الوقت أسأل نفسي هل ما زلت صائما ؟!

إذن فمن الممكن التخلص من العادات السيئة بكل سهولة لأن الصائم صار عنده إرادة على أن يمسك ويمتنع عن الماء والطعام ، وهل الخير إلا إرادة ، وهل فعل أي شيء إلا إرادة وهل ترك السيئات والمعاصي إلا إرادة ؟ فما يمنعنا من تحقيق هذه الإرادة مستعينين بالله سبحانه وتعالى لمنع العادات السيئة والاقلاع عنها نهائيا.

فتقوية الإرادة والقدرة على الفعل والترك أثر من آثار صيام رمضان .

رابعا / أن نستشعر آلام الفقراء والمحتاجين :

لأن إلف النعمة يفقدنا الإحساس بقيمتها، فتعلمنا بالصيام قيمة شربة الماء ولقمة الغذاء وأن ما نتمتع به من نعم حرم منه غيرنا، ومن الأمور الطيبة قيام بعض الجمعيات الإغاثية بعمل سلة الغذاء لإطعام الفقراء فكما أعزم بعض أصدقائي على الإفطار ما المانع أن أعزم أسرة فقيرة بأن أهديهم ثمن وجبة مشبعة لأسرة فقيرة.

فلا يعرف حال الجياع إلا من حُرم الطعام ، قال يوسف عليه السلام عندما سئل عن سبب صيامه وقد صار عزيز مصر: «إني أخشى أن اشبع فأنسى الجياع ».

خامسا / استشعرنا حلاوة القرب من الله سبحانه وتعالى:

ترق قلوبنا بالنهار صياما وفي الليل قياما نتلو هداية الله من وحي السماء أو نسمع لإمامنا في التراويح ، واستشعرنا حلاوة الدعاء وكيف نرفع أيادينا ندعو الله ونظهر فقرنا وخشوعنا وانكسارنا بالوقوف على باب نستمطر فضله ورحمته سبحانه وتعالى ، فهل الدعاء لا يكون إلا في رمضان ؟!!

كلا ، فإن الدعاء عبادة في كل وقت وحين ، وقد أمر الله سبحانه وتعالى بدعائه في أكثر من موضع في كتابه الكريم : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) غافر/60

و في حديث أبي ذر القدسي الطويل من قول الله تبارك وتعالى : ( يَا عِبَادِي ! كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ ، يَا عِبَادِي ! كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ ، يَا عِبَادِي ! كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ… يَا عِبَادِي ! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ )رواه مسلم

 وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا تَمَنَّى أَحَدُكُم فَلْيُكثِر ، فَإِنَّمَا يَسأَلُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ) رواه ابن حبان
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( سَلُوا اللَّهَ كُلَّ شَيءٍ حَتَّى الشِّسعَ ، فَإِنَّ اللَّهَ إِن لَمْ يُيَسِّرهُ لَمْ يَتَيَسَّرْ ) أخرجه أبو يعلى وقال الألباني في “السلسلة الضعيفة” :” وهذا سند موقوف جيد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم ” انتهى .
والشِّسْعُ : سَيرُ النعل الذي تدخل بين الأصبعين ، ويدخل طرفه في الثقب الذي في صدر النعل المشدود في الزمام .

ورأى الحسن البصري رجلا صلى وتعجل في صلاته فقال: أما كان له حاجة عند مولاه ، يقصد الدعاء .

فلا تغفل أخي أبدا هذه العبادة فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : (من لم يسأل الله يغضب عليه )

سادسا /التجارة مع الله دائما رابحة :

حينما ينجح تاجر في تجارته فإنه يقوم بتوسيع تجارته فيكون له فرع واثنين وعشرة … فنجاحنا في رمضان يدفعنا أن نزود تجارتنا مع الله ، قال تعالى : -( إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور )- [فاطر/29] أي تجارة عرضة للمكسب والخسارة إلا التجارة مع الله فإنها رابحة دائما ، والتجارة في الدنيا لتحقيق ربح مادي ، أما التجارة مع الله فإنك تربح بها الدنيا والآخرة .

فمن علامات القبول استمرار التجارة مع الله بل والتوسع فيها وزيادتها ، فرمضان بداية الهداية وسلوك الطريق إلى الله.

الفتور بعد رمضان
الفتورهو الكسل والتراخي بعد الجد والنشاط ، بمعنى أن يقل النشاط عمّا كان في رمضان، وهذا طبيعي بعد رمضان لأننا نقول رمضان موسم الطاعات.. متجر المتقين، فطبيعي أن يقل النشاط بعده .
فبقاء قلب المؤمن على الدرجة الرفيعة من الإيمان التي يجدها في أعظم العبادات قدرًا ، وأكثرها تأثيرًا ؛ كالصلاة ، والحج ، والصيام وتلاوة القرآن ، وقيام الليل ، أمر متعذر ؛ لانشغال القلب بأعمال الدنيا ، وملذاتها ، وما يعتريه فيها من أفراح وأتراح ، وليس هذا من الرياء أو النفاق في شيء ، وقد وجد هذا أفضل القرون من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فقد روى مسلم في صحيحه : عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ ، قَالَ : لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ ، فَقَالَ : كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ ؟

قَالَ قُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ
قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، مَا تَقُولُ ؟
قَالَ قُلْتُ : نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ ، فَنَسِينَا كَثِيرًا
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

قُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ!!!
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : وَمَا ذَاكَ ؟
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ أن لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ ، سَاعَةً وَسَاعَةً ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ) .
والمعنى أن الذي ينقطع للعبادة بكليته لا يفتر عنها هم الملائكة فلو بقيتم على حالكم لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ ولكن ساعة فيها إقبال على الله وساعة فيها انشغال بالدنيا والسعي على المعاش .

فليس الخطرفي الفتور ؛الخطر أن ينقطع الإنسان عن الله بعد رمضان، بعد ما كان يصلي يترك الصلاة، بعد ما كان يقرأ القرآن ما عاد يفتح المصحف، بعد ما كان يحرص على الجماعة ما عاد يذهب إلى المسجد، بعدما لبست الحجاب خلعته .

فمن أداه فتوره إلى ترك الفرائض والوقوع في المحرمات ، فهو على خطر عظيم ، وفتوره حينئذ معصية تستوجب الخوف من سوء الخاتمة نسأل الله العافية .
أما من كان فتوره في الفضائل والنوافل، وهو مع ذلك محافظ على الفرائض والواجبات ، مجتنب للكبائر والمحرمات ، ولكن قلَّ نصاب الساعات التي كان يقضيها في العبادة مثلا كقيام الليل ، أو في قراءة القرآن الكريم ، فمِثلُه يُرجَى له أن تكون فترته عَرضا زائلا ، وآفةً مؤقتة ، تنتهي بعد مدة قصيرة إن شاء الله ، وهذا هو معنى الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-أنه قال: ” لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فمن فتر إلى سنتي فقد نجا، وإلا فقد هلك ” رواه أحمد
إذن فالفتور بمعنى أخذ الهدنة ثم استعادة النشاط فهذا لا شئ فيه أما الفتورالمؤدي إلى الانقطاع فهذا ما حذر منه العلماء.

 


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 42 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع