الحج فضله وآثاره
تعريفه:
الحج لغة : بفتح الحاء وكسرها معناه القصد.
وشرعا قصد الكعبة للنسك التي سنبينها إن شاء الله.
وهو أحد أركان الإسلام الخمسة ، وفرض من الفرائض التي علمت من الدين بالضرورة . فلو أنكر وجوبه منكر كفر وارتد عن الإسلام.
وقدشرع سنة ست بعد الهجرة ، لأنه نزل فيها قوله تعالى : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) ، وفرض في العام التاسع أو العاشر من الهجرة كما رجحه ابن القيم.
حكمه :
وهو فرض عين على المكلف المستطيع مرة واحدة في العمر، ومن أنكر ذلك فقد كفر إلا إذا كان حديث عهد بالإسلام أو نشأ في بادية بعيدة عن العلم وأهله.
الحج يجب مرة واحدة:
أجمع العلماء على أن الحج لا يتكرر ، وأنه لا يجب في العمر إلا مرة واحدة – إلا أن ينذره فيجب الوفاء بالنذر – وما زاد فهو تطوع
قال تعالى: ” وَأَتِمُّواْ الحج وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ” البقرة:196
وقال تعالى: وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِىٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ” آل عمران:97.
وَمَن كَفَرَ أي ومن كفر بوجوب الحج
وقال تعالى: وَأَذّن فِى النَّاسِ بِالحج يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلّ فَجّ عَميِقٍ ” الحج:27،.
وعن أبي هريرة قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ” يا أيهاالناس ، إن الله كتب عليكم الحج فحجوا ” ، فقال رجل : أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا ثم قال صلى الله عليه وسلم ” لو قلت : نعم ، لوجبت، ولما استطعتم ” ثم قال : ” ذروني ما تركتكم ، فإنما أهلك من كان قبلكمكثرة سؤالهم ، واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه مااستطعتم ، وإذا نهيتكم عن شئ فدعوه ” رواه البخاري ومسلم.
لماذا فُرض الحج مرة واحدة؟
الحج عبادة متميزة لأنه عبادة بدنية ومالية، الصلاة والصيام عبادتان بدنيتان والزكاة عبادة مالية، اما الحج فهو عبادة تجمع بين البدنية والمالية، لأن المؤمن يبذل فيها جهدا ببدنه، ويبذل فيها ماله لأنه يسافر ويرحل فيحتاج لنفقات، لذلك نرى الحج هو الفريضة التي ذكر الله فيها من استطاع إليه سبيلا: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) والنبي صلى الله عليه وسلم حينما ذكر أركان الإسلام الخمسة ذكر”وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا” لأن كل إنسان قادر على أن يصلي أو يصوم، لكن ليس لكل إنسان أن يكون قادراعلى أن يذهب إلى الأرض المقدسة، لذلك كان من رحمة الله سبحانه وتعالى أن جعله مرة واحدة في العمر؛ لأن الله سبحانه لا يريد أن يكلف عباده شططا،ولا أن يرهقهم من أمرهم عسرا، يريد الله بهم اليسر ولا يريد بهم العسر،وما جعل عليهم في الدين من حرج.
فالتكليف في الإسلام بحسب الوسع (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)، ولذلك عندما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم” – كما في الحديث السابق ذكره – أيها الناس إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا” وقال قائل: أفي كل عام يارسول الله؟، وسكت، وأعادالسؤال، والنبي صلى الله عليه وسلم يسكت، حتى قال صلى الله عليه وسلم : “لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم”. فلا يستطيع الإنسان أن يؤدي الحج في كل عام، فأراده الله سبحانه مرة في العمر، فهذاتخفيف من ربنا ورحمة منه عز وجل.
ولم يكلف إلا كل من استطاع إليه سبيلا، ومعنى استطاعة السبيل كما جاء في بعض الأحاديث التي يقوي بعضها بعضا، أن يملك الزاد والراحلة، زاد الطريق والراحلة التي يركبها، بلغة عصرنا يملك نفقات السفر للبيت الحرام ونفقات الإقامةهناك على ما يليق بحاله.
فضل الحج من السنة:
1 – عن أبي هريرة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم،أي الأعمال أفضل ؟
قال : ” إيمان بالله ورسوله“
قيل : ثم ماذا ؟
قال : ” ثم جهاد في سبيل الله“
قيل : ثم ماذا ؟
قال : ” ثم حج مبرور” .
والحج المبرور هو الحج الذي لا يخالطه إثم.
وقال الحسن : أن يرجع زاهدا في الدنيا ، راغبا في الاخرة.
2 – وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت قلت : يا رسول الله ألا نغزوونجاهد معكم ؟ قال : ” لكن (بضم الكاف وتشديد النون) أحسن الجهاد وأجمله: الحج ، حج مبرور ” قالت عائشة : فلا أدع الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3. وعن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من حج فلم يرفث)يجامع زوجه) ولم يفسق (يعصى الله) رجع كيوم ولدته أمه (أي بلا ذنب)” رواه البخاري ، ومسلم.
4. وعن عمرو بن العاص قال : لما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : ابسط يدك فلأبايعك.
قال : فبسط فقبضت يدي!!!
فقال : ” مالك يا عمرو ؟”
قلت : أشترط ، قال : ” تشترط ماذا ؟”
قلت : أن يغفر لي ؟
قال : ” أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله ، وأن الهجرة تهدم ما قبلها ، وأن الحج يهدم ما قبله ” رواه مسلم.
5 -وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” تابعوا بين الحج والعمرة ، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب . كما ينفي الكير خبث (وسخ ) الحديد ، والذهب ، والفضة ، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة ” رواه النسائي ، والترمذي وصححه.
الكير : الآلة التي ينفخ بها الحداد والصائغ النار
والمعنى أن أعمال الحج والعمرة تزيل الذنوب وتنقي صحائف الأعمال وتطهرها من أدرانالمعاصي كما تصهر النار معدن الذهب والفضة وتزيل القذارة والأشياء العالقةبهما.
6 – وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” ” الحجاج ، والعمار ،وفد الله ، إن دعوه أجابهم ، وإن استغفروه غفر لهم ” ، رواه النسائي ،وحسنه الألباني
7 – روى البخاري ومسلم ، عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلاالجنة” .
وجوبه على الفور أو التراخي:
للعلماء قولا ن:
الأول:ذهب الشافعي ، والثوري ، والأوزاعي ، ومحمد بن الحسن إلى أن الحج واجب على التراخي ، فيؤدى في أي وقت من العمر ، ولا يأثم من وجب عليه بتأخيره متى أداه قبل الوفاة ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر الحج إلى سنة عشرة، وكان معه أزواجه وكثير من أصحابه ، مع أن إيجابه كان سنة ست فلو كان واجبا على الفور لما أخره صلى الله عليه وسلم.
الثاني:وذهب أبو حنيفة ، ومالك ، وأحمد ، وبعض أصحاب الشافعي ، وأبو يوسف إلى أن الحج واجب على الفور.
لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنرسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من أراد الحج فليعجل ، فإنه قد يمرض المريض ، وتضل الراحلة ، وتكون الحاجة ” . رواه أحمد
وعنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : ” تعجلوا الحج – يعني الفريضة – فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له ” رواه أحمد
أي : ما يعرض له من مرض أو حاجة.
وحمل الأولون هذه الأحاديث على الندب ، وأنه يستحب تعجيله والمبادرة به متى استطاع المكلف أداءه
الحج لماذا ؟
والمتأمل في نصوص الكتاب والسنة الخاصة بالحج إذا جمع معها ما يلمسه في الواقع المشاهد خلال أداء فريضة الحج تتجلى له الأهداف التالية:
1- الحج امتثال لأوامر الله واستجابة لندائه:
الحج امتثال لأوامر الله واستجابة لتعاليمه تتجلى فيه الطاعة الخالصة والإسلام الحق وصدق الله العظيم: : “وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ” لقمان:22.
2- الحج فيه تأسٍ (اقتداء) بأبينا إبراهيم عليه السلام:
لقد أمر الله أبانا إبراهيم عليه السلام أن يؤذن في الناس بالحج وكتب الله لمن شاء من عباده أن يلبوا هذا النداء رجالاً أو ركباناً، ففي الحج اقتداء بالصالحين وتأسي بمن أمرنا الله أن نتأسى بهم ونجعلهم قدوة حسنة لنا، يقول تعالى: “قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِى إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ “الممتحنة:4………. إلى قوله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الأَخِرَ.. الممتحنة:6.
3- الحج فيه ارتباط بمهبط الوحي:
الحج رحلة إلى الديار المقدسة مهبط الوحي ومتنزل التشريع، وكلما ارتبط المسلم بهذه البقاع الطاهرة كلما كان أقرب إلى الاقتداء بالرعيل الأول، الذين جاهدوا في سبيل الله وبلغوا شرعه إلى أنحاء المعمورة، وشتان بين مسلم يرتبط قلبه بمهابط الوحي ومنازل التشريع ومسلم يتعلق قلبه هنا أو هناك خلف عرض زائل أو قزم يتطاول، فكما أن الفرق شاسع بين الوسيلتين فكذلك في النتيجة.
4- في الحج إعلان عملي لمبدأ المساواة بين الناس:
تتجلى المساواة بأسمى صورها الواقعية في الحج، وذلك في صعيد عرفات حينما يقف الناس موقفاً واحداً لا تفاضل بينهم في أي عرض من أعراض الدنيا الزائلة بل التفاضل والفوز والفلاح بالتقى، يقول الحق تبارك وتعالى مؤكداً هذا المنهج السامي في الإسلام إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، ويقول تعالى: سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ [الحج:25].
5- في الحج تذكرة بيوم لقاء الله:
الحج يذكر المسلم بيوم لقاء الله وذلك إذا تجرد الحاج من ثيابه ولبى محرماً ووقف بصعيد عرفات، ورأى كثرة الناس ولباسهم واحد ويشبه الأكفان، فهنا تجول بالخاطر مواقف سيتعرض لها المسلم بعد وفاته فيدعوه ذلك للاستعداد لها وأخذ الزاد قبل لقاء الله.
6- في الحج توثيق لمبدأ التعارف والتعاون:
يقول الحق تبارك وتعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، ويتجلى تحقيق هذا المبدأ السامي في الحج حيث تتوثق الصلات ويقوى التعارف ويتم التشاور ويحصل تبادل الآراء، والتجارب والخبرات للسعي قدماً في النهوض بالأمة ورسم الطريق الأمثل لها لتتبوأ مكانتها القيادية على مر العصور والأجيال.
7- في الحج جمع للناس على مبدأ التوحيد:
في الحج تتجلى صورة التوحيد لدى المسلمين، فهم أولاء يتوافدون على الديار المقدسة ويجتمعون في أماكن محددة ويناجون رباً واحداً ملبين للنداء مذعنين للأمر منضوين تحت اللواء، يرفعون كلمة التوحيد ويعتصمون بالحبل المتين وصدق الله العظيم: إِنَّ هَاذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:92].
8- الحج مؤتمر سنوي للمسلمين:
وأخيراً فالحج مؤتمر سنوي عام للمسلمين يتدارسون فيه شئونهم وتجتمع فيه كلمتهم ويحنو فيه غنيهم على فقيرهم وتظهر فيه الوحدة الكبرى للمسلمين.