“يا أبت افعل ما تؤمر” منهجية تربوية في التعامل مع الأبناء

تاريخ الإضافة 24 يونيو, 2024 الزيارات : 162

يا أبت افعل ما تؤمر

ارتباط مناسك الحج بأسرة الخليل إبراهيم :

ارتبطت مناسك الحج والعمرة بأسرة الخليل إبراهيم في عده مواطن:

  • فإبراهيم الخليل عليه السلام شرفه الله مع ولده إسماعيل برفع القواعد من البيت.
  • وخلد الله تعالى أثر أقدام إبراهيم، وهو أثر في طاعه الله من خلال الحجر المعروف حاليا بمقام إبراهيم.
  • وخلد الله تعالى صبر التقية المحتسبة هاجر، وسعيها للبحث عن ماء أو غذاء لرضيعها بالسعي بين الصفا والمروة.
  • وجعل بركة طاعتها لأمر الله تعالى بمقامها بواد غير ذي زرع مع طفلها الرضيع بماء زمزم الذي يشرب ويرتوي منه الحجيج إلى يومنا هذا.
  • وخلد الله تعالى أثر رجم إبراهيم لإبليس لما أراد أن يذبح ولده وأراد الشيطان أن يوسوس له فرماه إبراهيم بالحجارة فبقي نسك رمي الجمار…  وحدث نفس الأمر مع هاجر ثم تعرض لإسماعيل… فهو يرمى بهذا المكان في الحج جمرة العقبة الكبرى يوم العيد سبع حصيات، ثم الجمرات الثلاث على أيام التشريق الثلاثة.

 كل هذا فيه لفت للأنظار لهذه المواقف الإيمانية لهذه الأسرة الربانية الكريمة.

بداية مشروعية الأضحية:

ونحن نرتبط بهذه المواقف مع نسك الأضحية؛ فالحجيج يذبحون الهدي ونحن تشرع لنا الأضحية، وبديتها أن الخليل إبراهيم رأى رؤيا أنه يذبح ولده وهذا الأمر ابتلاء صعب عسير لوالد رزق بابنه كما ذكرت التوراة أن عمر الخليل إبراهيم 86 سنة ، ورؤيا الانبياء حق، وكلم الخليل ولده كما قال تعالى:﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى [الصافات: 102] فقال الابن: ﴿ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [الصافات: 102]

وهنا وقفتان في هذه الآية:

 الوقفة الأولى: الأم الصالحة:

 الأم التي ربت إسماعيل وعلمتنا جميعا معنى التوكل على الله كما جاء في صحيح البخاري من حديث ابن عباس، لما أخذ إبراهيم هاجر مع ولدها إسماعيل ووضعها عند دوحة فوق زمزم، ولم يبن البيت بعد، وكأنت صحراء مقفرة، وكل من سافر إلى الحج والعمرة يعرف طبيعة هذه الأرض، فهي صحراء جرداء، ورمال ملتهبة، تعكس أشعة الشمس عليها فتكاد الأشعة المنعكسة أن تخطف الأبصار، ففي هذه الصحراء المقفرة يضع إبراهيم عليه السلام هاجر ورضيعها ويضع عندهما جراباً فيه تمر، وسقاءً فيه ماء وينصرف، فتنظر هاجر، فلا ترى إنساً بل ولا أُنساً! ولك أن تتصور هذا المشهد الذي يكاد يخلع القلب لو رأيت نفسك في صحراء لا ترى فيها شيئاً ولا تعرف فيها طريقاً ولا إنساً ولا أُنساً، ولا تملك ماءً ولا طعاماً ولا شراباً، كيف يكون حالك؟ 

ولما همَّ إبراهيم بالانصراف تعلقت به هاجر عليها السلام وقالتيا إبراهيم! إلى من تتركنا في هذا المكان؟ فسكت إبراهيم عليه السلام، وتعلقت به فأشار برأسه إلى السماء، فقالتآلله أمرك بهذا؟ قالنعم، قالتإذاً لا يضيعنا.

أيما دام الملك هو الذي أمر فانصرف، والله يسمع، ويرى، فهو يسمعنا ويرانا، إذاًلا يضيعنا! فانصرف إبراهيم عليه السلام وجلست هاجر، فنفد الطعام والشراب، ولكنها تحمل في قلبها توكلاً على الله جل وعلا لا تقوى الجبال على حمله، بل والله يعجز عن حمله الرجال إنه اليقين إنه التوكل إنه صدق الثقة بالله إنه صدق اللجوء إلى الله جل جلاله، فأتاها جبريل وقالمن أنت؟ قالتأنا أم ولد إبراهيم، فقال جبريلإلى من وكلكما -إلى من ترككما- في هذا المكان؟ فقالت هاجرإلى الله، فقال جبريلوكلكما إلى كافِ.(من الكفاية)

فهذه المرأة التي ألقى الله تعالى في قلبها معنى الثقة في الله ومعنى حسن التوكل على الله هي التي ربت هذا الغلام الذي قال: ﴿ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [الصافات: 102] هذا الغلام مع أمه الصابرة الصالحة خلد الله تعالى ذكرهما بسبب هذا الموقف، وأذن الله تعالى بالعمران في هذا المكان، والعمران دائما مرتبط في كل الحضارات بالماء إذا وجد الماء تجد العمران، وارتحال العرب في الجزيرة العربية شرقها وغربها كان بحثا وطلبا للماء، فعمر المكان بزمزم ثم جعله الله تعالى منسكا وشعيرة برفع القواعد وإقامة الكعبة إلى غير ذلك.

 وهنا أوجه كلمة لشبابنا:

عندما تختارأما لأولادك إنما تختار الأرض الطيبة الخصبة التي ستلقي فيها البذرة لتنبت نبتا صالحا، الزواج ليس قضاء وطر أو حاجة وانتهى الأمر وليس نزوة عارضة وتمضي … الزواج أسرة تبنى وعامل من عوامل استقرار الشخص نفسه واستقرار المجتمع ثم بعد ذلك تكون هذه الأم هي مربية الأجيال ومصنع الرجال فحسن الاختيار وعدم التعجل في اختيار الزوجة التي ستكون أما لأولادك تكون ثمرته-بإذن الله- أولاد بررة صالحين.

فلم يقل إسماعيل: ﴿ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [الصافات: 102] هكذا من فراغ إنما جاءت هذه الكلمات نتاج تربية تربى عليها مع أمه الصالحة الصابرة.

الوقفة الثانية: نلمح دفء في المشاعر بين إبراهيم وولده:

يقول له يا بني والابن يقول لأبيه يا أبت وأصلها يا أبي لكن التاء هنا أضيفت للتعظيم،  فهو يعظم والده ويجله بقوله: ” يا أبت “

 وتأمل هنا حينما يدعوه ويبين له بالحوار والإقناع رغم أن سيدنا إبراهيم حريص جدا على تنفيذ أوامر الله أول ما يأمره الله بالأمر لا يتأخر ولا يتردد لكن هنا عرض الأمر على ولده قال: :﴿ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى [الصافات: 102]

ونلاحظ  شدة البلاء حينما يأمر الله تعالى أن يتولى إبراهيم بنفسه الذبح ، لم يخبره الله أنه سيموت فيهون الأمر، ولا يطلب منه أن يرسل بابنه الوحيد إلى معركة، ولا يطلب منه أن يكلفه أمراً تنتهي به حياته.. إنما يطلب إليه أن يتولى هو بيده….. يتولى ماذا؟

يتولى ذبحه.. وهو ـ مع هذا ـ يتلقى الأمر هذا التلقي، ويعرض على ابنه هذا العرض؛ ويطلب إليه أن يتروى في أمره، وأن يرى فيه رأيه!

ونلاحظ أن إسماعيل كان هو الوحيد في  هذا الوقت ليس له إخوة آخرين.

لو تخيل أحدنا هذا الأمر ماذا لو أمرك الله بذبح ولدك وحيدك ؟ هل تقوى على ذلك ؟ والله إنه لبلاء لا يطيقه إلا الأنبياء .

وقوله : ( يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَام)عبّر بالمضارع، والرؤيا قد انتهت، فلم يقل : إني رأيت ، كأنّ إبراهيم عليه السلام يشاهد الرؤيا وقت كلامه مع ابنه، فهو يستحضر ذلك وهو يخاطبه، وهذا أهون في التزام الأمر.


يا الله! يا لروعة الإيمان والطاعة والتسليم.

هذا إبراهيم الشيخ الذي قارب المائة عام ، المقطوع من الأهل والقرابة، المهاجر من الأرض والوطن، ها هو ذا يرزق في كبره بغلام،  طالما تطلع إليه مشتاقا  فلما رزق به ما كاد يأنس به، ويبلغ معه السعي، ويرافقه في الحياة.. ، حتى يرى في منامه أنه يذبحه!!!

فلم يتردد، ولم يخالجه إلا شعور الطاعة، والتسليم.. إنه لا يلبي في انزعاج، ولا يستسلم في جزع، ولا يطيع في اضطراب.. كلا إنما هو القبول والرضا والطمأنينة والهدوء.

يبدو ذلك في كلماته لابنه وهو يعرض عليه الأمر الهائل في هدوء وفي اطمئنان عجيب:{ قال: يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك. فانظر ماذا ترى }الصافات 102

لماذا أخبر إبراهيم ولده بالأمر ؟

إن إبراهيم لم يأخذ ابنه على غرة ( فجأة) لينفذ أمر ربه، وينتهي؛  إنما يعرض الأمر عليه كالذي يعرض المألوف من الأمر؛ فالأمر في حسه هكذا….. ربه يريد !! فليكن ما يريد !!!

 وابنه ينبغي أن يعرف، وأن يأخذ الأمر طاعة واستسلاما، لا قهراً واضطراراً، لينال هو الآخر أجر الطاعة، وليسلم هو الآخر ويتذوق حلاوة التسليم!

إنه يحب لابنه أن يتذوق لذة التطوع التي ذاقها؛ وأن ينال الخير الذي يراه هو أبقى من الحياة وأقنى، فأَعْلَمَ اِبْنه بِذَلِكَ لِيَكُونَ أَهْوَن عَلَيْهِ وَلِيَخْتَبِرَ صَبْره وَجَلَده وَعَزْمَهُ فِي صِغَره عَلَى طَاعَة اللَّه تَعَالَى، وبره بوالده ( قَالَ يَا أَبَتِ اِفْعَلْ مَا تُؤْمَر ) أَيْ اِمْضِ لِمَا أَمَرَك اللَّه مِنْ ذَبْحِي( سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّه مِنْ الصَّابِرِينَ )أَيْ سَأَصْبِرُ وَأَحْتَسِب ذَلِكَ عِنْد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ .
إنه يتلقى الأمر لا في طاعة واستسلام فحسب، ولكن في رضى ويقين..

ولم يقُلْ: افعل ما تريد؛ لأن طاعته لأبيه هنا من باطن طاعته لله تعالى وامتثاله لأمر ربه، فهو يدرك تماماً أن أباه مُتلَقٍّ الأمر من الله، وإنْ جاء هذا الأمر في شكل رؤيا، إذن: هو يعلم رغم صِغَره أن رؤيا الأنبياء وَحْىٌ حَقٌّ.

الحوار مع الأبناء:

هناك نوعان من أنواع القيادة أو التربية:

الأول: التربية الإجبارية:

 مثل التربية العسكرية أوامر ونواهِ افعل لا تفعل إذا لم تفعل في عقاب وهذه التربية الجبرية أو العسكرية أسرع وأسهل من غيرها.

النوع الثاني: التربية بالإقناع:

 وهذه التربية هي المثمرة لأن التربية بالإكراه تؤدي للتمرد في أقرب فرصة على الأوامر لماذا؟ لأنه ليس عنده عقيده للأمر ويرى في تنفيذ الأمرعبودية .

 ولذلك لو قرأتم التاريخ كله أخطر شيء على الملوك والرؤساء هو الانقلابات العسكرية لماذا؟

 لأنه أول ما يشعر بالقوة فوق من يأمره يتمرد عليه ويعلو عليه.

 إنما التربية الصحيحة المثمرة تكون بالإقناع والحوار أبناؤنا أبناء هذا الجيل لا نستطيع أن نتعامل معهم بالتربية الجبرية أو بالإكراه افعل لماذا؟

هو تعلم أن يفكر، ويسأل ويتعلم؛ فلا ينفع في التربية أن نقول لأبنائنا: هو كده وخلاص… عيب …حرام …لأنك أنت مسلم …أنت ستكفر يا ابني …أنت صرت ملحدا… أنت بتشوف إيه …هو لا ملحد ولا كافر، ولا يحزنون، هو يريد أن يفهم ويتعلم.

 ربما نحن تربيتنا ليست على ما يرام تعودنا على أن الاب يأمر والأم تأمر والعم يأمر والخال يأمر والمجتمع كله يأمر.

ولذلك الإلحاد وجد مرتعا خصبا مع أولاد هذا الجيل بهذا المدخل لأنك مربي ابنك على أن الدين أشياء غير قابلة للنقاش والفهم ولا الحوار، ولو تجرأ وسألك تتهمه أنه كافر أو ملحد أو مرتد، وأنا لا أبالغ في كلامي، أنا أقصد ما أقول بمعنى الكلمة … في آباء إذا ناقشهم أولادهم يرميه بهذه التهم.

 وهذا نوع من أنواع الحصار أو الإرهاب الفكري لا مانع أن يسألوا ولا مانع أن يتعلموا لأن سؤاله ليس سؤال المتردد الحائر أو الذي يبحث عن الشك والكفر والعياذ بالله إنما كما قال إبراهيم لما قال له الله: ( أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) ابنك على خير والحمد لله لكن يريد أن يقتنع ويفهم.

 ابنك يقابل هنا بكندا نوعيات وجنسيات وأديان وثقافات وأفكار وأشياء غير ما كنا نسمع عنه في صغرنا أو في مجتمعاتنا أنت هنا في بيئة تموج موجا بالأفكار والمذاهب والأديان والثقافات والجنسيات والأعراق كل هذا يجعل هناك معترك في الأفكار وفي الثوابت في أذهان أولادنا.

فالإلحاد دخل على أولادنا من خلال الانترنت ومقاطع الفيديو المنتشرة والمتخصصة في هذا الموضوع من خلال شغّل عقلك الإسلام فيه شبهات كذا وكذا…. فشغلتهم التشكيك في الثوابت وإلقاء الشبهات ، ومع الشبهات يلقي إليه بالشهوات فصارت مواقع التواصل تشتغل لأن شياطين الإنس طبعا لا يهدأون ساعة.

 شهوات وشبهات… شهوات وشبهات… ليزعزع الثقة واليقين في العقيدة والدين فيقع أبناؤنا أسرى للأفكار الهدامة.

 فإذا لم يجر حوار بينك وبين ابنك ولم تعلمه ولم تحاوره ولم تفهم ما برأسه ولم تعطه مضاد لهذه الأشياء فماذا تتوقع؟

 فلا بد أن يكون عندنا نظرة أخرى للأمور في التعامل مع أبنائنا وبناتنا ، ورب العزة سبحانه وتعالى بين هؤلاء فقال:  (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم) في شياطين جن تستعمل شياطين إنس للمجادلة!!

 فلابد أن نتطور في معنى التربية والحوار مع أبنائنا بأن ننقلهم من الإيمان بالوراثة والتقليد إلى الإيمان بالاقتناع باليقين ، وكونه مسلم معتز بدينه يفهم كل أوامر الله عز وجل.

 ويفهم المقصد الشرعي من التشريعات الإلهية: ما الحكمة من أمر الله بكذا أو نهيه عن كذا؟

السؤال والحوار والأخذ والرد هذا يحتاج إلى هدوء ودفء أسري أب وابن، حتى لا أرى ابني بعد فترة وقع أسير الإلحاد والمرجفين وشبهاتهم ولا حول ولا قوه الا بالله.

 مشهد الذبح:

قال تعالى : ( فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَن يٰإِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلاَءُ ٱلْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ سَلاَمٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ ) [الصافات 110:103]

{ فلما أسلما وتله للجبين } يعنى: ألقاه على وجهه، حتى لا يرى أبوه وجهه ساعةَ يذبحه، فتأخذه الشفقة به، فلا يذبح، وكأن الولد يُعين والده ويساعده على إتمام الأمر، وهكذا الاستسلام واضحاً، فالولد مُلقىً على الأرض، والوالد في يده السكين، يحاول بالفعل ذَبْح ولده، وأىّ ولد؟ ولده الوحيد الذى رُزِق به على كِبَر.
إن الرجل يمضي فيكب ابنه على جبينه استعداداً.

وإن الغلام يستسلم فلا يتحرك امتناعاً، وقد وصل الأمر إلى أن يكون عياناً.

لقد أسلما.. فهذا هو الإسلام،  هذا هو الإسلام في حقيقته، ثقة وطاعة وطمأنينة ورضى وتسليم.. وتنفيذ.. وكلاهما لا يجد في نفسه إلا هذه المشاعر التي لا يصنعها غير الإيمان العظيم.

وهنا كان إبراهيم وإسماعيل كانا قد حققا الأمر والتكليف،  ولم يكن باقياً إلا أن يذبح إسماعيل، ويسيل دمه، وتزهق روحه.. وهذا أمر لا يعني شيئاً في ميزان الله، كان الابتلاء قد تم، والامتحان قد وقع، وغاياته قد تحققت، ولم يعد إلا الألم البدني، والله لا يريد أن يعذب عباده بالابتلاء، ولا يريد دماءهم وأجسادهم في شيء.
وعلم الله من إبراهيم وإسماعيل صدقهما،  فاعتبرهما قد أديا وحققا وصدقا،  فلما وصل إبراهيم وولده إلى هذه الدرجة من الاستسلام لله، ناداه الله { وَنَادَيْنَاهُ أَن يٰإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلاَءُ ٱلْمُبِينُ } الصافات: 104-106

يعنى: ارفع يدك يا إبراهيم عن ذبح ولدك الوحيد، فما كان الأمرُ إلا بلاءً مبيناً، أى: واضح قاسٍ عليك أنت وولدك، وهو مبين لأنه يُبين قوة عقيدة إبراهيم – عليه السلام – فى تلقِّى الأمر من الله، وإنْ كان صعباً وقاسياً، ثم الانصياع له والطاعة، وكذلك كان البلاء فى حَقِّ ولده الذى خضع وامتثل.

قوله تعالى: (إنّ هذا لهو البلاء المبين)، فيه دلالة على أنّ الأنبياء أشدّ الناس بلاء، ويشهد له قوله صلى الله عليه وسلم: (أشدّ الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبًا اشتدّ بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة)

وجاء الفداء:{ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ }الصافات: 107 ذبح بمعنى مذبوح، وهو الكبش الذي أنزله الله، فِداءً لإسماعيل.

ومضت بذلك سنة النحر في الأضحى، ذكرى لهذا الحادث العظيم الذي يرتفع منارة لحقيقة الإيمان ، وعظمة التسليم.

{ وتركنا عليه في الآخرين }..فهو مذكور على توالي الأجيال والقرون. وهو أمة ، وهو أبو الأنبياء.

وهذا يدل على أنّ عاقبة الصبر على البلاء محمودة، وذلك أنّ إبراهيم عليه السلام لما ابتلاه الله تعالى بذبح ابنه، امتثل لأمر ربه، وصبر على بلائه، فجزاه الله تعالى أن فداه بذبح عظيم، وجعل له ذكراً عطرا وثناء مباركاً في الآخرين، ورزقه غلاما آخر من الصالحين.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 14 مايو, 2024 عدد الزوار : 998 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن العظيم

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين