شرح الأربعون النووية 26- كل سلامى من الناس عليه صدقة

تاريخ الإضافة 28 فبراير, 2024 الزيارات : 256

شرح الأربعون النووية

26- كل سلامى من الناس عليه صدقة

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كل سلامى من الناس عليه صدقة ، كل يوم تطلع فيه الشمس : تعدل بين اثنين صدقة ، وتعين الرجل في دابّته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه صدقة ، والكلمة الطيبة صدقة ، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة ، وتميط الأذى عن الطريق صدقة ) رواه البخاري ومسلم .

( كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس ) السلامى هوالعظام التي بين كل مفصلين من أصابع الإنسان ، على كل سلامى وهبه الله للإنسان حق يؤديه لربه وقد ورد في السنة أن للإنسان ثلاث مئة وستون مفصلا ، كما ورد في صحيح مسلم من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةِ مَفْصِلٍ، فَمَنْ كَبَّرَ اللهَ، وَحَمِدَ اللهَ، وَهَلَّلَ اللهَ، وَسَبَّحَ اللهَ، وَاسْتَغْفَرَ اللهَ، وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ شَوْكَةً أَوْ عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، وَأَمَرَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ، عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلَاثِمِائَةِ السُّلَامَى، فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ) فحق على المسلم أن يؤدي حق جميع هذه المفاصل التي ركبها الله في بدنه ، وهذا تذكير بعظمة الله وقدرته على خلق الإنسان والإبداع في تركيبه وتنظيم عمل أعضائه ، على نحو تعجز عنه طاقات البشر وإمكاناتهم ، وقد جاء التذكير الرباني بهذه النعمة في عدة مواضع من كتاب الله ، يقول الله عزوجل : { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون } ( النحل : 78 ) ، ويقول أيضا : { يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ، الذي خلقك فسواك فعدلك ، في أي صورة ما شاء ركبك } ( الانفطار : 6 – 8 ) .

وقد يظن البعض أن شكر النعم يكون باللسان فقط ، والحقيقة أن هذا لا يكفي ، نعم : الشكر باللسان أمر مطلوب شرعا ، ولكن ينبغي أن يضمّ إليه الشكر بالعمل ، فيحقّق بذلك أعلى درجات الشكر للخالق ، وحين نستعرض الصور التي وردت في الحديث الذي نتناوله ، نجد أكثرها يدخل في باب الشكر بالعمل .

(تعدل بين اثنين صدقة ) بمعنى: أنك تصلح بين اثنين بينهما خصومة ومنازعة، فتجمع بين القلوب وتفض النزاع، وتدفع أسباب الشر بين المسلمين، فإن هذا الأمر تؤجر عليه، سواء كان ذلك بين الرجل وامرأته، أو بين الرجل وجاره، أو بين الرجل ومن يعامله بمعاملة كالأجير أو الشريك، أو نحو ذلك، فإن الإنسان يؤجر على هذا، فالعدل بين المتخاصمين شكر على نعمة اللسان الذي نطق بالحق ، وشكر على نعمة العقل الذي أعان العبد على اختيار الحق والقضاء به ، وشكر على نعمة الهداية والتوفيق التي أعانت على الإصلاح بين المتخاصمين ، ولو مضينا في ذكر هذه النعم فلن نحصيها عددا ، وحسبنا أن نعلم أن هذا العمل الخيّر هو من أفضل القربات إلى الله عزوجل ، كما أنه سبب تلتئم به المشاحنات التي تحصل بين الناس ، فهو إذا صدقة على المجتمع المسلم .

(وتعين الرجل في دابّته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه صدقة) هذا باعتبار الأزمنة السابقة حينما كان الناس يسافرون على الجمال، والدواب المعروفة، فلربما الرجل يحتاج إلى إعانة ليركب، ولربما يحتاج الرجل إلى إعانة ليحمل متاعه فتكون الأحمال، يكون العِدل من هاهنا، والآخر من هاهنا على جانبي البعير مثلاً أو الحمار، أو نحو ذلك، يحتاج إلى من يرفع معه هذا، وكانوا في السابق يتعبون من هذه القضايا في الأسفار وفي غيرها، فهذه الأحمال التي على الرواحل إذا نزلوا في محل اشتغلوا برفعها عنها ووضعها على الأرض، من أجل أن تستروح الدواب، ولربما ترعى، أو نحو هذا، وإذا أرادوا أن يرتحلوا حملها الرجال ووضعوها على ظهور هذه الدواب، فهذه أعمال تحتاج  إلى جهود، ولربما يكون الإنسان ضعيفاً، والشباب الأقوياء ربما الواحد منهم يحمل العِدلين بنفسه، ولكن الضعيف الرجل الكبير!، فلا يبقى يكابد ذلك، فهذا يؤجر عليه الإنسان.

واليوم إذا تعطلت سيارة أخيك فأعنه على إصلاحها، أو نحو هذا فإن الإنسان يؤجر على ذلك جميعاً.

(والكلمة الطيبة صدقة ) فكم كان للكلمة الطيبة من أثر واضح على كثير من الناس، وللكلمة الطيبة وجوه متعددة وصور متنوعة ، فهي الذكر لله عزوجل ، وهي الشفاعة الحسنة التي تقضي للناس حوائجهم ، وهي التسلية للمصاب لتخفف عنه بلاءه ، وهي الموعظة الصادقة التي ترشد العباد إلى ربهم ، وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهي كل ما يُسرّ بها السامع ، وما يجمع القلوب ويؤلفها .

(وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة) وهذا من كمال فضل الله وجوده بعباده أن جعل السعي إلى العبادة عبادة في الأجر وقد وردت أحاديث كثيرة تدل على فضل المشي إلى المساجد كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين: (ثُمَّ خَرَجَ إلى المَسْجِدِ، لا يُخْرِجُهُ إلَّا الصَّلَاةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً، إلَّا رُفِعَتْ له بهَا دَرَجَةٌ، وحُطَّ عنْه بهَا خَطِيئَةٌ).

وقد ورد فضل خاص للمشي في الظلمات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). رواه الترمذي.

وقد كان الصحابة رضي الله عنهم حريصون جدا على المشي ابتغاء للأجر العظيم قال أبي بن كعب رضي الله عنه: (كان رجل لا أعلم رجلا أبعد من المسجد منه، وكان لا تخطئه صلاة، فقيل له أو فقلت له: لو اشتريت حمارا تركبه في الظلماء وفي الرمضاء؟ فقال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد جمع الله لك ذلك كله). رواه مسلم.

فينبغي للمؤمن ألا يزهد في هذا الفضل العظيم وأن يحرص على المشي إلى المسجد فإن الصبر على مشقة ذلك من الجهاد ولا يستبدله بالركوب إلا لحاجة عارضة.

(وتميط الأذى عن الطريق صدقة ) إزالة الأذى عن طريق المسلمين عبادة لأنه داخل في الإحسان للخلق والله يحب الإحسان ويحب المحسنين ومن محاسن هذا الدين أن جعل كف الأذى عن الناس عبادة يتقرب بها المؤمن ويؤجر على فعلها.

وإزالة الأذى عن طريق المسلمين سبب لغفران الذنوب وتكفير الخطايا لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ). رواه البخاري.

 في رواية أبي ذر للحديث عند مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم في آخره: (وَيَجْزِي مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعهُمَا مِنْ الضُّحَى). وفيه دليل على أن من صلى ركعتين ضحى فقد أدى شكر يومه على نعمة البدن وذلك لأن الصلاة تشتمل على جماع الشكر والحمد والتوحيد والتأله لله عز وجل فمن أداها محتسبا موافقا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم كان شاكرا لربه ذلك اليوم فإن زاد عليها فعل النوافل التي أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم فقد جمع خصال الخير.

وقد دلت السنة على مشروعيتها واستحبابها قال أبوهريرة رضي الله عنه: (أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ لا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: صَوْمِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلاةِ الضُّحَى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ). متفق عليه.

وختاما : فإن أعمال العباد كلها لا تساوي قدر أقل نعمة من نعم الله المتكاثرة ، فلئن كان شكرها لا يوافي قدرها ، فلا أقل من رعاية الحواس حق الرعاية ، وصيانتها من استعمالها في غير مرضاة خالقها ومولاها ، لعل ذلك يكون أقل ما يجب.نسأل الله التوفيق والسداد.

الفوائد من الحديث:

1- أن كل إنسان عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس على عدد مفاصله.

2- الصدقة لا تنحصر في المال، بل إن الصدقات كثيرة، ومنها أنواع؛ الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومساعدة الآخرين، وكف الأذى.

3- المحافظة على الصلوات الخمس في جماعة المسجد.

4- الترغيب في إزالة الأذى عن الطريق، وما في معناه.

5- للبدن زكاة، كما أن للمال زكاة.

6-فضل صلاة الضحى.

 

 


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 74 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع