مراتب الأعمال التي نتقرب بها إلى الله
ما المقصود بمراتب الأعمال؟
ليست كل الأعمال التي يُؤمَر بها المسلم في مرتبة واحدة بل هي تتنوع وتتعدد وتتفاضل، وفقه مراتب الأعمال هو الفقه بمرتبة كل عمل وبمكانته في الدين حتى يأتيه الإنسان على الوجه الصحيح، والله سبحانه وتعالى يقول: {الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ والْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} فهي دعوة إلى اختيار أحسن الأعمال فلابد من معرفة مراتب الأعمال في الدين وفي الشريعة.
أولا/ التقرب إلى الله الفرائض:
لو أردنا أن نرتب درجات أو مراتب الأعمال الصالحة فإنه يأتي على رأسها أداء الفرائض وهي أعظم أجرا من السنن، وربما لأننا نسمع مشايخنا وعلماءنا يتكلمون عن الفضائل: فضل صيام التطوع، فضل الصدقة، فضل الأعمال الصالحة ؛ ربما يظن البعض أن الأعمال الصالحة التطوعية أو النوافل أفضل من الفرائض، وهذا خطأ لأن الفريضة لا يعدلها شيء، فلو فاتك صيام تطوع يوم اثنين أو خميس ممكن أن تعوضه، لكن لو أن شخصا أفطر يوما من رمضان متعمدا فلن يستطيع أن يعوض هذا اليوم أبدا.
وفي حديث في سنده ضعف لكن اقتبس منه المعنى: (من أفطر يومًا من رمضان لم يقبل منه صيام الدهر وإن صامه )، ولو فاتك صلاة الفجر وهي فريضة من الفرائض لا يغني عنها أبدا صلاة الليل بأكمله، وهكذا في كل الأمور .
يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) هذا هو الأصل الذي يحرص عليه المسلم، وهو أن يتقرب إلى الله أولا بما افترض الله عليه، وذلك لما ثبت من تعلق النجاة بفعل الفرائض؛ كما ورد في الحديث: أرأيت إذا صليت المكتوبات وصمت رمضان، وأحللت الحلال وحرمت الحرام، ولم أزد على ذلك شيئا أأدخل الجنة؟ قال: “نعم”.
ولأن الفرائض هي أركان الإسلام، والأمر بها جازم، فالثواب على فعلها والعقاب على تركها، بخلاف النوافل فالثواب على فعلها فقط، والفرض أفضل من النفل من حيث الثواب، فالفرض کالأصل والأساس والنفل کالفرع.
وقال عمر : “أفضل الأعمال أداء ما افترض الله، والورع عما حرم الله، وصدق النية فيها عند الله “.
فائدة: وفي قوله في الفرائض: “أحب إلى” إشارة إلى أن من غايات المولى على من فرض الفرائض: فتح الطريق أمام الناس للتقرب إليه بمحبوباته. فالله ما افترض الفرائض إلا ليقرب عباده منه، ويوجب للناس رضوانه ورحمته.
ولو أردنا ترتيب الأولويات فأول أولوية في حياتك أداء ما افترض الله عليك.
وهناك من انشغل بالنوافل وبالأعمال الصالحة، وترك الكثير من الفرائض، لكن لا يتقرب إلى الله بفعل النافلة حتى تؤدى الفريضة؛ فالمسلم في كل حياته حريص على إرضاء الله أولا بأداء ما افترض الله عليه.
ثانيا/ التقرب إلى الله بترك المحرمات:
الدرجة الثانية من مراتب الأعمال : ترك ما حرم الله عليك؛ وهذا يشمل جميع المحرّمات من فعل المنهيّات وترك المأمورات التّي جاء ذكرها في كتاب الله تعالى، وفي سنّة نبيّه المصطفى صلى الله عليه وسلم، كالشّرك وقتل النّفس والسّرقة والزّنا والنّميمة والكذب والخيانة وقولِ الزور وأكل الربا وعقوق الوالدين وقطع الرحم وشرب الخمر والسّحر وغيرها، فإذا اجتنب المسلم جميع ما نهى الله عنه ارتقى إلى أعلى مراتب العبودية، لكونه جاهد نفسه على ترك الحرام،وفي حديث أبي هريرة: (من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يعلم من يعمل بهن قلت أنا يا رسول الله فأخذ بيدي فعد خمسا فقال اتق المحارم تكن أعبد الناس وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب)رواه الترمذي بسند صحيح.
وقالت أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها موضّحةً ذلك المعنى: “من سرّه أن يسبق الدّائب المجتهد فليكفّ عن الذّنوب”
وقال الحسن البصريّ: “ما عَبد العابدون بشيء أفضلَ من ترك ما نهاهم الله عنه”
وكان بعض السلف يقول: لأن اترك دانقا من حرام أحب إلي من سبعين حجة نافله الدانق سدس الدرهم
فالظلم لا يعالجه مثلا الحج والعمرة ، وأكل الحرام لا يعالجه الحج والعمرة أكل الميراث لا يعالجه الحج والعمرة لابد في الحقوق من ردها لأهلها.
لا يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بفعل شيء مستحب عن طريق محرم:
هذا لا يقبله الله أبدا؛ لأن بعض الأخوة وهذا سؤال سئلت عنه كثيرا: شخص عنده أموال ووضعها في البنك ويأخذ عليها فائدة ربوية يكفل بها يتيما أو يضعها بمسجد أو يساعد أسرة محتاجة!!
كلا يا أخي لا يتقرب إلى الله بمعصيته أبدا، ولا ينال ما عند الله إلا بطاعته، والله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا فلا بد من تطهير الكسب حتى تنفق من طيب ما كسبت وهذا يشبه القصة المشهورة أن رجلا كان يسرق من الأغنياء ليعطي الفقراء.
فالإسلام لا يريد المجتمع أن يكون بهذا الشكل إنما يريد أن نكون أصحاب مبادئ لأن المبادئ لا تتجزأ حتى وإن كانت النية سليمة .
لكن إذا كان الشخص يأخذ الفلوس الربوية جاهلا أو عاصيا أو مقلدا لبعض مشايخ السوء الذين يقولون إن أموال البنوك استثمار وليست فوائد ربوية ثم انتبه من غفلته وأراد أن يعود إلى الله عز وجل فلا شك أنه سيتخلص من هذا المال هذا التخلص من المال لا يسمى صدقة إنما يسمى تطهير لأن الاسلام يرى أن المال الحرام ليس مالك ولذلك كان من الفتاوى السياسية للإمام السرخسي من فقهاء الحنفية أنه كان يفتي بجواز إعطاء الزكاة للأمراء الظلمة!!
وقال لأنا لو جردناهم من أموالهم لصاروا من الفقراء، ولعله قصد بهذا التورية بالإنكار عليهم بإسرافهم في أكل أموال المسلمين.
ثالثا/ فعل المستحبات وترك المكروهات:
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه) .
النوافل لغة: جمع نافلة وهي الزيادة. واصطلاحا: ما رجح الشرع فعله وجوز ترکه، ولا فرق بين النوافل الظاهرة: كتلاوة القرآن والذكر، والباطنة: كالزهد والورع، والنوافل أبواب كثيرة من سائر العبادات: كالصلاة بالليل، والصدقات، والإصلاح بين الناس، وإعانة المسلمين، والتيسير على معسرهم، وهكذا.
قال ابن رجب: “فمن أحبه الله رزقه محبته وطاعته والاشتغال بذكره وخدمته، فأوجب له ذلك القرب منه والزلفى لديه والحظوة عنده.
وقوله: “وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه” وقوله: “لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه” :
أفاد هذا أن أولياء الله على قسمين:
أصحاب اليمين: وهم من تقربوا إليه بأداء الفرائض، وهذا يشمل فعل الواجبات وترك المحرمات- كما سبق-
السابقون المقربون: وهم الذين تقربوا إلى الله بعد الفرائض بالاجتهاد في نوافل الطاعات والالتفات عن دقائق المكروهات من خلال الورع الذي يحجبهم عن الشبهات.
تنبیه: علم مما تقرر أن المراد من التقرب بالنوافل: أن تقع مع أداء الفرائض، لا مع إخلال بها…. فمن أقام النفل وأخل بالفرض، أو من شغله النفل عن الفرض فهو مغرور، ومن أقام الفرض وأخل بالنفل فهو معذور.
قال الغزالي رحمه الله تعالى: (المصلي لا تقبل له نافلة حتى يؤدي الفريضة). .
قال سلمان : الذي يكثر الفضائل، ولا يكمل الفرائض کمثل تاجر خسر رأس ماله، وهو يطلب الربح.
فالفرض هو الأساس والأصل، والنفل هو الفرع وباقي البناء، ولهذا تقدم الأصل في الذكر على الفرع .
وترك المكروهات لأنها كسور يحجزك عن الحرام، والتساهل فيها بريد للتساهل في الحرام، كما أن التساهل في ترك المستحبات سبيل للتساهل في ترك الواجبات وذريعة إليه، والمؤمن العاقل يتقي الشبهات كما قال صلى الله عليه وسلم: “فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه”.
ومن هوان الدين على كثير من الناس أنهم صاروا يسألون عن الشيء هل هو سنة ليتركوه وهل هو مكروه ليفعلوه لا العكس، والشأن أن يترك المكروه وإن لم يكن فاعله آثما ولكن الله يحب منه ترك هذا الشيء، وأن يفعل المستحب وإن لم يكن تاركه آثما لكن الله يحب منك فعل هذا الأمر.
(واجعلنا للمتقين إماما) :
وبعض الناس جعل العبادة هي شيء واحد فقط البعض يرى أن الصيام هو أعلى العبادات وما دونه ليس من العبادات انظر ما هي العبادة التي فتح الله عليك بها قول الله تعالى: (واجعلنا للمتقين إماما) ليس المقصود بها أن تكون إمام في قبلة الصلاة فقط هذا نوع من أنواع الإمامة لكن ممكن أن تكون إماما في كفالة اليتيم، أو إماما في إطعام المسكين أو إماما في الدعوة إلى الانفاق في سبيل الله عز وجل أو إماما في الصلح بين الناس أو إماما في قضاء حاجات الناس.
فهناك من فتح الله عليه في الصيام اللهم تقبل يصوم رمضان والستة من شوال والأيام البيض وعرفة وعاشوراء وشعبان ما شاء الله …. لكن لو عندنا شخص يضعف عن الصيام لأنه مريض فالصيام يضره، وربما صام رمضان بالكاد، أو ربما لم يستطع صيام جميع الأيام فهذا يفطر، ويبحث عن عبادة أخرى.
وهناك من فتح الله عليه في عبادة الصدقة يتصدق يمينا وشمالا ويعطي وينفق أغناه الله ووسع الله عليه فهو لا يقصر في النفقة
وهناك من فتح الله عليه في القرآن يحفظه ويتلوه يتدبره، ويفسره ويعلمه وكان عبد الله بن مسعود يقول: إنه لا يكثر من صيام النافلة وقال: لأنه يشغلني عن تلاوة القرآن.
وهناك من فتح الله عليه في عبادة الإصلاح بين المتخاصمين، يجلس ساعتين وثلاثة وأربعة، يصلح بين اثنين متخاصمين هذه عبادة من العبادات
إذن فانظر ما هي العبادة التي فتح الله عليك بها فإن ُسد باب من أبواب العبادة فقد فتح الله لك أبوابا أخرى.
فإذا فتح لك باب عبادة ورأيت نفسك فيه فاستمر في هذا الباب عسى أن يكون هذا الباب هو الموصل إلى مرضاة الله عز وجل.