تفسير قوله تعالى : (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ )

تاريخ الإضافة 14 أكتوبر, 2024 الزيارات : 11163
تفسير قوله تعالى : (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ )
نعيش اليوم مع آية من كتاب الله عز وجل لنفهمها ونتدبرها ونعمل بها امتثالا لقول الحق جل وعلا (افلا يتدبرون القرآن ) محمد 24 ، ولنفقه المثل الذي ضربه الله فيها قال تعالى: ( وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ) [العنكبوت: 43]
إنها آية النور من سورة النور يقول فيها الحق تبارك وتعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [(35) سورة النــور]

قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} :

النور اسم من أسماء الله الحسنى وصفة من صفاته تعالى العليا، وهي صفة ذات لازمة له تعالى على ما يليق به، فلم يزل ولا يزال سبحانه وتعالى متصفاً بها. 

وهذا النور الذي هو اسمه وصفته تعالى لا يشبه نور المخلوقين وإنما هو نور يليق بعظمته وكبريائه وجلاله تعالى ولا يعلم كيفيته إلا هو سبحانه وهو القائل جل وعلا: ( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا )طه:110
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في شفاء العليل:
ولما كان النور من أسمائه الحسنى وصفاته كان دينه نوراً ورسوله نوراً، وداره نوراً يتلالأ، والنور يتوقد في قلوب عباده المؤمنين ويجري على ألسنتهم ويظهر على وجوههم. ا.هـ
هل رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج ؟ 
اختلف العلماء في ذلك على قولين : 
الاول : رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج بعين رأسه ، وهذا مروي عن ابن عباس وروي أيضا عن الإمام أحمد ، قال ابن عباس في قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ المَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً) قال : هي رؤيا عين أريها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به ، وهو مروي عن الإمام أحمد .
 
والقول الثاني : أنه رآه بعين قلبه ولم يره بعين رأسه ، وهذا هو الصواب الذي عليه المحققون ، وهو قول عائشة رضي الله عنها ، وقد قالت لمسروق لما قال لها : هل رأى محمد ربه ؟ قالت : لقد قف شعري مما قلت ، ثم قالت : من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب . 
وهذا هو الصواب : أنه رآه بعين قلبه ، لا بعين رأسه ، والأدلة في هذا كثيرة منها قول الله تعالى : (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيم) ونبينا بشر ، ما كان لبشر أن يكلم الله إلا من وراء حجاب ؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن يرى الله في الدنيا ونبينا بشر كلم الله من وراء حجاب ، ولهذا لما سأل موسى الرؤيا في الدنيا قال : ( وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ المُؤْمِنِينَ) الأعراف 143
ومن الأدلة حديث أبي ذر في صحيح مسلم لما قال للنبي صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك ؟ قال : نور أنى أراه يعني النور حجاب يمنعني من رؤيته كيف أراه . 
وحديث أبي موسى في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه حجابه النور ، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ) ونبينا من خلقه فلو كشف حجاب النور لاحترق. 
السبحات: يقال في السبحة: إنها جلال وجهه ونوره 
ومعنى : ( لأحرقت سبحات وجهه) أي أنوار وجهه التي توجب تعظيمه وتنزيهه عن صفات المخلوقات وتسبيح الله تعظيمه وتنزيهه عن ذلك 
ولأن الرؤية ،رؤية الله نعيم ادخره لأهل الجنة ، وليس لأهل الدنيا والنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك من أهل الدنيا فهي نعيم خاص بأهل الجنة .
 فالصواب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه بعين رأسه وإنما رآه بعين قلبه (أي ببصيرته)،وهذا هو الصواب الذي أجمع عليه المحققون .
 وقد جمع بينهما شيخ الإسلام ابن تيمية قال : ما روي من الآثار وعن الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه محمول على رؤية الفؤاد ، وما روي أنه لم يره محمول على رؤية البصر . 
فالنصوص التي فيها أن النبي لم يره يعني لم يره ببصره ، والنصوص والآثار التي بأنه رآه محمول عنه أنه رآه بقلبه وعلى ذلك تتفق النصوص ولا تختلف .
 إذن فالله جل في علاه من صفاته الذاتية أنه نور والنور من صفاته الفعلية فنور السماوات والأرض من نوره جل وعلا .
هذا وللعلماء في تفسير الآية {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} قولان :
الاول : الله منور السموات والأرض وهذا كقوله عز وجل : “وأشرقت الأرض بنور ربها ” ، فهذا إشراقها يوم القيامة بنوره تعالى ، 
وفي الحديث: (اللهم لك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن…)
 ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه “أعوذ بنور وجهك الكريم أن تضلني لا إله إلا أنت “صححه ابن القيم في كتابه الصواعق المرسلة  
وفي الأثر الآخر “أعوذ بوجهك أو بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات “ضعفه الألباني 
 فأخبر صلى عليه وسلم : أن الظلمات أشرقت لنور وجه الله ، كما أخبر تعالى أن الأرض تشرق يوم القيامة بنوره .
وفي معجم الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ليس عند ربكم ليل ولا نهار . نور السموات والأرض من نور وجهه .قال ابن تيمية في الفتاوى اسناده ثابت 
وهذا الذي قاله ابن مسعود رضي الله عنه أقرب إلى تفسير الآية من قول من فسرها بأنه هادي أهل السموات والأرض ، وأما من فسرها بأنه منور السموات والأرض ، فلا تنافي بينه وبين قول ابن مسعود ،والحق أنه نور السموات والأرض بهذه الاعتبارات كلها .
المعنى الثاني : الله هادي أهل السموات والأرض وهو قول ابن عباس ، يعني هو الذي يقذف نور الهداية والتوفيق لعباده المؤمنين .
قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى: ثم قول من قال من السلف: هادي أهل السموات والأرض لا يمنع أن يكون في نفسه نوراً، فإن من عادة السلف في تفسيرهم أن يذكروا بعض صفات المفسر من الأسماء أو بعض أنواعه، ولا ينافي ذلك ثبوت بقية الصفات للمسمى، بل قد يكونان متلازمين ولا دخول لبقية الأنواع فيه. انتهى
وقال أيضاً في موضع آخر: فقول من قال الله نور السموات والأرض، هادي أهل السموات والأرض كلام صحيح، فإن من معاني كونه نور السموات والأرض أن يكون هادياً لهم أما إنهم نفوا ما سوى ذلك، فهذا غير معلوم وأما إنهم أرادوا فقد ثبت عن ابن مسعود قال: إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار نور السموات من نور وجهه وقد تقدم عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر نور وجهه وفي رواية: النور ما فيه كفاية، فهذا بيان معنى غير الهداية، وقد أخبر الله في كتابه أن الأرض تشرق بنور ربها، فإذا كانت تشرق من نوره كيف لا يكون هو نوراً. انتهى
وقال كذلك رحمه الله: وكذلك من قال منور السموات والارض لا ينافي أنه نور فهما متلازمان.
قال ابن القيم: وهذا هو النور الذي أودعه الله في قلب عبده من معرفته ومحبته والإيمان به وذكره, وهو نوره الذي أنزله إليهم فأحياهم به وجعلهم يمشون به بين الناس وأصله في قلوبهم, ثم تقوى مادته فتتزايد حتى يظهر على وجوههم وجوارحهم وأبدانهم, بل وثيابهم ودورهم, يبصره من هو من جنسهم وسائر الخلق منكرًا، فإذا كان يوم القيامة برز ذلك النور وصار بأيمانهم يسعى بين أيديهم في ظلمة الجسر حتى يقطعوه”
قال تعالى : ( مثل نوره ) أي مثل هداه في قلب المؤمن أو مثل نور المؤمن الذي في قلبه .
قوله تعالى: (كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ) والمشكاة هي الكوة التي في الجدار والمصباح: إناء صغير يُوضَع فيه زيت أو جاز فيما بعد، وفي وسطه فتيل يمتصّ من الزيت فيظل مشتعلاً.
 قوله تعالى: (المصباح في زجاجة ) وفي زماننا نطلق المصباح على الآلة كلها، وأما في لغة القرآن فالمصباح المراد به الفتيلة، وهذا ظاهر؛ لأن الله قال: “الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ” والفتيلة تقع داخل الزجاجة، ونحن نضع الزجاجة على المصباح لأن الفتيل إذا بقي في الهواء تلاعبَ به وبدَّد ضوؤه وسبَّب دخاناً؛ لأنه يأخذ من الهواء أكثر من حاجة الاحتراق؛ لذلك جعلوا على الفتيل حاجزاً من الزجاج ليمنع عنه الهواء، فيأتي الضوء منه صافياً لا دخانَ فيه، وفي مصر يسمون هذا الدخان (هباب).
قوله تعالى: (الزجاجة كأنها كوكب دري) لصفائه ونقائه يعني مضيء كالدر. والعرب تسمي ما لا يعرف من الكواكب دراري.
قوله تعالى:  (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ) فالله يشهد أن هذه الشجرة مباركة، أي: كثيرة النفع ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما حسنه بعض العلماء: (كلوا الزيت وادهنوا به، فإنه يخرج من شجرة مباركة) يعني عليه الصلاة والسلام: زيت الزيتون، وقد ذكر له الأطباء الأوائل جملة من الفوائد فهو كثير النفع، ويقول المؤرخون عن شجرة الزيتون : إنها أول شجرة نبتت بعد الطوفان، حتى إنهم الآن يجعلون غصن الزيتون رمز السلام . 
قوله تعالى: ( زيتونة لا شرقية ولا غربية) أي: أنها لا تأتيها الشمس من ناحية المشرق ولا من ناحية المغرب، بل هي وسط بين ذلك، لا تتعرض مباشرة للشمس، وأهل الاختصاص يقولون: وهذا أحسن ما يكون من الزيتون، وهو الذي لا يتعرض للشمس تعرضاً مباشراً، أي: يأخذ منافع الشمس ولا تحرقه الشمس. 
قوله تعالى: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} أي: من صفاء زيتها وجودته وحسنه يكاد من صفائه يشتعل ويتوهج دون أن تمسه النار، وهذا يتنزل على قلب المؤمن الذي بداخله مادة الإيمان، إذا كان القلب أبيض، وفيه الإيمان والفطرة السليمة، فيكاد هذا يتوافق مع ذاك، مادة الإيمان والفطرة السليمة مع قلب أبيض، يكاد هذا الرجل يتكلم بالحكمة قبل أن يأتيه الدليل من كتاب الله أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا كان الشخص متخففاً من الذنوب وأثقالها، متخففاً من مظالم العباد، بداخله فطرة سليمة وإيمان يكاد ينطق بما يوافق الدليل قبل أن يأتيه الدليل من الكتاب والسنة. 
فزيت الزيتون إذا أشعلته (بالكبريت) فإنه يتوهج ويعطي أحسن الإضاءة، كذلك إذا جاءت المؤمن -الذي فطرته سليمة- الأدلةُ من الكتاب والسنة ازداد نوراً على نور.
فمثلاً: عمر لفطرته السليمة وإيمانه العظيم، كان يتكلم بالحكمة قبل أن يأتيه الدليل من رسول الله، فإذا جاء الدليل من رسول الله صلى الله عليه وسلم توهج هذا مع ذاك، قال للرسول صلى الله عليه وسلم: (لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى يا رسول الله! فنزلت: “وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى “البقرة:125، وقال للرسول صلى الله عليه وسلم: (لو أمرت نساءك بالحجاب يا رسول الله! فتنزل آية الحجاب)، وقال للرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تقبل الفدية من أُسارى بدر يا رسول الله! فينزل قول الله تعالى: “مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ” الأنفال:67
 وهكذا تأتي موافقات عمر لربه سبحانه، يتكلم بمقتضى الدليل قبل أن يأتي الدليل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: {نُّورٌ عَلَى نُورٍ} أي اجتمع في المشكاة ضوء المصباح إلى ضوء الزجاجة وإلى ضوء الزيت فصار لذلك نور على نور، فكذلك براهين الله تعالى واضحة وهي برهان بعد برهان، وتنبيه بعد تنبيه، كإرساله الرسل وإنزاله الكتب ومواعظ تتكرر فيها لمن له عقل معتبر. 
قال ابن كثير: { نُورٌ عَلَى نُورٍ }: “نور النار ونور الزيت حين اجتمعا أضاءا ولا يضيء واحد بغير صاحبه, كذلك نور القرآن ونور الإيمان حين اجتمعا فلا يكون واحد منهما إلا بصاحبه” 
نعم فالقلب المتخفف من الذنوب والآثام والمعاصي، المليء بالإيمان، إذا جاءه علم الكتاب والسنة ازداد بهاءً على بهائه، وحسناً إلى حسنه، لكن هذا النور المتفضل به في الأصل هو الله سبحانه وتعالى، فهو الذي يهدي لنوره من يشاء، كما قال سبحانه: ” وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ “الحجرات:7.
فهذا النور أصله من الله سبحانه وتعالى، فهو المتفضل به على العباد، ومن ثم يقول أهل الإيمان في أُخراهم: “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ” الأعراف:43
قوله تعالى: (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ) وذلك لئلا يقول قائل: إن الأمر واضح، فنحن سنهتدي إليه، فأخبر الله جل وعلا أنه ليس الأمر كذلك، وإن كان واضحاً جلياً، فقال: “يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ” 
قوله تعالى:  (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) أي: عليم بمن يستحق الهداية فيهديه، وعليم بمن يستحق الغواية فيغويه سبحانه وتعالى، يهب لهذا الإيمان، وهذا تزل قدمه في الكفر والعياذ بالله! (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ) [الرعد:8 ]
قال ابن القيم: وضرب الله عز وجل لهذا النور ومحله وحامله ومادته مثلاً بالمشكاة وهي الكوة في الحائط فهي مثل الصدر, وفي تلك المشكاة زجاجة من أصفى الزجاج وحتى شبهت بالكوكب الدري في بياضه وصفائه وهي مثل القلب, وشبهها بالزجاجة لأنها جمعت أوصافًا هي في قلب المؤمن, وهي الصفاء والرقة والصلابة, فيرى الحق والهدى بصفائه, وتحصل منه الرأفة والرحمة والشفقة برقته؛ ويجاهد أعداء الله تعالى ويشتد في الحق بصلابته, ولا تبطل صفة منه صفة أخرى ولا تعارضها, بل تساعدها وتعاضدها…….. وفي الزجاجة مصباح وهو النور الذي في الفتيلة وهي حاملته ولذلك النور مادة… وهو زيت قد عصر من زيتون في أعدل الأماكن, تصيبها الشمس في أول النهار وآخره فزيتها من أصفى الزيت وأبعده عن الكدر حتى إنه ليكاد من صفائه يضيء بلا نار, فهذه مادة نور المصباح, وكذلك مادة نور المصباح الذي في قلب المؤمن هي من شجرة الوحي التي هي أعظم الأشياء بركة وأبعدها من الانحراف, بل هي أوسط الأمور وأعدلها وأخفها… ولما كان ذلك الزيت قد اشتد صفاؤه حتى كاد أن يضيء بنفسه ثم خالط النار فاشتدت بها إضاءته وقويت مادة ضوئه النارية, كان ذلك نورًا على نور… فليتأمل اللبيب هذه الآية العظيمة ومطابقتها لهذه المعاني الشريفة “ا. هـ
ومعنى المثل :
أن الكوة -المشكاة- هي قلب المؤمن، والمصباح يضيء من خلال الزيت فاجتمع في الكوة سببان للإضاءة المصباح والزيت ، الزيت هو الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، والمصباح هو الآيات البينات المنزلة من الله علينا ، وهذه الفطرة لنقائها وصفائها تكاد تهدي صاحبها من غير دليل كما أن الزيت لنقائه وصفائه يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار ، فإذا مسته النار أضاء كأعلى وأنقى إضاءة ، وكذلك المؤمن يتلقى قلبه الآيات البينات فيزداد هدى ونورا ويقينا بالله .
إذن فقلب المؤمن فيه نورين نور الفطرة ، ونور الآيات المنزلة؛ فيكون عنده شفافية وصفاء واشراق ليس في قلبه ظلمة ولا حب للمعصية، ولا إقبال على مساخط الله ومعصيته انما يبصر ويرى بنور الله عز وجل.
وهذا الذي كان يدعوه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ذاهب الى المسجد فيسأل ربه عز وجل هذا النور فيقول: (اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي لساني نوراً، وفي سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، ومن أمامي نوراً، ومن خلفي نوراً، ومن فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن يساري نوراً، اللهم أعظم لي نوراً) فالرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن تكون حركته في هذا الكون كلها استمداد للنور من الله فلا يخطو خطوة ولا تتحرك فيه جارحة إلا على نور من ربه ، ومعنى هذا الدعاء قد جاء في الآية الكريمة : ﴿قلۡ إن صلاتی ونسكی ومحۡیای ومماتی لله رب ٱلۡعٰلمین لا شریك له وبذ ٰ⁠لك أمرۡت وأنا۠ أول ٱلۡمسۡلمین ﴾ [الأنعام 162-163]
فتكون كل حركة للمؤمن في الدنيا هي حركة لمرضاة الله جل وعلا، وهو بطبيعته يفر من كل ظلمة ويبتعد عن كل فتنة يشرق قلبه بالقرآن ويستقبل هداية السنة ويسمع لكلام الله وكلام رسوله ويستجيب فهو من الذين قال الله فيهم: ﴿إنما كان قوۡل ٱلۡمؤۡمنین إذا دعوۤا۟ إلى ٱلله ورسولهۦ لیحۡكم بیۡنهمۡ أن یقولوا۟ سمعۡنا وأطعۡنا وأو۟لٰۤىٕك هم ٱلۡمفۡلحون﴾ [النور:51]
اللهم اجعلنا منهم.
وشأن المنافقين أنهم أضاء نور الإيمان في قلوبهم لكن هذا النور لم يتلقى مادة الاشتعال لأن القلب خبيث والعياذ بالله القلب مليء بالظلمة فإذا جاء نور القرآن لم يجد المادة التي تستمد منه فينطفيء النور ، قال تعالى: ﴿مثلهمۡ كمثل ٱلذی ٱسۡتوۡقد نارࣰا فلماۤ أضاۤءتۡ ما حوۡلهۥ ذهب ٱلله بنورهمۡ وتركهمۡ فی ظلمٰتࣲ لا یبۡصرون ﴾ [البقرة: 17]
قال السعدي رحمه الله :” أي: مثلهم المطابق لما كانوا عليه كمثل الذي استوقد نارا ، أي: كان في ظلمة عظيمة ، وحاجة إلى النار شديدة فاستوقدها من غيره ، ولم تكن عنده معدَّة ، بل هي خارجة عنه ، فلما أضاءت النار ما حوله ، ونظر المحل الذي هو فيه ، وما فيه من المخاوف وأمنها ، وانتفع بتلك النار، وقرت بها عينه ، وظن أنه قادر عليها، فبينما هو كذلك ، إذ ذهب الله بنوره ، فذهب عنه النور، وذهب معه السرور، وبقي في الظلمة العظيمة والنار المحرقة ، فذهب ما فيها من الإشراق، وبقي ما فيها من الإحراق، فبقي في ظلمات متعددة: ظلمة الليل، وظلمة السحاب، وظلمة المطر، والظلمة الحاصلة بعد النور، فكيف يكون حال هذا الموصوف؟ فكذلك هؤلاء المنافقون ، استوقدوا نار الإيمان من المؤمنين ، ولم تكن صفة لهم، فانتفعوا بها وحقنت بذلك دماؤهم ، وسلمت أموالهم ، وحصل لهم نوع من الأمن في الدنيا، فبينما هم على ذلك إذ هجم عليهم الموت ، فسلبهم الانتفاع بذلك النور، وحصل لهم كل هم وغم وعذاب ، وحصل لهم ظلمة القبر، وظلمة الكفر ، وظلمة النفاق، وظلم المعاصي على اختلاف أنواعها ، وبعد ذلك ظلمة النار وبئس القرار ” .
انتهى من “تفسير السعدي” (ص 44) .
فقلب المنافق لا يستطيع ان يشرق مع نور الايمان، فتجد الناس صنفان كما قال الله تعالى : ﴿وإذا ماۤ أنزلتۡ سورةࣱ فمنۡهم من یقول أیكمۡ زادتۡه هٰذهۦۤ إیمٰنࣰاۚ فأما ٱلذین ءامنوا۟ فزادتۡهمۡ إیمٰنࣰا وهمۡ یسۡتبۡشرون ۝١٢٤ وأما ٱلذین فی قلوبهم مرضࣱ فزادتۡهمۡ رجۡسا إلىٰ رجۡسهمۡ وماتوا۟ وهمۡ كٰفرون ۝١٢٥﴾ [التوبة 124-125] نعوذ بالله من الخذلان ونعوذ بالله من حال أهل النار.
فالآيات واضحة عمن يستقبل هداية الله وقلبه مضيء بنور الإيمان وعمن كان في قلبه ظلمة بشرك أومعصية لله عز وجل اسمعوا لقوله تعالى: ﴿وإذا ذكر ٱلله وحۡده ٱشۡمأزتۡ قلوب ٱلذین لا یؤۡمنون بٱلۡٔاخرةۖ وإذا ذكر ٱلذین من دونهۦۤ إذا همۡ یسۡتبۡشرون﴾ [الزمر 45] نعوذ بالله قلوب مظلمة قلوب لا تقبل إلا على ما فيه مرض أو ظلمة أو معصية أو فجور أو كفر أو إلحاد فإذا جاءته الفتنة رحب بها وأقبل عليها كما قال الله عن عصاة بني إسرائيل: (واشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم) [البقرة:93 ] فالقلوب كالإسفنجة التي تتشرب كل شيء فهي جاهزة ومستعدة للكفر والعياذ بالله، فلما عرض عليهم السامري عبادة العجل أقبلوا عليها وعبدوا العجل من دون الله عز وجل ، وهذا الذي يدعونا إلى التحذير من الفتن وأنه لا ينبغي للمسلم كلما تراءت له فتنة أن ينزلق إليها قال تعالى: ﴿أولا یروۡن أنهمۡ یفۡتنون فی كل عامࣲ مرة أوۡ مرتیۡن ثم لا یتوبون ولا همۡ یذكرون﴾ [التوبة 126]
وهذا الذي دعاني أن أختار هذه الآية فقد كنا نتكلم في الأسبوع الماضي عن موضوع فتن الشبهات وأن هناك أنفس والعياذ بالله خبثت فهي تقبل على الفتن وتنقلها وتنشرها وتؤمن بها وهي تلبس عباءة الدين وتدلس على عباد الله في دينهم فتجد البعض يقول لي: إن زوجتي استمعت إلى فلان الفلاني الذي يقول إن الحجاب ليس فريضة إنما هو عادة من العادات العربية أو سنة من السنن المنقولة عن زوجات الرسول فخلعت الحجاب هذا قلب والعياذ بالله مستعد للفتنة لو كان قلبا مشرقا بالإيمان ما أشرب هذه الفتنة بهذه السهولة.
ونفس الحال فيمن يستحل الحرام أو ان يأكل الفوائد الربوية ويحتج بقول مشايخ السوء والضلال أنها استثمار أويقول هذا حقي هذا حق أولادي هذا اكتسبته بالتجارة هذا أمر قانوني هذا كذا هذا كذا…. وكذلك من يفرط في الصلاة ويبرر بأنه مشغول وأنه ينفق على الفقراء والمساكين وما شابه ذلك من الأمور الكثيرة.
طلب الهداية من الله :
فإذا كان النور يهدي إلى الله فلا تطلب الهداية إلا من الله (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ) فكم من أناس حرموا هذا النور وأعطاك الله إياه ؛فهذا فضل محض من الله ، كم من أساتذة عندهم من العلم والمكانة والوجاهة ولكنهم غاب عنهم نور الله فلم يتعرف على ربه .
وإذا كان الإنسان يشرف بقدر ما يعلم ؛ فهل هناك أشرف من العلم بالله فهو أشرف معلوم ، ومن أعجب الأمور أن الإنسان الغربي بلغ ما بلغ من العلم وعلى الرغم من ذلك تجده إنسان جاهل بالله الذي خلقه ، فهذه مصيبة الحضارة المادية التي علقت الناس بالمادة وأنستهم الله الذي خلقهم .
لقاء الدكتور عبد المجيد الزنداني بطبيب بريطاني :
يقول الدكتور عبد المجيد الزنداني في إحدى محاضراته :جرت مجادلة بيني وبين أحد علماء بريطانيا: البروفسور كروستوفر بالس ، وهو طبيب من مشاهير علماء بريطانيا في الطب ، فقلت له : هل وُجِدَت عينك لحكمة ؟ 
قال : نعم . 
قلت : وهل وُجِدَ أنفك لحكمة ؟ 
قال : نعم. 
وأخذت أعدد أعضاء الجسم . 
فقال لي : هذه مواضيع أبحاث علمٍ يسمى علم وظائف الأعضاء لا يتخرج الطبيب من أي كلية في الطب إلا إذا درسه . 
فقلت له : هل الحكمة من هذا العضو خاصة بالعضو نفسه ، أم أنها من أجل الكل؟ 
(أردت أن يعترف أن الحكمة من الأجزاء ليست من أجل الأجزاء نفسها وإنما من أجل الكل). 
فقال: أرأيت لو جئت بالجهاز الهضمي وحده من دون الجسم أله قيمة؟ 
قلت: لا . 
قال: كيف تقول: إن الأعضاء والأجهزة أحكمت من أجل نفسها ولم تحكم من أجل الكل؟ 
قلت له: أنا كنت أسأل وأنت قد أجبتني .
فما الحكمة من هذا الكل؟ (يقصد الإنسان)
فبهت وأطرق برهةً وأدرك أنه وقع في الفخ!! 
وقال: هذه فلسفة ! 
قلت له: قبل قليل كان علماً (علم وظائف الأعضاء)!! لقد هربت ، وكنت أعلم أنك ستهرب ، وأنا أعلم لماذا ستهرب ، ولكن قبل ذلك عندي سؤال .. أفي استعمال حذائك حكمة ؟ 
قال: نعم لها فائدة: فهي تقيني الأذى، فهي تحمي قدمي من الاصطدام بالأجسام الثقيلة ومن الخدش بالأجسام الحادة ، ومن التضرر بالسوائل الضارة ، ومن تقلبات الجو ، ومن اختراق بعض الكائنات وغير ذلك . 
فقلت له: أ لوجودك حكمة ؟ 
فبهت مرة ثانية ! 
فقلت له: والله أني لأعجب يا برفسور من حضارتكم التي تقول لكم: إن الإنسان أحقر من نعله !! فلاستعمال الحذاء حكمة، ولابسها لا حكمة من وجوده!! 
أما لماذا لم تعرفوا الحكمة ولماذا هربت فذلك لأن الحكمة من خلقك لا تعرف إلا بتعليم من الخالق ، وأنتم لا تعرفون الخالق ، فكيف ستعرفون حكمة وجودكم؟! لذلك سيبقى الإنسان في نظركم أقل شأناً من الحذاء.
ولا طريق للتخلص من هذا إلا أن تعرف ربك لكي تعرف لماذا خلقك. 
وقلت له: يا دكتور سأضرب لك مثالاً: لو أن لدينا جهازا إلكترونيا معقدا غاليا ونريد أن نعرف الحكمة منه فليس هناك إلا طريق واحد وهو أن نتصل بالذي صنعه ؛ لأن الحكمة من هذا الجهاز مختفية في نفس الصانع . 
فأضاف قائلاً: أو نتصل بمندوبه . 
قلت : صدقت ؛ فإذا أردت أن تعرف الحكمة من خلقك فليس لك إلا أن تتصل بمندوبي الذي خلقك، وهم رسل الله عليهم الصلاة والسلام . 
وسيبقى الإنسان أحقر من حذائه ما لم يؤمن بالله ورسوله! لا يعرف الحكمة من وجوده، ولا يعرف ربه ، ولا يعرف لماذا دخل إلى هذه الدنيا ولماذا يخرج منها! 
 تنظيف القلب من الذنوب والمعاصي كما تنظف زجاجة المصباح:
المعهود قديماً عند أمهاتنا اللواتي كن يستعملن المصابيح الزيتية أو التي كانت تضاء بالجاز ، أن زجاجة المصباح يومياً تتسخ، يترسب عليها سواد، فتحتاج إلى أن تمسح وإلى أن تنظف، فكان من الورد اليومي للأمهات في الصباح أن تمسح زجاجة المصباح، تأتي بخرقة وتضع فيها بعض الماء القليل ثم تمسح بها زجاجة المصباح، كذلك قلب المؤمن يترسب عليه كل يوم سواد الذنوب، وآثار المعاصي 
هذه الذنوب ترسب على القلب سواداً، كما يترسب على زجاجة المصباح السواد، فيحتاج القلب إلى غسيل كما تحتاج زجاجة المصباح إلى غسيل، حتى تشع الضوء الذي بداخلها كاملاً إلى الكوة، والكوة تشع الضوء بدورها إلى الغرفة…..
أما إذا كانت زجاجة المصباح سوداء معتمة فلا يخرج منها ضوء إلى المشكاة، ولا يخرج منها ضوء إلى الغرفة، كذلك الإيمان الذي في القلب، ومعرفة الله التي بداخله، يحتاج الإيمان إلى أن يخرج من القلب إلى الجسد؛ حتى يملأ الصدر والجسد نوراً، فإذا كان العبد مذنباً فالأمر كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا أذنب العبد ذنباً نكتت على قلبه نكتة سوداء، فإن تاب وأقلع محيت، وإن عاد وأصر نكتت نكتة أخرى حتى يغطى القلب كله، ثم تلا: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14] ، فقال: هذا هو الران الذي ذكر الله في كتابه) .

فالسواد على القلب يمنع الإيمان ونور الإيمان من الخروج من القلب إلى الصدر، فتجد الصدر مظلماً، كما أن المشكاة تكون مظلمة إذا كانت الزجاجة سوداء، فتجد اليد تتحرك في ظلمة، والرجل تخطو في الظلمات، والعين تنظر في الظلمات، وهكذا يتحرك كبهيمة عمياء إذا كان القلب قد اسود من المعاصي.

 اسمعوا ماذا قال رسول الله دققوا معي يا اخواني هذا رسول الله أطهر قلب عرفته هذه الدنيا هذا رسول الله سيد ولد آدم خاتم الانبياء والمرسلين ماذا يقول: (إنه ليغان على قلبي) ما الفرق بين الغيم والغين؟ الغيم هو السحاب الثقيل الممطر، الغين هو سحاب الصيف الخفيف الذي ليس فيه أمطار الرسول يقول صلى الله عليه وسلم إنه قد يصيبه شيء من الغين يغان على قلبي أي انشغال بالسعي بالمعاش بالدنيا بالأولاد بالمشاكل الخاصة فالرسول يرى وهو صاحب القلب المشرق الذكي المنزل على قلبه الوحي من السماء إنه ليغان على قلبه ماذا تفعل يا رسول الله؟ (وإني لاستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من مئة مرة)

 ولذلك لما تستغلق عليك الأمور أو لما تقبل عليك فتنة أو لما تشعر بأنك لم تمسك بالمصحف لأسبوع أو لم تعد تستشعر الخشوع في الصلاة ولم تعد تشعر بحلاوة الدعاء والمناجاة استغفر نظف القلب طهر القلب حاول أن ترجع إلى حالة الصفاء والنقاء الذي كنت عليه فيشرق قلبك مرة ثانية.

وهذا الذي يعرف بقسوة القلوب أو ظلمة القلوب والتي سببها تراكم المعاصي معصية وراء معصية حتى يموت القلب أو كما قال النبي (يعلوه الران) طبقه من الصدأ لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا.

فإذا استغفر الشخص فقد غسل قلبه، فيخرج نور الإيمان منه إلى الصدر ويمتد هذا النور إلى الجوارح، فتجد الرِجْل لا تخطو إلا في طاعة الله، والعين لا تنظر إلا إلى ما يحبه الله، واليد لا تبطش إلا فيما يرضي الله، واللسان لا يتكلم إلا بما يرضي الله .
أما إذا كان القلب مظلماً مغطىً بسواد المعصية التي لم تغسل بالتوبة، ولم تغسل بالاستغفار، ولم تغسل برد المظالم إلى أهلها؛ ففي هذا الوقت يظلم الصدر ، فاليد لا تدري ماذا تصنع؟! هل تصنع خيراً أم شراً؟ كل الجوارح كذلك ،
ومن تحلى بسكينة الإيمان ألقى الله في قلبه كراهية المعاصي والذنوب ؛ فإن الإيمان حينما يعمر القلب يطرد منه التعلق بالمعاصي والآثام.
والمؤمن دومًا يرى المعصية قطعة من عذاب النار، يراها خزيًا في الدنيا وذلة، يراها كآبة وضيق صدر، يراها تبعده عن الله تعالى، بخلاف قليل الإيمان؛ فإنه يرى المعصية متعة ومكسبًا له .
فالطاعة تورث القلب نوراً وإشراقاً يظهر في العين وفي الوجه وفي الجوارح كما أن المعاصي تورث ظلمة تظهر في الوجه والجوارح.
فإن للطاعة نوراً كما قال ابن عباس ( إن للحسنة ضياءً في الوجه ونوراً في القلب وسعة في الرزق وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق ، وإن للسيئة سواداً في الوجه ، وظلمة في القلب ، ووهناً في البدن ، ونقصاً في الرزق ، وبغضة في قلوب الخلق .
رأيتُ الذنوب تُميتُ القلوب * * * وقد يُورِثُ الذُلُّ إدمانُها
وتركُ الذنوبِ حياةُ القلوب * * * وخيرٌ لنفسكَ عِصيانُها

اللهم نور قلوبنا بطاعتك اللهم نور قلوبنا بنور الوحي القرأن والسنة 

(2) تعليقات


  • ام أحمد

    جزاكم الله خير
    إستفدت استفادة عظيمه من هذا التفسير السهل الممتع القيم بارك الله فيكم.
    أتمنى تفسير ايه (ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون )
    لأني رأيت في رؤيا كأننا في حلقه تحفيظ وكنا نقرأ ايه الله نور السماوات والأرض وهذه الآيه الاخيره ولأول مره في حياتي بعد استيقاظي وبحثي في التفسير انتبه انه يوجد رابط بين الآيتين.

    • abojannah

      جزاكم الله خيرا وبارك فيك
      أنقل تفسير ابن كثير للآية : الله سبحانه ، شبههم(يقصد المنافقين) في اشترائهم الضلالة بالهدى ، وصيرورتهم بعد التبصرة إلى العمى ، بمن استوقد نارا ، فلما أضاءت ما حوله وانتفع بها وأبصر بها ما عن يمينه وشماله ، وتأنس بها فبينا هو كذلك إذ طفئت ناره ، وصار في ظلام شديد ، لا يبصر ولا يهتدي ، وهو مع ذلك أصم لا يسمع ، أبكم لا ينطق ، أعمى لو كان ضياء لما أبصر ؛ فلهذا لا يرجع إلى ما كان عليه قبل ذلك ، فكذلك هؤلاء المنافقون في استبدالهم الضلالة عوضا عن الهدى ، واستحبابهم الغي على الرشد . وفي هذا المثل دلالة على أنهم آمنوا ثم كفروا ، كما أخبر عنهم تعالى في غير هذا الموضع ، والله أعلم .


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 14 مايو, 2024 عدد الزوار : 1032 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن العظيم

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع