وصايا لضيوف الرحمن قبل السفر للحج
يستعد ضيوف الرحمن في هذه الأيام للذهاب إلى بيت الله الحرام فهنيئاً لهم ، ونسأل الله تعالي أن ييسر أمرهم ، ويجعلها حجة مبرورة مقبولة، وأن يرزقنا حج بيته الحرام ، وأن يكتب لنا الأجر إنه جواد كريم ، اللهم آمين.
الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام :
فرض الله الحج علي المستطيع مرة واحدة في العمر قال تعالي ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) [آل عمران:97]، وهذه القلوب التي تهفو للحج وتذهب كل عام لأداء المناسك تلبية لدعوة الخليل إبراهيم؛ كما ذكر ابن عباس رضي الله عنهما قال “أمر الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام بعد انتهائه من بناء البيت أن يؤذن للناس بالحج ، فقال تعالى : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) [الحج/27 ] أي ناد في الناس داعياً لهم إلى الحج إلى البيت الذي أمرناك ببنائه ، فذكر أنه قال : يا رب كيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم ؟ فقال : نادِ وعلينا البلاغ ، فقام على جبل أبي قبيس (جبل قريب من الكعبة) ، وقال : يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتاً فحجوه) فأذن إبراهيم عليه السلام حتي بلغ أذانه إلى يومنا هذا.
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن عباس، قال: ” لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له: {أذن في الناس بالحج} قال: رب وما يبلغ صوتي؟ قال: أذن , وعلي البلاغ، فنادى إبراهيم: أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق , فحجوا قال: فسمعه ما بين السماء والأرض، أفلا ترى الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبون؟ “قوى إسناده ابن حجر في الفتح (3/ 4789)
للعفوِ منك و بالخضوعِ تدثَّرا.
وقول الله جل وعلا ( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) )الحج ، رجالاً أي يمشون علي أرجلهم، وفي لغة العرب : الراجل والفارس ، فالراجل يمشي علي رجليه ، والفارس يركب الفرس .
“وعلي كل ضامر” إشارة إلى أن الجمال من طول الرحلة صارت هزيلة ، فالجمل عنده قدرةعلي ادخار الماء والشحوم ، فمع طول الرحلة يصبح الجمل عظامه بارزة ضمر الدهن في جسمه أو في سنامه علي الأخص فالأشارة لبعد المسافة جاءت بقوله تعالى “وعلي كل ضامر”
ولاحظ قول الله ” يأتين من كل فج عميق “هذه الآية فينا نحن نأتي من آفاق الأرض ، تأتي أفواج الحجيج من مشارق الأرض ومغاربها، فرأينا الوفود بعد أن كانت مقتصرة عَلِي الدول العربية مثلاً صار الحج الآن من مشارق الأرض ومغاربها ، لدرجة أن المكان يعجزعن استيعاب الحجاج، فصارت الحكومة السعودية تقدر عددا معينا لكل دولة لعدد المسلمين فيها حتي تستطيع القدرة علي استيعاب هذا العدد الكبير الذي يتجاوز الثلاثة ملايين حاج إلى يومنا هذا .
ما الحكمة أن مكة لا تتميز ببحار أو أنهار ؟
والناس من طبيعتها تحب الأماكن السياحية ، بمعني التي فيها شلالات ، أوأنهار وبحار وطبيعة وخضرة ، أو فيها جو معتدل ، لكن إذا تأملت في مكة وطبيعتها ، فمكة لها طبيعة جبلية قاسية ، وشديدة الحرارة صيفاً وشتاءاً ، وسبحان الله ليس هناك معالم لخضرة أو بحار أو أنهار، أو ما شابه ذلك فليس هناك من الناحية المادية البحتة أي شيء يجذب الناس ، لكن من الناحية الروحانية هنالك من يقضي عمره كله يدخر المال حتي يصل إلى بيت الله الحرام ، وهناك الكثير من القصص نسمعها من الناس حولنا ممن جعل حياته إدخاراً لهذه الرحلة ، وربما يدركها وربما لا يدركها .
وقد شاء الله تعالي ذلك حتي لا يكون للنفوس في هذا المكان تعلقاً بالدنيا ، أنت ذاهب إلى الله أنت تنفق مالك لله ، لا لخضرة ، ولا لشلالات لها شكل معين ، ولا لاستجمام لحرارة معتدلة أنت ذاهب إلى الله .
يُفرض عليك ذي موحد لا تستطيع تغييره يفرض عليك قانون هو محظورات الإحرام ، لا تستطيع تجاوزه ؛ لأن تجاوز هذا القانون يؤدي إلى كفارة وهي الهدي ، إلى غير ذلك من الأمور التي نعلمها من الحج .
فانضباط في الإحرام، وانضباط في المناسك ، ولها زمان، ولها مكان فتؤدي فريضة الحج كما ينبغي لله عز وجل ، لا حظ للنفس فيها أبداً إنما أنت جئت إلى الله .
ورحلة الحج ليست رحلة ترفيهية، رحلة الحج كما الرسول صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها ( لكنّ (بضم الكاف وتشديد النون) أفضل الجهاد : حج مبرور )
فالحج مع الحر والزحام مع ضيق المكان ، كل هذا جهاد الإنسان يجاهد نفسه في الصبر وسعة الصدر ، في أن يحتمل من حوله ، في الصبر علي الطاعة ، في السعي والطواف في المناسك …. إلى غير ذلك .
“فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم” :
ودعوة الخليل ابراهيم دعوة عجيبة قال: “فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ” والهوي معناه :من هوي يهوي هويا إذا سقط من علو إلى سفل، فإذا أمسكت بشيء ثم تركته سيسقط بفعل الجاذبية الأرضية، والمقصود هنا ميل قلوب المؤمنين للذهاب إلى البيت الحرام لأداء النسك والطاعة لله تعالى؛ فدعا الخليل إبراهيم أن يكون للقلوب جاذبية إيمانية تدفعها لبذل الغالي والنفيس لتؤدي هذه الشعيرة من شعائر الله.
وكلمة ﴿من﴾ في قوله: ﴿فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم﴾ تفيد التبعيض، والمعنى: فاجعل أفئدة بعض الناس مائلة إليهم. قال مجاهد: لو قال: أفئدة الناس لازدحمت عليه فارس والروم والترك والهند. وقال سعيد بن جبير: لو قال: أفئدة الناس لحجت اليهود والنصارى والمجوس، ولكنه قال: ﴿أفئدة من الناس﴾ فهم المسلمون.
فتجد القلوب كلها تنجذب لبيت الله ، وتذهب إلي بيت الله الحرام، تنفق وتبذل من المال إرضاءً لله عزوجل ، بل انك لن تجد لحظة من ليل أو نهار يخلو فيها بيت الله أو الكعبة المشرفة من طائفين حولها ، وهذا أمر يُبين لنا كيف أن الله استجاب لدعوة الخليل ابراهيم “فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم “
( وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا) :
وربما من ذهب إلى بيت الله الحرام نقول أنه قد انطفأ شوقه ولكن العجب أن من ذهب مرة يشتاق أضعاف ممن لم يذهب وهذا مصداق قول الحق جل وعلا ( وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا) [البقرة : 125] مثابة : من الفعل ثاب أي رجع مثابة يعني مكان يذهب إليه الناس، ويعودون مرات ومرات، وهكذا … وقد علمنا رسول الله عند الانتهاء من طواف الوداع أن نقول: ( اللهم لا تجعل هذا آخر عهدنا بالبيت )
وكثير من اخواني بين يدي الأن الذين أكرمهم الله بأداء هذه الفريضة يدرك هذا المعني جيداً ، كيف أنه حين يري منظر الحجيج تهفو نفسه وروحه وقلبه إلى هذا المكان ، ويسأل الله أن ينعم عليه بالزيارة مرات ومرات ( وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا) [البقرة : 125] إذن يذهب كل منا من مشارق الأرض ومغاربها إلى بيت الله الحرام لأداء هذه الشعيرة .
هل الحج يجب علي الفور أم علي التراخي؟
معني السؤال إذا كنت أملك ثمن الحج هل يجب علي أن أذهب فوراً إلى حج بيت الله الحرام ؟ أم يجوز أن يكون هنالك تأجيل لأمر أو لشيء آخر في هذا الباب ؟
للعلماء قولا ن :
الأول : ذهب الشافعي ، ومحمد بن الحسن من الحنفية إلى أن الحج واجب على التراخي ، فيؤدى في أي وقت من العمر ، ولا يأثم من وجب عليه بتأخيره متى أداه قبل الوفاة ، واحتجوا بالقياس على الصلاة في الوقت: إن شئت صلها في أوله، أو في آخره، والعمر هو وقت الحج، فإن شاء حج أول العمر أو آخره، واحتجوا أيضاً بأن اللَّه فرض الحج في السنة السادسة بقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله} [البقرة: 196]، ولم يحج النبي – صلى الله عليه وسلم – إلا في السنة العاشرة، وكان معه أزواجه وكثير من أصحابه ، مع أن إيجابه كان سنة ست فلو كان واجبا على الفور لما أخره صلى الله عليه وسلم .
الثاني : وذهب أبو حنيفة ، ومالك ، وأحمد ، وبعض أصحاب الشافعي ، وأبو يوسف إلى أن الحج واجب على الفور .واستدلوا بقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [سورة آل عمران، الآية: 97]، وبقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: (أيها الناس قد فرض اللَّه عليكم الحج فحجُّوا … )، والأصل في الأمر أن يكون على الفور.
وحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من أراد الحج فليعجل ، فإنه قد يمرض المريض ، وتضل الراحلة ، وتكون الحاجة ” . رواه أحمد
وعنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : ” تعجلوا الحج – يعني الفريضة – فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له ” رواه أحمد
أي : ما يعرض له من مرض أو حاجة .
وحمل الأولون هذه الأحاديث على الندب ، وأنه يستحب تعجيله والمبادرة به متى استطاع المكلف أداءه، بمعنى أنت الآن عندك القدرة والصحة والعافية والحج يحتاج إلى طاقة وصحة ، فقد تمرض فيما بعد ، وقد كنا في زمن غير بعيد نري أن أغلب الحجاج والمعتمرين هم كبار السن فقط، أما الآن فالأمة عادت إلى شبابها والحمدلله، فصار الحجيج شبابا والمعتمرين شبابا ، وهذا والحمدلله إشارة إلى أن هذه الأمة فتيّة ، أمة عزيزة بشبابها والحمدلله .
والآن معك القدرة المالية علي الحج ، فربما يذهب المال فلا تستطيع جمعه أبدا بعد ذلك، ومن الناس من لديه القدرة المالية والبدنية ولشرط الاقتراع في بلده يمنع من الحج مرات ومرات بسبب موضوع الأعداد الزائدة عن الحد المطلوب ، يصير هناك قرعة فيقبل أو لا يقبل، فالرسول أوصانا بتعجيل الحج لمن ملك القدرة علي هذا الأمر .
وبالمناسبة هناك حديث رائج عند البعض يقولون فيه أنه( من ملك زادا وراحلة ولَم يحج فلا عليه إن شاء مات يهودياً أو نصرانياً ) هذا حديث باطل لا يصح عن رسول الله ، ولَم يقل أحد من أئمتنا الأعلام أن من أخر الحج خرج من الملة ، أو إن مات مات علي الكفر والعياذ بالله، فهذا كلام لا يصح أن ينقل إلا للتحذير منه ، لأنه كذب علي رسول الله .
إخواني الذين سيذهبون إلي حج بيت الله الحرام أوصيهم ببعض الوصايا وأما إخواني الذين سيبقون معنا سيكون لهم خطبة أخري وصايا لمن لم يذهب للحج .
تعالوا إلى اخواننا ضيوف الرحمن وكما يقال الشاهد يعلن الغائب :
أولاً :جدد النية لله :
نيتك في رحلتك هذه أنها في سبيل الله وفِي طاعته من أول ما تخرج من باب بيتك إلى أن تعود أنت في سبيل الله ، خطواتك ،نفقتك ، تعبك ،جوعك ،عطشك ،جهدك شعورك ، بكل ما تحمله الكلمة من معني التعب والإرهاق ، كل هذا في سبيل الله عز وجل طاعة لله سبحانه وتعالي ، ولذلك أنا أوصي إخواني كما قلت لأن رحلة الحج ليست سهلة، أقصد فيها تعب، وتحتاج إلى صبر ، تحتاج إلى طولة بال تحتاج إلى أن يكون عندك قدرة على استيعاب الآخرين ، خصوصاً أنه ربما يكون معك في الفوج من هو كبير السن ، ومن هو مريض ، ومنهم سريع الغضب ومن يؤثر عليه الحر بارتفاع الضغط ، إلى غير ذلك .
أقول لك : اجعل نيتك لله ، أنت خرجت لطاعة الله ، أنت نويت أنها ليست رحلة لشلالات نياجرا مثلاً ، ليست رحلة ترفيهية أو رحلة استجمام أنت في رحلة في سبيل الله ، أنت ذاهب إلي بيت الله الحرام فكلما كان هناك تعب، كلما كان هناك ضيق ، حر شديد، زحام تأخر في المواعيد …..
هذا وارد ممكن مع ازدحام موسم الطائرات والإقلاع ممكن يكون هناك تأخير، تجد نفسك في المطار فوق الميعاد ثلاث أو أربع ساعات ، بل ربما أكثر تحلي بالصبر، أنت في سبيل الله، أنت في طاعة الله ، الإخلاص وقود يذهب التعب ، طالما معك الإخلاص خلاص أنا طالع لله إذن احتمل كل ما يكون لله ، كل شيء بقدر الله ، كل شيء في ميزان حسناتك لله ، فالإخلاص لله أنت لم تخرج كما قلت لنزهة أو لشراء لقب ترجع فيقال لك يا حاج فلان إنما أنا خرجت لله فجرد النية لله .
الوصية الثانية : التوبة إلى الله ورد المظالم :
أنت ذاهب إلى رحابه جل وعلا أكرمك الله تعالي واختارك دوناً عن كثير من خلقه لتكون ضيفه في هذا العام فلا تذهب إليه إلا وأنت متطهر ( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ) فَطَهِّر قلبك وطهر نفسك وطهر جوارحك من المعاصي وأخلص التوبة لله توبة نصوحا ً وإن كان هنالك حق من حقوق العباد فرده إلى أهله لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من كان عنده مظلمة لأخيه فليتحلل منه قبل ألا يكون دينار ولا درهم)
فرصة إن كان هنالك قطيعة مخاصمة أن تتصل بالشخص وتقول له : إن شاء الله أنا ذاهب للحج وسأذكرك بالدعوة الصالحة ولا تنسانا من مسامحتك وسعة صدرك ….. إلى غير ذلك ، حتي تخرج وأنت بفضل الله لا لك ولا عليك، لا لك عند أحد شيئاً ،ولا عليك شيئاً .
الوصية الثالثة : أن تكتب ما عليك من ديون أو أمانات :
قديماً بحكم أنه لم يكن هناك بنوك فكان الناس ربما يأتمنون البعض ، إنما الآن مسألة الديون اشتريت سيارة ، عندك منزل ، عندك ديون مقسطة ، أكتب ما عليك، وهذا ليس خاصا بالحجيج فقط ، وإنما يفعله المسلم دائماً ، أخبر أقرب الناس منك زوجتك صديقك أن عليك كذا وكذا لأن الدين حق من حقوق العباد لا بد من أدائه، فكتمان الدين أو كتمان الحقوق فيه معصية لله .
لما كان يؤتي بالجنازة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (هل عليه من دين ؟ فإن كان عليه دين يقول : صلوا علي صاحبكم )
حتي يُبين للصحابة ثقل الدين وأهميته في أن تؤدي ما عليك فلما وسع الله عليه كان يقضي الدين بنفسه عن أي مسلم .
إذن الوصية بالديون، والوصية بالأمانات، والحقوق هذه وصية مفروضة علي كل مسلم ، ولكن ليس الحاج فقط ، ولكن خصصنا الحاج لأنه الله أعلم ماذا سيكون في الأمر؟ فالإنسان يمشي خُطى كتبت عليه ، ولا يدري أين ستكون منيته ، وكل شيء بأمر الله سبحانه وتعالي .
الوصية الرابعة : تعلم مناسك الحج والعمرة :
بعض الناس يظن أن الحج هو رحلة إلى مكة رأي الكعبة ، ووقف بعرفة، والحمدلله ، وقد رأينا هذه العينات كثيراً أن البعض يفهم أن هذا هو الحج ، لا يا أخي الحج مناسك ، هنالك أنواع في المناسك : الإفراد والقران والتمتع .
هنالك أركان وواجبات وسنن ، هنالك أوقات وأزمنة ، المسألة ليست معقدة ، لكن لابد وأن تذهب وأنت فاهم ومستوعب ، وتكون في صحبة من الناس الطيبين يكون معهم رجل فاهم أو شيخ كما تفعل بعض الشركات ، الآن يكون علي رأس الفوج شيخ من الشيوخ ، فيكون هنالك فهم وفقه لهذه الشعيرة التي ربما لن تفعلها في عمرك إلا مرة واحدة .
الوصية الخامسة : الرفقة الصالحة :
رفقة الحج الكل يعلم كم تكون رفقة طيبة ، إن كان من معك من أهل الخير والصلاح والتقوي .
تخير الرفقة الصالحة ، تخير من يعينك علي طاعة الله ، بعض الناس رأيناهم باعيننا يجلس في الحرم لا يغادره يقول أنا جئت لعبادة الله ، وبعض الناس يؤدي ماعليه من مناسك ويجعل جل همه التجول في الأسواق المحيطة بالحرم، وربما يسافر إلى جدة ، وربما يذهب لشراء كذا وكذا ، والأسعار بفارق كذا وكذا ، فذهب يتاجر مع نفسه ، وترك التجارة مع الله …
فنقول اختر الرفقة الصالحة التي تعينك وترفع همتك وتكون عوناً لك على طاعة الله عزوجل .
الوصية السادسة : أن يستكثر الحاج من العمل الصالح :
فهذه فرصة ربما لن تتكرر، الصلاة الركعة في بيت الله الحرام بمئة ألف فيما سواه ، وفِي مسجد الرسول بألف ركعة فيما سواه، الله أكبر !!
فلا تبخل علي نفسك بهذا الفضل العظيم ، وهذا الخير الجزيل ، وبعض الناس يرتب ختمة في أيام العشر من ذي الحجة ، وبعض الناس يجعل ورده من الذكر ، والبعض يجعل ورده من الطواف والدعاء للمسلمين والمسلمات .
أنت في طاعة وتجارة كبيرة مع الله سبحانه وتعالي ، ومع الطفرة التجارية صارت الأسواق فيها كل شيء ، ليس كما نتخيل أن هناك نوادر في البضائع ما هنا هو الذي هناك ، هوالذي في بلد آخر ، فاجعل شغلك الشاغل هو أن تفوز بمرضاة الله عز وجل ، أن تكون في هذه الأيام المعدودات في الحج والعمرة تبذل أقصي ما في جهدك لتصل الليل بالنهار لعبادة الله عزوجل .
الوصية السابعة: تجنب المخاصمة والمجادلة والإختلافات الفكرية وتصدر الافتاء:
هذه من الأمراض التي يشتكي منها الكثير من الإخوة أن كل الناس يتحولون إلى مفتين وشيوخ إسلام ، ونقول : الاختلافات الفقهية واردة وكل له مدرسته وشيخه ، ولا حرج طالما أن الأمر له سعة في دين الله ، وفيه خلاف بين أهل العلم.
( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) هذا عن الجدال في الدين ، فما بالك بالجدال في الدنيا ؟ هذا أشد وأنكى ،هناك من يتخاصم على المكان الذي سينام فيه والحمام … ونقول دائماً تحلي بالصبر وتجنب الجدال من شاتمك قل له : جزاك الله خيراً. من آذاك قل له: جزاك الله خيراً.
احرص علي أن تكون ممن يرضون ربهم جل وعلا اجعل شعارك ( فمن عفا واصلح فأجره على الله ) ما جئت لتتشاكل ولا لتتخاصم جئت لارضاء الله سبحانه وتعالي .
اخواني وأحبابي ، ولا بأس في الحج من الأخذ بالرخص مما تتسع له الشريعة الغراء ، فالأخذ بالرخص مع الضيق في الوقت والزحام والمكان والحر والضغط بحكم الأعداد الكبيرة ، وهذا مطلوب .
النبي كان يسئل في الحج فكان يقول : (افعل ولا حرج ) وهناك فتاوي بالنسبة لعلمائنا علي سبيل المثال قصة الرمي قبل الزوال يعني قبل الظهر، وكان مشايخ السعودية يقولون: لا من رمي قبل الزوال لا يصح رميه، عليه الإعادة حتي مات من مات كما نعلم وبدأت الفتوى تتبدل وتتغير،ونقول : ضاق المكان فوسعوا الزمان، فأولي بِنَا هذا الوقت الذي كثر فيه الأعداد واشتد فيه الأمر علي الناس مع وجود الضعفاء والمرضي وكبار السن ، أن نأخذ بالرخص لا بالشدائد ، والاختلاف في المذاهب الفقهية فيه الرحمة والتوسعة علي أنفسنا وعلي من حولنا .
إعلان الحج من شعائر الله :
وأخيراً : من عزم علي الحج فليعلن ، هذا ليس رياء ، هذا إظهار لشعيرة من شعائر الله ، والأصل في الفرائض الإعلان ، أما في السنن الأصل فيها الكتمان .
فمثلاً شعيرة مثل صلاة الجمعة ما يأتي أحد ويقول : صلاتي في بيتي فيها إخلاص أكثر مثلاً ، كلا صلاة الجمعة شعيرة من شعائر الإسلام تعلن تقام في المساجد .
وصلاة الجماعة نفس الحال ، وصيام رمضان شعيرة من شعائر الإسلام تقام وتعلن ، لا يأتي أحد في رمضان ويقول : أنا مفطر لماذا ؟ أخاف الرياء لا يا أخي أنت في صيام التطوع لا تتكلم عن نفسك صائم أو غير صائم ، لكن صيام رمضان شعيرة تعلن وتشهر بين الناس، عندما تنوي الحج تجد عائلتك وأرحامك وأصهارك ، والحي الذي حولك بل وكل محبيك يأتون لزيارتك، ويتحول الأمر لجمع كبير ، وما الخبر فلان سيذهب للحج ، وعندما يعود نرسم علي البيت “حج مبرور يافلان وذنب مغفور ” فيُعلم أن هذا الشخص ذهب للحج .
لكن هنا بكندا ما أحد يعرف أحد ، فأنا أريد من إخواني هنا بهذا البلد من عزم إن شاء الله علي الذهاب هذا العام يعلن هذا الأمر، قل لإخوانك ، قل لأحبابك حتي تعلن شعيرة الله ، حتي لا تموت هذه الشعيرة من النفوس فنريد الإعلان والاشهار ، حتي يكون هناك تعلق من الجميع بهذه الشعيرة ، وحرص علي أن يكون السامع في يوم من الأيام ممن يذهبون إلي أداء هذا النسك العظيم وهذا الفرض الذي جعله الله من أركان الإسلام .
إذن أعلن حجك هذا ليس رياء ، فهذا اعلان وإعلاء لشعيرة من شعائر الله ( ذلك ومن يعظم شعائر فإنها من تقوى القلوب) الحج 32