شرح الأربعون النووية : 6- الحلال بين والحرام بين

تاريخ الإضافة 6 فبراير, 2023 الزيارات : 9380

شرح الأربعون النووية 

6- الحلال بين والحرام بين

عَنْ أَبِيْ عَبْدِ اللهِ النُّعْمَانِ بْنِ بِشِيْر رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ  يَقُوْلُ: (إِنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُوْرٌ مُشْتَبِهَات لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيْرٌ مِنَ النَّاس،ِ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرأَ لِدِيْنِهِ وعِرْضِه، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيْهِ. أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَىً . أَلا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، أَلا وإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وإذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهيَ القَلْبُ) رواه البخاري ومسلم .

 هذا الحديث يبين فيه النبي صلى الله عليه وسلم قضيةٍ من القضايا التي تهمنا جميعاً خاصةً في زماننا هذا الذي اختلطت فيه الأمور وصار هنالك فوضى في التوجيه والكلام والفتاوى، وبلابل في كل شيء، حتى إن الإنسان يشعر بأنه لا شيء قابل للتصديق، ولا شيء قابل للتكذيب، وصار الدين عرضةً لكل من أراد أن يتكلم بعلمٍ أو بغير علم ، وأحيانا تري الدين متهما مضطرا أن يجد من يدافع عنه ، وهذا من الأمور العجيبة.

الحلال والحرام قضية تحتاج منا إلي وضع بعض القواعد أو وضع النقاط فوق الحروف ،أيضا قضية الشبهات  وما يدخلها من فتنة الشبهات ومسائل جديدة جدت علينا ، هذا ما سنتعرض له ان شاء الله .

1- الله هو الذي يحل ويحرم :

من الذي يحل ومن الذي يحرم ، نحن كلنا عبيد لله عز وجل ، فالذي يحل ويحرم لنا هو الله سبحانه وتعالي.

والله جل جلاله حينما أحل وحرم ، ما حرم ليضيق علينا ، إنما حرم لأنه يريد بنا الخير، اسمعوا قول الحق جلا وعلا  ﴿وَاللَّهُ يُريدُ أَن يَتوبَ عَلَيكُم وَيُريدُ الَّذينَ يَتَّبِعونَ الشَّهَواتِ أَن تَميلوا مَيلًا عَظيمًا يُريدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُم وَخُلِقَ الإِنسانُ ضَعيفًا﴾ [النساء27 :28] الكثير ينظر إلي مسألة الحلال والحرام علي أن الالتزام بها تضييق للحياة  ،وأن فيها قيود علي حرية الإنسان لكن حينما تنظر إلي المسألة بواقعية لعلمت أن من يقول هذا الكلام ويسير علي نفس المسار هو عبد لهواه  فهو عبد ما يشتهي لا عبد لله عز وجل.

والعبد الذي يشتهي ما يوافق هواه وشهواته هذا لا شك أنه يضل ، كما قال الله تعالي: ﴿أَفَرَأَيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمعِهِ وَقَلبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَن يَهديهِ مِن بَعدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرونَ﴾ [الجاثية: ٢٣]

والنفس البشرية بطبيعتها تكره التكليف، وتتطلع إلي الممنوع ، وتظن أنها فاهمة لكل شيء وهي جاهلة.

فالله سبحانه وتعالي شرع ما شرع من الحلال والحرام ، أوالفرائض والواجبات إنما شرعها لأنه يريد الخير بنا.

قال تعالي في نهاية آيات الصيام ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) البقرة 185، وقال في شأن الأضحية ﴿لَن يَنالَ اللَّهَ لُحومُها وَلا دِماؤُها وَلكِن يَنالُهُ التَّقوى مِنكُم كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُم لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُم وَبَشِّرِ المُحسِنينَ﴾ [الحج: ٣٧]

الله لا يأكل ولا يشرب -سبحانه- فلا يناله من الذبيحة التي أنعم علينا بها ورزقنا بها ، وسخرها لنا لن ينال الله منها لحم ولا دم

إنما نحن كُلفنا من الله بذبيحتها ، نأكلها ونطعم غيرنا منها شكرا لله تعالي، قال تعالى : ﴿لَن يَنالَ اللَّهَ لُحومُها وَلا دِماؤُها وَلكِن يَنالُهُ التَّقوى مِنكُم كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُم لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُم وَبَشِّرِ المُحسِنينَ﴾ [الحج: ٣٧]

2- التحريم  يتبعه الخبث:

هنالك أمور قد يكتشف الانسان الحكمة منها،وهناك أمور لا يستطيع أن يكتشف الحكمة لا لانعدامها بل لخفائها أو لجهله بها ،يعني الحكمه موجودة ، ودائما أكرر هذا الكلام : إن فرائض الله كلها لها حكمة ، وأقدار الله لها حكمة، ما أمر الله بشئ عبثا وما قدر الله شيئا عبثا ولا شرع الله شيئا عبثا.

فمن يفهم أن الحلال والحرام لتضييق حريته أو مسألة فيها تضييق  لطيبات الحياة هو واهم، لأنه يري أن اتباع هذه الأمور هو قطع لشهواته هو يري أنه تضييق علي هواه ، لكن عبد الله الذي رضي بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا و بالاسلام دينا  يري أنه إذا كان عبدا لله كان حرا . أي عبودية لغير الله مذلة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : “تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس، واذا شيك فلا انتقش”عبد الدينار والدرهم هو من  يسعى من أجل المال.

 الله أعلى قيمتك الله أعزك لكن هناك من يريد أن يذل نفسه بنفاقٍ أو كذبٍ أو معصيةٍ أو سعيٍ في ركابٍ من البدعة والضلالة فهو عبدٌ للمال يتحرك ويدور معه اينما دار.

وعبد الخميصة الخميصة نوع من الثياب والمقصود هنا من عنده حب للمظاهر أو عبودية للمظاهر  والظهور أمام الناس وماذا يقول الناس؟ وماذا يفعل الناس؟  الرسول صلى الله عليه وسلم دعا على هؤلاء بالتعاسة لأنه يحاول بكل سبيلٍ أن يحصل على ما تعبد أو ما تزلل من أجله رخص نفسه باع نفسه رخيصاً الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ” تعس وانتكس فهي تعاسة وانتكاس والعياذ بالله .

“واذا شيك فلا انتقش” دعاءٌ من النبي صلى الله عليه وسلم أنه حتى ولو شيك بشوكة وهي أقل الأذى فالنبي صلى الله عليه وسلم يدعو: ” فلا انتقش” ، يعني لا يرجى له الخير هذا الذي باع نفسه رخيصاً لهواه للدرهم والدينار والخميصة.

أما عبد الله فإنه تعبد لله بما أمره الله تعالى به، وعلم أن الخير كل الخير في طاعة الله.، وأن الشر كل الشر في معصية الله. قال تعالى ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يشقى وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا ﴾ [طه ١٢٣ : ١٢٤]

3- تحريم الحرام أمان للمجتمع كله :

يعجبني الشيخ الشعراوي في كتاب الحلال والحرام حين قال: إن البعض ينظر إلى مسألة الحلال والحرام نظرة ضيقة فيري أن الله حرم عليه السرقة، وحرم عليه القتل، وحرم عليه الزنا ، لو وسعت الدائرة لعلمت أن الله لم يحرم عليك وحدك القتل؛ بل حرم على جميع أهل الارض أن يقتلوك ، ولم يحرم عليك أنت وحدك السرقة ، بل حرم على جميع أهل الأرض أن يسرقوك، ولم يحرم عليك وحدك الزنا ، إنما حرم على جميع الارض أهل الأرض أن ينالوا من عرضك من أمك أو زوجتك او أختك أوابنتك!!

 هذه هي النظرة الشاملة لقضية الحلال والحرام فهي ليست تضييق.

 والله تعالى من أسمائه “رب العالمين ” ومن معاني الرب أنه المالك المتصرف المربي ، أي الذي يربينا بأوامره … الذي يربينا بأقداره الذي يربينا بشرعه الذي يربينا بما علمنا من كتابه سبحانه وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى  ﴿ما يَفعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُم إِن شَكَرتُم وَآمَنتُم وَكانَ اللَّهُ شاكِرًا عَليمًا﴾ [النساء: ١٤٧]

البعض أيضاً ينظر إلى مسألة الحلال والحرام على أنها مسألة شخصية يعني أنا لماذا لا أفعل كذا والرقيب فيها هو الدين أو كما يطلقون عليه  حالياً الضمير طيب أنت لا تفعل هذا لأن فيه ضرر على المجتمع، ربما فيه منفعة شخصية لكن النظرة العامة فيها ضررعلى المجتمع يعني مثلاً : أنا أقود السيارة بسرعة عالية لماذا؟ لأني تأخرت عن موعد… طيب حينما تقود السيارة بسرعة عالية، ويكون ذلك سبباً لوفاة إنسان وقتل نفس بريئة، أنت حريص على مصلحة شخصية ، وهي ألا يفوتك الموعد، أو لا تتأخر عن عملك، أو ما شابه ذلك، لكن مصلحة المجتمع أعلى وأهم ، فهنا أن تسير بسرعة عالية داخل المدينة فتكون سبب في إهلاك روح أو إزهاق  نفس أو في إصابة أحد الأشخاص بدون وجه حق فهذا الأمر يعرضك لمسائلة المجتمع كله فالبعض ينظر إلى كثير من الأمور على المصلحة الشخصية ، لكن لو نظرت نظرة أبعد وأكبر لرأيت أن المصلحة للمجتمع جميعاً بامتثال الجميع.

ولذلك مثلاً قوانين السلامة المرورية هي مرتهنة بامتثالي وامتثالك، أما حينما يحدث أن البعض ينظر ألى الأمر بمسألة شخصية ويفعل ما يفعل من مخالفات تعرض غيره فضلاً عن أن تعرضه هو للهلاك أو للحادث أو لكذا فهذا للأسف الشديد تجده إنساناً أنانياً.

يا اخواني كثيرٌ من الأمور التي حرمها الله لها نفس النظرة منها ما هو فيه ضررٌ شخصي  فحرمه الله علينا كتحريم الخمر والخنزير ومنها ما فيه ضررٌ مجتمعي كتحريمه أكل أموال الناس بالباطل ، وتحريمه السرقة، أوتحريمه الزنا، كل هذا نظرة للمجتمع كله ليبقى مجتمعاً امناً سالماً معافى.

4- الحلال والحرام يخضع للشرع وليس للأهواء:

 هنالك مسألة في هذا الباب: وهي أن الذي يحلل ويحرم هو الله، الحلال والحرام ليست قضية فوضوية ، كل واحد شايف مسألة يحرمها أو يحللها، لا نحن كمسلمين نصدر عن أمر الله ورسوله، فأي واحد يتكلم في حلالٍ وحرام في فتوى يقول: قال الله، قال   رسوله، قال العلماء، أما الفتاوى اللقيطة التي فيها اعتماد على الكلمات الرنانة دون الرجوع إلى الشرع هذه مسألة خطيرة.

يعني مثلا لما امرأة تتكلم عن الحجاب وتقول: الحجاب تضييق على حرية المرأة وأنا أرى أن الشعر نعمة من الله، لماذا نغطيها ؟طيب يا أختي الله يبارك فيكي العورة ايضا نعمة من الله لماذا نغطيها؟

هذا المنطق هو نفس منطق أهل الشرك قديماً، لما حرم الله تعالى أكل الميتة، قالوا: التي أماتها الله بيده لا نأكلها ، والتي نميتها بأيدينا نأكلها، ولذلك قال الله ﴿وَلا تَأكُلوا مِمّا لَم يُذكَرِ اسمُ اللَّهِ عَلَيهِ وَإِنَّهُ لَفِسقٌ وَإِنَّ الشَّياطينَ لَيوحونَ إِلى أَولِيائِهِم لِيُجادِلوكُم وَإِن أَطَعتُموهُم إِنَّكُم لَمُشرِكونَ﴾ [الأنعام: ١٢١]   المسألة ليست أماتها الله أم نحن ذبحناها المسألة هنا أن الله أحل لنا الذبيحة لأنك حينما تقطع عروق الرقبة من الجانبين يفور الدم فيطيب اللحم ، أما التي ماتت فإن الدم انحبس فيها ففسد اللحم حتى الأطباء يقولون إن بقاء اللحم لفترة أطول معتمد على تفريغ الدم من الذبيحة ولذلك من المستحب عدم قطع الرقبة كاملة ليبقى الاتصال يفور الدم جميعا من الذبيحة ويطيب اللحم ويبقى أطول فترة ممكنة ، ولا يكون فيه أي خبث أو أذى للإنسان.

فليست القضية الله أماتها ونحن ذبحناها؛ القضية هنا أن الله حرم الميتة لأن فيها الضررعلينا حرم الله الميتة لأن فيها الخبث وأحل الله الذبيحة لأنها ذبحت بسم الله وطاب لحمها فهي فيها أمانٌ وصحة على آكليها جميعاً ، والأمثله كثيرة.

 لكن اريد أن أقول إننا الآن مع الفوضى التي نحن فيها يقولون: إن الشيخ فلان يرى أن الحجاب فريضة، آه هذا الشيخ متشدد، يرى أن الحجاب فريضة ، سنأتي بالشيخ فلان الفلاني ويقول الحجاب كان فرضاً على زوجات الرسول فقط،  الله على الفتوى الجميلة!!! كان ايه كان فرضا على زوجات الرسول فقط، فمن أرادت أن تتشبه بزوجات الرسول لها أن تفعل ذلك(يقصد الشيخ السخرية من الفتوى وجرأة قائلها على الشرع).

ثم نأتي بثالث ويقول: لا لا  الحجاب عادة عربية لا أكثر ولا أقل!! عادة عربية ؟ أي نعم يعني تخضع للأعراف والتقاليد فمن أرادت أن تلبسه تلبسه ومن لا تريد لا تريد.

هذا الأمر لإحداث زعزعة للثوابت وتشكيك في الفرائض المسائل التي فرضها الله لا تحتاج إلي رأي فلان أوعلان.

أخشي أن يمر بنا زمان ليأتي من يقول الشيخ فلان يرى حرمة الخمر، والشيخ فلان يرى أن الخمر ليست حراماً ، والشيخ فلان يرى أن الصلوات خمس ،والشيخ فلان يقول يكفي اثنين او ثلاثة ، الشيخ فلان يرى أن صيام رمضان فريضة ، والشيخ فلان يرى انه مستحب للقادر عليه وهكذا نصل الي مرحلة من الحضيض.

وربما تضحكون الان معي مع هذه الامثلة لكن ما كان قولاً فكاهياً أوفيه نوع من الطرافة بالأمس صار اليوم يقال ويردد ويسجل بصورة عجيبة وبجرأة أكبر وأغرب سبحان الله.

فالمسألة ليست مسألة قال فلان ،وقال علان ، المسألة هذا أمر الله لما قال الله وأقيموا الصلاة ، هذا ليس رأي لفلان ولا علان هذا قول الله ، كتب عليكم الصيام هذا قول الله وأحل الله البيع وحرم الربا هذا قول الله ، لما نقرأ “فاجتنبوه” في الخمر هذا أمر الله وهكذا

 ، لا تحتاج المسألة لرأي فلان، ولا علان، لا نضرب بالقرآن عرض الحائط، ثم نقول هذا رأي فلان المتشدد، وأما رأي فلان المترخص فهو كذا وكذا .

إخواني هذه مسألة مهمة جداً أقولها وأنا حزينٌ أننا بلغنا في الخطاب الاعلامي لهذه الدرجة.

ولذلك دائماً ما أقول وأكرر محذراً إخواني ابتعدوا عن نشر مثل هذه المقاطع التي نتداولها على سبيل الانكار.

يقول لك انتبه الشيخ فلان يرى كذا وكذا….

وهذا فعلاً ليست نكتة الشيخ فلان خرج ،  وقال إن القليل من الخمر جائز!!!

وبعضهم قال :إذا أباح ولي الامر الخمر فينبغي طاعة ولي الامر!!!

هؤلاء مشايخ معممين أصحاب ألقاب أساتذة ودكاترة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فأنت اليوم ترسله محذرا أو من باب الإنكار ، وغداً ستكون هذه هي الشبهة التي ألقيت في القلوب ووجدت قبولا، فليس كل الناس يحسن الاستماع، وليس كل الناس يحسن الفهم بعد الاستماع ، وهنالك شبهات تلقى حتى تلقى قلباً مريضاً او هوىً متبعا فينزلق  وراء هذا.

هنالك من سمع فتاوى عن الحجاب طبعاً أنا عايز أقول الحجاب فريضة هذا لا جدال فيه بأمر الله سبحانه وتعالى قضية إن مسلمة تمتثل لأمر الله أو لا تمتثل هذه مسألة شخصية بينها وبين الله.

قضية  الربا لا فصال فيها…. 

أما إنك تأخذ بهذا سمعنا واطعنا، أو تقع في المعصية هذه بينك وبين الله، لكن أن يأتي من ينكر القطعيات ويقدم عليها الشبهات هذا الذي نحذر منه الآن فالبعض يرسل هذه المقاطع إما مستنكرا وإما محذرا وإما…. والفيديو يتناقل في وسائل التواصل ربما مع التعليق أو بدون التعليق، وربما يصادف جاهلاً ، ربما يصادف صاحب هوى؛ فيقتنع بالكلام، والله تعالى قال عن المنافقين. ﴿وَإِذا رَأَيتَهُم تُعجِبُكَ أَجسامُهُم وَإِن يَقولوا تَسمَع لِقَولِهِم كَأَنَّهُم خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحسَبونَ كُلَّ صَيحَةٍ عَلَيهِم هُمُ العَدُوُّ فَاحذَرهُم قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنّى يُؤفَكونَ﴾ [المنافقون: ٤]عندهم لحن في الكلام عندهم صنعة في الكلام عندهم حجة في الاقناع  كما قال تعالى : ” وإن الشياطين  ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم”

فهنا يا اخواني لابد من  رد الامور إلي الله ، من يتكلم في أمرٍ بعيد عن قال الله قال رسوله قال العلماء ، فهذه فتاوى لقيطة لا نحتاج إلى أن ننشرها ولا أن نحركها من مكانها

اذكر الخير فينتشر ودع الشر فيندثر

5- التشدد في التحريم ليس منهج السلف :

أريد أن أقول في ختام هذا الكلام: يعتقد البعض أن الشيخ فلان الذي يحرم على طول الخط هذاعلى منهج السلف ما شاء الله عليه كل شيء عنده حرام، والاحتياط ، والورع، وكذا ، وكذا ، وهذا ليس صحيح ، العلماء قالوا:إن المبالغة في سد الذرائع كالمبالغة في فتحها ، والحلال والحرام قضية فيها وضوح وقطعيات في الشرع ، فاذا لم يتضح الأمر عند الفقيه المجتهد فليسعه ما وسع العلماء من قبله الإمام أحمد كان يقول لا أحبه لا استحسنه هذا الأمر أكرهه، وهكذا تورع أن يقول إن هذا حرام على سبيل القطع.

هناك أمور ظنية، وأمور تخضع للأعراف أوللرؤية الشخصية، لا ينبغي أن نحولها إلى دين فلما يأتي مثلا مجتهد أسهل ما عليه كلمة حرام !! نقول له ما قاله سفيان الثوري: (التشديد يحسنه كل أحد إنما الرخصة من ثقة .)

التشديد سهل كلمة حرام ما أسهلها، لكن في فتاوى اجتهادية، ووقائع أعيان وأمور جدت ، الشافعي في مصر، غير شافعي العراق ، ، غير شافعي كندا، الأحوال تتغير، والفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان، وهذا التغيير ليس تمييع للدين ، كما يظن البعض إنما هو فقه للدليل وفقه للواقع الذي تسقط عليه الدليل.

6- فقه الدليل وفقه الواقع :

في مسائل إذا سألت عليها عالمٌ في المغرب -مسائل هنا في كندا -إذا أفتى سيفتي بها على وجهٍ غير صحيح لأنه فقه الدليل لكنه لم يفقه الواقع .

 هذه مسألة مهمة جداً إسقاط الدليل على الواقع شيءٌ هام ، إنما فصل الدليل عن الواقع ، والفتوى العامة لكل الناس ، هذه مسألة تحتاج لمراجعة، ولاحظوا أن الأحكام القطعية لا مجال للاجتهاد فيها إنما الاجتهاد في فهمها ، وإن المسائل التي جدت تحتاج الى ربطٍ بالشرع من خلال فهمٍ للدليل وفهمٍ للواقع.

هذا كلام ابن القيم ذكره قديماً في كتابه “إعلام الموقعين عن رب العالمين”

ولعلكم تعجبون من العنوان لأنه وصف المفتي كأنه حينما يقول: الحكم كذا وكذا، كانما يوّقع الفتوى عن رب العالمين.

إن هذا العلم دين:

الإمام مالك رحمة الله عليه كان يقول: “إن هذا العلم دين فانظرواعمن تأخذوا دينكم.”

انا لما أذهب لطبيب احتاط أن يكون طبيبا ذا خبرة متمكنا في عمله، لأنها سلامةً لبدني فما بالنا لا نطلب السلامة لديننا .

فقضية التشديد ليست هي منهج السلف، وليس كل من تشدد فهو سلفي ، ومن تساهل فهو تلفي ، لا يا أخي التشديد ليس سمة من سمات الشرع ، الرسول قال : ( إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحدا إلا غلبه )

أيضاً التمييع ليس منهج في الشريعة، تمييع الأمور ،المنطقة الرمادية، أن تجعل القطعيات واليقينيات في مرتبة الظنيات أو مرتبة الاجتهاد مثل قضية ميراث المرأة (تعرضنا لها في خطبة سابقة بالتفصيل ) هذه لا تحتاج إلى تمييع هذا نص قطعي الثبوت في كتاب الله قطعي الدلالة.

فهنا أقول الفتوى لكتاب الله وسنة رسول الله وأقوال العلماء ، أما الأقوال المرسلة والأقوال من أجل الجدال أو للتشدد أوللتمييع فكل هذه يا إخواني ينبغي أن نضعها في مكانها الصحيح.

 اخواني واحبابي الكرام فقضية التحليل والتحريم قضية خطيرة ولذلك سأكمل الكلام في الأسبوع القادم عن موضوع الشبهات وكيف دخلت الشبهات في حياتنا ، ووقعنا فيها دون أن نشعر. 

الخلاصة:

1- الحلال ما أحله الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه.

2- النبي بين في الحديث “إن الحلال بين وإن الحرام بين ) بين أي واضحٌ وظاهر.

3- أي شيءٍ حرمه الله فالتحريم يتبعه الخبث، وأي شيءٍ احله الله فهو من الطيبات  (يسألونك ماذا أحل لهم، قل احل لكم الطيبات)المائدة 4، ووصف الله نبينا بقوله “ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث” الأعراف157

4-  ليس من حق أحدٍ أن يخترع في دين الله عز وجل بزيادة أو نقصٍ بحجة الاجتهاد؛ فالاجتهاد له مواضعه ، والقبول لأوامر الله له مواضعه، وهذا بابٌ فيه تفصيلٌ نحتاج إليه في الأسبوع القادم ان شاء الله.

5- أقول ما قاله الإمام مالك : “كل الخلق يؤخذ منه ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر ” ، وأشار الى النبي صلى الله عليه وسلم .

6- (قال الله ، قال رسوله) ليست محل أخذٍ ورد ؛ بل هي محل تسليمٍ واستسلامٍ لأوامر الشرع، أما قال فلان ،وقال فلان ، فهي محل اجتهاد ، إما أن نقبل وإما ان لا نقبل والنبي قال : “للمجتهد المصيب أجران ، وللمجتهد المخطئ أجر .”

ففتح النبي باب الاجتهاد ولم يغلقه ، ولنا في ذلك تفصيل ان شاء الله .

 


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 352 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم